للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

الدراما الإنسانية: لا انتحار ولا "صُوف"

كيف الخروج من "الجحيم البشري"(2 من 2)
الدراما الإنسانية: لا انتحار
 ولا "صُوف"

قلنا بالأمس أن الدراما الإنسانية قد تكون لها نهاية. ونهاية سعيدة أيضا.  وسنقول اليوم كيف.

- I -
مَنْ مَنّا لم يستفق ذات صباح من ليل طويل يعج بالكوابيس، ليكتشف أنه يعيش في الواقع حياة يغشى معظم أيامها القلق والخوف والتوتر، وتغيب عنها السعادة إلا لِماما؟

 -هل السعادة ممكنة؟ أجل. - الصورة من غوغل

هل كُتِب على الجنس البشري أن يكون سجين هذا الجحيم النفسي، وأن يقتصر الخلاص على تلك الحفنة الضئيلة للغاية من الناس الذين لبسوا الصوف وفزعوا إلى الصحراء أو الجبال أو المعازل ليجدوا هناك السلام الداخلي؟
ثم: هل يكمن "الحل النهائي" لهذه الدراما الإنسانية الدائمة في مابشّر به الفيلسوف الإغريقي لوكريس، الذي قال ألامخرج سوى بالانتحار( وهو مافعله بنفسه في سن الأربعين)، أم ربما في ما دعا إليه جان بول سارتر وألبير كامو وبقية الفلاسفة الوجوديين الذين أعلنوا أن "الأخر" هو الجحيم الذي يجب إعلان الحرب عليه؟

- II -
صاحبنا إيكهارت تول لايؤمن لا بلوكريس ولا بأي من أعضاء السرب الوجودي. فهو يؤمن بأن الخروج من الجحيم الإنساني الراهن إلى الجنّة، او مايسميه "الأرض الجديدة"، ليس ممكناً وحسب بل هو أسهل من شربة ماء.
كيف؟
عبر تعرية "الأنا" الانانية والزائفة، والانتباه والتيقظ لما تبثّه فينا على مدار الساعة من أفكار سقيمة وماتجتّره من ذكريات أليمة، وأيضاً لما تفعله بنا حين تفصلنا عن وحدتنا الوجودية مع الطبيعة والكون والله، فننسى بذلك أننا مخلوقات يجب أن تكون سامية وسماوية لأننا نمتلك الوعي بالوجود.
هذا الوعي السامي والمتسامي يقف على طرفي نقيض مع وعي "الأنا" الأنانية. فهو يخلق في الإنسان أحاسيس السلام الداخلي والخارجي، والتناغم، والتوحّد مع الطبيعة والله (فتتحقق بذلك السعادة الحقيقية). هذا في حين أن ألاعيب الأنا الأنانية تُسفر عن اضطراب وتمزق وصراعات لانهاية لها.
لكن، كيف يمكن لنا أن ننتقل من وعي الأنا المتدني والمأزوم إلى الوعي الأعلى المتسامي والحقيقي؟
عبر الخطوات التالية :
-       الخطوة الأولى، والحاسمة، هي عدم الارتباط العاطفي والعقلي بكل ما هو مادي، بما في ذلك جسد الإنسان. إذ مثل هذا الارتباط هو الذي يولِّد الآلام والشقاء، لأنه يعني التعلُّق بشيء أو أشياء لابقاء لها ولاديمومة. وهذا أمر يدركه المرء حين يكون على فراش الموت أو حين يصاب بصدمة عنيفة، تجعله يعي فجأة أن التعلُّق بالمال أو الملكية أو الجسد ورغباته التي لاتنتهي، أنه كان يجري وراء أوهام زائغة وزائلة، وهي أشبه بمحاولة وقف تدفق تيار مائي جارف عبر التمنيات والأحلام. والحياة المادية تشبه بالتحديد هذا التيار الجارف الذي يتغيّر في كل دقيقة وكل لحظة.
-        وفي الوقت نفسه، يجب العمل على تسليط أضواء الوعي الصافي على الأنا، ومنعها من السيطرة على العقل وإثارة الخوف والانفعالات فيه. وهذا أمر قد يبدو صعباً في البداية، لكنه ليس كذلك إذا ما تذكّرنا أن الأنا لايعتاش سوى على ألم ذكريات الماضي وأوهام المستقبل وأنه، بالتالي، يتبخّر هباء منثوراً حين نعيش لحظة الحاضر بكل تفاصيلها. القوة الكامنة في الحاضر هائلة، لأنها الحقيقة الوحيدة التي تعبّر عن الوجود الحقيقي.
-       الإدراك بانه ليس هناك شيء أسمه اللاسعادة. هناك فقط أفكارك حول وضع صعب قد تكون فيه. فإذا ما كان في وسعك تغيير هذا الوضع فليكن، والا فلتقبل به كما هو.
-       الوعي بأنك لست منفصلاً البتة لاعن باقي البشر ولا عن الطبيعة ولا الكون. كل ذرة في دماغك أو جسمك كانت في يوم ما جزءاً من الشمس والنجوم أو حتى من إنسان آخر. وبالتالي لاتستخدم تعبير "هذه حياتي" بل تعوّد أن تقول "أنا جزء من الحياة". أنا الحياة. ومع الحياة، ليست ثمة في الحقيقة شيء اسمه الموت. فحين يتحلل الجسد، يعود المرء إلى المكان الذي كان عليه قبل الولادة: الفراغ الخلاَّق (أو العدم) الممتلىء بكل الاحتمالات الذي اكتشفه الكثير من المتصوفة والفلاسفة وعلماء الفيزياء الحديثة،  والذي هو بمثابة ولادة قيد التحقق دائما.
-       حين تعي أن معاناتك ناجمة من الأنا الأنانية، وأن هذه الأنا ليست أنت، يتحرر عقلك الصافي وتنطلق نحو السلام الداخلي والسعادة.

- III -
أفكار جميلة؟
حتماً. لا بل هي خريطة الطريق الوحيدة للخروح من "الجحيم البشري".


                                                                            سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق