للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

هل دخل الأردن مرحلة خطرة؟



تشابك مشكلة الإصلاح السياسي مع الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، يخلق كوكتيلاً قد يثبت عما قريب أنه متفجِّر.
- I -
هل مانسمع الآن هو أجراس إنذار تُنذر بمرحلة دقيقة وخطرة في المملكة الهاشمية؟
أجل، ولسبب بسيط ومُقنع: أزمة الإصلاحات السياسية بدأت تتقاطع بشكل ملتهب مع أزمة أخرى لاتقل خطورة: تفاقم المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية الصعبة في البلاد. وهذا مايخلق الآن كوكتيلاً خطراً، وربما متفجراً، في حال سخُِّرت الأزمة الاقتصادية لخدمة الاهداف السياسية.
سنأتي إلى الأزمة الأولى (الإصلاح السياسي) بعد قليل. لكن قبل ذلك لابد من التوقف أمام الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية لنقول أنها باتت تشكّل في الأونة الأخيرة تحدياً ربما يكون أخطر من التظاهرات التي انطلقت اليوم في عمان طلباً للإصلاحات.
فالبطالة مرتفعة للغاية، وكذا التضخم، والعجز في الموازنة. والسلطات الأردنية واقعة بين فكي كماشة غاية في التعقيد: فهي مضطرة إلى تقليص معدلات دعم الوقود والمواد الغذائية بهدف تقليص الضغوط الهائلة على الموازنة، وكتلبية لشروط صندوق النقد الدولي التي وضعها في هذا الصدد مقابل منح الأردن قرضاً تسهيلياً بقيمة ملياري دولار. لكنها إذا مافعلت، قد تواجه انتفاضات شعبية تفيد منها جماعة الإخوان المسلمين حتى الثمالة لتحقيق أهدافها السياسية.
يقول شون يوم، الأستاذ في جامعة تيمبل والخبير بالشؤون الأردنية:" الأردن عالق بين رحى خيارات مستحيلة. إذ أن مختلف أنواع الدعم توازي ثالث أكبر بند في ميزانية الحكومة (بعد أجور القطاع العام ونفقات الدفاع). والحكومة لن تقوم بصرف الناس من الخدمة فيما البطالة تُعتبر حالياً أكبر قضية في الشارع الأردني؛ كما لن تعمد إلى خفض نفقات الدفاع بينما الحرب مستعِّرة إلى الشمال في سورية. وهذا ماقد يجبر السلطات في خاتمة المطاف على اللجوء إلى خفض الدعم".
بيد أن مثل هذا الخفض يعد خياراً ملتهباً، كما أسلفنا. وهذا ما يجعل الحكومة تمارس معه سياسة "خطوتين إلى الأمام، خطوة واحدة إلى الوراء".
لكن، الآن، ومع وصول الأزمة السياسية بين الموالاة والمعارضة إلى لحظة الحقيقة مع حل البرلمان والاتجاه إلى إجراء انتخابات نيابية ستكون تقسيمية إلى حد كبير، يجب وضع الوضع المعيشي والأزمة الاقتصادية في الحسبان كلما بدأنا التفكير في مآل الصراعات الراهنة في الأردن.
- II -

نأتي الآن إلى الأزمة السياسية لنتساءل: هل عُلِّق الأصلاح الديمقراطي في الأـردن إلى مالانهاية، وهل قرر الأردن أن يسير على نهج المَلَكِيات الأخرى في دول الخليج، بدل أن يحذو حذو المَلَكِية المغربية؟
الإجابة على هذا السؤال تأتي سريعاً من أقطاب المعارضة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين الذين قرروا مقاطعة الانتخابات المحتملة في أواخر السنة الحالية وقد تتبعهم العديد من الاحزاب اليسارية والليبرالية. فهم يقولون أن قانون الانتخاب الجديد الذي صادق عليه الملك عبد الله مؤخراً، سيُعيد انتاج برلمان تُهمين عليه المصالح القبلية الضيقة المستندة إلى النظام الزبائني. ويضيفون أن وعد الملك بتعيين رئيس للحكومة بالتنسيق مع البرلمان الجديد، لم تعد تعتبر خطوة في الطريق القويم نحو الإصلاح، بعد أن ضمن الملك هيمنته على البرلمان.
أما أنصار القانون الانتخابي فهم يروون قصة أخرى، غير تلك التي يروّجها الخصوم الذين يقولون أن هذا القانون يشوّه التمثيل الشعبي حين يعطي المناطق القَبَلِية قليلة السكان تفوقاً كاسحاً على المدن المكتظة بالسكان.  يقول الأنصار أن خطوة الملك كانت حكيمة وحصيفة للغاية، لأنها متطابقة مع الإرادة الشعبية التي ترى مايجري من مآسٍ في سورية، فتفضِّل الأمن والاستقرار على الإصلاح الديمقراطي والحريات.
من نصدِّق؟
من زاوية براغماتية، يبدو الملك بالفعل حصيفاً. فالشعب الأردني ربما يخشى حقاً من حال عدم الاستقرار، ولايزال يمحض النظام الملكي فرصة اختيار موعد الإصلاح. ثم جاءت الأزمة السورية لتعزز بقوة هذا المنحى.
فضلاً عن ذلك، يستطيع البلاط أن يراهن على دعم خارجي قوي. فالولايات المتحدة تحتاج قواته الخاصة وأجهزة مخابراته لمواجهة احتمال تفكك سورية ووقوع الأسلحة الكيمائية في أيدي الأصوليين المتطرفين. كما في وسعه الاسترخاء (ولو نظرياً!) في أحضان دول الخليج، التي كانت طرحت أصلاً عليه الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي كجزء من خطتها لتحصين هذه الدول ضد عواصف الربيع العربي.
بيد أن محصلات هذه الحصافة الملكية قد تكون آنية وقصيرة العمر، لأسباب عدة قد تجعلها تنقلب إلى عكسها:
1- فإذا ما قررت أحزاب المعارضة مواصلة مقاطعة الانتخابات، المرجح حينها أن تنخفض نسبة المشاركة الشعبية إلى أقل من 50 في المئة. وحينها ستكون مسألة شرعية ومقبولية النظام موضع تساؤل كبير وشك أكبر.
2- الرهان على استمرار الخفوت الشعبي، أشبه بالرهان على الطقس الصحراوي الذي قد تهب فيه العواصف من دون سابق إنذار. فالمزاج الشعبي يتغيّر بسرعة، خاصة في ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة والأعاصير الديمقراطية التي تجتاح المنطقة من أقصاها إلى أقصاها. ولاننسى هنا أن الأردن بلد صحراوي، وأن الجغرافيا تؤثر فيه بقوة على التاريخ والسياسة.
3- صحيح ان صور المذبحة السورية مرعبة، لكن وراء هذه الصورة ثمة مشهد لشعب يقاتل بكل جوارحه من أجل الحرية، ويوفّر لشعوب المنطقة خريطة طريق لإطاحة أعتى الأنظمة السلطوية والاستبدادية. وحين يبدأ الشعب السوري موسم حصاد هذه التضحيات الجسام وينطلق نحو تجربته الديمقراطية الخاصة (مهما كان شكلها الدستوري)، سيصل الدرس سريعاً إلى كل مكونات الشعب الأردني.
4- لقد كان الملك عبد الله أول مسؤول عربي رفيع يدعو الرئيس بشار الأسد إلى التنحي. فهل فعل ذلك لمجرد إطلالته على موازين القوى المحلية والدولية، أم لاقتناعه بأن حبل الاستبداد قصير؟
5- تجميد الإصلاح سيؤدي على الأرجح إلى عكس النتائج المرجوة منه، ومن بينها الاستقرار، في لحظة تاريخية حرجة للغاية. فالأردن كان يحتاج في مثل هذه اللحظة إلى وحدة وطنية عليا تستند إلى الرضى والمقبولية العامة، لا إلى مقاطعات وإنشطارات مجتمعية وسياسية، لتحصين البلاد من العواصف.
- III -
ماذا يعني كل ذلك؟
أمراً واحداً: خطوات الملك الدستورية والاقتصادية الأخيرة كانت حصيفة  تكيتكياً، لكنها  قد تكون سلبية وخطيرة استراتيجياً، إذا ما تأكد أن ماهو سائد في الأردن هذه الأيام هو أدوات التحليل القديمة لفهم وتحليل معطيات جديدة كل الجّدة. وأي نظرة طائرة إلى مايجري في المنطقة من تونس والمغرب إلى مصر، خاصة على صعيد التحالف المستجد بين واشنطن وجماعات الإخوان المسلمين، كافية لتوضيح هذه النقطة.

                                                                                سعد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق