للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 24 يوليو 2012

ثاني الخطايا الاستراتيجية:"الأسد الكيميائي"







 النظام السوري في ثاني خطاياه الاستراتيجية:
"الأسد الكيميائي"

- I -
هل ارتكب النظام السوري "خطيئة عمره" الثانية (بعد خطيئة فرض الحل الأمني- العسكري على الانتفاضة الشعبية)، باعترافه العلني بامتلاك أسلحة كيميائية؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. لكن قبل ذلك، إشارة إلى أن الرئيس بشار الأسد، على الأقل، لايبدو أنه يعتبر الأمر على هذا النحو، في خضم اندفاعته لـ"تطمين" إسرائيل والولايات المتحدة بأنه لايزال قادراً على حماية وصيانة أسلحة الدمار الشامل هذه.
إسرائيلياً، وصلت الرسالة وبشكل إيجابي. إذ نسبت صحيفة "هاآرتس" إلى مصدر أمني إسرائيلي رفيع أن تل أبيب تبلّغت من دمشق بأن عملية تحريك الأسلحة الكيميائية من مخازنها، تم بهدف نقلها إلى أماكن أكثر أمنا وليس لتسليمها إلى حزب الله أو غيره من المنظمات.
والأرجح أن واشنطن تلقت تطمينات مماثلة.
لكن،  وطالما أن دمشق قامت بسلسلة هذه التطمينات سراً، لماذا عمدت إلى إصدار بيان رسمي من وزارة خارجيتها، تؤكد فيه أنها لن "تستخدم هذه الأسلحة ضد مواطنيها بل ضد أي تدخل خارجي"، وأن تعترف في سياق ذلك بامتلاك مثل هذه الأسلحة المحرّمة دوليا؟
- II -
غالب الظن أن الحافز وراء ذلك كانت روسيا، حيث كانت وردت معلومات قبل هذا بيان الخارجية بأيام تشير إلى أن موسكو حذّرت الأسد من أنها لن تستطيع أن تحميه من حملة عسكرية أطلسية إذا ما استخدم الأسلحة الكيميائية، أو  إذا ما فقد السيطرة ولو على جزء منها، أو حتى إذا ماهدد باستخدامها ضد شعبه.
على أي حال، وكيفما جرت الأمور، باتت الأسلحة الكيميائية السورية (لايعتقد أن سوريا تمتلك بالفعل أسلحة بيولوجية أو جرثومية) من الآن بنداً رئيساً من بنود الأزمة السورية بشطريها المحلي والإقليمي. لا بل هي قد تتحوّل إلى لحظة من اللحظات إلى بند أول إلى الأجندة الدولية، في حال تدهورت، كما هو متوقع، الأوضاع الأمنية في سورية.
       على أي حال أيضاً، من الواضح أن الولايات المتحدة أعدت العدة بالفعل للسيناريوهات              الخاصة بهذا البند. أو هذا على الأقل ماكشف النقاب عنه مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي حدد الاستراتيجية الأميركية للتعاطي مع هذه الأمر بأربعة عناصر هي: الردع، المساعدة، الاحتواء، والإزالة:
  • الردع. ينبغي على واشنطن أن تقنع نظام الأسد بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سوف يغير قواعد اللعبة، وقد يؤدي إلى تدخل عسكري دولي فوري. كما ينبغي لها أن تنشر أنباء بين قوات الأمن التابعة للنظام بأنه ستتم ملاحقة الضالعين في استخدام الأسلحة الكيميائية ومعاقبتهم، بينما أولئك الذين يرفضون استخدام تلك الأسلحة سيلقون المساعدة إذا اختاروا الهروب من البلاد أو سيتم إعفائهم من العقاب في حالة سقوط النظام.
  • المساعدة. في سبيل التعامل مع خطر تسريب الأسلحة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل بهدوء مع روسيا - اعتماداً على تاريخهما من التعاون في مبادرات عديدة للحد من التهديدات - من أجل أن يعرضا على سوريا وسائل متعددة لتحمل المسؤولية والتحكم في مخزونها من الأسلحة الكيميائية. وفي حين أنه ليس لدى الولايات المتحدة مصلحة في تعزيز وضع الأسد، إلا أن لها مصلحة في احتفاظ النظام بسيطرته على مخزونه من الأسلحة الكيميائية طالما بقي في السلطة (بصورة مماثلة لما عرضته الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي من تكنولوجيا لمساعدتها على تأمين ترسانتها النووية خلال الحرب الباردة، من أجل تجنب الاستخدام العارض أو غير المصرح به).
  • الاحتواء. ينبغي على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع جيران سوريا من أجل إحكام السيطرة الأمنية على الحدود وضمان عدم تسرب الأسلحة الكيميائية إلى خارج سوريا. ويشمل ذلك الاستعداد لدعم الجهود العسكرية من جانب الحلفاء لمنع التسريب المنظم للذخائر الكيميائية إلى خارج البلاد.
  • الإزالة. وأخيراً، ينبغي على واشنطن - إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل حتى الآن - أن تبدأ بالتخطيط لتحديد مواقع مخزون الأسلحة الكيميائية السورية وبنيتها التحتية وتأمينها وإزالتها إذا فقد النظام السيطرة على منشآت الأسلحة الكيميائية أو إذا تداعت تلك المنشآت كلية. كما ينبغي عليها الاستفادة من دروس العراق وليبيا بثلاثة طرق: أولاً، عن طريق الإعداد لاحتمال أن تكون المعلومات الاستخباراتية الحالية بشأن الأسلحة الكيميائية السورية غير صحيحة بشكل كبير؛ وثانياً، من خلال الإدراك بأن التخلص من مخزون الأسلحة الكيميائية السوري وبنيتها التحتية قد يتم في ظل ظروف غير مستقرة، بل ربما قد تسودها أجواء العنف قبل أو بعد سقوط النظام؛ ثالثاً، عن طريق دراسة طرق لإيجاد فرص عمل مربحة لمهندسي وعلماء الأسلحة الكيميائية السوريين الرئيسيين (مثلما حدث مع نظرائهم في روسيا والعراق وليبيا) بحيث لا توظفهم دول أخرى محل قلق.
- III -
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل اعتراف دمشق بامتلاكها الأسلحة الكيميائية كانت "خطيئة عمرها" الثانية؟
الأرجح أن الأمر كذلك. فخوف النظام السوري من فقدان الدعم الروسي، دفعه إلى الكشف عن أوراق كان لايجب أن يكشف عنها. لكن هذا سيزيد الطين بلة لاحقاً بالنسبة إليه، حيث أن شكل الحوار السجالي بين واشنطن وموسكو حول الأزمة السورية سيكون مختلفاً للغاية. إذ لن يكون في وسع موسكو بعد الآن أن ترفض أي تدخل خارجي إذا ماكان شعاره انقاذ الأمن الدولي من أسلحة الدمار الشامل.
لقد ارتكب الرئيس الأسد، بتحوّله إلى "الأسد الكيميائي"، خطيئة استراتيجية لم يرتكبها لا الرئيس العراقي صدام حسين ولاحتى العقيد معمر القذافي في ذروة الحصار الغربي لهما. وهي خطيئة كانت ستكون كارثية في زمن السلم، فما بالك إذا ما وقعت في زمن تتحوّل في الأزمة السورية بشكل متزايد إلى مجابهة محلية- إقليمية- دولية شاملة ومفتوحة؟

                                                                                سعد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق