للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

حوار مع وزير خارجية الإمارات حول الإخوان والدولة والوطنية



             

- I -
 -وزير حارجية الإمارات الشيخ عبد الله - الصورة من غوغل
بداية، كاتب هذه السطور ليس، كما هو معروف،  من جماعة الإخوان المسلمين ولا من أنصار برامجه، بل هو ينتمي إلى عروبة جديدة تستند إلى الديمقراطية والحريات وحقوق الفرد والأقليات.


هذه المقدمة كانت ضرورية كي لايُفسّر تعليقنا على حملة وزير الخارجية الأماراتي، الشيخ عبد الله زايد آل نهيان، على الأخوان المسلمين على أنها دفاع عن هذه الجماعة بما هي كذلك. لا بل أكثر: كان ثمة مشكلة تاريخية عويصة بين جيلنا (في الستينيات والسبعينيات) وبين جماعة الأخوان، بسبب الموقف السلبي والعنيف الذي اتخذته الجماعة في كل البلدان العربية من حركة النهضة الحداثية الناصرية في تلك الحقبة، والذي أدى إلى شرخ إيدلوجي- ثقافي بين القوميين والإسلاميين أضعف كل جماع الأمة وسهَّل اختراقها من قوى خارجية.
الآن، وبعد قول كل شيء عن التبرير، نأتي إلى التحليل.
بيان الشيخ عبد الله حول "عدم إبمان فكر الإخوان المسلمين بالدولة الوطنية وسيادة الدول (والأرجح ان المقصود هنا هو مفهوم الدولة- الأمة Nation-state) صحيح من الناحية النظرية، لكنه ليس كذلك من الناحية العملية ومستلزمات التطور التاريخي.
من حيث المبدأ، كل الحركات الإسلامية بلا استثناء، بمن فيها السلفية والصوفية والجهادية، فضلاً عن جماعات الإخوان، لاتؤمن بالدولة- الأمة الحديثة وتعلن انتمائها إلى الأمة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية، أو دار الإسلام. بيد أن هذا الموقف الإديولوجي لم يمنع أياً من حركات الإسلام السياسي من الانخراط في العمل الوطني في كل الدول العربية بلا استثناء.
فحزب العدالة والتنمية في المغرب يطرح برنامج عمل اقتصادياً- اجتماعياً وسياسياً وطنياً بالكامل. وكذا الأمر بالنسبة إلى حزب النهضة التونسي، وجماعة الاخوان في الأردن (التي كانت شريكاً رسمياً للنظام الملكي منذ نيف و40 عاما)، وجماعة الأخوان السورية التي طرحت برنامجاً سياسياً تتراجع فيه الإيديولوجيا أشواطاً وراء الأجندات الوطنية.
ومن استمع إلى خطاب الرئيس محمد مرسي الأخير بمناسبة حرب أوكتوبر، سيفاجأ بأن 99 في المئة منه كان مخصصاً لـ"الدولة" (بما في ذلك الغزل العنيف للجيش وأجهزة الأمن ووزارة الداخلية) وليس للإديولوجيا الإسلامية.
كل هذه المعطيات بديهية في الواقع. وقد كان الباحث في الشؤون الإسلامية ناثان ج. براون (في كتابه الأخير "مشاركة لا مغالبة"*) مُجلياً في توضيح هذه النقطة، أي غلبة الواقعية والراغماتية والمصالح الانتخابية على الإيديولوجيا لدى أي تيار إسلامي ينخرط في العمل السياسي. فما بالك إذا ما كان هذا التيار منغمس حتى أذنيه، كما الآن، في ممارسة السلطة، خاصة في مصر وتونس؟ خطاب مرسي "اللاإديولوجي" يشي بالكثير في هذا الصدد.
براون يطرح في هذا المجال مقارنة مثيرة بين أحزاب الإسلام السياسي الحالية وبين الاحزاب المسيحية الديمقراطية التي نشأت في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، والتي بدأت هي الأخرى حركات إصلاح ديني وانتهت (بعد مشاركتها في النشاط العام والسلطة) بأن أصبحت هي مادة إصلاح على يد السياسة والسلطة.
المفكر الفرنسي البارز أوليفييه روا يذهب أبعد من ذلك بكثير. فهو يرى، على سبيل المثال، (في دراسة نشرتها مؤخراً دورية world policy Journal **) أن وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، سيحملها ليس إلى الاندفاع لإقامة دولة دينية بالتحالف مع السلفيين بل إلى الارتماء في أحضان مؤسسات الدولة من جيش وأمن وبيروقراطية. لماذا؟ لأن العولمة وثورة المعلومات والإعلام الاجتماعي أدّت، برأيه، إلى سقوط احتكار جماعات وفئات لتفسير الشريعة. وهذا ما حوَّل الدين بشكل متزايد إلى علاقة مباشرة بين الفرد وربه. وبما أنه لم يعد في مقدور الإخوان (ولاغيرهم) أن يحتكروا الاجتهاد الديني أو أن يفرضوا تفسيراتهم على المواطنين، فهم سيجدون أنفسهم بشكل متزايد في إطار "إديولوجية الدولة" لا في سياق الإديولوجية الدينية.
- II -
هذه المعطيات يجب أن تناقش بعمق، لأن الأفكار خلال مراحل الانتقال التاريخية العنيفة، كتلك التي تمر بها المنطقة العربية الآن، قد تتحوّل ببساطة إلى أخطاء استراتيجية إذا ماكانت غير دقيقة أو صائبة.
حدث هذا للولايات المتحدة حين اعتقدت أن تنظيم القاعدة هو الإسلام وليس مجرد فئة معزولة متطرفة على هامش التيار العام الإسلامي، فكانت الحصيلة حروباً "استراتيجية" مدمرة لامعنى لها خرجت منها الدولة العظمى الوحيدة مثخنة بالجراح.
والآن، قد تقع دولة الإمارات في خطأ استراتيجي مماثل إذا ماهي اعتقدت أنها تتعامل (كما ألمح الشيخ عبد الله) مع تنظيم عالمي للإخوان يسعى إلى تدمير سلطة الدول العربية، أو على الأقل "اختراق هيبة الدول وقوانينها" على حد تعبيره. فهذه إطلالة أمنية على حالة سياسية، تماماً كما كانت الحرب الغربية على الإرهاب تحويل لمشكلة بوليسية يجب أن تحلها أجهزة السلطة والقضاء إلى حرب حضارات شاملة وكارثية.
أجل. من حق دول الإمارات أن تكون حذرة وحريصة على أمنها الوطني. لكن السؤال هنا ليس لماذا بل كيف.
وهذه الـ"كيف" تكاد تتلخّص بجملة واحدة: التحليل العلمي الهاديء والواقعية السياسية. وكلا هذين الأمرين يقودان سريعاً إلى الاكتشاف بأن جماعات الإخوان الصاعدة في كل المنطقة هذه الأيام ستكون في تحدٍ ومعارك مع نفسها أولاً وأخيرا، وليس مع الآخرين، حول مدى قدرتها على تطويع الإديولوجيا لمصلحة السلطة، والمباديء لمصلحة المصالح. وهنا سنسمع كثيراً في مقبل الأيام ترداداً بين هذه الجماعات للمقولة الشهيرة: الضرورات تبيح المحظورات.

                                           - III - 
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية سبق أن أشرنا إليها قبل الآن في هذه الزاوية، وهي كيفية حفاظ دولة الإمارات على الإرث الوطني والقومي الغني الذي ضخه الشيخ زايد  في كل نسيج الدولة الوليدة منذ العام 1971، والذي وفّر لها شرعية عربية وسمعة دولية قلّ نظيرها. ولو أن الشيخ زايد أطلّ آنذاك على التحديات الكبرى التي واجهت هذا الكيان الفيدرالي الجديد عبر نظارات أمنية محضة، لكانت الإمارات ربما تعاني الآن من بعض آلام عدم الاستقرار.
لامصلحة لدولة الإمارات في خوض "معركة إقليمية" على هذا النحو مع ربيع عربي تقوده الآن جماعات الإخوان (وقد لايقوده طويلا!). ولامصلحة لدولة الإمارات بالغرق في لجج قلق أمني مبالغ فيه من تنظيم إخواني عالمي يعلم الجميع أنه منذ أمد طويل أقل من حبر على ورق. وأخيراً لامصلحة للإمارات بخسارة سمعتها العالمية من خلال اعتقالات عشوائية تشمل ليس فقط المشتبه فيهم بل حتى محاميهم.
إن مطالبة فئات إماراتية بتوسيع دائرة المشاركة السياسية، والحريات الصحافية، وسيادة القانون، ليس مؤامرة، بل هو في الواقع تعزيز لهيبة وشرعية دولة توفّر لمواطنيها واحدة من أعلى مستويات المعيشة في العالم.
وإذا ماكانت جمعية الإصلاح تطرح هذه المطالب، فهذا لايجعلها (على رغم أننا نكرر خلافنا معها) في "حالة حرب" مع وطنها.

سعد
( *) ناثان ج. براون: المشاركة لا المغالبة: الحركات الإسلامية والسياسة في العالم العربي. ترجمة سعد محيو. الشبكة العربية للأبحاث والنشر- بيروت، 2012.
(**) OLivier Roy: Beyond Isam> World policy Journal. Volume xxvIII, no 4, Winter 2011/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق