للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

السبت، 4 أغسطس 2012

علويو سوريا أمام قرار مصيري "أخير"





- I -
ماذا بعد إعلان فشل مهمة كوفي أنان في سورية؟

لاشيء، على المستوى الدولي على الأقل. فهذه المبادرة ولدت ميتة في أصلا، لأن هدفها لم يكن تنفيذ بنودها الست لانتشال سورية من بين براثن حرب أهلية مدمّرة، بل تطبيق بند واحد مغاير هو تبرير اللاتدخل الدولي لحل الأزمة في بلاد الأمويين.
هذا ماكانت تريده إدارة أوباما، على رغم إيحائها في البداية أنها تلقي بثقلها كاملاً إلى جانب هذه المبادرة. إذ هي كانت في الواقع "تقاتل" لتجنُّب أي تورط في السياسة الخارجية قد ينسف فرص فوز الرئيس أوباما بولاية ثانية. وهذا ماكانت تسعى إليه روسيا، التي "تناضل" منذ نيف و17 شهراً لمنح الرئيس بشار الأسد كل الفرص والامكانات والملاءات لوضع حد للانتفاضة الشعبية بالقوة العارية.
وقل الأمر نفسه عن القوى الإقليمية الرئيس (السعودية وإيران وتركيا) التي فسّرت مبادرة أنان وفق أجنداتها الخاصة، فبدا المبعوث الدولي- العربي وكأنه أشبه بالماء الذي يأخذ شكل الوعاء الذي يوضع فيه.
أنان كان يعلم منذ اللحظة الأولة لانطلاق مهمته أن نجاح أو فشل مهمته لايعتمد على مايحدث في دمشق، بل على مايجري في موسكو، وبالدرجة الثانية في طهران. ولذا، كرّس جلّ جهوده تقريباً لمحاولة جذب قيصر روسيا الجديد بوتين إلى مقطورة الحل. وحين اكتشف أن هذا الهدف صعب المنال، آثر مغادرة المسرح.
والآن، وبعد استقالة المبعوث الدولي، ربما سيتعيّن على القوى الكبرى إما أن تُعيِّن شخصية أخرى مكانه، أو أن تعمل على الإيحاء بأن مبادرة مجلس الأمن لم تمت مع أنها توفّت (...). وكل ذلك لتبرير عجزها عن بلورة قواسم مشتركة لحكم مشترك (كوندومينيوم) في سورية الجديدة. بيد أن هذا لن ينجح في إغفال الحقيقة بأن الاستقطاب الدولي حيال سورية وصل إلى أقصاه، إلى درجة دفعت البعض إلى الحديث عن عودة الحرب الباردة، على رغم أن أميركا وروسيا تسبحان في بركة رأسمالية متعولمة واحدة هي منظمة التجارة العالمية.
- II -
مثل هذا الاستقطاب، سيعيد الكرة إلى الداخل السوري، ما يدفع إلى طرح السؤال: ما طبيعة التسوية الداخلية التي يمكن تولد من رحم مرجل العنف الراهن في البلاد؟. (وهو سؤال بديهي لأن كل الحروب الاهلية وغير الأهلية تنتهي في نهاية المطاف بتسوية ما).
الجواب برمته يعتمد على القرار الذي ستتخذه النخبة العلوية السياسية- الأمنية الحاكمة.
حتى الآن، يبدو أن هذه النخبة تقف في المكان نفسه الذي وقفت فيه نخبة المارونية السياسية في لبنان العام 1975: رفض كل مطالب الطوائف الإسلامية بمشاركة سياسية حقيقية في الحكم، تحت شعار:" مالنا لنا، وما لكم لنا ولكم".
وهذه الخلاصة ليست تحليلاً بل تستند إلى معلومات.
إذ تقول مصادر سياسية لبنانية وثيقة الصلة بأركان النظام السوري أنه قبل أشهر عدة، حين انطلقت مبادرات الجامعة العربية، التقى الرئيس بشار الأسد وفداً عربياً رفيعاً كان يحمل اقتراحات من الملك السعودي عبد الله حول طبيعة المرحلة الانتقالية في سورية، فرد الأسد قائلا:
"نحن مستعدون لإبرام تسوية داخلية جديدة، لكن بشروط: رئاسة الجمهورية، والقوات المسلحة، وأجهزة الأمن، ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، يجب أن تبقى لنا".
هذه الكلمات كانت رجع صدى كاملاً لما كان يقوله قادة المارونية السياسية. وهو برروا آنذاك هذه الشروط بالقول أنها ضرورية كـ"ضمانة" للحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان.
حصيلة هذا الموقف الماروني السياسي المتصلّب في بلاد الأرز، كانت حرباً أهلية دموية
 دامت نيفاً و15 عاماً دمرت وشردت نصف سكان لبنان، وشاركت فيها كل القوى الدولية والإقليمية الرئيسة في العالم. وهي لم تتوقف إلا حين تم توافق دولي- إقليمي على وضع خاتمة لها، تضمّنت رضوخ المارونية السياسية لشرط انهاء هيمنتها المطلقة على النظام اللبناني.
النخبة العلوية السياسية- الأمنية ربما باتت تدرك أن إمكانية إعادة سيطرتها العسكرية- الأمنية على كل سورية باتت مستحيلة. فمعظم الريف خرج عن سيطرتها، وباتت ثكنات الجيش النظامي فيه اشبه بجزر معزولة يجري امدادها بالمؤن والعتاد عبر طائرات الهليكوبتر. والمعارضة المسلحة اخترقت الحصن الحصين للنظام في العاصمة السياسة دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب. وحتى لو تمكّنت قوات الأسد من إستعادة السيطرة على حلب (بعد تدميرها بالطبع)، فهذا لن يوقف الانتفاضة المسلحة، خاصة بعد أن انتقل مقاتلوها ( وفق تقرير خاص لـ"مؤسسة الحرب" الأميركية)، من عمليات الكر والفر إلى الهجمات الكبيرة المنظّمة والمنسقة، وبدأوا يحوزون على صواريخ مضادة للدبابات والطائرات.
فهل هذه النخبة مستعدة لخوض حرب أهلية شاملة ومديدة، ستسفر في نهاية المطاف عن خسارة صافية للطائفة العلوية بسبب الخلل الفادح في موازين القوى الديمغرافية بينها وبين السُنَّة؟.
المعلومات حول موقف القادة العسكريين العلويين شحيحة. لكن يقال أن العديد منهم يدركون أن الحرب الاهلية ستكون بمثابة وبال عليهم، وأيضاً بأن فكرة الدولة العلوية في منطقة اللاذقية وجبالها ستكون مشروعاً انتحارياً آخر لأن مثل هذه الدولة (كما دلّت على ذلك تجربة الدولة العلوية التي أقامها الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين) غير قابلة للحياة لا اقتصادياً ولا إقليميا.
ثمة إشاراتان على هذا الإدراك:
الأولى، ماكشفت عنه قبل يومين (4-8-2012) جريدة "الأخبار" اللبنانية الموالية لحزب الله ودمشق، من أـن تفجير مقر قيادة الأمن القومي في دمشق، كان جزءاً من محاولة انقلاب. وبالطبع، أي محاولة انقلابية لايمكن ان تنجح، من دون موافقة أو مشاركة بعض القادة العلويين الذين يسيطرون على كل مفاصل الأجهزة العسكرية- الأمنية.
والثانية، هي ماذكره ناشط سعودي بارز يقيم صلات مكينة مع أركان النظام السوري، من أن معظم القيادات السياسية، وحتى الأمنية، التي  التقاها في دمشق مؤخرا، تعترف أن الحل الأمني للأزمة الراهنة مستحيل، لكنها لم تستطع إقناع الرئيس بشار وشقيقه ماهر وبقية النواة المتطرفة في السلطة بذلك، بسبب الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من إيران وروسيا.
والحصيلة؟
- III -
أحد أمرين:
إما وقوع انقلاب جديد، ناجح هذه المرة، يعيد تقسيم السلطة من جديد بين العلويين والسنّة بالطرق السلمية.
أو حرب أهلية مديدة على النمط اللبناني المدوَّل تنتهي بمثل إعادة التقسيم هذه، لكن مع دمار شامل يحيق بكل الوطن السوري.
الأوان لما يفت بعد على الخيار الأول. لكن كل يوم يمر والرئيس بشار وفريقه في السلطة، سيجعل الأمر الثاني هو الخيار الوحيد. وهذا بالتحديد ما حذرّ منه كوفي أنان حين قال أن بقاء الأسد "الذي فقط شرعيته" (حسب تعبيره)، سيعني حرباً أهلية مفتوحة لن تنتهي إلا بقرار وتدخل دوليين.

                                                                    سعد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق