للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

المُعارضة المُسلحة السورية: "الأمر لي"


سعد محيو

هل تجاوزت الأحداث المعارضة السياسية السورية، على رغم الجهود الإقليمية- الدولية التي تُبذل حالياً بكثافة في مؤتمر القاهرة لكسو جسدها الهش ببعض العِظام؟.
يبدو أن الأمر كذلك. والسبب لايكمن فقط في العجز المدهش لقوى المعارضة السياسية السورية عن تجاوز صراعاتها الشخصية (الأنانية في الواقع) والإديولوجية وربما أيضاً المصلحية، بل أيضاً في الصعود السريع لنجم المعارضة المسلحة السورية.
فهذه المعارضة المسلحة مخلوق جديد يولد تحت أعيننا مباشرة هذه الأيام في الساحة السورية، وهو بدأ يدشّن بالفعل مرحلة مغايرة في التاريخ السوري الحديث. أنصارها يسمونها الثورة السورية ، فيما يسبغ عليها أعداؤها من سدنة النظام أوصاف "الأرهاب" و"الجماعات المسلحة الإجرامية" و"عملاء الخارج".


أهمية التسميات
التسميات مهمة بالطبع، على الأقل لأنها تُحدد مواقف الأطراف المتنازعة من مسألة التسويات أو الحلول السياسية. فحين يُقرر النظام أن المعارضة المسلحة "إرهابا"، تنعدم أي فرصة للحوار معها، ويصبح السيف أصدق أنباء من أي وساطات دولية- إقليمية أو محلية، بما فيها بالطبع تسوية مؤتمر جنيف الأخيرة التي يبدو أنها هي الأخرى ولدت ميتة.
وحين يقول أنصار المعارضة أنها ثورة شاملة، فربما يعنون كلهم (أو بعضهم) أن التسوية الوحيدة الممكنة هي تلك التي تعني إسقاط النظام الحالي بقضه وقضيضه.
لكن، ومهما كانت التسميات في هذه المرحلة، لم يعد في وسع أحد لا في النظام ولا في المعارضة السياسية الخارجية والداخلية، أن يقفز فوق الحقيقة بأن المعارضة المسلحة هزّت بقوة خلال الأسبوعين الماضيين الهيكل السياسي السوري بصفتها القوة الجديدة الصاعدة في مواجهة النظام، في وقت كان فيها المجلس الوطني السوري (في الخارج) وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير (في الداخل)، تعانيان من التآكل والضمور .
بالطبع، قد يكون من المبكّر القول أن المعارضة المسلحة  ستهمِّش بالكامل هاتين المعارضتين السياسيتين إلى درجة التفرّد بالنطق باسم الانتفاضة السورية. لكن، ليس من المبكر البتة الاستنتاج بأن اليد العليا من الآن فصاعداً ستكون لها، خاصة إذا ما تمكّنت من إفراز نخب قيادية متماسكة، وبرامج عمل واضحة حول مستقبل الوطن السوري، وأيضاً إذا ما نجحت (كما تحاول الآن) في توحيد المجموعات المسلحة في بوتقة تنظمية موحّدة، وصعَّدت عملياتها العسكرية النوعية كما يحدث الآن.
كتب ديفيد غاردنر(فايناشيال تايمز- 12 حزيران/يونيو): " اتضح في الأونة الأخيرة أن الجناح المسلّح من المعارضة السورية يتجه نحو التحوّل إلى ثورة منسّقة، فيما الجيش الرسمي يعاني من حال التعب والإرهاق وحتى انخفاض المعنويات".
وكتب مارك لاندر (نيويورك تايمز- 12 حزيران/يونيو): " الهجمات العنيفة الأخيرة لقوات الحكومة من الجو (عبر استخدام الحوامات)، جاءت على مايبدو رداً على تطور تكتيكات قوات المعارضة وأسلحتها، خاصة العتاد المضاد للدبابات الذي تلقته مؤخراً من تركيا، وكذلك رداً على تمكّن هذه القوات من السيطرة على مناطق شاسعة من سورية، كما أكدت ذلك الأمم المتحدة".
أي مضاعفات لهذه الولادة الجديدة، إذا جاز التعبير، على موازين القوى والصراع العام الراهن في سورية؟


قصة صعود
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة سريعة أمام التطويرات الأخيرة التي طرأت على طبيعة المعارضة المسلحة.

أولى هذه التطويرات برزت من خلال العمليات العسكرية واسعة النطاق التي قامت بها مجموعات المعارضة المسلحة مؤخراً من شمال سورية إلى جنوبها ووسطها، مروراً قبل أيام في قلب دمشق وريفها، والتي تشي بأن الأسلحة النوعية وصلت أخيراً إلى أيدي المعارضين كماً ويبدو نوعاً أيضا( الاسلحة المضادة للدبابات؛ أجهزة الاتصالات المتطورة الأميركية في الغالب، وحتى بعض الاسلحة المضادة للطائرات).
ثانيها، السيطرة الفعلية لقوات المعارضة على مساحات شاسعة من البلاد، ليس بسبب تفوّق هذه القوات على الجيش النظامي، بل لأن عديد العناصر المقاتلة في هذا الأخير المضمونة الولاء للنظام، غير كافية للحفاظ على السيطرة على المناطق التي تخضعها بالقوة.
كتب عمر العزم، استاذ التاريخ في جامعة أوهايو،: "تمتلك الحكومة السورية القدرة على استخدام القوة الكاسحة ضد معاقل المتمردين (كما حدث في بابا عمرو ومؤخراً في دوما)، لكنها غير قادرة على العمل في كل مكان في الوقت نفسه. يستطيعون التحرُّك وقمع منطقة بالدبابات، لكن حالما يغادرون تخرج هذه المنطقة عن سيطرتهم".
وهذا أمر طبيعي في الواقع. إذ يُقدّر أن هناك ما بين 30 ألفاً إلى 50 ألفاَ من الجنود والضباط المحترفين المضموني الولاء (لأسباب طائفية في الغالب) للنظام، يقومون منذ سنة وخمسة أشهر بعمليات عسكرية تغطي عملياً أكثر من 180 ألف كيلومتر مربع، فيما العديد من وحدات الجيش الأخرى قابعة في ثكناتها خوفاً من أن تقوم بالانشقاق عنه (انشق أمس الأول، الإثنين، 85 ضابطاً وجنديا). وهذا أدى، من جهة، إلى انهاك هذا القسم من الجيش المقاتل، وسهّل، من جهة ثانية، سيطرة المعارضين على مناطق واسعة وإن فقط من باب ملء الفراغ.
التطور الثالث تمثّل في تخلي المعارضين المسلحين عن استراتيجية الاحتفاظ بالأرض (كما فعلوا في حمص) وفي تبنيهم تكتيك حرب العصابات. وهذه كانت خطوة نوعية قد تكون لها مضاعفات خطيرة على مدى تماسك النظام، أو على الأقل على مدى قدرته على الصمود في مواجهة حرب أستنزاف مُنهكة في خضم معطيات ديمغرافية لاتصبّ في صالحه.
كي نتمثَّل وجه الخطورة في هذه المضاعفات، لنستمع إلى مايقوله جوزف هاليداي، الباحث في مؤسسة دراسات الحرب الأميركية، :" الجيش النظامي السوري يواجه الآن معضلة تشبه إلى حد بعيد معضلة الجيش الأميركي في العراق: فهو يملك قوة نارية متفوقة للغاية، لكنه مشلول ويفتقد إلى حرية الحركة بفعل حرب العصابات المتنقلة".

من هم؟
لكن، من هي هذه المعارضة المسلحة؟
الوجه البارز فيها هو بالطبع "الجيش السوري الحر"، الذي يتفق الجميع الأن على أنه صيغة تنظيمية فضفاضة للغاية تضم كلاً من العسكريين المنشقين عن الجيش والمدنيين المسلحين. عديد هذا التنظيم غير معروف وإن كانت المعلومات تشير إلى زيادات مطردة فيه، خاصة بعد ان بدأ يدفع رواتب للجنود والمقاتلين في بعض المناطق تتراوح بين 50 إلى 100 دولار شهريا.
لكن، إلى جانب هذا الجيش، هناك نحو 200 إلى 300 فصيل مسلّح يعمل كل منه بمفرده في مناطقه المحلية. ولم تبدأ الجهود سوى مؤخراً لإقامة مجالس عسكرية إقليمية تتواصل في ما بينها بشكل هرمي. ويبدو أن مثل هذه الجهود بدأت تثمر، على رغم أن ثمة حاجة إلى عمل كثيف أكثر في هذا الاتجاه.

تغيير المعادلات
نعود الآن إلى سؤالنا الأول لنقول أن المعارضة المسلحة بدأت تتحوّل بالفعل إلى ظاهرة ثابتة في الصراع الراهن في سورية. فهي تجاوزت عنق زجاجة ردات الفعل التي كانت عليها في الشهور الماضية، وانتقلت إلى الفعل شبه المنظّم، في شكل عمليات عسكرية (أضرب وأهرب أساسا) غاية في النوعية، كان آخرها أمس الأول المعارك التي دارت في قلب دمشق والتي دامت نيفاً و12 ساعة متصلة.
قد يقال هنا أن التعدد الكبير في صفوف المعارضة وعدم قدرتها على الاحتفاظ بسيطرة ذات ديمومة على الأرض، قد لايكون في مصلحتها على المديين المتوسط والبعيد. وهذا صحيح. لكن هذا التعدد أيضاً ليس في صالح النظام، الذي لم يستطع طيلة الفترة الماضية القضاء على الانتفاضات عبر خنق رأسها (كما فعل في حماه العام 1982). فالمعارضة لا رأس واحداً لها. وهذا ما يجعل الآن شعار "الجراحة العسكرية" التي يطرحها الرئيس بشار الأسد صعباً إن لم يكن مستحيلاً. فالجراحة يمكن أن تجري على جسم واحد، لا على مئات الأجسام التنظيمية  التي تستقطب مئات ألوف الناس.
ثم أن نجم المعارضة المسلحة في حالة صعود. لا بل يتوقع، في حال استمرار تدفق المنشقين والسلاح والمال عليها كما هو منتظر، أن تتضخم هذه المعارضة لتصبح جيشاً جرارا قد لايمتلك القوة النارية للجيش النظامي وقد لايكون قادراً على الزحف على دمشق لاسقاط النظام (كما فعل الثوار الليبيون)، لكن في مستطاعه تغيير قواعد اللعبة في البلاد، وتغيير موازين القوى السياسية- الاجتماعية في سورية.
جيفري وايت، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية، يؤكد على هذه النقطة الأخيرة بالقول أن "الثوار لن يستطيعوا إخراج النظام من دمشق. لكن الضربات المتواصلة التي تتخذ شكل حرب العصابات على مواقع الجيش وقوافله، تزيد من حدة الاستنزاف لهذا الأخير وتفاقم عمليات الانشقاق عنه".
هذه النقطة الأخيرة، أي الانشقاقات، هي على الأرجح الهدف الأول والرئيس للمعارضة المسلحة. فهي تعي أنها غير قادرة على إلحاق الهزيمة بالجيش المقاتل، لكن في وسعها ضعضته بشدة إذا ما حملت الفرق والكتائب التي لايستخدمها النظام في القمع (خوفاً من انشقاقها) على الانضمام إلى صفوفها.
 هذا على الصعيد العسكري.
أما على  المستوى السياسي- الاجتماعي، قد تكون ثمة أبعاد أخرى. إذ لايجب أن ننسى هنا أن وجود بعض الضباط والجنود من الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية في صفوف المعارضين المسلحين، لاينفي الحقيقة بأن الغالبية الكاسحة لهؤلاء الأخيرين هم من السنّة. وهذا يعني أنه مع التضخم المتوقع لقوى المعارضة المسلحة (يقال أن عدد الثوار بلغ الآن مائة ألف) والانشقاقات المتوقعة أيضاً عن الجيش النظامي، سيكون لدينا في الواقع بعد فترة قصيرة "جيشان" سوريان متواجهان، تدعمهما قوى دولية وإقليمية متواجهة ومتصارعة.
ولأن كلاً من النظام الحالي والمعارضة السياسية السوريين يرفضان أي حل وسط بينهما (الأول يتبنى الشعار الماروني اللبناني الشهير "ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم"، والثانية تتطلع إلى قلب النظام بالكامل)، لايبقى سوى الرهان على خروج قيادات من هذين "الجيشين" تعترف باستحالة تحقيق نصر كامل على الطرف الأخر، وتتحرك لانتاج توازن سياسي وطني جديد بين كل مقومات النسيج السوري، استناداً إلى وفاق دولي ربما تكون ولادته قريبة (لكن ليس قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية) بين أميركا وروسيا
داخل الطائفة العلوية، يبدو أن هذا التحرك بدأ بالفعل، كما أشارت قبل أيام نيويورك تايمز. يبقى أن يحد أمر مماثل في الطائفة السنّية. وإذا ما حدث ذلك، قد يكون العنف السوري المُعارض الراهن من قبيل "الضارة النافعة".

_______________________
تقارير أخرى عن الأزمة السورية:
1- تحليل لرولا خلف في "فايننشال تايمز": الرئيس بشار الأسد بات جزءاً من الماضي، ومسألة تغييره وتغيير النظام لم تعد سوى مسألة وقت:

2- مراسل البي. بي. سي إيان بانيل أمضى أسابيع في شمال سوريا مع الثوار، وأورد تقريراً أشار فيه إلى أن هؤلاء الأخيرين بدأوا يطوّرون تكتيكاتهم في حرب الغوار مع استلامهم أسلحة جديدة، لكن هدفهم الأول لايزال كما هو: شق الجيش السوري:

3- مجلة تايم نشرت تقريراً عن "الشبيحة". من هم؟ وماذا يفعلون:
                        _______________________________________


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق