للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب الله. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب الله. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 20 يناير 2015

إسرائيل، لاحزب الله، تريد تفجير المنطقة

(ينشر هذا المقال في موقع سويس انفو http://www.swissinfo.ch (
إسرائيل، لاحزب الله، تريد تفجير المنطقة

هل سيرد حزب الله اللبناني وحليفته إيران على الضربة الموجعة التي تلقياها، حين قتلت مروحة إسرائيلية بالصواريخ الأحد الماضي ستة من قادتهما وكوادرهما في مرتفعات الجولان السورية؟
الكثيرون في بيروت، وبينهم المحلل السياسي اللبناني البارز علي الأمين، يعتقدون أن هذه الضربة موجعة للغاية لكلٍ من الحزب وطهران. فإضافة إلى وجود قادة عسكريين (أو أمنيين ) ميدانيين لبنانيين وإيرانيين في صفوف الضحايا، إلا أن سقوط جهاد عماد مغنية، نجل القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل العام 2008، سيضع الطرفين في وضع حرج للغاية شعبياً وسايكولوجيا.
فالحزب، وعلى رغم تهديداته المتعددة لم يرد حتى الآن على عملية اغتيال مغنية الأب. وبالتالي، سكوته الآن أيضاً على اغتيال مغنية الأبن الذي لايتجاوز الخامسة والعشرين ربيعا، والذي يقال أنه سُلٍّم في مثل هذه السن المبكرة ملف جبهة الجولان، سيكون له صدى مُحبطاً للغاية في صفوف مقاتليه كما بين بيئته الشعبية الحاضنة في لبنان.
ثم أن إيران نفسها اهتمت بإحاطة جهاد مغنية بكل مظاهر التكريم والاهتمام الممكنين، خاصة من جانب قائد الحرس الثوري الإيراني الشهير قاسم سليماني، الذي حرص (على سبيل المثال) أن يقف جهاد إلى جانبه خلال تلقيه العزاء بوالدته (قاسم)، إلى درجة جعلت البعض يعتقدون أن جهاداً هو ابنه.
علاوة على ذلك، يشهد حزب الله اللبناني في هذه الأيام أزمات عديدة، تؤثٍّر هي الأخرى كثيراً على نفوذه وسمعته في بيئته الحاضنة اللبنانية. فعدد كوادر الحزب الذين سقطوا في الحرب السورية التي يخوضها إلى جانب النظام السوري، ناهز الآن الألف مقاتل (والبعض يقول 1300 مقاتل)، إضافة إلى آلاف الجرحى. هذا من دون أن يبدو أن ثمة نهاية ما في الأفق لهذا النزف المتواصل للحزب: لا حرباً بمعنى الحسم العسكري (كما وعد قادته مرارا) ولا سلماً في إطار تسوية سياسية ما للأزمة السورية.
وإلى الجانب العسكري ذي الأكلاف البشرية الباهظة، هناك الجانب المالي. فقد أدى الهبوط الشاهق (والمخطط له على مايبدو بين الرياض وواشنطن لإفلاس إيران وروسيا) لأسعار النفط من 115 دولاراً قبل ثلاثة أشهر إلى مادون الـ60 دولاراً الآن، أدى إلى دفع إيران إلى خفض كبير نسبياً  لدعمها المالي لحزب الله، على رغم أنها تعتبر هذا الحزب الانجاز الأكبر لـ"ثورتها الإسلامية"، سواء في المجابهة مع إسرائيل أو في معركة الرهائن الشهيرة في الثمانينيات مع الغرب.
وقد أجبر هذا الخفض الحزب على تقليص معدلات الرواتب لكوادره، والخدمات الاجتماعية لجمهوره، وتمويل بعض السياسيين اللبنانيين المحسوبين عليه (أشارت نيوزويك، على سبيل المثال، إلى أن سياسياً درزياً كان يتقاضى 60 ألف دولار شهرياً من الحزب، لايحصل الآن سوى على 15 ألف دولار، مع نصيحة له بضرورة الاعتماد على نفسه قريبا).
عاصفة كاملة
كل هذه المعطيات تشي بأن حزب الله اللبناني كان يواجه أصلاً قبل ضربة الجولان، ما يمكن أن يكون "عاصفة كاملة" على الصعد البشرية والاقتصادية والعسكرية كافة. فما بالك الآن وقد وضعته عملية اغتيال نجل القائد العسكري عماد مغنية، الذي بات تنسج حوله الأساطير، في موقع حرج للغاية؟
بعض المحللين اللبنانيين يعتقدون أن الحزب ملزم برد عسكري أو أمني ما،( سواء حدث ذلك خارج الشرق الأوسط أو في الجولان أو حتى في جنوب لبنان)، في وقت يجب ألا يكون بعيداً كي لايبدو أنه فقد المبادرة كلياً في مجال ميزان القوى مع إسرائيل. لكن، في حال كان هذا الخيار واردا، فالأرجح أن يقوم الحزب بعملية لاتدفع إسرائيل إلى شن حرب شاملة عليه، لأنه غارق حتى أذنيه الآن في المستنقع السوري ولايستطيع بالطبع، وهو الحزب الصغير، أن يخوض حرباً إقليمية على جبهتين.
ثم أن هذا الخيار محكوم هو الآخر بإعتبار إقليمي قد يكون أكثر أهمية بكثير. إذ يشك العديد من المراقبين بأن الهدف الحقيقي لتل أبيب من وراء هذا الهجوم، ليس فقط منع حدوث هجمات من سورية- لبنانية مشتركة ضدها في الجولان، كما أعلنت، و ولاحتى مجرد تحسين مواقع حزب الليكود الانتخابية، بل أولاً وأساساً جر إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية  تأمل أن تسفر عن نسف فرصة إبرام صفقة تاريخية بين إيران والولايات المتحدة حيال الملفين النووي والإقليمي.
ومما يعزز هذه الفرضية، الأنباء التي توترت مؤخراً عن أن واشنطن وطهران أحرزتا بالفعل تقدماً كبيراً من وراء الكواليس في المفاوضات، وأنهما قد تتوصلا إلى اتفاق ليس في شهر تموز/يوليو كما تقرر حين مُددت المفاوضات سبعة أشهر، بل في وقت قريب قد لايتجاوز شهر آذار/ مارس المقبل.
المبادرة إسرائيلية
إذا ماكانت هذه المعطيات صحيحة، والأرجح أنها كذلك، فهذا يعني أن الدولة العبرية، وليس إيران ولاحزب الله، ومعها ربما بعض الدول العربية الإقليمية، هي التي ستعمل الآن ليل نهار على زرع الأفخاخ والعقبات أمام مثل هذا الاتفاق. والسبب بسيط وواضح: أي صفقة من هذا النوع، ستؤدي بالفعل إلى إعلان الوفاة الرسمية للنظام الشرق الاوسطي الراهن الذي تهيمن عليه الآن كأمر واقع إسرائيل والسعودية، وبدء ولادة نظام إقليمي جديد تتوازن فيه القوى الإسرائيلية والإيرانية والتركية (وإلى حد ما العربية) بإشراف المايسترو الأميركي.
هذا التطور المحتمل تعتبره الدولة العبرية بمثابة رصاصة الرحمة ليس فقط على مشروعها الصهيوني الكبير الهادف إلى الحفاظ على هيمنتها المباشرة (في الهلال الخصيب) وغير المباشرة (في الشرق الأوسط الكبير)، بل أيضاً على اعتماد الولايات المتحدة التاريخي عليها كوكيل إقليمي رئيس في الشرق الأوسط.
* * *
لقد بدأنا حديثنا بالتساؤل عن كيفية رد حزب الله على ضربة الجولان الموجعة. وهذا بالطبع سؤال مهم ودقيق.
لكن يتبيَّن الأن أن ثمة سؤالاً مهما آخر: كيف قد تواصل إسرائيل محاولة جر إيران وحزب الله والمنطقة إلى أتون انفجار كبير يخلط كل الاوراق، ويعيد رسم الخرائط وموازين القوى لصالحها، ويجبر واشنطن الأوبامية ( التي يسيطر الجمهوريون الآن على كونغرسها) على ابتلاع طموحاتها بأن يكون أوباما لإيران في اوائل القرن الحادي والعشرين ما كانه نيكسون- كسينجر للصين في منتصف القرن العشرين.
فللننتظر قليلاً لنر.

سعد محيو- بيروت


الجمعة، 15 نوفمبر 2013

3 سقطات "تاريخية" لحزب الله


- I -
هنري كيسنجر سجّل في كتابه الأهم "الدبلوماسية" ملاحظة مثيرة للأهتمام في فلسفة التاريخ.
قال:" ليس هناك في التاريخ طرف ساخر أكثر من هذا التاريخ نفسه. فهو يجعل من بطل اليوم خائن الغد، ومن خائن الأمس بطل اليوم"
آثار أقدام الأمثلة على صحة هذه المقولة تكاد لانتهي: من تحوّل الفيتناميين من أبطال المقاومة ضد الأميركيين بالأمس القريب إلى "أصدقائهم وحلفائهم" الودودين اليوم، على رغم المليون قتيل الذين سقطوا وهو لايدرون أن أبناءهم وأحفادهم سيكونون غداً "خونة" ومرتدين.
وهذا أيضاً ما حدث لعشرات ملايين الأوروبيين الذين قاتلوا وقتلوا من أجل رفع رايات القومية الفرنسية أو الألمانية أو الإيطالية، فإذا بورثة جيناتهم اليوم يلعنون الفكر القومي صباح مساء ويعتبرونه أساس البلاء الأوروبي.
حزب الله في سورية: السقطة الكبرى(الصورة من غوغل

ويبدو أن هذه اللعنة التاريخية بدأت تحيق بحزب الله اللبناني، وبسرعة قياسية لم يسبق لها مثيل، وعلى كل الجبهات أيضا.
فهذا الحزب الذي نشأ وترعرع وازدهر بوصفه حزب المقاومة ضد إسرائيل، تحوّل بعد حرب 2006 إلى ما يشبه حرس الحدود مع الدولة العبرية. فلا عمليات المقاومة استؤنفت لتحرير مزارع شبعا والقرى السبع المحتلة، ولا ممانعة برزت لوجود قطاعات عسكرية كبيرة من حلف الأطلسي (الذي يتزعمه الشيطان الأكبر الأميركي) في جنوب لبنان وفق منطوق القرار 1701.
الجنوب انضم الآن إلى الجولان بصفته أهدأ الجبهات العربية مع إسرائيل. صحيح أن حزب الله لايزال يصف نفسه بأنه حزب المقاومة، عبر اعتبارها عمل ردع نظري لا فعل اشتباك فعلي، إلا أن هذا التوصيف فقد جل زخمه ومعناه اللذين راكمهما منذ العام 1982.
ومن الجنوب إلى سورية، كان حزب الله يخطو الخطوة القاتلة الثانية في سيرورة التدمير الذاتي. إذ أنه بقتاله واسع النطاق إلى جانب نظام قاتل لشبعه (باعتراف حتى بعض قادة الحزب أنفسهم)، كان "يخون" ليس فقط تعريفه الاستراتيجي لنفسه كتيار مقاومة ضد إسرائيل، بل أيضاً تحديده الإديولوجي لذاته كقوة كربلائية لنصرة المظلومين على الظالمين. هذا بالطبع علاوة على أن هذا الانغماس على هذا النحو الدموي في الصراع السوري، قد أطلق كل شياطين الفتنة الكبرى-2 بين السنّة والشيعة من عقالها. وهكذا، تحوّل الحزب بين ليلة وضحاها من بطل المنطقة العربية الذي ترفع راياته في قلب أروقة جامع الأزهر السنّي، إلى "خائن" الأمة وإلى (مايسميه الأصوليون السنّة الآن) "حزب اللات أو الشيطان".
ثم جاءت ضربة كبرى أخرى موجعة حين وقف السيد حسن نصر الله قبل أيام ليدافع بقوة عن أي صفقة محتملة بين إيران وأميركا. وهو فعل ذلك انطلاقاً من تحليل سياسي بارد للمصالح الإيرانية لاعلاقة له من قريب أو بعيد ببنية الحزب الإديولوجية ولا بالطبع بتاريخ مواقفه المقاومة والممانعة ضد الولايات المتحدة. وهكذا سقطت بالنسبة إليه صفة الشيطان الأكبر عن أميركا، وباتت ممانعة السعوديين والأتراك لأميركا هي الخيانة بعينها. لا بل أصبحت حتى ممانعة الإسرائيليين ضد أميركا هي أيضاً خيانة بحد ذاتها.
- II -

لماذا تدهورت وضعية حزب الله على هذا النحو المفجع؟ وإلى أين من هنا؟
الاسباب تبدو معقدة وعديدة، لكن أهمها هي الهشاشة الفائقة للبنية الاستقلالية للحزب (مالياً وإديولوجياً وسياسياً)، الأمر الذي جعله كرة تتقاذفها الأمواج الإقليمية العاتية، فلا يعرف على أي أرض يجب أن يقف ولا إلى أي ميناء يجب أن تيمم سفينته وجهها.
أما السؤال إلى أين، فيمكن أحالته إلى قواعد الحزب التي ربما بدأت تتساءل الآن عن معاني المقاومة والممانعة، والثورة الحسينية ضد الظلم والظالمين، وحتى عن الشيطان الأكبر.
إنها صيغة التاريخ الكيسنجري وقد ارتدت أكثر أرديته سخرية، وسوداوية.
سعد محيو
__________________________


الأربعاء، 10 يوليو 2013

تفجير الضاحية: أول مسلسل "تضحيات" حزب الله


- I -
هل سقط لبنان في هوة الحرب الأهلية السورية وانقضى الأمر؟
تفجير بئر العبد في الضاحية الجنوبية قد يكون أبلغ تأكيد ذلك. لكنه لم يكن التأكيد الأول ولا الوحيد.
ففي 26 أيار/مايو الماضي، كان هذا هو السؤال المؤرق الذي ساور كل اللبنانيين وهم يستمعون إلى السيد حسن نصر الله وهو يعلن رسمياً انخراط حزب الله الكامل "حتى النصر" في الحرب الأهلية السورية، ويدعو إلى تقبّل "الأثمان والتضحيات".
هذا الإعلان، المترافق مع  وجود آلاف المقاتلين من حزب الله في محافظتي حمص ودمشق، بدد كل الافتراضات السابقة بأن حزب الله لايريد سوى حماية خطوط إمداداته وعمقه الاستراتيجي في مثلث حمص- طرطوس- الهرمل، وأطلق فرضية قوية أخرى تقول بأنه ربط مصيره نهائياً (ومصيثر لبنان معه) بمصير النظام السوري.
وإذا ماصحّت هذه الفرضية، والأرجح أنها كذلك لكل من قرأ  آنذاك خطاب نصر الله المتطرف في وضوحه حيال "إعلان الحرب" رسمياً على الانتفاضة السورية، فإنها ستجرجر وراءها سؤالاً في غاية الخطورة: هل انتقال حزب الله إلى مرحلة العمل على رسم خرائط عسكرية-جغرافية جديدة له سيقتصر على الوطن السوري، أم أن هذا سيتنقل عاجلاً أم آجلاً إلى الوطن اللبناني أيضا؟
بكلمات أوضح: هل سيستتبع نجاح الحزب والنظام السوري في السيطرة على مثلث حمص- طرطوس- الهرمل بالضرورة السيطرة أيضاً على مثلثات أخرى، تشمل هذه المرة، على سبيل المثال، مناطق البقاع الغربي السنّي والجبل الدرزي الشوفي اللذين يشكلان منطقة عازلة طبيعية عن المثلث الأول؟

- II -
هذا السؤال لم يعد افتراضياً الآن، بعد أن باتت إطلالة حزب الله على التطورات في سورية وبقية مناطق الهلال الخصيب مطابقة كلياً لإطلالة النظام السوري، ومعه النظامين العراقي والإيراني، من حيث تركيزها التام على الجوانب الأمنية- العسكرية للصراع الراهن الهادف إلى الدفاع عن النفوذ الإقليمي الإيراني المتآكل في هذه المناطق.
السيد حسن نصر الله نفسه ألمح إلى هذا الجانب ضمناً، حين نعى فجأة الدولة اللبنانية، على رغم حرصه الشديد قبل أشهر قليلة على الدفاع عنها وعن الحاجة الضرورية إليها، إلى درجة دعوتها إلى دخول معاقله في الضاحية الجنوبية للحفاظ على الأمن الداخلي فيها.
ويصب في هذه الخانة التطورات السياسية المثيرة التي حرّكها حزب الله مؤخراً، حين أسقط فجأة حكومة الرئيس ميقاتي، ثم تحرّك لشل كل المؤسسات الأخرى الأمنية والسياسية والتشريعية، وحين واصل منع تشكيل حكومة جديدة.
آنذاك، قيل أن الحزب فعل كل ذلك لأنه لايريد أن يسائله أحد عما يفعل في سورية. أما الآن، وبعد أن بات حرب الحزب في بلاد الشام علنية ورسمية "سيمضي فيها حتى النهاية وصولاً إلى تحقيق النصر" (على حد تعبير نصر الله)، فقد بات السؤال عن مصير النظام السياسي اللبناني نفسه على المحك.
لقد سبق لنصر الله أن دعا إلى تشكيل جمعية تأسيسية تقوم بإحلال نظام سياسي جديد مكان نظام الطائف. بيد أن الأمر اختلف الآن، بعد أن بات حزب الله منخرطاً في تنفيذ خرائط عسكرية جديدة إنطلاقاً من بلدة القصير. إذ أي أي تغيير في تركيبة النظام اللبناني يجب أن تتم الآن بقوة السلاح، أسوة بما يجري الأن في كلٍ من سورية والعراق.
هل ثمة مغالاة ما في هذه الاستنتاجات؟
ربما.
لكن من يقرأ بتمعن خطاب نصر الله الأخير، ويرفقه بالذعر الذي ينتاب النظام الإيراني من جراء تآكل نفوذه الإقليمي في سورية والعراق، ومعه تآكل وضعه الداخلي الاقتصادي - الاجتماعي واقترابه من مرحلة الإفلاس (كما أوضح هاشمي رفسنجاني قبل أيام)، فقد يتوصّل إلى الاستنتاج بأن طهران  ربما قررت بالفعل استخدام كل أوراقها الّإقليمية دفعة واحدة للدفاع عن نظامها الداخلي.
وأثمن ورقة هنا هي حزب الله، الذي يُعتبر الانجاز الكبير الوحيد في السياسة الخارجية للثورة الإيرانية، والذي كانت تحتفظ بها طهران كخط دفاع أول عن نفسها ضد أي هجوم إسرائيلي.
بيد أنه يبدو أن ضرورات إنقاذ النفوذ الإيراني طغت على محظورات حرق ورقة حزب الله على هذا النحو في سورية. فما الذي يمنع طهران  من استخدام هذه الورقة الآن لتغيير معطيات الأمر الواقع اللبناني كاستكمال لما تقوم به الآن من عمليات لتحصين النظام السوري في مثلث حمص- طرطوس- الهرمل؟
حقاً، ما الذي يمنعها؟
-III -
كل هذه المعطيات يجب وضعها في الاعتبار، ونحن نشهد بدء مسلسل التفجيرات في الضاحية الجنوبية.
وهنا يتعين القول أن تفجير بئر العبد لم يكن مفاجئاُ لأحد. فالكل كان يعلم، وفي مقدمهم حزب الله، أن التفجيرات في لبنان آتية لاريب فيها: اليوم في بئر العبد في الضاحية الجنوبية الشيعية، وغداً ربما في الطريق الجديدة السنيّة في بيروت.
ولأن الكل كان يعلم، لا أحد تفاجأ. لا بل العكس: العجب العجاب كان أن يمر كل هذا الوقت منذ أن انخرط حزب الله اللبناني بكليته في الحرب السورية، قبل أن ينتقل لهب الحريق إلى بلاد الأرز.
إنها حروب حزب الله التي بدأت مع دفع لبنان إلى أشداق الحرب الأهلية السورية، ولن تنته (من أسف) في أي وقت قريب.

سعد محيو





الاثنين، 3 يونيو 2013

حزب الله في حلب، ستعني حرباً في بيروت


- I -
هل كان زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله "يمزح" حين دعا الأطراف اللبنانية المتنازعة إلى "القتال في ما بينها على الأرض السورية"؟ 
تشييع مقاتل لحزب الله سقط في القصير(الصورة من غوغل
.
لايبدو الأمر كذلك. ليس الآن على الأقل، بعد أن تكشَّف المدى الضخم لانغماس حزب الله بكليته في الحرب السورية.
حتى قبل أسابيع قليلة كان العديد من المحللين، ونحن منهم، يعتقدون أن ثمة تبريراً عسكرياً- استراتيجياً لقيام حزب الله بزج آلاف من مقاتليه في معركة القصير. فهذه المنطقة تعتبر شرياناً لوجستياً حيوياً له، وعمقاً استراتيجيا لمواقعه وقواعده في البقاع الشمالي وصولاً إلى الجنوب.
بيد أن إرسال الحزب ألفين من مقاتليه إلى مدينة حلب، أثبت أن هذا الاعتقاد مخطيء من ألفه إلى الياء. فالحزب لم يعد يقاتل من أجل نفسه أو لتحصين مواقعه، بل بات جزءاً لايتجزأ من حرب النظام السوري ضد المعارضة بكل ألوانها وأطيافها الإسلامية المعتدلة والمتشددة، والعلمانية والوطنية. بات فصيلاً في الجيش السوري النظامي، وانفصل نهائياً عن دوره كمقاوم لأسرائيل وكمدافع عن المصلحة الوطنية اللبنانية، كما كان يُعلن.
"حملة حلب" أسقطت أيضاً وهماً نجح الحزب في إقناع قواعده الشعبية به، وهو أنه يقاتل "التكفيريين" (بعد ان وضع 120 ألف مقاتل سوري معارض في هذه الخانة) داخل الأراضي السورية، كحرب وقائية لمنعهم من الهجوم لاحقاً على شيعة لبنان. "ذهبنا إليهم، كي لايأتوا إلينا".
هذا ماقاله الحزب لمناصريه.
لكن هذا المنطق يثبت الآن أنه لامنطق. إذ لو كان صحيحاً، لتعيّن على قوات الحزب أن تذهب أيضاً إلى الإسرائيليين داخل فلسطين المحتلة، لأن هؤلاء سيأتون بالفعل إلى لبنان إن عاجلاً أو آجلاً، أو حتى إلى الولايات المتحدة التي تشن حرباً شعواء على الحزب في كل أنحاء العالم.
- II -
الألفا مقاتل الذين توجهوا إلى حلب لـ"قلب المعادلات فيها"، كما قال أحد قادة حزب الله العسكريين، لن يوصفوا بما وُصف به زملاؤهم في القصير، أي على أنهم مقاتلون من حزب الله (أو حتى "حزب الشيطان" كما تنعته الآن فصائل المعارضة السورية)، بل سيُقال الآن أنهم غزاة شيعة مسلحون جاءوا لمهاجمة واحدة من أعرق المدن السنّية في التاريخ. وهذا سيفتح جرحاً سنياً- شيعياً عمره 1300 سنة ونيف، ليس فقط في سورية بل في كل المنطقة العربية.
تداعيات هذا الحدث بدأت بالفعل. فدول الخليج تتأهب لمعاقبة كل عامل أو موظف عربي شيعي يعمل لديها وتشتم (مجرد اشتمام) أنه  يميل إلى حزب الله.  وهيئة علماء المسلمين في لبنان أصدرت أمس فتوى تنضح بالخوف الوجودي "على الدم والعرض" من جراء "الهجمة الصفوية على سورية"، وتنذر السنّة الذي يتخلفون عن نصرة أخوتهم فيها بـ"غضب الله" . ومحاولة اغتيال الشيخ ماهر حمود في صيدا صباح اليوم تُنذر بأن ستكون بداية لانهاية لمسلسل تفجيرات واغتيالات جديدة. والحبل لايزال على الجرار.
لكن الأهم هم ماسيجري في لبنان.
فتطور حلب، إضافة إلى ماتردد عن إرسال مقاتلين من الحزب إلى دمشق وريفها، يعني عملياً أن حزب الله زج لبنان كله في أتون الحرب السورية وانقضى الأمر. و"رغبة" نصر الله في أن يتم التقاتل بين اللبنانيين على الأرض السورية بدل الأرض اللبنانية، لن تلق آذاناً صاغية من أحد، لا من معارضيه اللبنانيين ولا بالتأكيد من المعارضة السورية التي هددت مراراً (وآخرها أمس) بنقل الحرب إلى معاقل حزب الله في لبنان.
الخطر في هذا الموضوع أن الحزب كان يتوقع على الأرجح هذا التطور ويعد العدة له من فترة غير قصيرة، أي حتى قبل زج عديده وعتاده في الحرب السورية. فحالة الاستنفار على أقصاها في الضاحية الجنوبية، كما في بعض مناطق الجنوب والبقاع. والتقرير الاستخباري الذي نشرته صحيفة الأخبار قبل أيام  واتهمت فيه "الأصولية الدزرية" (بزعامة أكرم شهيب على الأرجح)  بالوقوف وراء قصف الضاحية بصواريخ غراد، وجد ترجمته الفعلية في ما تردد عن أن الحزب أرسل وحدات استطلاع إلى منطقة عيتات- عاليه لـ"تحصين" الضاحية الجنوبية من أي هجوم صاروخي آخر". فهل يكون هذا "الاستطلاع" تمهيداً لاجتياح لاحق للمنطقة الدرزية، التي تشكّل مساحة عازلة بين الجنوب والضاحية وبين البقاع وصولاً إلى مثلث القصير وحمص وطرطوس؟
- III -
بكلمات أوضح: يبدو أن حزب الله كان يتوقع وهو يضع خطط التدخل في سورية، أن يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب أهلية، أو شبه أهلية، في لبنان، وأنه مستعد بالفعل لها.
بقي أن نعلم ما إذا كان الحزب سيتحرك في إطار دفاعي في مثل هذه الحرب الجديدة المحتملة، أم أنه سينتقل إلى الهجوم ليغيّر المعادلات العسكرية والسياسية الراهنة في لبنان، تماماً كما يحاول أن يفعل الآن في سورية بالاشتراك مع النظامين الإيراني والسوري.
فللنتظر لنر.
 لكن الأرجح أن انتظارنا لن يطول!

سعد محيو

الخميس، 30 مايو 2013

سيناريوهان لـ"انقلابات" حزب الله المُحتملة في لبنان



- I -
كلام كبير هو ذلك الذي قاله  قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أمس، تعقيباً على الخطاب الأخير لزعيم حزب الله السيد حسن نصرالله.
نصر الله وجعجع  أيام الحوار الودي (الصورة من غوغل)

قال: " ثمة خطأ منهجي ارتكبه السيد حسن حين اعتبر ان طريقته في المواجهة هي الطريقة الوحيدة، وممنوع على أي طرف لبناني آخر أن تكون لديه طريقته. ما يقصده السيد هو أن ما يريده بديلا عن دولة الطوائف هو دولة طائفة، مايعني استبدال دولة ميشال شيحا ورياض الصلح وبشارة الخوري بدولة حزب الله". وأضاف: "نصر الله يريد دولة طائفة واحدة يترأسها ميشال خامنئي في ظل جمهورية اسلامية ايرانية".
لو أن هذا الكلام جاء في غير الظروف الراهنة، لقيل بكل بساطة أن جعجع لايفعل شيئاً سوى ممارسة موهبته الفريدة في "القفشات" السياسية، الطريفة وغير الطريفة، والتلاعب بالكلمات واللغة التعبيرية مزدوجة المعاني، وشن الحملات الإعلامية المدروسة.
لكن الصورة ليست الآن ليست على هذا النحو. فالوضع في لبنان يقف بالفعل على مفترق طرق خطر، بعد أن قذف حزب الله لبنان برمته إلى المعمعة الدموية الإقليمية- الدولية الكبرى التي تصطرع الآن على الأرض السورية. وعلى رغم أن أطرافاً سنّية لبنانية سبق لها أن رافقت أو حتى سبقت حزب الله في رحلته السورية هذه، للقتال إلى جانب المعارضة، إلا أن مشاركتها هذه لاترقى إلى أهمية انخراط حزب الله لأسباب عدة.
فهي محدودة التأثير عدة وعتادا، ولاتمثّل (رسمياً على الأقل) قوى إقليمية أخرى أو تنفذ أوامرها الإديولوجية- اللاهوتية على غرار، مثلاً، أوامر ولي الفقيه لحزب الله. هذا إضافة إلى أن هذا الأخير، وعلى عكس المنظمات السنّية، يسيطر عملياً على الكثير من مفاصل الدولة اللبنانية الأمنية والعسكرية والحكومية والتشريعية.
لكل هذه الأسباب تعتبر مشاركة حزب الله في الحرب السورية على هذا النحو الواسع (مابين 4 إلى 10 آلاف مقاتل في محافظتي حمص ودمشق)، هي المسؤول الأول أو الأهم عن تمديد الحرب الأهلية السورية إلى لبنان.
لكن، هل سيقتصر الأمر على مجرد خوض الحرب بالواسطة (proxy war) على الأرض السورية، أم سيكون لحزب الله، ومعه النظامين السوري والإيراني، أجندة أخرى تتعلّق بالعمل على "إعادة ترتيب" الأوضاع في كل من سورية ولبنان في آن؟
- II -
هنا تكتسب كلمات جعجع عن دولة لبنانية جديدة يرئسها "ميشال خامنئي" (أي جمهورية لميشال عون تحت مظلة ولي الفقيه الإيراني) بدلاً من دولة الطائف الراهنة، أهميتها الخاصة.
فإذا ماكانت الفرضية التي أشرنا إليها أمس في هذه الزاوية حول توجّه إيران إلى "تحصين" ماتبقى من نفوذ لها في منطقة الهلال الخصيب بالقوة العسكرية، صحيحة، فهذا سيعني حكماً احتمال العمل بالفعل على تغيير النظام السياسي اللبناني الحالي.
لكن كيف؟
هنا ثمة العديد من السيناريوهات. لكن أهمها أثنان يتراوحان بين "التغيير الناعم" و"التغيير الخشن".
التغيير من النوع الأول هو ماكان يشير إليه تكراراً السيد نصر الله منذ أشهر: تشكيل هيئة تأسيسية لإنتاج نظام سياسي جديد. وبالطبع، مثل هذه الهيئة التأسيسية لن تنطلق من إتفاق الطائف لأنها أصلاً تريد تغييره، بل من معادلات مختلفة يجب أن تأخذ في الاعتبار كلاً من المستجدات الديمغرافية والاقتصادية والسياسية التي صبّت في مصلحة الطائفة الشيعية خلال العقود الأربعة الأخيرة، إضافة إلى المستجد الأهم وهو وضع سلاح حزب الله على قدم المساواة مع الدولة ضمن معادلة "الشعب والجيش والمقاومة".
بيد أن تحقيق مثل هذا الهدف من خلال العمل السياسي دونه عقبات وممانعات، لأنه يمس توازنات طائفية تاريخية، في وقت تشهد المنطقة برمتها انفجارات مذهبية ستعيدها في حال استمرارها ألف سنة إلى الوراء. لكن هذا قد لايمنع بالضرورة حزب الله من طرح هذا المشروع قيد التداول السياسي.
هذه المعطيات تُفسح في المجال أمام "الخيار الخشن" الذي قد يأخذ أحد شكلين أساسيين: إما قلب الطاولة كلياً على الصعيد الأمني- العسكري بمشاركة بعض وحدات رسمية عسكرية تدين بالولاء للحزب والتيار العوني، وبدعم كامل من النظامين الإيراني والسوري، أو الاكتفاء برسم خريطة عسكرية جديدة تربط مثلث حمص- طرطوس- الهرمل بجنوب لبنان عبر السيطرة (أو على الأقل الهيمنة) على قطاعي البقاع الغربي والجبل الدرزي.
- III -
أي السيناريوهين الأقرب إلى التحقق؟
التمديد لمجلس النواب، مضافاً إليه تورّط قوات النخبة في حزب الله في حرب سورية، يعطيان الانطباع بأن الخيار الخشن ربما يكون مؤجلاً، ولو إلى حين. بيد أن الحزب وإيران وسورية ليسوا بالطبع اللاعبين الوحيدين على الساحة السورية. وبالتالي، إذا ما قررت الأطراف المحلية والإقليمية الأخرى الرد على حرب حزب الله في سورية بإشعال الجبهات ضده في لبنان، فقد يجد هذا الأخير نفسه مدفوعاً إلى السيناريو الثاني.
وحينها، سيكون حديث سمير جعجع عن مخطط إقامة "دولة طائفة واحدة يترأسها ميشال خامنئي في ظل جمهورية اسلامية ايرانية"، أكثر بكثير من مجرد كونه "قفشات" سياسية أوألعاب لغوية.

سعد محيو





الأربعاء، 29 مايو 2013

كيف سيرد الغرب على "التحية" الإيرانية في سورية؟


- I -
تساءلنا بالأمس: ماموقف الغرب وإسرائيل من هذه الحملة "التحصينية" الإيرانية الشاملة في سورية وبعض مناطق نفوذ طهران في الهلال الخصيب؟
ونرد سريعا: تخطىء طهران إن هي اعتقدت أن الغرب وتل أبيب سيقفان مكتفوفي الأيدي حيال محاولاتها لقلب موازين القوى في سورية.
صحيح أن إدارة أوباما لاتزال مترددة إلى حد كبير إزاء التدخل في سورية، بفعل جملة عوامل متقاطعة منها تركيزها على "بناء الأمة الأميركية" في الداخل، واستراتيجية الاستدارة شرقاً نحو آسيا- الباسيفيك، هذا إضافة إلى إصابة كل ألوان الطيف السياسي الأميركي بالعقدتين العراقية والأفغانية التي تُشبه العقدة الفيتنامية في الستينيات. إلا أن الصحيح أيضاً أن هذه الإدارة لاتستطيع لأسباب جيو- استراتيجية منح إيران إنتصارات في سورية، فيما هذه الأخيرة تمضي قدماً في برنامجها النووي.
وقل الأمر نفسه عن باريس ولندن اللتين تعتبران دول الهلال الخصيب العربية آخر معاقل نفوذهما الامبراطوري السابق في الشرق الأوسط، وعن تل ابيب التي قد تسعد إذا مابقي نظام الأسد حياً سياسياً، لكنها ستغضب إذا ماترجم هذا البقاء نفسه كقوة إضافية لحزب الله وإيران.
- II -
كل هذه المعطيات تدفع إلى الاعتقاد بأن الغرب سيعمل في وقت قريب على إعادة التوازن إلى ميزان القوى العسكري الذي اختل مؤخراً لصالح النظام السوري بفعل الدخول الكثيف لقوات حزب الله وبعض وحدات الحرس الثوري الإيراني على خط المعارك المباشرة في محافظتي حمص ودمشق. وهذا سيتم على الأرجح من خلال تزويد المعارضة المسلحة خلال أيام (وربما قبل مؤتمر جنيف-2 في حال انعقاده الشهر المقبل) بعتاد جديد ودعم لوجستي- استخباري أكبر، خاصة بعد أن أقر المؤتمر الوزاري الأوروبي حق بعض دول الاتحاد الاوروبي بتسليح المعارضة.
لا بل أكثر: على رغم أن إدارة أوباما لاتزال مُصّرة على عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية، إلا أنها قد تفاجىء الجميع باندفاعها إلى فرض منطقة حظر جوي في شمال سورية أو جنوبها، في حال تبيّن لها أن الإجراءات الفرنسية- البريطانية المشتركة لتعديل موازين القوى لم تتكلل بالنجاح.
وربما هذا الاحتمال بالذات هو الذي دفع روسيا أمس إلى الإسراع في الإعلان عن نيتها المضي قدماً في صفقة صواريخ أس- 300 المتطورة المضادة للطائرات التي كانت جمدتها (بطلب أميركي- إسرائيلي مشترك) العام 2010، وإلى التصريح علناً بأن الهدف "هو منع حدوث تدخّل عسكري غربي في سورية".
وهنا، ثمة نقطة بالغة الأهمية يتعيّن الإلتفات إليها: هدف أي تدخل أميركي وغربي ليس منح المعارضة المسلحة السورية فرصة الانتصار على نظام الأسد، بل مجرد تمكينها من مواصلة الحرب.
لماذا؟
لأن واشنطن باتت تعتبر سورية أفغانستان إيرانية أو ثقباً أسودَ يستهلك الكثير من قدرات طهران الاقتصادية ويأكل ماتبقى من رصيدها السياسي- الإديولوجي في المنطقة العربية، في وقت يتراقص فيه الاقتصاد الإيراني على شفير الإفلاس أو حتى الانهيار.
ثم أن استمرار التورط الإيراني في الحرب السورية، يمكّن الولايات المتحدة من الانتقام من طهران (وأيضاً من النظام السوري) بسبب الدور الذي لعباه ضدها في العراق وأدى إلى إجهاض مشروعها هناك. وهذه حالة انتقامية شبيهة بما حدث مع الاتحاد السوفييتي السابق، حين ورطته الولايات المتحدة في حرب أفغانستان كرد على توريطها في الهند الصينية.
فضلاً عن ذلك، يشكّل الاشتباك الراهن بين الأصوليين الإسلاميين في كل من حزب الله الشيعي والفصائل الجهادية السنّية، أول فرصة ذهبية أمام واشنطن وتل أبيب لاستخدام الورقة الجهادية ضد إيران، بعد أن كانت هذه الأخيرة تمكّنت طويلاً من إقناع التنظيمات المنبثقة من تنظيم القاعدة في توجيه بنادقها نحو الغرب. وهذا فرصة يمكن أن تتضخم كثيراً في حال نفّذت التنظيمات الجهادية تهديداتها بنقل المعركة إلى مواقع حزب الله في لبنان، أساساً على الأرجح عبر العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة.
- III -

ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني، ببساطة، أن زج إيران لورقة حزب الله ولباقي أوراقها بالكامل في الحرب السورية، لن يجدِ نفعاً في نهاية المطاف، لأنه فعل سيؤدي سريعاً إلى رد فعل. وهذا قد يحوّل الانجازات العسكرية الراهنة ليس فقط إلى نكسات بل أيضاً إلى تعميق الورطة الاستراتيجية الإيرانية في سورية وبقية بلاد الشام.
وهو بالتحديد المطلوب أميركياً وإسرائيلياً وغربيا.
سعد محيو


  

الثلاثاء، 28 مايو 2013

هل "نَسِي" حزب الله وإيران إسرائيل؟


-  I-
"زوجي استشهد في القصير وهو يقاتل من هُم أخطر من إسرائيل".
هذا ماقالته أمس أمرأة بقاعية لـ"فرانس برس" بعد ان دفنت للتو جثة زوجها، في مراسم يبدو أنه غابت عنها شعائر الحزن لتحل مكانها شعارات الاستشهاد.

وإذا ماعنى هذا الأمر شيئاً، فإنه يعني النجاح الباهر لحزب الله في تعبئة قواعده الشعبية، في البداية عبر التركيز على أنه يخوض في سورية حرب الدفاع عن المواطنين الشيعة في محافظة حمص وعن المقامات المقدسة الشيعية في دمشق، ثم لاحقاً في إقناع هذه القواعد بأن كل المعارضين السوريين للنظام تكفيريون يتعيّن شن حرب استباقية ضدهم  "قبل أن يأتوا إلينا ليقتلونا".
وبعد ذلك كانت الحصيلة متوقعة: انغماس حزب الله بكليته في الحرب الأهلية السورية، ليس فقط في القصير ومحافظة حمص، بل أيضاً في دمشق وريفها، وربما غداً في درعا وامتدادتها. وهذه خطوة لم يكن الحزب ليقدم عليها لولا صدور أوامر مباشرة من ولي الفقيه الإيراني خلال لقائه الأخير(على ماقيل) مع السيد حسن نصر الله في طهران.
لكن، وكما تساءلنا بالأمس: لماذا قد تُقدم إيران على إحراق ورقة استراتيجية كبرى لها من نوع تنظيم كحزب الله تطلب بناؤه عشرات مليارات دولار خلال ثلاثة عقود، وكانت قد خصصته كخط دفاع أول وكدرع صاروخي ضد أي هجوم إسرائيلي عليها؟
-  II-
الإجابة تكمن في الصراع على الخرائط الجيو- سياسية الجديدة التي بدأت تتضح معالمها في الشرق الأوسط، والتي تتنافس ثلاث قوى إقليمية رئيسة على تقاسم مناطق النفوذ فيها: تركيا، إيران، وإسرائيل.
تركيا، وعلى رغم سياستها المعلنة الرافضة للتقسيمات المذهبية والطائفية في المنطقة وتحرُّكها لإقامة نظام إقليمي جديد على نمط السوق الأوروبية المشتركة، وجدت نفسها فجأة كقوة نفوذ إقليمي كأمر واقع. فهي وضعت شمال العراق الكردي تحت حمايتها الفعلية، فيما كان سنّة الوسط العراقيون يشيحون ببصرهم عن بغداد الشيعية ويرنون بها نحو اسطنبول العثمانية الجديدة. وكذا فعل مسلحو سنّة سورية الذين يسيطرون الآن على قطاعات واسعة من الأراضي المحاذية للحدود التركية، وكذا إلى حد ما سنّة لبنان.
وإسرائيل رسمت من دون إعلان حدود نفوذها الإقليمي الجديد، حين حددت بالدم والصواريخ والغارات الجوية خطوطها الحمر في سورية ولبنان، وبدأت نسج علاقات مع بعض الإقليات المذهبية العربية في الهلال الخصيب ومع الأكراد.
أما إيران فقد وجدت نفسها على  طاولة طعام هذه الوليمة الكبرى الجديدة، وليس على لائحة الضيوف، فيما كانت منذ الغزو الأميركي للعراق العام 2003 قد نجحت في إقامة هلال امبراطوري شيعي يمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية من بيروت مروراً ببغداد ودمشق وغزة. وهذا أمر لم يكن في الوارد قبوله، خاصة وأن النظام الأيراني يتعرَّض إلى أزمة اقتصادية كبرى، (يفاقمها بشدة انقسام معسكر المحافظين إلى مهدويين وأنصار ولاية الفقيه)، ويحتاج بالتالي إلى تصدير أزماته إلى الخارج.
-  III-
هذا، على مايبدو، العامل الرئيس الذي دفع إيران إلى تحويل حزب الله من مقاومة ضد إسرائيل إلى مقاومة ضد المقاومة السورية على هذا النحو الواسع والفاقع: فعلى المحك لعبة جيو-استراتيجية كبرى ستحدد ليس فقط مصير موازين القوى بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، بل ربما أيضاً مصير النظام الإيراني نفسه. إذ أن تآكل النفوذ الإيراني على هذا النحو السريع في المشرق، سيسفر في نهاية المطاف عن تداعي الأسس الإديولوجية والشرعية والطبقية للنظام الإيراني نفسه.
وهذه الفكرة الأخيرة هي من بنات أفكار المستشار النمسوي البارز ميترنيخ، حين كان يفكر بأفضل وسيلة للقضاء على توسعية فرنسا البونابرتية. قال: "إذا مانجحنا في إعادة الذئب الفرنسي إلى داخل حدوده، سيختنق بأنفاسه في الداخل".
وهذا مايبدو أن النظام الإيراني يعرفه ويخشاه. ولذلك يلقي بكل أوراقه الاستراتيجية دفعة واحدة في الحرب السورية.
لكن، أين المجابهة مع إسرائيل في كل هذه المعمعة؟ وكيف يمكن لحزب الله أن يشعر بالثقة من أن إسرائيل لن تستغل الفراغ الذي يتركه آلاف مقاتلي الحزب الذين يتدفقون الآن على سورية، في الجنوب والبقاع؟
هل لأنه، وإيران، يعتبران أن تل أبيب ستكون سعيدة على أي حال لتورط حزب الله في "فيتنامه الخاصة" (على حد تعبير مواطن في الضاحية الجنوبية لـ"فايننشال تايمز")، ولذا ستجلس فوق السور وتكتفي بالمراقبة؟ أم لأن إيران تنوي إشعال النيران في كل المنطقة، كوسيلة وحيدة لانقاذ مايمكن انقاذه من نفوذها الإقليمي،  ومن ثَمَ إبعاد الأنظار نهائياً عن برنامجها النووي المُتسارع؟
ثم: ماموقف الغرب وإسرائيل من هذه الحملة "التحصينية" الإيرانية الشاملة في بعض مناطق النفوذ في الهلال الخصيب؟
(غدا نتابع)

سعد محيو









الاثنين، 27 مايو 2013

هل يقلب حزب الله الطاولة في لبنان أيضا؟



- I -
هل سقط لبنان في هوة الحرب الأهلية السورية وانقضى الأمر؟
هذا كان السؤال المؤرق الذي ساور كل اللبنانيين وهم يستمعون أمس الأول إلى السيد حسن نصر الله وهو يعلن رسمياً انخراط حزب الله الكامل "حتى النصر" في الحرب السورية. لكن هذه هذه المرة ليس للدفاع عن 30 الف شيعي لبناني يعيشون في القرى الحدودية السورية (كما كانت السيد يكرر مراراً قبل ذلك)، بل لنصرة النظام السوري نفسه.
\هذا الإعلان، المترافق مع تأكد الأنباء عن وجود آلاف المقاتلين من حزب الله في بلدة القصير والعديد من قرى ريف حمص الأخرى، بدد كل الافتراضات السابقة بأن حزب الله لايريد سوى حماية خطوط إمداداته وعمقه الاستراتيجي في مثلث حمص- طرطوس- الهرمل، وأطلق فرضية قوية أخرى تقول بأنه ربط مصيره نهائياً (ومصيثر لبنان معه) بمصير النظام السوري.
وإذا ماصحّت هذه الفرضية، والأرجح أنها كذلك لكل من قرأ خطاب نصر الله المتطرف في وضوحه حيال "إعلان الحرب" رسمياً على الانتفاضة السورية، فإنها ستجرجر وراءها سؤالاً في غاية الخطورة: هل انتقال حزب الله إلى مرحلة العمل على رسم خرائط عسكرية-جغرافية جديدة له سيقتصر على الوطن السوري، أم أن هذا سيتنقل عاجلاً أم آجلاً إلى الوطن اللبناني أيضا؟
بكلمات أوضح: هل سيستتبع نجاح الحزب والنظام السوري في السيطرة على مثلث حمص- طرطوس- الهرمل بالضرورة السيطرة أيضاً على مثلثات أخرى، تشمل هذه المرة، على سبيل المثال، مناطق البقاع الغربي السنّي والجبل الدرزي الشوفي اللذين يشكلان منطقة عازلة طبيعية عن المثلث الأول؟

- II -
هذا السؤال لم يعد افتراضياً الآن، بعد أن باتت إطلالة حزب الله على التطورات في سورية وبقية مناطق الهلال الخصيب مطابقة كلياً لإطلالة النظام السوري، ومعه النظامين العراقي والإيراني، من حيث تركيزها التام على الجوانب الأمنية- العسكرية للصراع الراهن الهادف إلى الدفاع عن النفوذ الإقليمي الإيراني المتآكل في هذه المناطق.
السيد حسن نصر الله نفسه ألمح إلى هذا الجانب ضمناً، حين نعى فجأة الدولة اللبنانية، على رغم حرصه الشديد قبل أشهر قليلة على الدفاع عنها وعن الحاجة الضرورية إليها، إلى درجة دعوتها إلى دخول معاقله في الضاحية الجنوبية للحفاظ على الأمن الداخلي فيها.
ويصب في هذه الخانة التطورات السياسية المثيرة التي حرّكها حزب الله مؤخراً، حين أسقط فجأة حكومة الرئيس ميقاتي، ثم تحرّك لشل كل المؤسسات الأخرى الأمنية والسياسية والتشريعية.
آنذاك، قيل أن الحزب فعل كل ذلك لأنه لايريد أن يسائله أحد عما يفعل في سورية. أما الآن، وبعد أن بات حرب الحزب في بلاد الشام علنية ورسمية "سيمضي فيها حتى النهاية وصولاً إلى تحقيق النصر" (على حد تعبير نصر الله)، فقد بات السؤال عن مصير النظام السياسي اللبناني نفسه على المحك.
لقد سبق لنصر الله أن دعا إلى تشكيل جمعية تأسيسية تقوم بإحلال نظام سياسي جديد مكان نظام الطائف. بيد أن الأمر اختلف الآن، بعد أن بات حزب الله منخرطاً في تنفيذ خرائط عسكرية جديدة إنطلاقاً من بلدة القصير. إذ أي أي تغيير في تركيبة النظام اللبناني يجب أن تتم الآن بقوة السلاح، أسوة بما يجري الأن في كلٍ من سورية والعراق.
- III -
هل ثمة مغالاة ما في هذه الاستنتاجات؟
ربما.
لكن من يقرأ بتمعن خطاب نصر الله الأخير، ويرفقه بالذعر الذي ينتاب النظام الإيراني من جراء تآكل نفوذه الإقليمي في سورية والعراق، ومعه تآكل وضعه الداخلي الاقتصادي - الاجتماعي واقترابه من مرحلة الإفلاس (كما أوضح هاشمي رفسنجاني قبل أيام)، فقد يتوصّل إلى الاستنتاج بأن طهران  ربما قررت بالفعل استخدام كل أوراقها الّإقليمية دفعة واحدة للدفاع عن نظامها الداخلي.
وأثمن ورقة هنا هي حزب الله، الذي يُعتبر الانجاز الكبير الوحيد في السياسة الخارجية للثورة الإيرانية، والذي كانت تحتفظ بها طهران كخط دفاع أول عن نفسها ضد أي هجوم إسرائيلي.
بيد أنه يبدو أن ضرورات إنقاذ النفوذ الإيراني طغت على محظورات حرق ورقة حزب الله على هذا النحو في سورية. فما الذي يمنع طهران  من استخدام هذه الورقة الآن لتغيير معطيات الأمر الواقع اللبناني كاستكمال لما تقوم به الآن من عمليات لتحصين النظام السوري في مثلث حمص- طرطوس- الهرمل؟
حقاً، ما الذي يمنعها؟

سعد محيو


الاثنين، 20 مايو 2013

حزب الله: معارك ميؤوس منها لانقاذ النفوذ الإيراني



- I -
ماذا قد يقول المؤرخون المستقبليون عن التدخل الكثيف لحزب الله اللبناني في الحرب السورية؟

شيء واحد على الأرجح: هذا الحزب، الذي لطالما جهد كي يُقدِّم نفسه على أنه حزب لبناني يدافع عن المصالح الوطنية اللبنانية ولايرفع سلاحه إلا لمقاومة إسرائيل وممانعتها، كشف بشطحة قلم واحدة عن كل أوراقه الإقليمية بصفته الراعي الأول للمصالح القومية الإيرانية في المشرق العربي.
هكذا الأمر بكل بساطة. فكما أن بعض المحللين كانوا مقتنعين بالأمس أن سلاح حزب الله لاوظيفة حقيقية له في خاتمة المطاف سوى أن يكون خط الدفاع الأول عن إيران بصفتها وطن ولي الفقيه الذي يأمر ويجب أن يُطاع، بات الكثير منهم مقتنعين اليوم بأن طهران هي التي حرّكت هذا السلاح نفسه لحماية خط الدفاع الثاني عن نظامها ونفوذها الإقليمي في سورية.
وهذه ستكون نهاية غير سعيدة لرواية المقاومة والممانعة التي روّج لها حزب الله، التي شكّلت على مدار العقود الماضية نقطة الارتكاز الأساسية في استراتيجية الحزب في الوضع الداخلي اللبناني، والتي تُوجّت بالشعار المجلل "الشعب والجيش والمقاومة".
- II -

إنها نهاية غير سعيدة لجملة أسباب دفعة واحدة:
الأول، أن حزب الله انخرط بقضه وقضيضه في حرب أهلية إسلامية- إسلامية، ترتدي حلّة أكثر خطورة بسبب ألوانها المذهبية والطائفية الفاقعة المتوزعة بين السنّة والشيعة والعلويين.
 فهل أمر بسيط أن يسحب الحزب وحداته من جنوب لبنان المخصصة لمقاومة إسرائيل في الجنوب، لمقاتلة أشقاء له في الانتماء إلى "الأمة" التي يعلن الحزب في أدبياته ووثائقه الانتماء إليها، في الشمال والشرق؟. وهل هو بالأمر الهيِّن أن ينحاز هذا الحزب الإيديولوجي الإسلامي إلى نظام يصف نفسه بالقومي العربي العلماني وتتشكّل نواته الصلبة من طائفة علوية لايعتبرها فقهاء الشيعة "إسلامية تماما"، على رغم فتاوى معاكسة صدرت من طهران وصور أيام الإمام موسى الصدر؟
أي منطق فكري أو فقهي يمكن أن يبرر هذا الانحياز، سوى أنه تنفيذ لأوامر "غير فكرية وغير منطقية" صدرت من إيران- الدولة لا إيران الثورة؟
السبب الثاني، هو أن هذا التورط الكثيف للحزب سيسفر في نهاية المطاف عن جر الوطن اللبناني برمته إلى الأتون السوري، حتى ولو لم تكن هذه رغبة الحزب. فهذا الأخير ليس دولة يمكنها أن تخوض معارك بالواسطة في دول أخرى من دون أن يتأثر داخله بها، بل هو مجرد جزء من نسيج مجتمعي يقابل أي فعل فيه رد فعل من باقي أجزاء هذا النسيج (إقرأ الطوائف والمذاهب).
وبالتالي، لن يطول الوقت قبل أن تتمدد النيران السورية إلى الداخل اللبناني، سواء من "معبر الهرمل" المحاذي لبلدة القصير، أو من مدينة طرطوس العلوية باتجاه مدينة طرابلس السنيّة ومنها إلى بيروت وضاحيتها الجنوبية وصيدا.
والسبب الثالث للنهاية غير السعيدة، هو أن الحزب يخوض معركة خاسرة استراتيجياً سلفاً.
لماذا؟
لأن ماتشهده المنطقة العربية الآن، لايقل عن كونه بداية العد العكسي لسقوط الامبراطورية الإيرانية الصغيرة التي تمددت طيلة العقود الثلاثة الماضية في منطقة الهلال الخصيب، مشكِّلة هلالاً شيعياً افتراضياً امتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، مروراً ببغداد ودمشق وغزة.
فالنظام السوري، الذي شكّل الركيزة الكبرى للنفوذ الإيراني، تفكك ولن يكون ثمة مجال لإعادة بنائه مهما حقق هذا النظام وحلفائه من انجازات عسكرية. إذ مايجري في سورية حرب أهلية متعولمة وإقليمية، سرعان ماستتدخل فيها الأطراف الأخرى في حال حقق أحد الطرفين المتقاتلين خللاً في موازين القوى.
والنظام العراقي، الذي خضع إلى النفوذ الإيراني بعد الانسحاب العسكري الأميركي، يتفكك هو الآخر وبسرعة. فالشمال الكردي أصبح محمية تركية حقيقية خارجة عن أي نفوذ عليها من بغداد. والوسط السنّي يسير هو الآخر في هذا الاتجاه. والبلاد كلها تتجه بسرعة القذيفة الصاروخية إلى حرب أهلية جديدة، تكون امتداداً للحرب السورية.
وغزة الإخوان المسلمين الجديدة، لم تعد غزة القديمة الحليفة لطهران، بعد أن أدارت ظهرها لدمشق ويممته نحو "إخوانها" في القاهرة.
أما حزب الله نفسه في لبنان، فهو يعاني الآن من تمدد استراتيجي زائد وخطر، بعد أن بات مضطراً إلى خوض معارك أو مجابهات في سلسلة متصلة من الجبهات في سورية والجنوب والداخل اللبناني والساحة الأمنية الدولية.
- III -
الآن، إذا ما أضفنا إلى هذه العوامل تأرجح الاقتصاد الإيراني على شفير الهاوية بعد أن فقدت العملة الإيرانية نصف قيمتها خلال أشهر قليلة، علاوة على تضعضع قوة المحافظين الإيرانيين بعد انقسامهم بين المهدوية وولاية الفقيه، وصعود تركيا الكاسح إلى قمرة القيادة الإقليمية (وقريباً الدولية)، واندفاع إسرائيل القوي إلى قطع كل أمدادات الحزب العسكرية من سورية، لتوصلنا إلى الاستنتاج بأن حزب الله يخوض بالفعل معارك ميؤوس منها لانقاذ ماتبقى من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
ومضاعفات مثل هذه المعارك الخاسرة سلفاً، لن تتأخر كثيراً في الظهور.
 لا بل أكثر: يمكن القول أن حزب الله تحوّل في الآونة الأخيرة  بالنسبة إلى القوى الإقليمية التي تتحرّك الآن لـ"وراثة" التركة الإيرانية، إلى "نتوء استراتيجي" يجب إزالته قبل أن يعاد ترتيب أوضاع المنطقة من جديد.

سعد محيو