للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

أي مصير للربيع العربي إذا فاز رومني؟



رومني: القبضة الحديدية (الصورة من غوغل


رومني، في حال فوزه بالرئاسة، سيجلب معه طاقم المحافظين الجدد نفسه الذي نظّر لصدام الحضارات مع الإسلام. وهذا سيسفر في الغالب عن ضغوط أميركية قوية على إخوان مصر وتونس.
-1-
استطلاعات الرأي الأميركية، قبل أيام من انتخابات الرئاسة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لاتزال ترجّح فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية، لكن الفارق بينه وين منافسه الجمهوري ميت رومني لايتجاوز النقطتين أو الثلاث.
فماذا، مثلاً، لو أدت مضاعفات أعصار ساندي الحالي، إلى دفع بعض الناخبين الغاضبين من أداء الإدارة الراهن في مواجهة الإعصار (كما يحدث دوماً خلال الكوارث الطبيعية) إلى صف رومني فيضمنون بذلك فوزه؟ ثم: إذا مافاز رومني، كيف سيكون موقفه من ثورات الربيع العربي، ليس فقط في سورية بل أيضاً في مصر وتونس؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أمام أمرين إثنين: الأول، يتعلق بمسألة ما إذا كان هناك حقاً فروقات بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجال المصالح والسياسة الخارجية. والثاني، يرتبط بموقف الجمهوريين الأميركيين من قضية وصول الإسلام السياسي إلى السلطة في المنطقة العربية.
نبدأ مع مسألة الفروقات.
- II -
من الحاكم الفعلي؟
يتفق معظم المحللين على أن الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة ليس السياسة أو الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بل المصالح. وهذه الأخيرة تتحكَّم بها شبكة معقّدة  للغاية (وأحياناً سرية) من القوى تضم الشركات العملاقة ومتعددة الجنسية، وكبار رجال المصارف، والمجمع الصناعي- العسكري والأمني والنفطي، وعائلات مثل روتشيلد وروكفلر ومورغان.. الخ، وجمعيات سرية كالجمجمة والعظمة (التي كان ينتمي إليها الرئيس السابق بوش) والماسونية وفرسان مالطا ومونت بيليرين وغيرها الكثير، التي تموُّل كل أو معظم مراكز الأبحاث الاستراتيجية في الولايات المتحدة.
هذه "النخبة العليا"، التي تضم واحد في المئة من أغنى واحد في المئة في أميركا، هي التي تحدد الخطوط العامة للسياسات الأميركية لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لكن هذا لايعني أنه ليس ثمة فروقات في التطبيق بين الحزبين، وإن كانت الأهداف واحدة.
فالحزب الديمقراطي، الذي يمثّل عادة الطبقة الوسطى والليبراليين و"اليساريين"، يميل إلى التركيز في سياسته الخارجية على العوامل الاجتماعية- الاقتصادية، والحوار، والتحالفات؛ فيما ينحو الحزب الجمهوري، الذي يمثّل الشرائح العليا من الرأسمالية، إلى محض الأولوية للأمن والقوة العسكرية وأحادية الزعامة الأميركية.
وعلى سبيل المثال، وصول جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض في العام 2000 ودخول مجموعة من المفكّرين المحافظين الجدد معه إلى البيت الأبيض، هو الذي شكَّل ردّ فعل الولايات المتحدة على أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وأدّى إلى ظهور عقد من الغزوات والحروب. وعلى سبيل المثال أيضاً كان لانتخاب أوباما العام 2008 تأثير كبير على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع انتفاضات الربيع العربي عموماً، ومع روسيا (سياسة إعادة التنظيم- Reset- )، والصين (الشراكة لا العداوة) وأوروبا الغربية (التحالف والتشاور).
صحيح أن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ثابتة إلى حدّ ما ولا تتغيّر كثيراً من إدارة إلى أخرى، وهي تشمل الالتزام الكامل بأمن إسرائيل، وتدفّق النفط والغاز من منطقة الخليج، والحرب على الإرهاب، لكن هناك تبايناً كبيراً، حتى ضمن هذه الالتزامات الثابتة، في الكيفية التي شكّل الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون سياستهم تجاهها. فمثلاً، توسّط الرئيس كارتر بين مناحيم بيغن وأنور السادات لإبرام اتفاقات كامب ديفيد، في حين عمل الرئيس جورج بوش مع أرييل شارون لعزل ياسر عرفات ووقف مسيرة التسوية. وردّ جورج بوش على التهديدات في العالم العربي بغزو العراق وتهديد دول أخرى، في حين ردّ الرئيس أوباما على التهديد من خلال السعي إلى المصالحة والحوار. بعض الرؤساء الأميركيين يرون أن تأمين مصالح أميركا في النفط والغاز ممكن من خلال الانتشار العسكري، بينما يرى أخرون أنه ممكن من خلال بناء تحالفات إقليمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وفيما لاتتغيّر المصالح الأميركية من إدارة إلى أخرى، إلا أن الطريقة التي تسعى من خلالها كل إدارة لضمان تلك المصالح والتفاعل مع الأحداث الجديدة يمكن أن تختلف بشكل كبير، كما يمكن أن تؤدّي إلى تبنّي سياسات مختلفة جداً.
ثم: صحيح أيضاً أن ثمة تشابهاً نسبياً بين المرشّحَيْن أوباما ورومني في مواقفهما من الشرق الأوسط، إذ يبدو أن كليهما يعكسان توجّهات السياسة العامة التي بدأت في العامين الأخيرين من رئاسة جورج دبليو بوش. وتشمل هذا الموافقة على الانسحاب من العراق، والاتفاق على الانسحاب من أفغانستان في العام 2014، والاتفاق على منع إيران من الحصول على سلاح نووي من دون اللجوء إلى العمل المسلح، والاتفاق على تغيير النظام في سورية، وتقديم شكل من أشكال الدعم للمعارضين السوريين، ودعم الربيع العربي والديمقراطية، لكنهما  يختلفان حول عدد من القضايا. إذ ينتقد المرشّح رومني أوباما لأنه ينأى بنفسه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ولعدم وقوفه الى جانب أعضاء الثورة الخضراء في إيران في العام 2009.
لكن الأهم بالنسبة لموضوعنا الجالي أن رومني ينتقد أوباما ينتقده لكونه يستسيغ كثيراً أحزاب الإسلام السياسي التي فازت في الانتخابات في الدول العربية الرئيسة. وهذا يعيدنا إلى الشق الثاني من سؤالنا الأول: هل يمكن أن تتغيّر السياسة الأميركية إزاء جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة العربية إذا ما فاز رومني؟.
- III -
عودة المحافظين الجدد
يجب أن نتذكّر هنا أن الحزب الجمهوري يضم اليوم عدداً أكبر بكثير من اليمينيين المتطرفين والمحافظين الجدد مما كان عليه الحال حتى في ظل حكم بوش الأبن. والعديد من هؤلاء هم من أتباع المؤرخ برتراند لويس، الذي يعتبر "شيخ المحافظين الجدد"، وتلميذه صموئيل هانتينغتون، اللذين نظّرا لـ"العدو الإسلامي البديل عن الشيوعية" ولصدام الحضارات.  هؤلاء سيحتلون حتماً مواقع بارزة في إدارة رومني،  وسيعملون لتعديل العلاقات مع جماعات الإخوان المسلمين. قد لايندفع هؤلاء إلى مناصبة هذه الجماعات العداء، لكنهم سيمارسون حتماً عليها ضغوطاً هائلة لحملها على التصدي بقوة للتيارات الإسلامية المتطرفة.
لقد دعا الكاتب الأميركي الليبرالي توماس فريدمان إدارة أوباما، غداة قتل السفير الاميركي في ليبيا واجتياح السفارة الأميركية في القاهرة، إلى رفض منح الرئيس المصري مرسي وحزب النهضة التونسي "فترة سماح" قبل التصدي للإسلاميين المتطرفين. وإذا ما كان هذا هو موقف الليبرالييين الأميركيين الذين كانوا من أشد الداعمين لثورات الربيع العربي، فكيف سيكون عليه موقف المحافظين الجدد في إدارة رومني؟
يقول بول سالم، الخبير بالشؤون الأميركية ومدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في هذا الصدد:
"من شأن إدارة برئاسة رومني أن تكون أكثر تشكّكاً تجاه الحكومات الإسلامية في مصر أو تونس أو في أماكن أخرى. وستبدأ مثل هذه الإدارة العمل بصورة براغماتية وتبني على العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية السابقة مع هذه الدول، لكن في أوقات الأزمات، كما رأينا في الحادث الذي وقع في بنغازي قبل أسابيع عدّة، قد تتفاعل إدارة رومني بشكل راديكالي وسريع وتحمّل الحكومات الوطنية المسؤولية، وتشرع في المواجهة أو تنتهج سياسات مغامِرة قد تجلب المزيد من عدم الاستقرار إلى المنطقة".
وهذا يعني أنه سيكون على جماعة الإخوان المصرية وحزب النهضة التونسي أن يبدءا من الآن في بلورة استراتيجية عمل جديدة مع قوى التطرف الأصولي، في حال أرادتا أن تحافظا على الدعم الاميركي الثمين الذي سهّل إلى حد كبير تحييد الجيشين المصري والتونسي ومنعهما من عرقلة عملية الانتقال السلمي إلى السلطة.
أما بالنسبة إلى سورية، وعلى رغم أن إدارة رومني لن تتحرّك في الغالب قبل ستة أشهر من وضع يدها على البيت الأبيض لانشغالها في التعيينات الجديدة وترتيب بيتها الداخلي، فإنها ستنحو حتماً نحو التصعيد مع النظام السوري ليس انطلاقاً من اعتبارات أخلاقية بل جيو- سياسية: منع روسيا والصين من ترسيخ موطىء قدم لهما في الشرق الأوسط الذي يعتبر بوابة قارة أوراسيا التي تمكّن من يحكمها من السيطرة على العالم. وهذا التحرُّك قد يتراوح بين الانغماس في حروب بالواسطة (Proxy wars ) مع روسيا وإيران في بلاد الشام، وبين تزعم حملة عسكرية جوية لحلف شمال الأطلسي (على رغم إعلان رومني في حملته الانتخابية أنه لاينوي التدخل عسكرياً في سورية).
انظروا وراءكم
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
أمراً واحدا: إدارة رومني ستواصل سياسة إدارة أوباما في تعاطيها مع الربيع العربي، لكنها  لن تفعل ذلك وهي تضع قفازات حريرية بل حديدية؛ كما ستكون أقل تسامحاً وأكثر إلحاحاً وضغطاً على حكومات الربيع العربي كي تنفّذ شروط "الصفقة" التي تم على أساسها وصولها إلى السلطة: كبح جماح التيارات الإسلامية المتطرفة.
لقد قال أوباما غداة الهجوم على السفارة الأميركية في القاهرة أنه "لايعتبر مصر(في عهد مرسي) حليفاً ولا عدوا". لكن رومني الرئيس قد يقول أكثر بكثير من هذا إذا ما طرأ حدث مماثل في العلاقات مع مصر وتونس. سيقول على الأرجح:" ما لم تتحرّك الحكومتان المصرية التونسية بقوة للتصدي لـ"الإرهاب الإسلامي" سنعتبرهما خصماً إن لم يكن عدوا".
وحينها سيكون على الأخوان المصريين والتونسيين التلفُّت باستمرار إلى الوراء ليروا ما إذا كانت القوات المسلحة وأجهزة الأمن المصرية والتونسية (حيث  لم تشهد مصر وتونس منذ نجاح الثورة أي إصلاحات ذي شأن في قطاعهما الأمني) تتعقبهم!

سعد


الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

نبضان وطنيان رائعان من الخليج وسورية






ورد لهذا الموقع العديد من الرسائل التي إما تنتقد بعض المقالات أو تشيد بها. لكن، استوقف كاتب هذه السطور هاتين الرسالتين: الأولى من فتاة خليجية تدرس العلوم السياسية في الولايات المتحدة، كتعقيب على مقال "من سيجرؤ على الرد على مفتي السعودية"، تننضح بكل ثورة الشباب وآمالهم وتطلعاتهم النبيلة التي تقف وراء ثورات الربيع العربي الراهنة. والثانية تضمنت تعليقين من د. مازن السوري من حمص (اسم مستعار)، تعليقاً على مسألة التدخل الخارجي لحل الأزمة السورية، والثاني تعقيباً على مقال "إيران: هل يُسقط الثوريون الثورة"، يلقي مزيداً من الأضواء التحليلية على طبيعة السلطة الحاكمة راهناً في إيران وسورية.
وبالمناسبة، التعليق الثاني يكشف عن مدى عمق النبض الوطني والعروبي في سورية. وهو أمر بات يفتقده الكثير من العرب لأسباب داخلية (قمع الأنظمة) وخارجية (الضرب المتواصل للغرب في المنطقة على مدى القرنين الماضيين).
نبدأ برسالة الفتاة الخليجية.


ما يحزني في عالمنا الحالي بأن المتمسك بالسلطة يرى كل هبة ريح قادرة على تحطيم بيت ادَّعى بناءه.
لنكن أكثر وضوحا: أن زوبعة الديمقراطية كابوس كل حاكم عربي. فمن هم، برأي كل حاكم أولئك الناس الذين يريدون تغيير نظام "ربيناهم"عليه ؟
والذي يحزنني أكثر فتاوي انقلبت حقيقة جازمة في عقلية كثير من الناس. فها هم يأكدون للغرب تخلف اعتقاداتنا المنحدرة من أقدم العصور.
أؤمن كثيراً بديموقراطية إسلامية كالتي بناها رسولنا عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة إلى سقوط الدولة العثمانية. وقد شاهدنا خلال التاريخ قوة الإمبراطورية الإسلامية وكيف اختفت وتلاشت منذ ذلك الحين.
العصور في تغيُّر دائم. ولتأكيد النجاح والاستقرار يجب علينا التأقلم مع التغير المستمر والانفتاح التام. فتطبيق اسلامنا يجب أن يحمل هذا المبدأ نفسه، لكن بنهج مختلف.
سماؤنا اليوم مزدانة بحبر الديموقراطية، فلا يسعنا إلا أن نخط عليها بداية لعصر ذهبي ثانٍ ونهاية لحكم ملكي/ديكتاتوري.



تعليق د. مازن السوري على مسألة التدخل الخارجي

هنالك شريحة كبيرة من " السياسيين " المعارضين تعتبر أن الحل في سوريا في يد المجتمع الدولي ولازالت تنتظر تدخله حتى الآن . هذا النمط من العبودية له وجهان من الخطورة :

الأول : تقليص الاعتماد على الذات و الإهمال والتقصير في اعداد العدة اللازمة للنصر.
الثاني : الإبقاء على سوريا مستعمرة في يد الدول الخمس دائمة العضوية.

نحن نعيش ضمن المجتمع الدولي نعم. لكن هذا المجتمع و بوجود الكيان الصهيوني على أراضينا ( فلسطين و سوريا )، لا يمكن ان يسمح أو يتكرم بمنح السوريين حريتهم لأن النتيجة معروفة .

هذا المجتمع الدولي يريد نظاما يضمن أمن إسرائيل، من جهة، ويخضع لهم وينفذ لهم مايرونه في صالحهم، من جهة اخرى . والثورة في سوريا قامت لاقتلاع هذا النوع من الأنظمة في البلاد.

مجابهة المجتمع الدولي مشكلة كبيرة ، فما الحل إذن ؟

الاعتماد الكامل على النفس وعلى السوريين وأحرار العرب و الشعوب وعلى من يرغب من الأنظمة بالدعم غير المشروط لتحقيق تفوق نوعي على الأرض لصالح الثورة. عندها فقط يمكن لأحرار سورية السياسيين التفاوض لتحقيق الحد الأدنى الذي يلبي أهداف الثورة. وعندها فقط نستطيع انتزاع استقلال محترم لقرارنا وبلدنا.

هل يعي السادة السياسيون الأفاضل هذه الحقيقة؟ بالله عليكم اعتمدوا على الداخل واخدموه بكل إخلاص وسترون من هذا الشعب المعجزات، وسيهيء الله له من ينصره على رغم أنف العالم كله .

.. وتعليقه على الوضع الإيراني
الحرس الثوري في ايران يمثّل الذراع المنفذ لسياستها في الداخل و الخارج، إضافة الى مهمته الأساسية المتمثلة في المحافظة على أمن النظام الحاكم .

مشاريع الدولة (الإيرانية) لها فرعان: داخلي و خارجي و هما نوعان : معلن وسري. و باختصار شديد لا بد من مصادر تمويل لهذه العصابة الكبيرة.  و المشكلة تكمن في أن النظام لا يفضل ذكر مخصصات هكذا مؤسسات في ميزانية الدولة بسبب ضخامة المبالغ، من جهة، و لتغطية نشاطات الحرس من جهة اخرى ، فيقوم عوضا عن ذلك بإطلاق يد الحرس في بعض مصادر التمويل من دون حساب. ومن هنا يبدأ الفساد والإفساد .

للتذكير فقط و للتأكيد على صحة استنتاجكم : في سوريا المتحكِّم في سعر الصرف هو النظام. وهو يعمد الى التلاعب بسعر الصرف كلما احتاج تمويلا نقديا بالليرة السورية لتغطية بعض المصاريف الخاصة .
***
شكراً لإبنتنا الخليجية وزميلنا الدكتور على هذا النبض الوطني والقومي الصافي.

                      _______________________

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

النظام السوري يراهن على "النُصرة".. لتحقيق النصر؟






الأسد وأركانه أغلقوا كل منافذ التسوية السياسية، ويراهنون الآن على تصوير الصراع على أنه بين أمن النظام وبين فوضى "جبهة النصرة" الجهادية. لكن السحر قد ينقلب على الساحر.

- I -
في لقاء على تلفزيون "أن. بي. أن" التابع لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أطلق السيد ناصر قنديل، أحد أكثر السياسيين اللبنانيين قرباً من النظام السوري وتنسيقاً معه، سلسلة تبنوءات جديدة حول موعد تحقيق "نصر النظام النهائي" على الثورة الشعبية الراهنة.

جبهة النصرة: سلاح ذو حدين(الصورة من غوغل

لكن الأهم من التنبوءات كانت المواقف التي أبداها قنديل حيال المعارضة الداخلية السورية المتجسدة في هيئة التنسيق الوطني التي يرئسها القطب الناصري حسن عبد العظيم، والتي تُعتبر الأكثر ليونة والأكثر استعدادا للحوار مع النظام. وعلى رغم ذلك، وضعها قنديل أمام خيارين لاثالث لهما: إما الانضمام إلى "جبهة النصرة" الجهادية الإسلامية المتطرفة، أو الالتحاق بوزير المصالحة الوطنية في الحكومة الراهنة علي حيدر.
ولأن هذا الرأي يعكس بالطبع موقف المسؤولين السوريين، فهو يفيد لتظهير نمط تفكير القيادة السورية في هذه المرحلة والتي يمكن تلخيصها ببندين رئيسيين، سياسي وأمني:
البند السياسي، يشي بأن النظام مصر على مواصلة رفض الاعتراف بوجود أي طرف آخر في المعادلة السياسية السورية، وبالتالي رفض الحوار مع أي لون من ألوان المعارضة مالم يكن خاضعاً بالكامل لسلطتها. فمعارضة علي حيدر، التي هي في الواقع موالاة مُحلاة بمواقف نقدية، والتي تشبه إلى حد بعيد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي عملت كغطاء للحكم السلطوي السوري طيلة 40 عاما، هي المعارضة الوحيدة التي يقبلها النظام. والشعار هنا هو نفسه ذلك الذي رفعته المارونية السياسية عشية الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1989): "ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم".
أما البند الأمني فقد يكون الأخطر. إذ هو يكشف عن تتويج كل الجهود المتصلة التي بذلها النظام طيلة سنة ونصف السنة لتصوير الثورة السورية على أنها صراع بين نظامه وبين فوضى الإرهابيين الأسلاميين.
والآن، وقد بدأ نجم جبهة النصرة، التي تضم عناصر من فتح الإسلام وغيرها التي كانت تابعة لأحد أجهزة المخابرات السورية، بالصعود (قفز عديدها خلال أربعة أشهر من 50 عنصراً إلى ألف الآن) وباتت فصيلاً فاعلاً في معركة حلب، فسيكون في وسع النظام أن يُعلي الصوت الأن قائلاً للروس والأميركيين والأوروبيين أنهم يخوض معركتهم ضد الإرهاب الأصولي.
وهذا قد يكون سهلاً الأن، لان فصائل المعارضة العلمانية والإسلامية المعتدلة المُرهقة، تشعر في هذه المرحلة أن الزخم الجهادي القوي ضد النظام قد يعدّل، ولو نسبياً، من موازين القوى معه، في غياب أي تدخل خارجي ذا معنى.
- II -
هل تنجح هذه الاستراتيجية، التي تتطابق إلى حد بعيد مع ما فعله النظام السوري طيلة العقود الماضية حين كان "يخلق" التنظيمات الاصولية المتطرفة ويُطلقها في لبنان والعراق والأردن، ثم يبلغ الغرب أنه مستعد للجمها وقتالهاـ تماماً كما فعلت المخابرات الجزائرية حين "خلقت" الجماعة الإسلامية المسلحة لتحظى بدعم هذا الغرب؟.
فلنقل، أولاً، أن تسهيل النظام المحتمل لبروز مثل هذه التنظيمات الجهادية قد حقق بعض الأهداف الفورية. إذ أن الأميركيين كبحوا جماح السعوديين والقطريين والأتراك في مجال تسليح المعارضة بأسلحة متطورة مضادة للطائرات والدبابات، خوفاً من وقوعها في يد الجهاديين. كما أن الروس استخدموا هذه الورقة أيضاً في حواراتهم مع الغربيين لاقناعهم بأن النظام السوري "ليس كله شر" ولايزال في وسعه القيام ببعض "الأعمال الخيرة" ضد الإرهاب.
بيد أن هذه النجاحات قد تكون محدودة التأثير في الداخل كما في الخارج. فجبهة النصرة، مهما قويت شوكتها، لن تكون سوى فصيل واحد من نحو 370 فصيلاً مسلحاً في المعارضة جلّها ينتمي إلى الإسلام المعتدل أو التيارات الوطنية والعلمانية. فضلاً عن ذلك، بدلاً من أن يعمد الغرب إلى معاودة الاعتماد على النظام السوري لضرب الجهاديين والقاعديين، كما كان يفعل قبل الربيع العربي، سيتجه إلى تعزيز وتقوية وتسليح المعارضة غير الجهادية لتمكينها من مواجهة القاعديين والنظام في آن.
وحينها سيخسر النظام مرتين: مرة حين سيجد نفسه وجهاً لوجه مع وحش التطرف الأصولي والطائفية الذي أطلقه من عقاله هذه المرة في الداخل السوري (كما حدث قبل ذلك مع الرئيس أنور السادات في مصر ومع المملكة السعودية في أفغانستان)؛ ومرة ثانية حين سينشط الغرب وتركيا لدعم القوى الوطنية والعلمانية السورية.
- III -
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني أن كل المحاولات التي يبذلها النظام، وسيبذلها أكثر في قادم الأيام، لمحاولة الخروج من أزمته، إما بتصدير هذه الأزمة إلى الجوار اللبناني والأردني والتركي أو بـ" استيراد" التطرف الجهادي إلى أرضه، تبدو كمن يدور في حلقة مفرغة وسط صحراء قاحلة.
وإذا ماأضفنا إلى ذلك رفضه القاطع لأي تنازلات تؤدي إلى تسوية سياسية متوازنة مع الأغلبية السنّية، فسنصل إلى الاستنتاج بأن هذا النظام، أو على الأقل رئيسه وباقي رؤوس "الأصولية الأمنية" فيه، لن يتمكنوا من البقاء طويلا.
أما تنبؤات السيد قنديل عن "مواعيد النصر الجديدة"، فهي ليست سوى استمرار لنمط التفكير الرغائبي الغريب الذي سيطر على النظام وأنصاره ولايزال طيلة الأشهر الـ18 الماضية، والذي ينسج لهم خيالات عن حرب كونية أشبه بحرب النجوم.
وبالتالي، فإنها (التنبؤات) ظاهرة سايكولوجية أكثر منها واقعة سياسية.

سعد


الأحد، 28 أكتوبر 2012

إيران: هل يُسقِط الثوريون الثورة؟







اشتراك بعض قادة النظام في التلاعب بالريال، يعني أن الثورة الإيرانية فقدت بخارها وزخمها، وقد تُخلي قريباً المجال أمام ثورة جديدة. أمام ربيع إيراني.

-I-
من يتلاعب بالريال الإيراني ويهدد الاقتصاد (ومعه ربما النظام السياسي الراهن برمته) بالانهيار؟
التحليلات كثيرة. لكن معظمها يركّز على الدور الكبير للعقوبات الاقتصادية والمصرفية والنفطية الغربية، وعلى سوء السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس أحمدي نجاد التي اعتمدت على توزيع "الصدقات والفتات ( TRickles)) على بعض فئات الشعب.

الحرس الثورة: نهاية الثورة؟(الصورة من غوغل

لكن يبدو أن ثمة ما هو أهم من هذين العاملين المهمين: وجود أطراف نافذة داخل السلطة تقوم بالمضاربة على العملة الإيرانية، التي فقدت 60 في المئة من قيمتها خلال سنة واحدة، لجني الأرباح الطائلة بين ليلة وضحاها، وأيضاً لتصفية حسابات سياسية.
الحديث عن هذا الاحتمال بدأ خافتاً، لكنه مالبث أن انفجر وطفا على السلطح، بعد أن تبيّن أن العديد من شركات الصيرفة التي تم إغلاقها لوقف تدهور الريال ترتبط مباشرة ببعض القادة السياسيين، لكنها لاتزال تعمل بالسر بغطاء منهم.
- II -
ماذا يعني هذا التطور؟
الكثير.
فهو يعني أن الفساد في بيروقراطية الدولة الإيرانية أفلت بالفعل من عقاله، كما يعني أن الزخم المثالي الجمعي الذي ميَّز الثورة الإيرانية العام 1979 أخلى السبيل أمام "خلاص فردي" عبر التسابق على الغنائم ومراكمة الثروات. وهذا ماجعل السلطة الإيرانية الراهنة تشبه شيئاً فشيئاً النظام الشاهناشي السابق الذي أطاحته. وهذا ليس على الصعيد الاقتصادي- الاجتماعي، بل أيضاً على الصعيد الأمني- السياسي.
كيف؟
هنا، نجد أنفسنا مع ظاهرة الحرس الثوري الذي يعتبر الجهاز العصبي الرئيس للبنية السياسية- الإيديولوجية للنظام، فضلاً عن أنه أيضاً لاعب رئيس في الإقتصاد. وعلى رغم أن آية الله الخميني دعا في آخر وصية له العام 1988 القوات العسكرية إلى " الإبتعاد عن التدخل في شؤون الأحزاب السياسية"، إلا أن العكس هو الذي حدث. فالدولة الدينية التي نشأت العام 1979، سرعان ما تحَولت بفعل ديناميكيات الثورة ومضاعفات الحرب مع العراق إلى  " الدولة- الثكنة " التي يسيطر بموجبها العسكر على كل مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية.
الحرس هم الان العقبة الحقيقية أمام الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية- الاجتماعية. و"القوات الخاصة " التابعة له مدرَبة ليس على مواجهة غزو خارجي، بل على قمع الإنتفاضات السياسية والإجتماعية الداخلية( كما فعلت العام 1999 ضد إنتفاضة الطلاب والعام 2008 ضد الثورة الخضراء). كما أن جهاز الإستخبارات الخاص بالحرس الذي يطلق عليه إسم " وحدة الحفاظ على المعلومات" موجود في كل مكان جنباً إلى جنب مع أجهزة الامن والأستخبار الأخرى.  الحرس مسؤول كذلك عن قوة الصواريخ الإستراتيجية الأيرانية " شهاب "، ويعتقد  أنه يدير المشروع النووي الأيراني.
بيد أن قوة هذا الجهاز الأهم تكمن في الإقتصاد. فهو يعمل طليق اليد في كل المجالات الإنتاجية من دون حسيب سياسي أو رقيب قانوني، ويحصل على صفقات تقدَر بمليارات الدولارات سنوياً من الدولة. وعلى سبيل المثال، نالت شركة " خاتم الأنبياء " التابعة له عقداً بقيمة 1،3 مليار دولار للقيام بنحو 1222 مشروعاً صناعياً وتعدينياً. ثم بعد هذا العقد بثلاثة أيام، أبرم الحرس صفقة آخرى مع شركة " طهران ميترو " الحكومية بقيمة 2،4 مليار دولار. وفي تموز\يوليو الماضي، وافقت وزارة الطاقة على  قيام مقاولي الحرس بالأشراف على كل مشاريع البنى التحتية بما في ذلك الماء والكهرباء والجسور، في غرب إيران.
لكن الأمر لايتوقف عند حد الصفقات الرسمية. إذ يقول الإصلاحيون المعارضون، مثل مهدي كروبي وعلي قنباري،  أن الحرس "يسيطر بشكل غير شرعي على 60 حوضاً بحرياً، مما يسمح له بالهيمنة على ثلث واردات البلاد وإدارة أسواق غير شرعية وإقتصاد سري" . ويضيف هؤلاء أن الحرس يستخدم أحياناً القوة  للحصول على المشاريع الإقتصادية الكبيرة، كما حدث العام 2005 حين رفضت شركة " أوريانتال كيش للنفط " طلب شراكة متساوية معه، فعمد الحرس إلى إعتقال نائب رئيس الشركة سيروس ناصري، ثم وضع يده على المنصات النفطية البحرية التي تديرها الشركة.
منصور سيواغيرا، أحد مؤسسي الحرس العام 1979 يلخَص كل هذه المعطيات بالكلمات الآتية : " ما كان مرة في السابق حرساً ثورياً، أصبح الان مافيا ".
هل ثمة مبالغة ما في تقييم سيواغيرا ؟ ربما، خاصة  حين نتذَكر أن مرشد الثورة يمتلك صلاحيات شبه مطلقة على الحرس. وبالتالي يد هذا الاخير ليست طليقة تماماً.
 لكن، ما لا يحتمل المبالغة هي الحقيقة بأن الحرس، بتركيبته الإيديولوجية ومصالحه السياسية والإقتصادية الضخمة، يلعب في إيران الدور نفسه الذي يلعبه الجيش في تركيا وإن بشكل معكوس : الاول يعمل كـ "حارس" للنظام الديني،  فيما الثاني يمارس دور " حامي " النظام العلماني. لكن في كلا الحالين، المصالح الضخمة هي القاسم المشترك، وهي الحاكم سعيداً في كلا الجهازين.
- III-
هل الحرس، أو بعض قادته، هم من يتلاعب بالريال ويستغل المصاعب الاقتصادية الكبرى في إيران لمصالح شخصية؟
إذا ماكان الأمر كذلك، فهذا يعني أن الحرس الثوري الحاكم تحوّل بالفعل إلى حزب بلشفي جديد، ولكن في أواخر عهد الاتحاد السوفييتي لا في بداياته. وهذا سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ثورة اجتماعية وسياسية جديدة في إيران. سيؤدي إلى ربيع إيراني.
إنه قانون ابن خلدون حول صعود وسقوط الدول، يكرر نفسه بلا كلل أو ملل.

سعد

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

من سيجرؤ أن يقول لا لمفتي السعودية؟

كل عام والقراء الأعزاء بخير







المؤسسة الدينية الوهابية تحوّلت من كنز تكتيكي إلى عبء استراتيجي. ومالم يتحرَّك المتنورون في الأسرة السعودية لمواكبة الإصلاح الديمقراطي في العالم الإسلامي بدل محاولة عرقلة مسيرته، سيضعون نظامهم السياسي برمته على محك أخطار داهمة.
- I -
من كان مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يخاطب، حين ندد في خطبته بالحجاج أمس "بمن يدعو من بين المسلمين الى دولة مدنية ديموقراطية غير مرتبطة بالشريعة الاسلامية وتقر الكثير من المنكرات (...) وهذا بلا شك ينافي تعاليم الاسلام ويخالف الكتاب والسنة واصول الشريعة
ليس حتماً العلمانيين، أو اليساريين، أو القوميين والوطنيين، أو الديمقراطيين، بل حركات الإسلام السياسي التي قبلت كلها  تقريباً مبدأ الدولة المدنية.

مفتي السعودية: من سيقول له لا؟ (الصورة من غوغل

لن نناقش هنا حجج الشيخ آل الشيخ عن مسألة من المخوّل في الشرع الإسلامي تطبيق الشريعة الإسلامية، ومدى أهليته لهذا التطبيق، ومن أختاره لمثل هذا التطبيق، ومن يحاسبه على سوء التطبيق. فهذا أمر يجب أن يقرره الشعب السعودي وباقي الشعوب العربية نفسها.
ولن نناقش هنا أيضاً مسألة العلاقة بين الدين والسياسة، أو بين الدين ومن يفترض أنهم "أولي الأمر"، على رغم أن هذه المسألة بالغة الخطورة، لأن إصرار الشيخ على "خضخحة" الشريعة لصالح حفنة من الأمراء والعائلات ورجال الدين المرتبطين بهم، يلحق أفدح الأضرار بالدين والشريعة نفسيهما، لأن الناس سيفسرون فساد أمراء أو حكام على أنه فساد للدين نفسه.
هذا ماحدث في أوروبا القرون الوسطى حين "خصخصة " الكنيسة الشرائع المسيحية لصالح رجال الكهنوت والاقطاع، فكان هذا أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع حروب دينية وثورات لانهاية لها في القارة العجوز، وصلت إلى درجة اندلاع مظاهرات في مدن فرنسية مثل نيس وباريس وليون تهتف بسقوط العزة الألهية نفسها!
لقد كانت الكنيسة  تكفّر الناس كلما طالبوا بحرياتهم، فدفعتهم في نهاية المطاف إلى الثورة عليها وعلى الدين نفسه. والآن "الكهنوت" السعودي يقترب من هذه الحصيلة الخطرة، حين يرفض أي شكل من أشكال حرية المواطن والمجتمع باسم الدين، ثم يضع كل الشريعة في حضن أمراء وصلوا إلى السلطة بقوة الوراثة ووراثة القوة، وحين يمحضهم حصانة "فوق بشرية" ضد أي تهم بالفساد، والإثراء غير المشروع، وقمع الحريات، والتحالف مع قوى غربية "كافرة" منذ العام 1945، ومصادرة الحقوق باسم الدين والشريعة.
لقد كان أول قرار اتخده الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين استلم زمام السلطة هو فرض حظر تجوّل على العديد من الصحابة وطبّق عليهم قانون "من أين لك هذا" بعد أن استغل بعضم سماعه أو مجرد رؤيته للنبي (صلعم) للتربح ومراكمة الثروات. لكن، من في وسعه هذه الأيام، محاسبة أو مساءلة أي فرد من الأسر الحاكمة، وهم بالطبع أبعد مايكونون عن سمة الصحابة؟
- II -
نعود إلى موضوعنا الأول، لنقول أن حملة الشيخ آل الشيخ العنيفة هذه على الحركات الإسلامية المتبنّية لفكرة الدولة المدنية، قد يدشّن حرباً أهلية ضروس داخل الصف الإسلامي، وليس إلى  لم شعث الأمة، كما حاول الشيخ أن يوحي في خطبته.
فبدل أن يدعو الشيخ إلى إصلاح الأنظمة الملكية وتحويلها إلى ملكيات دستورية (وفق الشريعة  نفسها)، يطالب الحركات الإسلامية بإدارة الظهر للإصلاح لصالح الحكام الحاليين (وربما قبلهم لصالح ديكتاتوريات مبارك وبن علي، على رغم أنهما "علمانيان" وحتى "كافران" وفق منطوقه).
حتى الآن، لم ترد الحركات الإسلامية المعنية، رسمياً على الأقل، على هذه الحملات التي تبدو وكأنها طلقة من القرن الثالث عشر ميلادي استقرت في القرن الحادي والعشرين. لكنها حتماً سترد بعد حين. وحين تفعل، ستكون الساحة قد جُهِّزت لصدام مروع داخل الصف الإسلامي السياسي (وحتى غير السياسي) قد يكون الأخطر منذ ألف عام.
- III -
هل الأسرة الحاكمة السعودية حاضرة لمثل هذا الصدام، أو حتى هي قادرة على تحمُّل تبعاته ومضاعفاته؟
الأرجح أن العناصر المتشددة فيها اتخذت قرارها النهائي وانحازت إلى المؤسسة الدينية الراهنة التي تريد وقف مسيرة التاريخ، كما فعلت قبلها المؤسسة الكاثوليكية الأوروبية، وبالنتائج الكارثية التي نعرف.
ومالم تبرز من داخل هذه الأسرة قوى عاقلة وعقلانية تدفع إلى الأصلاح بدل الاندفاع ضده، فتشارك في التجارب الإسلامية الديمقراطية الجديدة، من مصر إلى إندونسيا وتركيا، ومن تونس والمغرب إلى ماليزيا، فستجر معها إلى دائرة الخطر ليس فقط دورها القيادي كـ"أولي الأمر"، بل حتى أيضاً كل صرح نظامها السياسي برمته.
وهذا أمر بديهي، حين تتحوّل المؤسسة الدينية في أنظمة الشيخ والسيف من كونها كنزاً تكتيكياً إلى عبء استراتيجي.

سعد








الخميس، 25 أكتوبر 2012

انتفاضة "لاربيعية" في الكويت؟





- I -
هل وصلت الكويت إلى نقطة تحوُّل تاريخية؟

اانتفاضة الكويت: اين الخلل؟ (الصورة من غوغل

العديد من المؤشرات توحي بذلك، للوهلة الأولى، : من انقلاب الاحتجاجات السياسية إلى مظاهرات شعبية ضخمة، ومن المناكفات القانونية والدستورية بين الحكّام والمحكومين إلى وضع سيف الأمن قيد الاستعمال. هذا في حين بدأت الأمور تتجه بين النظام والمعارضة نحو استقطاب حاد لامجال فيها للتسويات والصفقات، سواء المؤقت منها أو ذلك الذي يتمتع بقدر من الديمومة.
وكل هذا يجري على خلفية ربيع عربي أسقط رؤوس جمهورية وهزّ، ولايزال، عروشاً ملكية، الأمر الذي شجع الكثيرين على الاستنتاج بأن نسائم هذا الربيع ضربت أخيراً سواحل الكويت.

- II -
بيد أن الأمور ليست على هذا النحو.
صحيح أن الإسلاميين وحلفائهم القبلييين استقووا بالانتصارات الإسلامية الكاسحة في أكبر دولة عربية (مصر) وفي المقر العام لثورات الربيع (تونس) والحبل لايزال على الجرار، ليصعِّدوا مواقفهم المطالبة بحكومة منتخبة والحد من هيمنة آل الصباح على السلطة التنفيذية، إلا أن مايجري في الكويت خاص بالكويت، وهو بالتالي ليس ربيعاً عربياً جديدا أو متكاملا.
إنه بالأحرى صراع بين النخب السياسية نفسها التي تتنافس على  السياسية والاقتصادية منذ عقود من دون القدرة على الوصول إلى حلول ما، الأمر الذي جعل البلاد في حالة أزمة سياسية ودستورية دائمة شبيهة بشعار تروتسكي في "الثورة الدائمة" التي لاتصل إلى شيء أو "الفوضى  الخلاقة" الأميركية التي لا تخلق شيئا: فلا النظام الإماري راغب في التقدم خطوة ولو محدودة إلى الأمام نحو الملكية الدستورية، ولا المعارضة على أنواعها قادرة على تقديم بديل فعلي له.
وهذا ما قد يجعل الأزمة الراهنة في الكويت، على رغم خطورتها الشديدة وضخامة القوى المنخرطة فيها، مجرد تكرار لحوادث الماضي أكثر منها استيلاد لمستقبل جديد.
الأدلة؟
أنها كثيرة: فالمعارضة الإسلامية والقبلية التي تقود الحركة الاحتجاجية الراهنة لم تأت على ظهر الجواد الشبابي والليبرالي والطبقة الوسطى(كما في مصر وتونس وليبيا) بل هي فشلت في إغراء هذه القوى، ومعهم الشيعة، بالانخراط في "ثورة دستورية" ترفع شعار المصالح السياسية المشتركة، لا بل هي أثارت ذعرها أيضا.
ومن الداخل إلى الخارج: فالانتفاضة الإسلامية- القبلية تأتي في وقت تستنفر فيه القوى الملكية في دول الخليج كل طاقاتها وإمكاناتها لإجهاض أي تحرّك مهما كان ضئيلاً نحو الملكية الدستورية، وهي باتت ترتاب في كل حركة إسلام سياسي تشبه أو تقترب من صورة الإخوان المسلمين. وهذا ماقد يدفعها في لحظة ما إلى عدم التردد في تكرار السيناريو البحريني في الكويت.
وفوق هذا وذاك، لايبدو وارداً أن تكون الولايات المتحدة في موقع من يدعم المطالب الإصلاحية في دولة تحوّلت بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق إلى أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط، خاصة وأن هذه المطالب تفتقد إلى دعم الليبراليين والطبقة الوسطى والشيعة.
باختصار، تعاني الانتفاضة الكويتية الراهنة من ثغرات داخلية خطيرة (حيث أثبتت سياسات أطرافها الإسلامية والقبلية حين فازت بأغلبية مقاعد البرلمان أنها لاتمتلك رؤية استراتيجية واضحة وبديلة عن النظام الحالي) ومعوقات خارجية أخطر (أجواء التشنج الراهنة في السعودية والإمارات ضد الإصلاحات، وسياسة النأي بالنفس الأميركية).
وهذا ماقد يجعل نقطة التحوُّل المفترضة في الكويت، مجرد تحوّل يدور حول نفسه في دائرة مغلقة، أو على الأقل شبه مغلقة.
- III -
لكن، هل يعني كل ذلك أن دول الخليج، وباقي الملكيات العربية، ستكون محصنة دوماً ضد نسائم الربيع، وقادرة دوماً على مواصلة السير في عكس تيار التاريخ  الراهن في المنطقة إلى مالانهاية؟
كلا. والاسباب عديدة.
(غدا نتابع)

سعد





الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

أمير قطر للسعودية والإمارات: "كلنا إخوان"!




- I -
أقل مايمكن أن يقال عن زيارة أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لقطاع غزة، أنها كانت إنقلاباً جيو- سياسياً بامتياز ووفق كل المعايير.

امير قطر في غزة: انقلاب جيوسياسي(الصورة من غوغل

فهذه الزيارة، التي فتحت خلالها قطر خزائن بترودولاراتها لإعادة إعمار غزة عبر ضخ 400 مليون دولار فيها كـ"دفعة أولى"، أعطت التنافس، أو الصراع، أو التسابق (سمّه ما شئت) بين جماعة الإخوان المسلمين وبين التيارات السلفية بقيادة المملكة السعودية، بعداً إضافياً وخطيراً في آن.
هو بعد إضافي، لأن التوتر بين إسلام الأخوان المسيَّس وبين إسلام دول الخليج التي تطبق صيغة الطاعة لـ "أولي الأمر"، بدأ منذ اللحظة الأولى لاندلاع ثورات الربيع العربي، حيث وقفت هذه الدول (عدا قطر) إلى جانب الرئيسين مبارك وبن علي ضد أخوانها الإسلاميين في كلا القطرين. لكن ماهو جديد الآن هو أن الزيارة والأموال القطرية فتحت الباب على مصراعيه أمام انتقال التنافس أيضاً إلى أرض أقداس القضايا العربية والإسلامية: القضية الفلسطينية.
وهو خطير لأن الأموال القطرية هدفها ليس فقط فك الحصار عن القطاع، بل تحويله أيضاً إلى قاعدة اقتصادية مزدهرة. وهذا يحدث فيما اقتصاد الضفة الغربية يتراقص على شفير الانهيار مع تقلّص الدعم الخارجي له من نحو 1،3 مليار دولار سنوياً إلى 650 مليون دولار الآن.
وإذا ما أضفنا إلى الدعم المالي القطري الدعم السياسي والاستراتيجي المصري المتوقع، والذي قد يتوَّج هو الآخر بزيارة محتملة للرئيس مرسي إلى القطاع، لربما توصلنا إلى استنتاج بأن جماعة الإخوان وحلفائها القطريين وغيرهم قرروا القيام بهجوم مضاد لذلك الذي قام به من أكثر من سنة منافسوهم السعوديون حين أغرقوا التيارات السلفية بمئات ملايين الدولارات. وهم اختاروا فلسطين للقيام بذلك لأنها نقطة الضعف الرئيس، دينياً وعاطفياً واستراتيجياً، في جبهة الخصم.
- II -
مضاعفات هذا الحدث الكبير ستتوالى تباعاً.
صحيح أن ردود فعل فتح، المدعومة سعودياً وإماراتياً وغربياً، ، وكذلك رد الفعل الإسرائيلي الذي ترجم تفسه في شكل غارة جوية على غزة بعد ساعة واحدة من مغادرة حمد للقطاع، لم تتأخر بالصدور، لكن الأهم سيكون رد فعل السعودية والإمارات.
فأبو ظبي، عبر وزير خارجيتها الشيخ عبد الله وقائد شرطة دبي ضاحي خلفان، أعلنت، ولاتزال، الحرب صراحة على جماعة الإخوان، وحثّت دول الخليج الأخرى على تشكيل جبهة موحّدة ضدها. وعلى رغم أن الرياض لم تصل إلى هذه المرحلة (طبقاً لتكتيك الدبلوماسية السرية والصامتة الشهير)، إلا أنها كانت تنظر بعين العطف إلى هذه الحملات الإماراتية التي امتدت مؤخراً لتشمل "انتفاضة" الإسلاميين في الكويت.
والآن، وبعد هذا التحوُّل الجيو- سياسي الكبير الذي دشنته زيارة أمير قطر لغزة، سيعمد الطرفان حتماً إلى فتح خزائنهما هما أيضاً أمام فتح المُفلسة، وسيخوضان "سباق تسلح" مالياً مع قطر فوق الأرض الفلسطينية، وسباقاً آخر "استراتيجياً" لمنع سقوط القضية الفلسطينية برمتها في حضن الإخوان.
لقد رأى المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ماثان ثرول أن "الرسالة التي تريد حركة حماس أن تطلقها (بعد الزيارة القطرية) هي "أننا نحن المستقبل، فيما السلطة الفلسطينية تتحلل. وهذا يعني التوجّه نحو بناء نموذج غزة ليحل مكان نموذج أريحا، اقتصادياً وسياسيا".
حماس ، ومعها قطر ومصر وتونس- النهضة، تريد أن تكون غزة نموذجاً لنجاحات الأخوان لا مقبرة لطموحاتهم وجداول أعمالهم. وهذه ستكون معركة كبرى في المنطقة سيشارك فيها الجميع، بسبب السمة الرمزية الكبرى التي تمثلها فلسطين لكل التيارات الإسلامية على اختلاف تلاويينها ومشاربها وارتباطاتها.
- III -
لقد فجَر أمير قطر قنبلته الجيو- سياسية، وأطلق رسالة قوية إلى جيرانه السعوديين والإماراتيين حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه في دعم الإخوان المسلمين في كل المنطقة. وإذا ما لحقه بالفعل الرئيس مرسي وقيادات أخرى إلى غزة، فستتحول فلسطين إلى "خط التماس" الأول بين الأخوان والسلفيين في الشرق الأوسط.

سعد