للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 27 مارس 2013

أي "تفاهم" تركي- إسرائيلي مُحتمل في سورية؟


- I -
فيما كانت كل الأنظار متجّهة نحو القمة العربية في الدوحة لمعرفة المنحى الجديد الذي سستسير إليه الأمور في بلاد الشام في ضوء منح المعارضة مقعد سورية في الجامعة العربية، كان ثمة أحداث جلل أخرى من وراء الستار تتوالى فصولاً وتنبىء بانقلاب جذري في موازين القوى في الشرق الأوسط.
أردوغان- نتنياهو: أي نقاهمات؟ (الصورتان من غوغل


نقطة إنطلاق هذه الأحداث: المصالحة التركية- الإسرائيلية المفاجئة، والتي كان الدافع إليها دافعان: أحدهما ضمني والآخر علني.
الدافع الضمني جاء بحفز من الولايات المتحدة التي أرادت (خلال جولة الرئيس أوباما الشرق أوسطية الأخيرة) أن تدفع أنقرة وتل أبيب إلى التفاهم، بدل التنافس، كي يشكلا معاً "وكالة إقليمية مشتركة" للباكس أميركانا في المنطقة. وهذا بالطبع في ضوء الاستراتيجية الأميركية الجديدة القاضية بـ"الاستدارة شرقاً" ( Pivot) نحو منطقة آسيا- الباسيفيك، التي تتطلّب تقليص الألتزامات الأميركية في باقي أنحاء العالم.
والدافع العلني هو الأحداث المتدهورة بسرعة في سورية، والتي ستتطلب من أنقرة وتل أبيب تنسيقاً سريعاً لمنع تداعياتها على أمنهما القومي.
والواقع أن الأولوية السورية في جدول أعمال المصالحة التركية- الإسرائيلية كانت واضحة في تحليلات معظم المصادر الغربية. وهذه عينات منها:
- فايننشال تايمز: "كان من الصعب التغلب على العدواة الشخصية الكبيرة بين نتنياهو وأردوغان، لكن حالة السيولة الراهنة في الشرق الأوسط دفعتهما إلى إظهار مرونة فاجأت الكثيرين. وبالتالي، المصالحة بينهما ستمهد الطريق أمام تعاون أكبر بينهما في سورية المجاورة".
- روس ويلسون، السفير الاميركي السابق لدى أنقرة:" أردوغان أحد أكثر الشخصيات السياسية براغماتية. فهو قد يتخذ مواقف صلبة إن لم يكن متطرفة، ومع ذلك فهو لايتردد في القيام بخطوات من شأنها ترقية مصالح تركيا. وهذا ما فعله بمصالحته نتنياهو: إنه أزال مشكلة كبيرة تعترض العلاقات الأميركية- التركية وكانت تعيق قدرة الرئيس أوباما على التعاطي بحصافة مع أنقرة. أردوغان الآن  بات في موقع يمكنه من توسيع بنود لائحة احتمالاته في سورية".
- نيويورك تايمز: نجاح أوباما في إعادة الحرارة إلى العلاقات التركية- الإسرائيلية سيساعد منطقة متضعضعة على مواجهة الحرب الأهلية السورية. فإسرائيل وسورية لدرهما مروحة واسعة من المصالح المشتركة الأمنية والاقتصادية وكلتاهما مهتمتان بما يتكشف من أوضاع في سورية.
- II -
لكن، على أي صيغة يمكن أن يرسي عليها التفاهم التركي - الإسرائيلي حيال سورية، والتي ستحظى (في حال إقرارها) بالدعم والمباركة الأميركيين؟
ينبغي التوضيح، أولاً، إلى أننا لن نرى في الغالب أي إشارة علنية إلى مثل هذه الصيغة في وسائل الإعلام، بسبب الحساسية التي تثيرها أي مشاركة إسرائيلية في تطورات الشرق الأوسط. كل ما سيجري سيحدث سراً، تماماً مثل التفاهمات التي أبرمتها تل أبيب مع الرئيس حافظ الأسد (المعروفة باسم "الخطوط الحمر") العام 1976والتي تم بموجبها تقاسم النفوذ بين إسرائيل وسورية في لبنان.
الأمر نفسه متوقّع الآن بين أنقرة وتل أبيب، لكن هذه المرة في سورية.
كيف؟
حسنا. يجب أن نتذكّر هنا التصريح الشهير الذي أطلقه رامي مخلوف في بداية الثورة السورية، والذي أعلن فيه أن "أمن النظام السوري وإسرائيل مترابطان". كما يجب أن نتذكّر أن التفاهمات السرية بين أركان النظام السوري وبين السلطات الإسرائيلية وفّرت "سلاماً بارداً" في مرتفعات الجولان المحتلة دام نيفاً وأربعين سنة.
وهذا يعني أن إسرائيل لديها أقنية اتصال عديدة مع معظم أركان النظام السوري الراهن، خاصة وأنها شكّلت طيلة السنتين الماضيتين شبكة الحماية الأساسية للنظام من خلال نفوذها الكبير على الإدارة والكونغرس الأميركيين.
أكثر من ذلك، إذا ماقررت النخبة العلوية الحاكمة إقامة دويلة خاصة بها في المناطق الساحلية، فالأرجح أن ترفض إيران دعم هذا المشروع لاعتبارات الأمن القومي الخاصة بها، وأيضاً لاعتبارات إديولوجية إسلامية. وكذا الأمر بالنسبة إلى تركيا وبقية دول المنطقة. وهذا ماسيترك إسرائيل بصفتها الضامن الوحيد لهذه الدويلة.
في الجانب التركي، بات واضحاً أن أنقرة أصبحت اللاعب الأساسي في أوساط الأغلبية السنّية السورية لاعتبارات شتى حدودية ولوجستية وإقليمية- دولية. وهي قادرة من هذا الموقع على توفير الغطاء لأي تفاهمات مع تل أبيب حول مستقبل النظام السوري.
- III -

أين دور الدول العربية في إطار هذا التموضع الاستراتيجي التركي- الإسرائيلي؟
الدور موجود بالطبع، خاصة وأن السعودية وقطر هما الممولتان الرئيستان للمعارضة المسلحة السورية. لكن الدور العربي سيتقزم إلى حد كبير إذا ماتبلور التفاهم التركي- الإسرائيلي في صيغة محددة لتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بإشراف أميركي، وإذا ما نجح هذا التفاهم في إرساء أطر "حل مشترك" للأزمة السورية.
إذ حينها سيكون الدور العربي مجرد رجع صدى لما يجري في كواليس أنقرة وأبيب، ومعهما حليفهما القديم الجديد: الأردن.

سعد محيو






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق