-
I -
معركة يبرود عكست بشكل صارخ حقيقة الصراع في سورية، الذي
تحوَّل إلى مايمكن أن يكون "حرباً أولى
داخل حرب ثانية، داخل حرب ثالثة".
صورة من الأقمار الاصطناعية لمنطقة يبرود والقلمون (من غوغل |
كيف؟ لماذا؟
لنبدأ أولاً ببعض الوقائع التي تكشّفت مؤخرا:
مقاومة المعارضة في مدينة بيرود، التي تقع مباشرة على
الحدود اللبنانية- السورية وكانت تعتبر آخر معقل مديني للثوار في منطقة القلمون،
استمرت شهراً كاملاً. وكان واضحاً أنها قادرة على الصمود ستة أشهر أخرى، وربما
أكثر. لكن هذه الجبهة انهارت فجأة، وانسحب منها المقاتلون خلال يومين إثنين فقط
الأسبوع الماضي.
مصادر المعارضة تنحي بلائمة هذا التطور على الصراع
السعودي- القطري في سورية، الذي لات جلياً بالفعل الآن أنه له مضاعفات دراماتيكية
خطيرة على جبهات القتال. وتقول هذه المصادر أنه "لو وصلت تعزيزات إلى المدينة
من الكتائب الإسلامية التي تموّلها السعودية إلى المدينة، لما سقطت هذه الأخيرة.
لكن الذي حدث أنه بعد يوم واحد من السقوط، دخلت هذه الكتائب إلى المنطقة وأحزرت
تقدماً كبيرا. وهذا يوضح طبيعة اللعبة بين السعودية وقطر، حيث أن هذه الأخيرة تدعم
جبهة النصرة وفصائل أخرى تابعة للقاعدة".
وتعتقد المصادر أن السعودية كانت مصممة على عدم تدخل
أنصارها لمنع سقوط يبرود لسبيين: الأول، أن جبهة النصرة وحلفاءها كانوا هم القوة
الأساسية في المدينة. والثاني أن النصرة كانت تستخدم يبرود كنقطة إنطلاق لشن
الهجمات على حزب الله في لبنان. وهذا كان من شأنه إضعاف نفوذ تيار المستقبل
المعتدل الموالي للرياض بين سنّة لبنان.
-
II -
هل ثمة مبالغات ما في هذه الاتهامات؟
لايبدو أن الأمر كذلك.
فالخلافات السعودية- القطرية التي انفجرت وطفت على السطح
خلال الأسبوعين الماضيين (عبر سحب سفراء السعودية ودولة الإمارات والبحرين من قطر)
، والتي تتمحور أساساً حول دعم هذه الأخيرة لجماعات الإخوان المسلمين ومعها كل/
وأي فصيل إسلامي آخر مستعد لمناصبة السعودية العداء في المنطقة (كجبهة النصرة التي
صنّفتها الرياض مؤخراً منظمة إرهابية)، هذه الخلافات وصلت إلى ما أسميناه في موقع
"اليوم، غداً" قبل أيام "الحرب الوجودية".
في مثل هذه الحرب، التي يعتبر فيها كل طرف أن مستقبل
نظامه السياسي نفسه على المحك، يسود مبدأ "الحصيلة صفر"، حيث مكسب أي
طرف يعتبر خسارة صافية للطرف الآخر.
في سورية، يترجم هذا الأمر نفسه في صورة "الحرب
داخل الحرب" بين الفصائل الإسلامية الموالية للسعودية وبين تلك الموالية
لقطر.
وينتظر الآن أن تتفاقم هذه الحرب مع اقتراب موعد معركة
دمشق إنطلاقاً من جبهة الجنوب، حيث أن "جبهة ثوار سورية" القريبة من
الرياض والتي انضمت إليها مؤخراً عشرات الكتائب المسلحة، تعتبر الفصيل الأقوى في
الجنوب، فيما الكتائب الإسلامية الموالية لقطر لها تواجد ضعيف في هذه المنطقة،
أصلاً لأن الأردن (وعلى عكس تركيا) لم يسمح للأصوليين المتطرفين السوريين وغيرهم
بالدخول إلى جنوب سورية عبر حدوده.
وسبق لقادة جبهة ثوار سورية أن أكدوا عزمهم على تصفية
وجود "الكتائب القطرية" في الجنوب، في الوقت ذاته الذي سينطلقون فيه
للإطباق على الطرق والمناطق المحيطة بالعاصمة دمشق. كما أن الولايات المتحدة
والاتحاد الأوروبي أعربا علناً عن نيتهما دعم هذه الجبهة التي يصفونها بالمعتدلة، بشرط
أن تقاتل أيضاً الجهاديين التابعين لقطر.
بيد أن الأمور، كما أشرنا في البداية، لاتقتصر على حرب
ثانية بين الإسلاميين داخل الأهلية الأهلية الأولى بين النظام والمعارضة، بل هناك
حرب ثالثة داخل هاتين الحربين، تتمثّل في الجهود الضخمة التي كان النظام السوري،
ولايزال، يبذلها لاختراق صفوف المعارضة المسلحة.
هذا الاختراق كان واضحاً في معركة يبرود، حيث قيل أن
عناصر تابعة للنظام اخترقت بعض الفصائل المسلحة في المدينة؟ وهذه لعبت دوراً
بارزاً في الترويج لحرب نفسية أشاعت مناخات غير حقيقية حول تداعي دفاعات المدينة.
كما أنه ظهر في يبرود بعض سقوطها قائد فصيل معارض تحدث أمام التلفزيون الرسمي
السوري عن خوض معركة مشتركة مع النظام ضد المعارضين الذي وصفهم
بـ"الأرهابيين".
هذه الوقائع كست الشكوك حول دور النظام في تسهيل ولادة
تنظيمات أصولية كداعش والنصرة لحماً ودماً كثيفين، الأمر الذي جعل الحرب، أو
بالأحرى الحروب، فوق الأرض السورية أشبه بلغز داخل لغز، أو بلوحة كلمات متقاطعة
لاتنظيم منطقياً فيها تكتبها أطراف إقليمية ودولية متنازعة.
وحين يكون الأمر على هذا النحو في سورية، حيث تتصارع
الفيلة الخارجيين في مابينها ، يكون العشب هو الضحية الأولى.
والعشب هنا هو بالطبع الشعب السوري.
سعد محيو
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق