للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النبي محمد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النبي محمد. إظهار كافة الرسائل

السبت، 15 سبتمبر 2012

الفيلم المُسىء للرسول "ضربة معلِّم"




     







أوباماومرسي: من يحتاج إلى من؟ (الصورتان من غوغل)

                                             - I -                                          

لا أحد بعد يعرف على وجه التحديد من خطَّط، وصمَّم، ورعى، وروّج، لفيلم "براءة المسلمين" المُسيئ للنبي. لكن المستفيدين منه، كما يتضح الآن، يضمُّون مروحة إقليمية ودولية ومحلية واسعة للغاية تضم إسرائيل وإيران وروسيا وسورية، وربما أيضاً بعض الدول الخليجية، وتنظيمات القاعدة التي يرتبط العديد منها بأجهزة مخابرات غاية في التنوُّع. هذا إضافة إلى الجناح القومي المتطرف وتيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الأميركي.
كل هؤلاء تقاطعت مصالحهم فجأة، وقبل شهرين إثنين من الانتخابات الرئاسية الأميركية الحاسمة، على العمل لتقويض استراتيجية أوباما الإسلامية الخاصة بالتحالف مع جماعات الإخوان المسلمين، والهادفة إلى تسهيل انتقال الدول العربية إلى الديمقراطية.
المدخل إلى ذلك كان بسيطاً للغاية، لكنه عبقري للغاية: تفجير هذه الاستراتيجية من داخلها، أي من داخل مكوِّنها الإسلامي، عبر الاستثارة العنيفة لمشاعر السلفيين والجهاديين الإسلاميين، بما في ذلك بعض قواعد الإخوان المسلمين نفسها. وأي طريقة أفضل هنا من شتم وإهانة أقدس أقداس المسلمين: النبي محمد (صلعم)؟
من خطّط ونفّذ وروّج لفيلم "براءة المسلمين" يعرف تماماً سايكولوجية هؤلاء المسلمين، ويُدرك أن محمداً بالنسبة إليهم ليس نبياً وحسب بل هو (وعلى عكس السيد المسيح الذي لايستطيع المسيحيون تقليده لأنهم يعتبرونه "إلهاً") قدوة يمكن ويجب الاقتداء بها في كل مناحي الحياة المادية والروحية. لا بل أن العديد من المسلمين يموتون وهم في الثالثة والستين، وهي السن التي انتقل فيها الرسول إلى الرفيق الأعلى.
وبهذا المعنى، كان هذا الفيلم، على رغم تفاهته وسخافته، بمثابة "ضربة معلِّم" في الزمان والمكان لكل المتضررين من الربيع العربي في الشرق الأوسط وخارجه.
                                        - II -
لقد نجح المخططون في فرض هذه الأزمة في السياسة الخارجية بقوة على جداول أعمال الانتخابات الأميركية، على رغم الأولوية القصوى التي كان يحتلها الاقتصاد في السباق على البيت الأبيض. ومن الآن وحتى الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ستطفو على السطح مجدداً أسئلة أميركية ظنّ  الكثيرون أن الربيع العربي طوى صفحتها: "لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟"، و"هل الإسلام متطابق حقاً مع الديمقراطية"، وكيف يجب على الولايات المتحدة أن ترد على العنف أو التشدد الإسلامي: بالقوة أم بالانفتاح؟
ميت رومني وباقي السرب الجمهوري ردّوا بسرعة غريبة تثير الشكوك على هذه الأسئلة بالدعوة ضمناً إلى استنئاف ما انقطع من حروب بين أميركا والإسلام، تحت شعار "الدفاع عن القيم الأميركية"، واتهموا (كالعادة) أوباما والديمقراطيين بالضعف والتراخي في الدفاع عن هذه القيم في السياسة الخارجية.
أما أوباما نفسه فيجد نفسه في حرج شديد. وهو لما يستفق بعد من صدمة هذا التطور الشرق أوسطي المفاجىء الذي اقتحم بعنف ومن دون سابق إنذار حملته الانتخابية، ويهدد الآن بنسف  نجاحات سياسته الخارجية التي كانت استطلاعات الرأي العام  تشير (قبل هذه الأحداث) إلى رضى غالبية الأميركيين عنها.
وبالتالي، فهو يحتاج بشدة إلى عون خارجي عاجل. ومثل هذا العون لايمكن أن يأتي سوى من جماعات الإخوان المسلمين التي تُعتبر، مثله، الأكثر تضرراً من مضاعفات فيلم الإساءة والتشهير. فهذه الجماعات، كما تطالب هيلاري كلينتون، يجب أن ترسم بوضوح خطاً أحمر ضد العنف، وأيضاً ضد الهجمات التي تتعرّض لها السفارات والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وهكذا ترتسم في الأفق مفارقة مدهشة: أوباما يحتاج إلى الأخوان لصد هجمات "الأصولييين" الجمهوريين والليكوديين الأميركيين عليه، ولتبرير استمرار تمسُّكه باستراتيجيته الإسلامية، والإخوان المُحرجون (بسبب إقحام سيرة الرسول على خط الصراع) يحتاجون إلى "تفهُّم" أوباما لحماية خاصرتهم الإيديولوجية الرخوة من هجمات السلفيين والجهاديين.
لكن، وبما أن الوقت بالنسبة إلى أوباما ضاغط وداهم للغاية عشية انتخابات لايزال يسود نتائجها غموض شديد بسبب ضيق الفارق بين شعبيته وشعبية رومني (نقطة أو نقطتان)، سيكون من الصعب عليه "تفهُّم" وضعية الإخوان وسيطالبهم (كما تفعل كلينتون الآن) بتفهُّم وضعه هو، وبالتالي القيام بتحرُّك سريع لدعم موقفه.
- III -
إن تبعات فيلم "براءة المسلمين" غير البرىء إطلاقا، لاتزال يتوالى فصولا. والأرجح أن الأطراف العديدة التي تقف وراءه، أو تتبناه، أو تستفيد منه، لن تدع النار تذوي في المنطقة قبل تحقيق الهدف منه، وهو تدمير، أو على الأقل ضعضعة، الاستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء الإسلام في المنطقة.
إنه (الفيلم) فعلاً "ضربة معلِّم" استخبارية من الطراز الأول. وأكبر دليل على ذلك، هو أن المخططين لهذه الضربة نجحوا في تحويل شريط سينمائي قصير (14 دقيقة) وتافه، ورخيص، إلى أزمة سياسية وإيديولوجية كبرى أميركياً وشرق أوسطياً.

                                                                                سعد



الجمعة، 14 سبتمبر 2012

أوباما لمُرسي: نَفِذوا بنود "الصفقة السرية".. وإلا



- I -
"ما أسماه الرئيس أوباما "هجوماً مشيناً وصادما" أدى إلى مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا، دفع بإدارته إلى أتون أزمة دبلوماسية تُهدد بتقويض استراتيجيته بعيدة المدى في العالم العربي".

خرق "الصفقة" : احراق العلم الأميركي في القاهرة - الصورة من غوغل

هكذا أطلَّت "واشنطن بوست" أمس على ردات الفعل العنيفة في مصر وليبيا على الفيلم المسىء للنبي محمد. وهي، كما هو واضح إطلالة خطيرة للغاية، وسلبية للغاية، وإن كانت مصر- مرسي حازت فيها على النصيب الأعظم من التقريع والتوبيخ، خاصة على لسان هيبلاري كلينتون التي طالبت الرئيس المصري بـ"رسم خط في وجه العنف، إذا ما أراد أن يكون مسؤولا"، على عكس الموقف الأميركي الإيجابي من الحكومة الليبية.
لكن، هل هذه الصحيفة وثيقة الإطلاع والمُقرَّبة من دوائر البنتاغون، على حق في استنتاجها بأن استراتيجية اوباما الإسلامية ولجت دائرة الخطر بعد هذه الأحداث؟
كلا. أو ليس بعد على الأقل، خاصة بالنسبة إلى مصر.
صحيح أن إدارة اوباما شعرت بحنق شديد لأن السلطات المصرية لم تقم بواجبها المعتاد في حماية مجمّع السفارة الأميركية الذي يُعتبر وفق الأعراف والقوانين الدولية أرضاً أميركية؛ وصحيح أنها شعرت بغضب أكبر لأن الرئيس مرسي كان مهتماً بإدانة الفيلم المسىء أكثر من اهتمامه بتوجيه إدانة قوية لمهاجمي السفارة الأميركية. إلا أن هذا الحنق وذاك الغضب لم يتحولا إلى سياسة من شأنها بالفعل بدء تقويض استراتيجية أوباما.
إذ يبدو أن واشنطن تفهم جيداً موقف مرسي. إذ هو، كرئيس منتخب (وقد لا يبقى منتخباً في الجولة التالية من الانتخابات إذا لم يبلٍ بلاء حسناً في السلطة)، حريص على الانصات لما يقوله الناخبون المصريون. وهذا يعني في هذه المرحلة حماية خاصرته من هجمات السلفيين المصريين، ثاني قوة سياسية في البلاد بعد الإخوان، الذين يترصدون به الدوائر بحثاً عن أي هفوة "إديولوجية"  له للانقضاض عليه، فما بالك إذا ما كانت هذه الهفوة في حجم قضية تطال قدسية النبي محمد نفسه؟.
 بكلمات أخرى: مرسي عالق بين فكي كماشة في هذه القضية: إرضاء السلفيين وعدم إغضاب الأميركيين. وهذا مادفعه في آن إلى إدانة الهجوم على السفارة الأميركية وتعزيز الحراسة عليها، وفي الوقت نفسه الدعوة إلى التظاهر اليوم (الجمعة) ضد الفيلم.

- II -
قد يمر هذا الاختبار الأول بين واشنطن وجماعة الإخوان على سلام. لكنه يخدم كمؤشر على ماقد يطرأ على هذه العلاقات في قادم الأيام، إذا ما بدأت الولايات المتحدة تشعر بأن دعمها المُطلق للأخوان المصريين عبر مساعدتهم على وضع النمر العسكري (الجيش) في القفص وبالتالي السيطرة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، لم يحقق ماقيل أنه صفقة كبرى بين الطرفين.
صفقة؟ أي صفقة؟
إنها تلك التي أُبرمت بين الطرفين حتى قبل اندلاع ثورة يناير، والتي تعهد فيها الأميركيون بالوقوف إلى جانب عملية الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة الإخوان في مقابل التزام هؤلاء بتنفيذ الشروط التالية: التعهد بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل؛ الالتزام بالاقتصاد الحر وفق قاعدة "إجماع واشنطن" (الليبرالية الاقتصادية المتطرفة)؛ وحماية المصالح الأميركية في مصر والشرق الأوسط.
رئاسة مرسي حققت على مايبدو الشرطان الأولان: فهي أعادت بهدوء السفير المصري إلى إسرائيل وبدأت سحب القوات المصرية الإضافية من سيناء؛ كما وافقت على طلب قروض من صندوق النقد الدولي (الذي يشرف على تنفيذ قاعدة "إجماع واشنطن"). لكن مرسي بدا في الأحداث الأخيرة وكأنه يخل إخلالاً فادحاً بالشرط الثالث وهو حماية المصالح الأميركية. وهذا ماسيكون عليه تدبّر أمره سريعاً إذا ما أراد الحفاظ على الدرع الأميركي الذي لايزال يحميه من أنياب النمر العسكري المتربص به.
كيف يجب أن يفعل ذلك؟

- III -
ليس فقط  بفرض حماية فعلية للسفارة الأميركية، ولا فقط بالاعتذار (كما فعلت ليبيا) من واشنطن، بل أولاً وأساساً بالانخراط في الحرب ضد الإسلاميين المتطرفين الذين يجاهرون بعدائهم لأميركا ولمصالحها في المنطقة، سواء أكانوا جهاديين، او قاعديين، أو سلفيين عنفيين.
فهل  في مقدوره ذلك؟
هو أقدم على هذا الأمر في سيناء، حين شن الحرب فيها، ولايزال، على الجهاديين. بقي عليه أن يستكمل هذه الحرب ضد بقية السرب الإسلامي المتشدد، أي ينفذ ما تطالب به كلينتون: رسم خط ضد العنف.
هذا ما قصده على الأرجح أوباما حين قال أن مصر- مرسي "ليست دولة حليفة ولا عدوة". فهو عنى أن جمهورية الإخوان لاتزال قيد الاختبار والتحري الأميركيين، إلى ان تُلبي باقي شروط الصفقة السرّية.
وما لم يفعل مرسي ذلك، سيرى في مرحلة غير بعيدة واشنطن تفتح باب القفص للنمر العسكري الحبيس (الجيش وأجهزة المخابرات) لمعاقبته على خرق شروط الصفقة، ولتقويضه استراتيجية أوباما الإسلامية.
الكرة الآن في ملعب الإخوان. وهي، بالمناسبة، كرة ملتهبة. ملتهبة للغاية في الواقع.

                                                                                سعد