للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 16 يوليو 2012

الملكة السعودية: إما "المَلَكِية" الدستورية أو... ؟






- I -
تساءلنا بالأمس ("اليوم، غدا"، 15-6-2012): ماذا في وسع الجيل الجديد من النخب السعودية القيام به لانقاذ البلاد من "أخطر أيامها"؟.
ونسارع إلى القول اليوم: هذا الجيل قادر( أو يجب أن يكون قادراً) على فعل أمرين متلازمين أثنين:
الأـول، دفع الأطراف المعنية إلى التوقف عن إنكار الواقع الجديد.
والثاني، العمل، وبسرعة، على بلورة حلول وبرامج تاريخية ترد على التحديات التاريخية لهذا الواقع.
النقطة الأولى، أي إنكار الواقع، هو حالة سايكولوجية معروفة تصيب الأفراد كما الأمم والجماعات، تسببها صدفة عنيفة (كوفاة مفاجئة لحبيب أو قريب، أو انهيار مالي أو سياسي مفاجيء.. ألخ) تدفع المرء إلى إنكار وقوع الحدث والعيش في حياة خيالية لا أساس لها.
هذا مافعلته بعض أجنحة النخبة السعودية حين اندلع الربيع العربي. فهي رفضت بشدة في البداية قبول فكرة سقوط الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وظلّت حتى اللحظة الأخيرة تداعب الأمل باستئناف العمل كالمعتاد معهما عبر ممارسة الضغوط على واشنطن.
وحين تبيّن أن هذا الجهد مجرد حرث في الماء، انتقلت إلى التحرُّك على محورين إثنين غير واقعيين هما أيضا: محاولة إقامة تحالف مَلَكِيات في المنطقة (ربما على غرار تحالف الملكيات الأوروبية ضد الثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر) لوقف امتداد تداعيات الربيع إليها؛ ثم العمل على تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى إتحاد خليجي.
بيد أن كل هذه الجهود كانت تقفز فوق حقيقتين إثنتين أفرزهما الربيع العربي: الأولى أن الموجة الثالثة من الديمقراطية وصلت أخيراً إلى الضفاف العربية، محمولة على أكتاف أكثر من مائة مليون شاب عربي (أو مايسمى "الطفرة الشبابية العربية") يطالبون بالخبز ويحلمون بالديمقراطية، وأن هذه الموجة لن تعرف عودة إلى الوراء. والحقيقة الثانية أن ثورات الربيع العربي تحدث في حضن النظام الدولي وبرعايته، بهدف دمج المنطقة العربية والإسلام السياسي مرة وإلى الأبد في منظومة العولمة وقواعد عملها المستندة إلى الديمقراطية، وسيادة القانون، وقوانين منظمة التجارة العالمية.
كتب الباحث توماس بارنيت،  أبرز محلل إستراتيجي في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في كتابه الأخير "خريطة البنتاغون الجديدة : الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، يقول: " العدو في النظام العالم الجديد ليس الأسلام ولا المكان، بل عدم الأرتباط بالعولمة الذي يعني العزلة، والحرمان ، والقمع، وعدم التعليم. وهذه كلها علامات خطر. وبالتالي ، إذا فشلت دولة ما في الانضمام الى العولمة، أو رفضت تدفقاتها الثقافية ، فإنها ستجد في نهاية المطاف القوات الأميركية على أراضيها .
بارنيت يميّز بين نوعين من الدول في العالم: الدول الفاعلة في العولمة، والدول "غير المتصلة بها. وهو يحدد هذه الأخيرة كالتالي:
1-أي  دولة أو منطقة لاتكون فاعلة او متصلة، إذا ما كانت لاتتفاعل مع مضمون التدفقات التي تتأتى من خلال إدماجها ما هو قومي بما هو إقتصاد عالمي، في مجال الأفكار، والمال، والاعلام.
2- أي دولة أو منطقة لاتكون فاعلة إذا لم تسع الى تنسيق "قواعد حكمها الداخلي" مع الحكم العالمي الصاعد للديموقراطية، وحكم القانون، والأسواق الحرة.

                                        - II -

الآن، اذا ماطبقنا معايير بارنيت هذه (والتي دفعت بالمناسبة الولايات المتحدة إلى القيام حتى  الآن بأكثر من 140 تدخّل أو ضغط عسكري في المناطق "غير المتَّصلة" بقواعد العولمة)، ربما يكون في وسعنا فهم بعض أبعاد وخلفيات الربيع العربي الراهن.
وبالطبع، نفي أو إنكار هذا الواقع الدولي الجديد في المنطقة، لن يغيّر شيئاً من حقيقة وجوده، بل على العكس: قد يسرِّع في حدوث مفاعليه.
ننتقل الآن إلى النقطة الثانية التي أشرنا إليها في البداية: مايمكن لنخب الجيل الجديد السعودية أن تفعل.
الحاسم هنا بالطبع هو، كما ألمعنا، الاعتراف بالوقائع الجديدة كما هي، وبالتالي عدم المراهنة على أن من شأن سياسة خارجية سعودية هجومية، مثل تسعير الصراع الإقليمي مع إيران، أو إقامة أنماط جديدة من التحالفات الإقليمية، أو حتى إلقاء الثقل المالي السعودي للتأثير على مسار عمليات الانتقال إلى الديمقراطية في بقية الدول العربية، أن تُعفي المملكة من موجبات التغيرات الداخلية الكاسحة التي يفرضها "التحالف" الجديد بين الديمغرافيا الشبابية العربية وبين قوانين العولمة.
وحين يحدث مثل هذا الاعتراف، سيكون من المدهش اكتشاف مدى سهولة الخروج من مأزق "أخطر الأيام" الراهن هذا.
كيف؟
ببساطة عبر بلورة كتلة تاريخية جديدة تضم الأمراء الأصلاحيين إلى ممثلي الطبقات الوسطى والمثقفين ورجال الأعمال الليبراليين والهيئات النسائية ورجال الدين المتنورين، وتقوم بطرح برنامج إصلاحي جريء، تاريخي هو الأخر، يبدأ وينتهي بكلمتين إثنتين: المَلَكِية الدستورية.

- III -
هذا البرنامج يمكن أن يكون متدرجاً (على مدى خمس سنوات مثلا)، لكنه يجب أن يتّسم بالجدية المُطلقة، إنطلاقاً من الوعي بأن تطوير النظام السياسي بات يشكِّل الآن المدخل الوحيد لولوج باب الشرعية السياسية الجديدة في المملكة؛ تلك الشرعية التي تتسق وتتناغم مع كلٍ من مطالب الربيع العربي وقواعد العولمة.
من دون هذا البرنامج، ستكون الثورة لا الإصلاح هي البديل. لا بل ربما سيصبح وجود الكيان السياسي للمملكة نفسه على المحك، لأنه قد يعيد عقارب الساعة إلى ماقبل تأسيس هذا الكيان السياسي في أوائل القرن العشرين، خاصة في العلاقة بين نجد والحجاز، وبين نجد وبقية المناطق.
هنا، ثمة نقطة قد تصب بشكل هائل في صالح القوى الإصلاحية: كلٌ من أنصار المعارضة الأصولية المتطرفة (تلاوين القاعدة) وغلاة المحافظين في النظام السعودي، يرفضون الإصلاح: الأوائل، لأنهم يعتقدون أن هذا النظام غير قابل أو غير مستعد للتغيير وأن العنف هو السبيل الوحيد لاستيلاد الجديد؛ والأخيرون لأنهم  يرفضون أي مساس بالنظام السياسي، ويعتقدون أن تطبيق المفاهيم القديمة على المعطيات الجديدة للربيع العربي- الدولي الجديدة قد تنقذهم من "ضلال" الإصلاح.
ومثل هذا الاستقطاب الحاد (الحروب الأهلية لا تقوم إلى على الاستقطاب الحاد)، يمنح قوى الأصلاح ميزة تفاضلية ضخمة، لا بل فرصة تاريخية، كي تتقدم الصفوف بوصفها الطرف الوحيد القادر على الانقاذ، وعلى أن يكون القابلة القانونية التاريخية لاستيلاد الجديد الآتي لامحالة من دون دم، أو عنف، أو إعادة رسم خرائط.
الكرة الآن في ملعب هذه القوى.

                                                                                سعد






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق