للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 18 مارس 2013

السعودية: ماذا تفعل يا سلمان العودة؟



- I -
وَصفُ الخطاب المفتوح الذي وجهه الشيخ د. سلمان العودة إلى الحكومة السعودية بأنه "تهديد وابتزاز" (كما فعلت صحيفة سعودية) ليس صحيحاً ولاهو دقيق.
ا

فالخطاب يعج بالمخاوف على مصير الوطن السعودي نفسه، أكثر ما يتضمن النقد أو الاتهامات. كما أنه يموج بالدعوات إلى التفاهم بين السلطات والمواطنين على الإصلاح لا على الحث على التمرد والثورة.
نقرأ في الخطاب:
- الحفاظ على المكتسبات، والتي منها الوحدة الجغرافية (أي عدم تقسيم السعودية)، يحفزنا إلى المناشدة بالاصلاح، فالبديل هو الفوضى والتشرذم والاحتراب.
- في الأفق غبار ودخان، ومن حقنا أن نقلق مما وراءه. والقبضة الأمنية ستزيد الطين بلة وتقطع الطريق على محاولات الإصلاح.
- من أسباب الاحتقان: الفساد المالي والإداري، البطالة، السكن، الفقر، ضعف الصحة والتعليم، وغياب أفق الإصلاح السياسي.
- ماحدث أسهم في تمزيق النسيج الاجتماعي وأحدث قطيعة، وهي أزمة يمكن أن تتحوّل إلى فرصة للتصحيح، وفي أهلنا سماحة وقدرة على التجاوز.
- ثمة مواطنون خائفون من الفوضى والانفلات، ويحتاجون إلى من يهدىء مخاوفهم بمشروع واقعي إصلاحي يكونون شركاء فيه.
- II -

أين التهديد والابتزاز في هذه النصوص؟
إنها غير واردة بالطبع لا في السطور ولا في ما بين السطور. لا بل هي أقرب كثيراً إلى النصيحة وأبعد بما لايقاس عن الحث أو التحريض.
وإذا ما اختارت السلطات السعودية، كما هو متوقع، إلحاق هذه الرسالة بالمئات من شقيقاتها الرسائل المشابهة إلى أرسلتها إلى قسم المحفوظات، فهي قد تنجح مؤقتاً في فصل صوت الاحتجاجات عن صورتها داخل المملكة. لكن داخل المملكة فقط.
لماذا في الداخل وحسب؟
ليس فقط لأن هناك نحو 2،5 مليون شخص يتابعون الشيخ العودة على توتير وبقية وسائط الاتصال الاجتماعي، بل أيضاً لأن التاريخ والاجتماع البشريين في منطقة الخليج ليسا البتة قوالب جامدة لاتتغير، مهما كانت هذه القوالب قوية. فهذه سنّة الحياة والكون التي عبّر عنها ابن خلدون بدقة رائعة حين قال: " إذا ما تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم وكأنه ولد من جديد".
حسناً. الأحوال تغيّرت بعمق في منطقة الخليج بفعل وتائر التحديث الاقتصادي والثقافي السريعة، التي نقلت مجتمعاتها من البداوة والفقر المدقع إلى المدينية والغنى الواسع. ومثل هذه النقلة، التي أفاضت "مدن الملح" في الحديث عنها، كانت تُبرز الحاجة إلى تطوير البنى السياسة التقليدية على قدم المساواة مع البنى البيروقراطية والاقتصادية الحديثة. أي: الانتقال من "الديمقراطية القبلية الأوّلية" إلى الديمقراطية الشعبية. وهذه مرحلة مرّت بها كل الديمقراطيات الغربية التي انتقلت هي الأخرى من التركيبة القبلية ثم الاقطاعية، وبعدها (مع ثورة الحداثة منذ القرن 16) إلى حكومة  ديمقراطية من الشعب للشعب.
بالطبع، التغييرات التي طرأت على مجتمعات الخليج لاتشبه الانقلابات الصناعية والبورجوازية في أوروبا، لكنها مع ذلك تغييرات عميقة بسبب ترافق التحديث الاقتصادي والإداري مع ثورة تكنولوجيا المعلومات. وهذا أدى إلى خلق ما أسماه عالم الاجتماع المجري إيلمر هانكيس "المجتمع الثاني" المستقل عملياً عن السلطة السياسية، والذي يستند إلى المكونات التالية:
- الطفرة الهائلة في عدد الشباب (Youth Bulge ) دون سن الخامسة والعشرين، الذين يعيش معظمهم في المدن. وقد سجّل تقرير للأمم المتحدة أن البلدان التي تشهد طفرة شبابية، تتوافر على احتمالات تفوق الـ80 في المئة من بقية الدول بأن تحدث فيها ثورات اجتماعية أو انتفاضات عنفية.
- الانتشار السريع للفضاء الأثيري الذي خلقته ثورة المعلومات والاتصالات ( Ict)، والتي أطلقت فرصاً هائلة للترابط الاجتماعي، والتواصل، وتبادل الأفكار بين ملايين الشباب.
- الطفرة الكبرى الأخرى في أعداد خريجي الجامعات (العديد منهم عاطلون عن العمل)، خاصة منهم الذين تلقوا دروسهم في الجامعات الغربية، وباتوا قادرين على التمييز بين حقوق الإنسان (والمرأة ) في الغرب وبين محدودية هذه الحقوق في بلدانهم.
- توسّع عضوية المنظمات غير الحكومية ومنظمات القطاع الثالث، والتي لعبت فيها وسائط الإعلام الاجتماعي الدور الأول.
وأخيراً، وربما الأهم، بروز ما أسماه زبغنيو بريجينسكي "اليقظة السياسية العالمية" للمرة الأولى في التاريخ، والتي حولّت العالم بالفعل إلى "قرية سياسية " حقيقية في الزمان الحي بعد أن أُلغيت حواجز المكان عبر الانترنت والهواتف النقالة ومجانية الاتصالات الدولية، والفضائيات التلفزيونية.

- III -
هذه هي تركيبة "المجتمع الثاني" الذي وُلِدَ في منطقة الخليج، والذي كان وراء ثورات الربيع العربي في مصر وتونس ولبييا والبحرين واليمن وسورية. وأخطر ما هذا المجتمع أنه "غير مرئي" على رغم أن آثار أقدامه وبصماته مبعثرة في كل مكان.
ومالم تتأقلم أنظمة الخليج مع متطلبات المجتمع الثاني هذا، ستفاجأ بالفعل بتطورات قد لاتخطر على بال، كما أشار عن حق الشيخ سلمان العودة في خطابه.. اللاابتزازي واللاتهديدي.

سعد محيو

هناك تعليق واحد: