رومني: القبضة الحديدية (الصورة من غوغل |
رومني،
في حال فوزه بالرئاسة، سيجلب معه طاقم المحافظين الجدد نفسه الذي نظّر لصدام
الحضارات مع الإسلام. وهذا سيسفر في الغالب عن ضغوط أميركية قوية على إخوان مصر
وتونس.
|
-1-
استطلاعات
الرأي الأميركية، قبل أيام من انتخابات الرئاسة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل،
لاتزال ترجّح فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية، لكن الفارق بينه وين منافسه
الجمهوري ميت رومني لايتجاوز النقطتين أو الثلاث.
فماذا،
مثلاً، لو أدت مضاعفات أعصار ساندي الحالي، إلى دفع بعض الناخبين الغاضبين من أداء
الإدارة الراهن في مواجهة الإعصار (كما يحدث دوماً خلال الكوارث الطبيعية) إلى صف رومني
فيضمنون بذلك فوزه؟ ثم: إذا مافاز رومني، كيف سيكون موقفه من ثورات الربيع العربي،
ليس فقط في سورية بل أيضاً في مصر وتونس؟
سنأتي
إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أمام أمرين إثنين: الأول، يتعلق بمسألة ما
إذا كان هناك حقاً فروقات بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجال المصالح والسياسة
الخارجية. والثاني، يرتبط بموقف الجمهوريين الأميركيين من قضية وصول الإسلام
السياسي إلى السلطة في المنطقة العربية.
نبدأ
مع مسألة الفروقات.
- II -
من
الحاكم الفعلي؟
يتفق
معظم المحللين على أن الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة ليس السياسة أو الحزبين
الديمقراطي والجمهوري، بل المصالح. وهذه الأخيرة تتحكَّم بها شبكة معقّدة للغاية (وأحياناً سرية) من القوى تضم الشركات
العملاقة ومتعددة الجنسية، وكبار رجال المصارف، والمجمع الصناعي- العسكري والأمني
والنفطي، وعائلات مثل روتشيلد وروكفلر ومورغان.. الخ، وجمعيات
سرية كالجمجمة والعظمة (التي كان ينتمي إليها الرئيس السابق بوش) والماسونية
وفرسان مالطا ومونت بيليرين وغيرها الكثير، التي تموُّل كل أو معظم مراكز الأبحاث
الاستراتيجية في الولايات المتحدة.
هذه "النخبة العليا"، التي تضم واحد في المئة
من أغنى واحد في المئة في أميركا، هي التي تحدد الخطوط العامة للسياسات الأميركية
لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لكن هذا لايعني أنه ليس ثمة فروقات في التطبيق
بين الحزبين، وإن كانت الأهداف واحدة.
فالحزب الديمقراطي، الذي يمثّل عادة الطبقة الوسطى
والليبراليين و"اليساريين"، يميل إلى التركيز في سياسته الخارجية على العوامل
الاجتماعية- الاقتصادية، والحوار، والتحالفات؛ فيما ينحو الحزب الجمهوري، الذي
يمثّل الشرائح العليا من الرأسمالية، إلى محض الأولوية للأمن والقوة العسكرية
وأحادية الزعامة الأميركية.
وعلى سبيل المثال، وصول جورج
دبليو بوش إلى البيت الأبيض في العام 2000 ودخول مجموعة من المفكّرين المحافظين
الجدد معه إلى البيت الأبيض، هو الذي شكَّل ردّ فعل الولايات المتحدة على أحداث 11
أيلول/سبتمبر، وأدّى إلى ظهور عقد من الغزوات والحروب. وعلى سبيل المثال أيضاً كان
لانتخاب أوباما العام 2008 تأثير كبير على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع انتفاضات
الربيع العربي عموماً، ومع روسيا (سياسة إعادة التنظيم- Reset-
)، والصين (الشراكة لا العداوة) وأوروبا الغربية
(التحالف والتشاور).
صحيح
أن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ثابتة إلى حدّ ما ولا تتغيّر كثيراً من
إدارة إلى أخرى، وهي تشمل الالتزام الكامل بأمن إسرائيل، وتدفّق النفط والغاز من
منطقة الخليج، والحرب على الإرهاب، لكن هناك تبايناً كبيراً، حتى ضمن هذه
الالتزامات الثابتة، في الكيفية التي شكّل الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون
سياستهم تجاهها. فمثلاً، توسّط الرئيس كارتر بين مناحيم بيغن وأنور السادات لإبرام
اتفاقات كامب ديفيد، في حين عمل الرئيس جورج بوش مع أرييل
شارون لعزل ياسر عرفات ووقف مسيرة التسوية. وردّ جورج بوش على التهديدات في العالم
العربي بغزو العراق وتهديد دول أخرى، في حين ردّ الرئيس أوباما على التهديد من خلال
السعي إلى المصالحة والحوار. بعض الرؤساء الأميركيين يرون أن تأمين مصالح أميركا
في النفط والغاز ممكن من خلال الانتشار العسكري، بينما يرى أخرون أنه ممكن من خلال
بناء
تحالفات إقليمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وفيما
لاتتغيّر المصالح الأميركية من إدارة إلى أخرى، إلا أن الطريقة التي تسعى من
خلالها كل إدارة لضمان تلك المصالح والتفاعل مع الأحداث الجديدة يمكن أن تختلف
بشكل كبير، كما يمكن أن تؤدّي إلى تبنّي سياسات مختلفة جداً.
ثم:
صحيح أيضاً أن ثمة تشابهاً نسبياً بين المرشّحَيْن أوباما ورومني في مواقفهما من
الشرق الأوسط، إذ يبدو أن كليهما يعكسان توجّهات السياسة العامة التي بدأت في
العامين الأخيرين من رئاسة جورج دبليو بوش. وتشمل هذا الموافقة على الانسحاب من
العراق، والاتفاق على الانسحاب من أفغانستان في العام 2014، والاتفاق على منع
إيران من الحصول على سلاح نووي من دون اللجوء إلى العمل المسلح، والاتفاق على
تغيير النظام في سورية، وتقديم شكل من أشكال الدعم للمعارضين السوريين، ودعم
الربيع العربي والديمقراطية، لكنهما يختلفان حول عدد من القضايا. إذ ينتقد المرشّح
رومني أوباما لأنه ينأى بنفسه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ولعدم وقوفه
الى جانب أعضاء الثورة الخضراء في إيران في العام 2009.
لكن
الأهم بالنسبة لموضوعنا الجالي أن رومني ينتقد أوباما ينتقده لكونه يستسيغ كثيراً
أحزاب الإسلام السياسي التي فازت في الانتخابات في الدول العربية الرئيسة. وهذا
يعيدنا إلى الشق الثاني من سؤالنا الأول: هل يمكن أن تتغيّر السياسة الأميركية
إزاء جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة العربية إذا ما فاز رومني؟.
-
III -
عودة
المحافظين الجدد
يجب
أن نتذكّر هنا أن الحزب الجمهوري يضم اليوم عدداً أكبر بكثير من اليمينيين
المتطرفين والمحافظين الجدد مما كان عليه الحال حتى في ظل حكم بوش الأبن. والعديد
من هؤلاء هم من أتباع المؤرخ برتراند لويس، الذي يعتبر "شيخ المحافظين
الجدد"، وتلميذه صموئيل هانتينغتون، اللذين نظّرا لـ"العدو الإسلامي
البديل عن الشيوعية" ولصدام الحضارات. هؤلاء سيحتلون حتماً مواقع بارزة في إدارة
رومني، وسيعملون لتعديل العلاقات مع
جماعات الإخوان المسلمين. قد لايندفع هؤلاء إلى مناصبة هذه الجماعات العداء، لكنهم
سيمارسون حتماً عليها ضغوطاً هائلة لحملها على التصدي بقوة للتيارات الإسلامية
المتطرفة.
لقد
دعا الكاتب الأميركي الليبرالي توماس فريدمان إدارة أوباما، غداة قتل السفير
الاميركي في ليبيا واجتياح السفارة الأميركية في القاهرة، إلى رفض منح الرئيس
المصري مرسي وحزب النهضة التونسي "فترة سماح" قبل التصدي للإسلاميين
المتطرفين. وإذا ما كان هذا هو موقف الليبرالييين الأميركيين الذين كانوا من أشد
الداعمين لثورات الربيع العربي، فكيف سيكون عليه موقف المحافظين الجدد في إدارة
رومني؟
يقول
بول سالم، الخبير بالشؤون الأميركية ومدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في هذا
الصدد:
"من
شأن إدارة برئاسة رومني أن تكون أكثر تشكّكاً تجاه الحكومات الإسلامية في مصر أو
تونس أو في أماكن أخرى. وستبدأ مثل هذه الإدارة العمل بصورة براغماتية وتبني على
العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية السابقة مع هذه الدول، لكن في أوقات الأزمات،
كما رأينا في الحادث الذي وقع في بنغازي قبل أسابيع عدّة، قد تتفاعل إدارة رومني
بشكل راديكالي وسريع وتحمّل الحكومات الوطنية المسؤولية، وتشرع في المواجهة أو
تنتهج سياسات مغامِرة قد تجلب المزيد من عدم الاستقرار إلى المنطقة".
وهذا
يعني أنه سيكون على جماعة الإخوان المصرية وحزب النهضة التونسي أن يبدءا من الآن
في بلورة استراتيجية عمل جديدة مع قوى التطرف الأصولي، في حال أرادتا أن تحافظا
على الدعم الاميركي الثمين الذي سهّل إلى حد كبير تحييد الجيشين المصري والتونسي
ومنعهما من عرقلة عملية الانتقال السلمي إلى السلطة.
أما
بالنسبة إلى سورية، وعلى رغم أن إدارة رومني لن تتحرّك في الغالب قبل ستة أشهر من
وضع يدها على البيت الأبيض لانشغالها في التعيينات الجديدة وترتيب بيتها الداخلي،
فإنها ستنحو حتماً نحو التصعيد مع النظام السوري ليس انطلاقاً من اعتبارات أخلاقية
بل جيو- سياسية: منع روسيا والصين من ترسيخ موطىء قدم لهما في الشرق الأوسط الذي
يعتبر بوابة قارة أوراسيا التي تمكّن من يحكمها من السيطرة على العالم. وهذا
التحرُّك قد يتراوح بين الانغماس في حروب بالواسطة (Proxy
wars
) مع روسيا وإيران في بلاد الشام، وبين تزعم حملة عسكرية جوية لحلف شمال الأطلسي
(على رغم إعلان رومني في حملته الانتخابية أنه لاينوي التدخل عسكرياً في سورية).
انظروا
وراءكم
ماذا
تعني كل هذه المعطيات؟
أمراً
واحدا: إدارة رومني ستواصل سياسة إدارة أوباما في تعاطيها مع الربيع العربي، لكنها
لن تفعل ذلك وهي تضع قفازات حريرية بل
حديدية؛ كما ستكون أقل تسامحاً وأكثر إلحاحاً وضغطاً على حكومات الربيع العربي كي
تنفّذ شروط "الصفقة" التي تم على أساسها وصولها إلى السلطة: كبح جماح
التيارات الإسلامية المتطرفة.
لقد
قال أوباما غداة الهجوم على السفارة الأميركية في القاهرة أنه "لايعتبر
مصر(في عهد مرسي) حليفاً ولا عدوا". لكن رومني الرئيس قد يقول أكثر بكثير من
هذا إذا ما طرأ حدث مماثل في العلاقات مع مصر وتونس. سيقول على الأرجح:" ما
لم تتحرّك الحكومتان المصرية التونسية بقوة للتصدي لـ"الإرهاب الإسلامي"
سنعتبرهما خصماً إن لم يكن عدوا".
وحينها
سيكون على الأخوان المصريين والتونسيين التلفُّت باستمرار إلى الوراء ليروا ما إذا
كانت القوات المسلحة وأجهزة الأمن المصرية والتونسية (حيث لم تشهد مصر وتونس منذ نجاح الثورة أي إصلاحات
ذي شأن في قطاعهما الأمني) تتعقبهم!
سعد