للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لبنان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لبنان. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 17 مارس 2014

حزب الله يربح معارك.. في حرب خاسرة
- I -
لايستطيع المرء أن يدين، أو حتى أن يطلق حق قيمة، على حزب الله اللبناني، بسبب الدين المعلَّق في رقبة المنطقة العربية له لنجاحه في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال، من دون مساومات أو تنازلات تفاوضية. فهذه قضية تاريخية ثابتة لاتجري عليها قوانين تقادم الزمن.
بيد أن عدم الإدانة لاتُلغي، أو لايجب أن تُلغي، النقد أو المحاسبة والمساءلة, وهي أمور تصب في الواقع في صالح هذا الدَيْن لا ضده، تماماً كما يفعل الديالتيك الهيغيلي حين يستولد الجديد الإيجابي من وضع النفي في مواجهة النفي.
لماذا المحاسبة؟
لأن حزب الله توغَّل بعيداً للغاية عن الصورة التي رسمها لنفسه بشق الأنفس وبأنفاس الشهداء في المنطقة العربية طيلة عقدين كاملين من الزمن، بصفته القوة العسكرية التي فرملت التفوق الإسرائيلي الكاسح على العرب.
فقد كان عليه بعد نهاية حرب 2006 أن يعيد النظر بمفهوم المقاومة، بعد أن توقفت العمليات كلياً في الأراضي اللبنانية الجنوبية المحتلة، وأن يعمل على إدماج وحداته المقاتلة في منظومة دفاع استراتيجي لبناني جديدة، طالما أنه يكرر أناء الليل وأطراف النهار أن مبرر وجوده هو الدفاع عن أمن لبنان ضد عربدة إسرائيل.
بيد أن الحزب لم يفعل شيئاً من هذا، بل واصل الحديث عن نفسه كمقاومة لكن دون فعل المقاومة. وبديهي بعد ذلك أن تتحوّل قوته العسكرية إلى الداخل، سواء من خلال اجتياح بيروت بحجة الدفاع عن البنى التحتية لشبكة اتصالات المقاومة، أو عبر استخدام القمصان السود والضغوط الأمنية على السياسيين (وليد جنبلاط نموذجا) للتحكُّم بمسار الحكم اللبناني.
كما كان عليه أن يشرح بشكل مقنع لقواعده وللبنانيين اسباب ودوافع وهن "الممانعة" ضد السياسات الأميركية، بعد انفتاح أبواب واشنطن ونوافذها أمام حليفته إيران. وهذا كان أمراً ضرورياً لصدقية الحزب، لأنه أمضى أكثر من 30 سنة وهو يعبيء قواعده على ضرورة التصدي لأميركا بصفتها "شيطاناً أكبر".
بيد أنه لم يفعل أيضا. بل قفز على التقارب الإيراني- الأميركي السري والعلني، تاركاً للخصم السعودي (وحتى الإسرائيلي) لعب دور "الممانع" ضد هذا الشيطان. وهذا من شأنه أن يترك ندوباً لا شفاء منها في بنية مصداقيته المعنوية وصورته الإديولوجية.
وأخيراً، جاءت كارثة تدخل الحزب في الحرب الأهلية السورية التي ستُثبت أنها الطامة الكبرى التي حلّت به حاضراً ومستقبلا، خاصة وأنه يثبت يوماً بعد يوم أنه  لايزال يُطل على هذه الحرب تماماً كما يفعل النظام السوري، أي بصفتها حدثاً أمنياً سيتم حلّه بالقوة العسكرية. وهذا فهم تجلى بوضوح حين دفع الحزب أنصاره إلى الاحتفال في الشوارع بالنصر العسكري الذي حققه في القصير، وبعده قبل يومين في يبرود.
- II -

لماذا هذا التطور طامة كبرى على الحزب؟
لجملة أسباب:
فالحزب، كما النظام السوري، يبدو واهماً للغاية إن هو اعتقد أن يبرود أو القصير أو حتى حلب نفسها، ستكون خاتمة الأحزان بالنسبة إليهما. فهذه حرب باتت بلا نهاية تقريبا. وهذه النهاية ستدخل إلى قعر آخر سحيق قريباً، حين يتحوّل الصراع على أوكرانيا بين روسيا وأميركا إلى مايشبه الحرب الباردة الجديدة، والتي ستنعكس حتماً حرباً ساخنة بينهما على الأرض السورية.
هناك في سورية الآن مئة ألف مقاتل معارض تكمن قوتهم الأساسية في ضعفهم، لأنهم لايملكون مثل الجيوش هيكلاً تنظيمياً واحدا يكفي لإلحاق الهزيمة به كي يتحقق النصر. وهذا يعني أن حزب الله سيكون مضطراً، إذا ما قرر مواصلة دعم النظام السوري الذي فقد كل زخمه القتالي وتماسكه المؤسساتي العسكري (ماعدا أجهزة مخابراته) ، أن يخوض بامكاناته البشرية المتواضعة حرب المئة عام في بلاد الشام. الحزب يربح في سورية بعض المعارك العسكرية، لكن هذا يتم في إطار حرب ستكون خاسرة حتماً بالنسبة إليه.
فهل هو يضع هذه الحقيقة بعين الاعتبار؟
لايبدو ذلك، لأنه غارق على مايبدو في وهم القدرة على النصر، إن لم يكن في كل سورية، فعلى الأقل في المناطق الممتدة من القلمون إلى حمص والسواحل العلوية.
- III -
بيد أن كل هذه المخاطر، على رغم هولها، لاتقارن بشيء مع المضاعفات التاريخية والاستراتيجية الخطيرة الناجمة عن عدم تكيّف حزب الله مع تغيّر المعطيات التي أحاطت ببروز مفهومي المقاومة والممانعة، والتي أدت في نهاية المطاف، مع التدخل في سورية، إلى تحوُّل الحزب من حركة مقاومة باسم الأمة، إلى تنظيم مذهبي شيعي يخوض إلى جانب الشيعة العراقيين والعلويين في سورية حرباً ضد السنّة بشتى تلاوينهم ومشاربهم.
فهذا التطور في سورية، وأكثر حتى من المجابهة الشاملة بين إيران والسعودية في كل من العراق واليمن والبحرين ولبنان وغيرها، سيؤسس للفتنة الكبرى-2 بين السنة والشيعة والتي قد تدوم كما الحرب السورية مئة عام.
وهذا بات الآن خطراً داهماً بعد أن دخلت باكستان على خط دعم الانتفاضة السورية بالسلاح، وربما قريباً بالرجال، بطلب من السعودية. ومثل هذا التطور لن يؤثر على طبيعة الحرب السورية وحسب، بل ربما يشعل أيضاً إوار حرب أخرى تأخل الأخضر الشيعي في باكستان (نحو 20 في المئة من السكان) واليابس الشيعي في أفغانستان (10 في المئة)، وقد تتطور لتصبح حرباً مباشرة باكستانية- إيرانية سبق أن تراقص البلدان على حافتها في ثمانينيات القرن العشرين.
هل كان المتظاهرون الشيعة في الضاحية الجنوبية وكورنيش المزرعة في بيروت يدركون هذه الحقائق- المخاطر في طول المنطقة الإسلامية وعرضها حين احتفلوا بسقوط يبرود؟
بالطبع لا، لأن ليس ثمة في حزب الله أحد من القيادات مستعد لإطلاع القواعد على حسابات الربح والخسارة في "المغطس" السوري، وربما قريباً في المغطس اللبناني إذا ما ادى سقوط يبرود  إلى انفجار عرسال وبقية البقاع اللبناني.
وهذا في حد ذاته مايضفي على النقد الضروري، والموضوعي، للحزب طابعاً حزينا، لأنه يكشف بشطحة قلم كم هو مؤلم أن تتحوَّل ظاهرة مقاومة نبيلة تجسّد روح الأمة، إلى تظاهرة مذهبية مغلقة تمعن في تفتيت روح الأمة وجسدها.

سعد محيو


الاثنين، 30 ديسمبر 2013

السعودية والجيش اللبناني: "ضربة معلّم" سياسية، ولكن؟



- I -
أقل ماقد يقال عن الهبة السعودية الضخمة للجيش اللبناني، والتي ناهزت الثلاثة مليارات دولار، أنها "ضربة معلّم" سياسية- دبلوماسية، على رغم أن نتائجها أو حتى مآلها لايزالان في علم الغيب، كما سنرى بعد قليل.
لماذا هي ضربة معلّم؟
عبد الله وهولاند: رسائل برسم واشنطن(الصورة من غوغل

لأنها أصابت جملة عصافير بحجر واحد:
- فهي أطلقت رسالة مدوّية إلى الولايات المتحدة بأنها تعني ماتقول حين تفصح عن نيتها تنويع مصادر ضماناتها الأمنية. صحيح أن المملكة لم تتجه هي نفسها إلى استبدال السلاح (والضمانات الأمنية) الأميركية بالسلاح والضمانات الفرنسية، إلا أن اشتراطها على لبنان أن يشتري عتاداً فرنسياً بهذا المبلغ الضخم، هي رسالة من تحت الماء ومن فوقها أيضاً ستفهم واشنطن مغزاها سريعا.
- وهي (الهبة) أطلقت في وجه طهران، التي تتمتع بنفوذ أمني هائل في لبنان عبر حزب الله، مايشبه البطاقة الحمراء في كرة القدم، مفادها انها على استعداد لتمديد حرب الاستنزاف التي تعاني منها طهران في سورية بسبب الأكلاف الباهظة لدعم نظام الأسد، إلى لبنان. وهذه أيضاً رسالة ستعيها إيران سريعا.
- وفوق هذا وذاك، سيكون الهبة مضاعفات كبيرة ومؤثرة على موازين القوى المحلية اللبنانية.
وعلى سبيل المثال، سيشعر العماد ميشال عون، الحليف المسيحي الوحيد لحزب الله، بحرج شديد إن هو تحرّك لاعتراض طريق هذا الدعم لجيش يعتبره عون بمثابة "ابنه المدلل" ويعتبر نفسه المدافع السياسي الأول عنه. هذا علاوة على أن مسيحيي لبنان، الذين يقيمون علاقات عاطفية تاريخية مع الجيش، لم يعد لديهم الآن سوى هذا الأخير لحمايتهم بعد أن تخلوا (رسمياً على الأقل) عن امتشاق السلاح. وبالتالي، إذا ما حاول الجنرال عون اعتراض هذه الصفقة، سيجد أن رصيده الشعبي المسيحي سيتبخر  بسرعة الضوء، خاصة وأن السلاح سيأتي من "الأم الحنون" فرنسا.
وقل الأمر نفسه عن حزب الله. فمبرر بقاء هذا الحزب كقوة مسلحة لم يعد المقاومة، بعد أن توقفت عملياته العسكرية ضد إسرائيل منذ حرب 2006، بل القول أن هذه القوة ضرورية لأن الجيش اللبناني ضعيف ولم يستطع مرة طيلة السنوات الخمسين الماضية ردع إسرائيل ومنعها من الاعتدء عليه.
بيد أن تدفق الأسلحة الفرنسية، في حال تدفقت، والتي يتوقع أن تتضمن عتاداً جوياً وصاروخياً متطورا، سيمكّن هذا الجيش الذي يبلغ عديده الـ 60 أو 70 ألف جندي من التحوّل إلى قوة ضاربة حقيقية. كما سيجبر إسرائيل على أخذ قدراته بعين الاعتبار في أي تخطيط لمواجهات جديدة.
بيد أن حزب الله لن يقرأ خلفيات هذه الصفقة في كتاب "قوة لبنان في قوته" لا في ضعفه، بل في الكتب التحليلية الإيرانية التي ستعتبرها خطراً عليه وعلى النفوذ الإيراني، وتعزيزاً لدور السعودية وحلفائها في 14آذار/مايو. ولذا، سيبذل جل طاقته، وإن بطرق ملتوية، لاعتراض سبيلها.
- II -
الآن، وبعد قول كل شيء عن "ضربة المعلّم" السعودية هذه، نأتي إلى ما أشرنا إليه في البداية حول غموض مصير هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها ضعف كل ميزانية الجيش اللبناني.
سبب هذا الغموض يتمحور في الدرجة الأولى حول موقف واشنطن وتب أبيب منها:
هل ستكون الولايات المتحدة، التي تسلّح وتدرّب الجيش اللبناني منذ عشرات السنين وتعتبره حصنها السياسي الرئيس في لبنان، في وارد التخلي عن هذا الدور لفرنسا؟
وهل ستقبل إسرائيل، التي لطالما رفضت كل المحاولات الاميركية لتسليم الجيش اللبناني أسلحة متطورة، أن تقوم فرنسا الآن بتحويل هذا الجيش إلى قوة      ضاربة؟
في الرد على السؤال الأول، لا بد من الانتظار قليلاً لمعرفة ما إذا كانت سياسة الانكفاء التي تمارسها إدارة أوباما في الشرق الأوسط، تتضمن السماح لحلفائها الإوروبيين بوراثة "تركتها" في المنطقة.
أما عن السؤال الثاني فالجواب سيأتي سريعا: تل أبيب ربما تتحرك بقوة، خاصة في كواليس البيت الأبيض ودهاليز الكونغرس لإجهاض هذه الخطوة، وهي قد تتحدث عن خطر وقوع الأسلحة الفرنسية المتطورة في يد حزب الله. وهذا ماقد يضعها في موقف حرج مع فرنسا التي تحتاج هذه الأيام بشدة إلى كل دولار استثماري لانقاذ اقتصادها المتعثر.
بيد أن المفارقة الكبرى ستكون في احتمال تقاطع الموقف الإسرائيلي العلني  مع الموقف الضمني لحزب الله المتوجس من الصفقة.
وفي حال حدث ذلك، ستكون ضرية المعلم السياسية السعودية قد اكتملت فصولاً ووصلت إلى ذروة نجاحها، حتى ولو فشلت الصفقة في التحقق.


سعد محيو

السبت، 28 ديسمبر 2013

لهذه الأسباب اغتيل الوزير شطح..


- I -
لماذا اغتيل الوزير اللبناني السابق محمد شطح؟

للأسباب نفسها، على الأرجح، التي اغتيل بسببها الرئيس الراحل رفيق الحريري: تجاوز خطوط دولية تعتبرها بعض الأطراف اللبنانية (وغير اللبنانية) حمراء قانية.
الحريري، كما هو معروف، ذهب أساساً ضحية اتهامات سورية له بأنه "تواطأ" مع صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي "تواطأ" بدوره مع الرئيس الأميركي بوش، لإخراج القوات السورية من لبنان بموجب قرار تم إصداره من مجلس الأمن حمل الرقم 1559 .
آنذاك، أي حين صدور القرار في 2 أيلول/سبتمبر 2004، لم يكن أحد ليتوقع أن يدفع الحريري الثمن على هذا النحو المفجع. فهو كان يقيم علاقات ودية ومفتوحة مع حليف سورية الرئيس في لبنان، حزب الله. كما كان يطرح نفسه كقوة اعتدال في الوسط السياسي والسنّي، ويجهد لإرضاء القيادة السورية عبر العمل لها كوزير خارجية غير معيّن لدى القوى الغربية.
بيد أن مسألة الخطوط الحمر طرحت نفسها بقوة بعد القرار 1559 لدى النظام السوري، مادفع هذا الأخير إلى أن يتخطى بدوره الخطوط الحمر السعودية والأميركية والفرنسية ويوعز بعملية الاغتيال الضخمة.
- II -

الأمر نفسه يبدو انه انسحب على محمد شطح.
فالرجل من دون أن يدري، في الغالب، كان يدوس على بعض الخطوط الحمر التي رسمها حزب الله، حين انطلق لتنفيذ مشروع يقضي ببلورة إجماع غربي- دولي - حول إعلان حياد لبنان في الصراع السوري، ثم دعم هذا الحياد بقرار من مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
شطح دخل المرحلة التنفيذية لهذا المشروع، حين خطط للقاءات عدة مع مسؤولين أوروبيين، ثم أميركيين، تمهيداً لتتويج كل ذلك بمؤتمر يتنبى رسمياً فكرة الحياد هذه.
بيد أن حزب الله، الذي تورط بقرار إيراني مباشر  في الحرب الأهلية السوريةـ، اعتبر، وعن حق، أن مثل هذه الخطوة ستكون شبيهة كل الشبه بالقرار 1559، لكن هذه المرة ضده وليس ضد سورية. إذ أن أي قرار أو إجماع دولي في هذا الشأن، لن يفرض عليه ضغوطاً دولية لاتطاق وحسب، بل هو أيضاً سيفرض "القضية اللبنانية" (كما كان شطح يسميها) على المفاوضات الإيرانية- الأميركية، حيث سيكون على طهران تقديم تنازلات ما في لبنان لغير صالح دورها ودور حزب الله الراهن في سورية وبلاد الأرز.
علاوة على ذلك، كانت تتواتر أنباء أخرى عن أن شطح كان مرشحاً لرئاسة حكومة "معتدلة" قد يفرضها الرئيسان سليمان وسلام بقوة صلاحياتهما الدستورية. وهذا تطور يعتبره حزب الله من "المحرمات" التي لايجوز ولايمكن التغاضي عنها، لأنه سيعرّض كل استراتيجيته التدخلية الراهنة في سورية إلى المساءلة والانكشاف.
- III -
هل ثمة مبالغات ما في هذا التقييم؟
كلا.
لماذا؟
لأنه في لبنان، ليس هناك شيء لبناني. فكل مايجري فيه تعبير عن توجهات خارجية، إقليمية ودولية، لادور فيها للعوامل المحلية سوى كانعكاسات وتجليات لهذا الخارج.
وبما أن شطح وضع نفسه على خط تماس مع بعض التوجهات الخارجية، تماماً كما فعل قبله الرئيس رفيق الحريري، جاءت الترجمة المحلية على هذا النحو المفجع.
إنه لبنان "الساحة" وهو يعيد انتاج دوره "الخدماتي" من دون ملل أو كلل، منذ أيام الفينيقيين قبل ثلاثة آلاف سنة وحتى الآن!

سعد محيو

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

هل هي الحرب بين الأمير بندر والجنرال سليماني؟



أهم مؤشران على طبيعة وأهداف الهجوم الانتحاري المزدوج على السفارة الإيرانية في بيروت، هما توقيته ودقته.
فمن حيث التوقيت، جاء الهجوم عشية استئناف المفاوضات النووية الإيرانية- الغربية التي تثير كبير القلق في كلٍ من الرياض وتل أبيب وأنقرة والقاهرة والعديد من دول الشرق الأوسط الأخرى. إذ أن هذه العواصم تعتبر المفاوضات مقدمة لاعتراف واشنطن وبروكسل بالدور الإقليمي الكبير لـ"امبراطورية قورش الفارسية الجديدة" في الشرق الأوسط، على حد تعبير دبلوماسي خليجي في بيروت.
بندر وبوش
سليماني

هذه الدول، وخاصة تل إسرائيل وإلى حد ما المملكة السعودية، لاتخفي رغبتها في دفع هذه المفاوضات إلى التعثر أو حتى إلى الفشل. فالأولى تحرّك الكونغرس الأميركي الموالي لها بشدة لفرض عقوبات جديدة على إيران، تحت شعار لارفع لهذه العقوبات قبل الوقف الكامل والشامل لكل البرنامج النووي الإيراني. فيما الثانية تنشط الآن على أرض الشرق الأوسط لتحويله كله إلى "سورية جديدة" لطهران، أي إلى فيتنام تستنزف ماتبقى من الموارد الإيرانية التي لم تبتلعها بعد الحرب السورية (نحو 20 مليار دولار سنوياً).
التفجير المزدوج في بيروت يأتي في هذا السياق. وهو بمثابة رسالة استراتيجية لا تكتيكية متعددة الرؤوس إلى واشنطن وكل من يهمهم الأمر، بمدى "المقاومة والممانعة" التي ستبرز في وجه أي اتفاق إيراني- غربي ثنائي يتم من دون موافقة القوى الإقليمية المعنية. وهذا يعني أن تفجير السفارة الإيرانية هو بداية لعملية او عمليات متسقة، لا نهاية لها.
معركة القلمون
علاوة على ذلك، جائ التوقيت متطابقاً مع حدث ميداني كبير يجري هذه الأيام على الأرض المشتركة اللبنانية- السورية. إذ يبدو أن المعركة الكبرى في منطقة القلمون الاستراتيجية، التي تعتبر فائقة الأهمية للتواصل الجغرافي بين خطوط إمداد النظام السوري في كلٍ من منطقة دمشق ومعاقله العلوية في حمص وجبال العلويين والبقاع الشيعي اللبناني، قد بدأت.
رأس الحربة البرية في هذه المعركة هي آلاف من مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وفصائل إدارة وقيادة من فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ومن شأن انتصار النظام السوري في هذه المعركة أن يسدد ضربة عنيفة للمعارضة المسلحة السورية وانتصاراً كبيراً آخر للنفوذ الإيراني. وهذا أمر لن تقبل به مملكة الوهابيين بأي حال وسترد عليه بكل الوسائل المتاحة.
هذا عن التوقيت. أما الدقة التي نفِّذت فيه العملية فهي، بما تضمنته من عملية مراقبة متواصلة للسفارة الإيرانية ومعرفة موعد مغادرة السفير غضنفر ركن أبادي للمبنى بهدف اغتياله، يشي بأن التحضيرات للتفجير استلزمت وقتاً طويلاً وأجهزة متطورة وعناصر عدة. وهذا ماليس بمقدور تنظيم "كتائب عبد الله عزام" الذي أعلن مسؤوليته عن العملية القيام به. هذا ناهيك أصلاً عن أن هذا التنظيم ضبابي للغاية. فهو إيراني النِشأة أسسه  صالح عبد الله القرعاوي الذي كان يتخذ من إيران مركزاً له، ويديره معارضون سعوديون. وتتقاطع كل المعلومات على القول أن هذا التنظيم المرتبط بالقاعدة مخترق، كما الحال مع معظم الحركات الإرهابية، من مختلف أنواع أجهزة المخابرات، بما في ذلك الموساد.
ماذا بعد؟
حسنا. ماذا بعد هذا "الهجوم الاستراتيجي"، سواء على الصعيد الإقليمي أو بالنسبة إلى لبنان؟
صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" لم تجد ما تقوله حيال هذا الهجوم سوى القول بأنه "يظهر كم أن الصراع في سورية قد انقلب بشكل حاد إلى حرب سنّية- شيعية بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران".
لا بل هي نسبت إلى كوادر موالية لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت اتهامهم المباشر للرياض بالوقوف وراء العمليتين الانتحاريتين، وتهديدهم باستهداف السفارة السعودية في العاصمة اللبنانية.
هذه المعطيات المتقاطعة، أي المفاوضات النووية ومعركة القلمون والحرب السورية، مضافاً إليها المجابهة السعودية- الإيرانية فوق أرض العراق والتي تتخذ هي الاخرى طابعاً سنياً- شيعياً فاقعا، تعني أن منطقة الهلال الخصيب برمتها باتت ساحة مجابهة بين الرياض وطهران، أو بين الأمير بندر بين سلطان مدير المخابرات السعودية المخضرم، وبين قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (على حد تعبير مقاتل من حزب الله عاد لتوه من معارك سورية).
لبنان كان حتى الآن بمنأى نسبياً عن هذه المجابهة، حيث كانت الاطراف السياسية المتصارعة فيه المناوئة والمعارضة للنظام السوري (8 و14 آذار/مارس) تكتفي بالحروب بالواسطة داخل الأرض السورية.
لكن الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت قد يقلب هذه المعادلة رأساً على عقب، خاصة إذا ما كان لهذا  الهجوم مابعده. وهو أمر مؤكد تقريباً بسبب العوامل الدولية والإقليمية والسورية التي ألمعنا إليها.
المفاوضات النووية ستكون هو المحفز لهذه المجابهة. لكن معركة القلمون ستكون هي الوقود الذي قد يشعل إوار التفجير في لبنان، بسبب مايقال عن تدفق أعداد كبيرة من المسلحين السوريين إلى لبنان الذين سيكون هدفهم الأول، جنباً إلى جنب مع الأصوليين السنّة اللبنانيين، الانتقام من حزب الله عبر نقل المعارك إلى مناطقه. وهذا ماجعل بعض المراقبين اللبنانيين يذهبون إلى حد تشبيه العملية الانتحارية ضد السفارة الإيرانية بحادث بوسطة عين الرمانة العام 1975 الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت زهاء 15 عاما.
الأمور لما تصل بعد إلى هذه المرحلة. لكنها قد تصل إليه إذا ما فشل مؤتمر جنيف-2 لحل الأزمة السورية في الانعقاد أو في التوصل إلى نتائج ملموسة في حال انعقاده، وبالطبع إذا ماعجزت المفاوضات النووية عن تهدئة نفوس المعارضين الإقليميين لها، وأيضاً إذا ماتبيّن أن القوى الإقليمية سترمي بكل ثقلها في معركة القلمون.
ففي هذه الحالة، ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة في لبنان، وستنضم بيروت إلى دمشق وبغداد بصفتها كلها ضواحٍ ثلاث لعاصمة حرب إقليمة واحدة.
ويخشى الآن أن تكون العملية الانتحارية المزدوجة ضد السفارة الإيرانية، هو أول غيث مثل هذا التطور المأساوي الذي سيدفع لبنان ثمنه غاليا.
وقديماً قيل: حين يتصارع الفيلة، يكون العشب أول من يدفع الثمن.
(*) نشر هذا المقال أولاً في صحيفة المدن الالكترونية

سعد محيو





هل هي الحرب بين الأمير بندر وسليماني؟
أهم مؤشران على طبيعة وأهداف الهجوم الانتحاري المزدوج على السفارة الإيرانية في بيروت، هما توقيته ودقته.
قاسم سليماني
فمن حيث التوقيت، جاء الهجوم عشية استئناف المفاوضات النووية الإيرانية- الغربية التي تثير كبير القلق في كلٍ من الرياض وتل أبيب وأنقرة والقاهرة والعديد من دول الشرق الأوسط الأخرى. إذ أن هذه العواصم تعتبر المفاوضات مقدمة لاعتراف واشنطن وبروكسل بالدور الإقليمي الكبير لـ"امبراطورية قورش الفارسية الجديدة" في الشرق الأوسط، على حد تعبير دبلوماسي خليجي في بيروت.
بندر مع بوش

هذه الدول، وخاصة تل إسرائيل وإلى حد ما المملكة السعودية، لاتخفي رغبتها في دفع هذه المفاوضات إلى التعثر أو حتى إلى الفشل. فالأولى تحرّك الكونغرس الأميركي الموالي لها بشدة لفرض عقوبات جديدة على إيران، تحت شعار لارفع لهذه العقوبات قبل الوقف الكامل والشامل لكل البرنامج النووي الإيراني. فيما الثانية تنشط الآن على أرض الشرق الأوسط لتحويله كله إلى "سورية جديدة" لطهران، أي إلى فيتنام تستنزف ماتبقى من الموارد الإيرانية التي لم تبتلعها بعد الحرب السورية (نحو 20 مليار دولار سنوياً).
التفجير المزدوج في بيروت يأتي في هذا السياق. وهو بمثابة رسالة استراتيجية لا تكتيكية متعددة الرؤوس إلى واشنطن وكل من يهمهم الأمر، بمدى "المقاومة والممانعة" التي ستبرز في وجه أي اتفاق إيراني- غربي ثنائي يتم من دون موافقة القوى الإقليمية المعنية. وهذا يعني أن تفجير السفارة الإيرانية هو بداية لعملية او عمليات متسقة، لا نهاية لها.
معركة القلمون
علاوة على ذلك، جائ التوقيت متطابقاً مع حدث ميداني كبير يجري هذه الأيام على الأرض المشتركة اللبنانية- السورية. إذ يبدو أن المعركة الكبرى في منطقة القلمون الاستراتيجية، التي تعتبر فائقة الأهمية للتواصل الجغرافي بين خطوط إمداد النظام السوري في كلٍ من منطقة دمشق ومعاقله العلوية في حمص وجبال العلويين والبقاع الشيعي اللبناني، قد بدأت.
رأس الحربة البرية في هذه المعركة هي آلاف من مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وفصائل إدارة وقيادة من فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ومن شأن انتصار النظام السوري في هذه المعركة أن يسدد ضربة عنيفة للمعارضة المسلحة السورية وانتصاراً كبيراً آخر للنفوذ الإيراني. وهذا أمر لن تقبل به مملكة الوهابيين بأي حال وسترد عليه بكل الوسائل المتاحة.
هذا عن التوقيت. أما الدقة التي نفِّذت فيه العملية فهي، بما تضمنته من عملية مراقبة متواصلة للسفارة الإيرانية ومعرفة موعد مغادرة السفير غضنفر ركن أبادي للمبنى بهدف اغتياله، يشي بأن التحضيرات للتفجير استلزمت وقتاً طويلاً وأجهزة متطورة وعناصر عدة. وهذا ماليس بمقدور تنظيم "كتائب عبد الله عزام" الذي أعلن مسؤوليته عن العملية القيام به. هذا ناهيك أصلاً عن أن هذا التنظيم ضبابي للغاية. فهو إيراني النِشأة أسسه  صالح عبد الله القرعاوي الذي كان يتخذ من إيران مركزاً له، ويديره معارضون سعوديون. وتتقاطع كل المعلومات على القول أن هذا التنظيم المرتبط بالقاعدة مخترق، كما الحال مع معظم الحركات الإرهابية، من مختلف أنواع أجهزة المخابرات، بما في ذلك الموساد.
ماذا بعد؟
حسنا. ماذا بعد هذا "الهجوم الاستراتيجي"، سواء على الصعيد الإقليمي أو بالنسبة إلى لبنان؟
صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" لم تجد ما تقوله حيال هذا الهجوم سوى القول بأنه "يظهر كم أن الصراع في سورية قد انقلب بشكل حاد إلى حرب سنّية- شيعية بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران".
لا بل هي نسبت إلى كوادر موالية لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت اتهامهم المباشر للرياض بالوقوف وراء العمليتين الانتحاريتين، وتهديدهم باستهداف السفارة السعودية في العاصمة اللبنانية.
هذه المعطيات المتقاطعة، أي المفاوضات النووية ومعركة القلمون والحرب السورية، مضافاً إليها المجابهة السعودية- الإيرانية فوق أرض العراق والتي تتخذ هي الاخرى طابعاً سنياً- شيعياً فاقعا، تعني أن منطقة الهلال الخصيب برمتها باتت ساحة مجابهة بين الرياض وطهران، أو بين الأمير بندر بين سلطان مدير المخابرات السعودية المخضرم، وبين قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (على حد تعبير مقاتل من حزب الله عاد لتوه من معارك سورية).
لبنان كان حتى الآن بمنأى نسبياً عن هذه المجابهة، حيث كانت الاطراف السياسية المتصارعة فيه المناوئة والمعارضة للنظام السوري (8 و14 آذار/مارس) تكتفي بالحروب بالواسطة داخل الأرض السورية.
لكن الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت قد يقلب هذه المعادلة رأساً على عقب، خاصة إذا ما كان لهذا  الهجوم مابعده. وهو أمر مؤكد تقريباً بسبب العوامل الدولية والإقليمية والسورية التي ألمعنا إليها.
المفاوضات النووية ستكون هو المحفز لهذه المجابهة. لكن معركة القلمون ستكون هي الوقود الذي قد يشعل إوار التفجير في لبنان، بسبب مايقال عن تدفق أعداد كبيرة من المسلحين السوريين إلى لبنان الذين سيكون هدفهم الأول، جنباً إلى جنب مع الأصوليين السنّة اللبنانيين، الانتقام من حزب الله عبر نقل المعارك إلى مناطقه. وهذا ماجعل بعض المراقبين اللبنانيين يذهبون إلى حد تشبيه العملية الانتحارية ضد السفارة الإيرانية بحادث بوسطة عين الرمانة العام 1975 الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت زهاء 15 عاما.
الأمور لما تصل بعد إلى هذه المرحلة. لكنها قد تصل إليه إذا ما فشل مؤتمر جنيف-2 لحل الأزمة السورية في الانعقاد أو في التوصل إلى نتائج ملموسة في حال انعقاده، وبالطبع إذا ماعجزت المفاوضات النووية عن تهدئة نفوس المعارضين الإقليميين لها، وأيضاً إذا ماتبيّن أن القوى الإقليمية سترمي بكل ثقلها في معركة القلمون.
ففي هذه الحالة، ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة في لبنان، وستنضم بيروت إلى دمشق وبغداد بصفتها كلها ضواحٍ ثلاث لعاصمة حرب إقليمة واحدة.
ويخشى الآن أن تكون العملية الانتحارية المزدوجة ضد السفارة الإيرانية، هو أول غيث مثل هذا التطور المأساوي الذي سيدفع لبنان ثمنه غاليا.
وقديماً قيل: حين يتصارع الفيلة، يكون العشب أول من يدفع الثمن.

سعد محيو




السبت، 17 أغسطس 2013

لبنان: بانتظار تفجيرات الطريق الجديدة.. وعرسال



- I -
البصمة الأخطر في التفجير الإرهابي المروّع في منطقة الرويس، في الضاحية الجنوبية من بيروت، لم تتمثّل فقط في التخطيط لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين (من خلال متفجرات جديدة أكثر فتكاً)، بل أولاً وأساساً في شريط الفيديو الذي بُثَّ على عجل بعد نصف ساعة من الانفجار.

انفجار الرويس: ماذا بعد؟ (الصورة من غوغل

لماذا هذا الفيديو كان الأخطر؟
لأنه كان مفبركاً من ألفه إلى الياء، كما أكد معظم رجال الدين السنّة والشيعة الذين شاهدوه، والذين أجمعوا على العلم الأبيض الذي ظلل الملثمين الثلاثة الذين أرتدوا هم أيضاً الأقنعة البيضاء، لايعبّر البتة عن المنظمات التكفيرية السنيّة التي تلتزم اللون الأسود. هذا علاوة عن أن المتطرفين السنّة لا يضعون خاتمين في اليد اليمنى (فهذه من تقاليد العلويين والشيعة) بل خاتما واحدا.
وهذا يعني بوضوح أن هذا الشريط، الذي بثّ باسم "سرايا عائشة أم المؤمنين"، من صنع جهاز مخابرات يستهدف بالدرجة الأولى تفجير الصراع العنيف بين السنّة والشيعة، من خلال زج اسم السيدة عائشة، التي يجّلها السنّة ويتهمها الشيعة بالانحياز ضد علي بن أبي طالب، في أتون الصراع.

- II -
بالطبع، من الصعب الاستنتاج بأن هذا الجهاز المخابراتي المنتج للشريط، هو نفسه الذي دبّر هذه العملية ونفَّذها. لكن ليس من الصعب القول بأنه يريد استثمار هذا الحدث الدموي لتمديد الصدام الطائفي الدموي من سورية إلى لبنان، تنفيذاً للتهديد المبكّر الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الانتفاضة السورية بـ"تفجير كل الشرق الأوسط".
وإذا ما كانت هذه المقاربة صحيحة، والأرجح أنها كذلك، يمكن بسهولة توقّع التطورات المحتملة التالية في المقبل من الأيام:
- تفجير سيارات ملغومة في منطقة الطريق الجديدة السنّية وغيرها من المناطق السنّية في بيروت وصيدا وطرابلس، وإنحاء اللائمة على "المتطرفين الشيعة".
- تحويل أي صدام عسكري محتمل في عرسال بين حزب الله وبين سكان البلدة وعناصر المعارضة المسلحة السورية، إلى حريق سنّي- شيعي واسع في سهل البقاع، سرعان مايجري تمديده إلى باقي المناطق اللبنانية شمالاً وجنوباً وصولاً إلى العاصمة. وهذا الآن بات احتمالاً وارداً بقوة، بعد أن سرّب حزب الله ومخابرات الجيش أنباء تفيد أن منفذي عملية الرويس وباقي العمليات ضد عناصر  حزب الله، موجودون في عرسال، وبعد أن لمَّح السيد حسن نصر الله بأن حزب الله قد يقتحم البلدة، إذا "لم تقم الدولة بواجبها هناك".
- واخيرا، قد ينشط الجهاز المخابراتي إياه  بقوة الآن لمحاولة جر حزب الله وحماس وبقية المنظمات الإسلامية الفلسطينية إلى حرب مخيمات جديدة، خاصة في مخيم عين الحلوة، خاصة بعد اتهام الحزب لهم بإيواء الشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر، وتحميلهم مسؤولية الصواريخ التي أُطلقت على الضاحية الجنوبية.
- III -
هل يعني كل ذلك أن لبنان بات مجددا على شفير حرب أهلية جديدة وشاملة؟
ليس بالضرورة، على رغم كل تحذيرات نصر الله الأخيرة من ذلك في خطابه الأخير. فالسيد لم يكن في وسعه أمام تهاوي شعاره الأساسي بأنه الحامي الأول للشيعة وبأنه ذهب أصلاً للقتال في سورية لمنع التكفيرييين من المجيء إلى لبنان لقتلهم، سوى التصعيد والتهديد للرد على هول الكارثة الدموية في الرويس.
كما أن السيد كان حريصاً على التشديد بأنه لايريد الأنجرار إلى فتنة مع السنّة، وإن كان بدا مصراً على حسم الأمور في عرسال.
وبالمثل، اتضح من مواقف كل قوى 14 آذار/مارس من تفجير الرويس أنها هي الأخرى لاتريد الوقوع في فخ الفتنة. كما كان ملفتاً للغاية أن يؤكد مجلس الأمن الدولي في إجماع نادر أن دوله الـ15 ستتحرك لمنع انفجار الصراعات في لبنان ولمساعدته على العودة إلى سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية.
وهذا يفترض أن يعني أن وتيرة العنف المقبل في لبنان ستظل مادون سقف الحرب الأهلية بكثير، على رغم التفجيرات المتوقعة، إلا بالطبع إذا ما قررت القوى الإقليمية أن الوقت حان لتغيير الخرائط وإقامة دويلات جديدة، خاصة منها دولة علوية- شيعية تمتد  من الساحل العلوي وجباله إلى بقاع لبنان وجنوبه، ودولة سنيّة سورية تتوسع نحو غرب العراق (أو العكس).
وهذا مالايبدو وارداً لدى إيران وحزب الله اللبناني، حتى الآن على الأقل!

سعد محيو


الخميس، 13 يونيو 2013

من القصير إلى حتلة: الحريق المذهبي يلفح وجه لبنان



- I -
السؤال الذي يقضّ مضاجع كل اللبنانيين هذه الأيام هو بالطبع: هل التحق لبنان أخيراً بالحريق الهائل السوري (وربما قريباً العراقي)؟
قبل محاولة الإجابة، ملاحظة تاريخية سريعة، لكنها ملفتة: هذا الوطن الصغير كان طيلة زهاء قرن ونصف القرن، أي منذ حربه الأهلية الأولى العام 1840، الساحة الرئيس التي جرى فيها خوض الصراعات الدولية- الإقليمية إما لنسف النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، أو لإقامة نظام جديد مكانه.
وحين كانت "حروب الأخرين" هذه تنفجر على أرض لبنان، كانت توفّر على بقية البلدان المجاورة مؤونة دفع أثمان بروز الامبراطوريات أو زوالها، فتهنأ هي بالهدوء فيما لبنان يشتعل بالحروب والأزمات (ذات الطابع الخارجي أساسا) كل عشر سنوات تقريبا. وهذا مادفع  رجل الدولة النمساوي الشهير ميترنيخ إلى وصف لبنان بأنه "هذا البلد صغير، لكنه عظيم الأهمية".
حسنا. الصورة انقلبت الآن للمرة الأولى منذ 173 سنة. فلبنان هاديء نسبياً حتى الآن، والعديد من دول المنطقة إما انفجرت (سوريا) أو هي في طريقها إلى الانفجار (العراق، مصر، إيران، الأردن.. ألخ). وهذا بالتحديد مايجعل اللحظة التاريخية الراهنة في بلاد الأرز مدهشة، ولكن مثيرة للقلق أيضا: هل يمكن لهذا الاستثناء التاريخي أن يستمر؟
- II -
ثمة نظريتان متناقضتان هنا:
الأولى تقول أن النيران الإقليمية المشتعلة لابد أن تصل في النهاية إلى لبنان. فما يجري الآن في المنطقة لايقل عن كونه ليس فقط نسفاً لأنظمة مابعد الحربين العالميتين الأولى والثانية الثانية، بل ربما أيضاً إعادة رسم للخرائط ولطبيعة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
فضلاً عن ذلك: المجابهات من البحرين والمنطقة الشرقية السعودية واليمن، إلى العراق وسورية، تدور كلها في إطار ما أسماه البعض "الفتنة الكبرى-2" بين السنّة والشيعة، بعد أن وصل هؤلاء الأخيرين إلى السلطة في دولتين عربيتين (العراق ولبنان) للمرة الأولى منذ سقوط الخلافة الفاطمية العام 1173، أو في سياق مايسميه البعض الأخر "حروب الهلالين السنّي والشيعي" في الشرق الأوسط.
وهنا قد يفيد تذكُّر ما نُقِل عن السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله"  قبل سنوات قليلة من أن الاميركيين وغيرهم عرضوا عليه قبل فترة شيئاً شبيهاً بـ "الهلال الشيعي"؛ وأن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري أبلغه  أنه تلقى هو الأخر عرضاً بإقامة "هلال سنّي " ينطلق من وسط العراق ليضم  الأردن ومعظم سوريا وأجزاء كبيرة من لبنان.
النظرية الثانية تعتقد أن لبنان لايزال قادراً على تجنّب الحريق الإقليمي الراهن. فهو قد يشهد اضطرابات أمنية، لكنها لن تصل إلى مستوى الحرب الأهلية.
لماذا؟
لأن الأطراف السياسية الرئيسة فيه، من حزب الله إلى تيار المستقبل، لامصلحة لها في خوض حرب أهلية في لبنان لن تسفر عن أي تغيير جذري في موازين القوى. ولذا فهي تبدو قانعة بخوض حروب بالواسطة (  Proxy wars) في سورية، وبمنع تمدد هذه الحرب إلى لبنان.
هذا العامل الذاتي الداخلي الرافض للتفجير يتقاطع، برأي أصحاب هذه النظرية، مع عامل دولي يتمثّل في منع تحوّل الحرب السورية إلى حريق إقليمي شامل لايمكن ضبطه أو التحكُّم بأبعاده، الأمر الذي قد يفرض مخاطر جمة على الأمن الإسرائيلي كما على المصالح الغربية.
لابل يقول هؤلاء أن اكتشاف الغاز والنفط بكميات ضخمة في لبنان، هو أيضاً من العوامل التي تحصّنه دولياً ضد الانفجار.
- III -

أي النظرتين الأقرب إلى الصحة؟
النظرية الثانية، لكن حتى الآن على الأقل.
إذ في حال تفجّر العراق مجدداً وانهار الوطن السوري ككيان سياسي موحّد، سيكون هذا بمثابة عاصفة كاملة لن يستطيع لبنان مهما فعل تجنُّب الوقوع في أتونها.
هذا إضافة إلى أن التورط الكامل لحزب الله في الحرب السورية، دشّن مرحلة تاريخية جديدة في الشرق الأوسط باتت فيها الأقليات الشيعية في مواجهة مباشرة مع الأكثريات السنّية. والمذبحة التي ارتكبت في قرية حتلة الشيعية شرق سورية، والتي يبدو أنها كانت رداً على مشاركة الحزب في إسقاط بلدة القصير، قد تكون أحد معالم البدايات الخطيرة الأولى  لصدام مروِّع بين السنًة والشيعة سرعان سيمتد لهيبه إلى لبنان.
سعد محيو

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

الشيعة والسنّة في لبنان: تكفير ثنائي ومذبحة واحدة


- I -
هل اكتمل نصاب الحرب الأهلية السنّية- الشيعية في لبنان؟ وإذا ماكان الأمر كذلك، فما طبيعة الحلّة الدموية التي سترتدي؟
الجواب على الشق الأول من السؤال هو نعم سريعة. والسبب يتبدى ليس فقط في الانخراط الكامل لحزب الله ولبعض الفصائل السنّية في لجج الحرب الأهلية السورية، ولا حتى في احتفالات الابتهاج الشيعي بسقوط القصير، بل أولاً وأساساً في التعبئة الإديولوجية والسايكولوجية التي سبقن المعارك العسكرية.
ولاعجب. فالحروب العسكرية تبدأ أولاً بكلمة وبـ"طلقة فكرية".
البداية الرئيس دشّنها حزب الله، حين أسبغ نعت "التكفيريين" على كل مقاتلي الانتفاضة السورية التي يناهز عددهم المئة ألف، وحين اعتبر نفسه في حرب شاملة ضدهم. وهكذا، أصبح "الآخر" بالنسبة له ليس جبهة النصرة وبعض الفصائل السلفية الصغيرة الأخرى التي تكفّر الشيعة  (ونسبة هؤلاء لاتتجاوز الـ10 في المئة)، بل إجمالي مقاتلي المعارضة.
هذا التعميم التكفيري، الذي عززته أجهزة إعلام الحزب بتكرار الصور المروّعة لجرائم ارتكبها  أفراد من المعارضة وهم يأكلون الأعضاء الداخلية لقتلى، أدى وظيفته على أكمل وجه وأقنع جمهور الشيعة بأن حرب كربلاء استؤنفت من جديد ضد "الظلمة السنّة" برمتهم. وهكذا أدى هذا التعميم إلى شبه إجماع كامل بين هذا الجمهور على ضرورة الاصطفاف وراء حرب الحزب في سورية باعتبار دفاعاً عن النفس.
"ذهبنا إليهم (في سورية) كي لايأتوا إلينا (في لبنان) لقتلنا". هذا ماكان الحزب يقوله للشيعة. وهذا مااقتنع به غالبية هؤلاء، على رغم أن هذا كان يجب أن يعني أيضاً منطقياً أنه يتوجب على الحزب أن يجتاح كذلك إسرائيل التي ستأتي فعلاً إلى معاقله لتدمر منازل الشيعة واللبنانيين إن عاجلاً أو آجلا.
- II -

التعبئة الشيعية إذا نجحت نجاحاً باهرا في استخدام شعار التكفير، الذي هو المقدمة البديهية لشرعية القتل. وهذا أيضاً مايحدث الآن في أوساط الشارع السني.
فشيوخ الوهابية السعوديين كانوا السباقين في تكفير حزب الله (فيما يهدد مجلس التعاون الخليجي الاقتصاص من جمهور الحزب في دول المجلس) وفي تسميته "حزب الشيطان" أو "حزب اللات". وبعدها كرّت السبحة:
فقد اعتذر الشيخ القرضاوي من الشيوخ الوهابيين لدفاعه عن الحزب العام 2006، وانضم إليهم في تكفيره ومعه مجمل الشيعة والعلويين. وأعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية أن "وطننا واقع تحت الغزو والاستباحة من أتباع ولي الفقيه ومن مقاتلين طائفيين لبنانيين وعراقيين"، ودعت السنّة إلى "الوقوف صفاً واحدا للدفاع عن العقيدة" واعتبار ذلك "أولوية الأولويات الشرعية والوطنية والسياسية". هذا في حين كان الشيخ داعي الإسلام الشهال، مؤسس التيار السلفي في لبنان يدعو " كل فرد سنّي وعائلة سنّية وجماعة سنّية إلى حمل السلاح استعداداً لمواجهة المرحلة المقبلة(ضد حزب الله").
والآن، وقد اكتملت ملامح التعبئة الإيديولوجية- السايكولوجية لدى الطرفين، إلى أين المسير؟
ستكفي شرارة هنا، وبعدها يندلع اللهيب الذي كان نائماً منذ ألف عام حين سقطت الخلافة الفاطمية العام 1171.
والشرارة قد تكون سيارة ملغومة في الضاحية الجنوبية الشيعة أو عملية انتحارية فيها ضد شخصية شيعية بارزة، يرد بعدها غلاة الشيعة بعمليات مماثلة في بيروت الغربية، فتتم "عرقنة" (من عراق) لبنان بسرعة قصوى. وعلى رغم أن أحداً لايتوقع (حتى الآن على الأقل) نشوب حرب خطوط التماس وفق نمط حرب 1975، إلا أن احتمال انقسام لبنان إلى خط تماس كبير بين جنوب شيعي وشمال سنّي، أمر وارد بقوة.
كذلك، لايستبعد أن تنتقل الشرارة إلى الجبل الدرزي، إذا مافشل وليد جنبلاط في إقناع حزب الله في تحييد منطقته عن الصراع (كما يحاول الآن)، بسبب حاجة الحزب الأمنية إليها لوصل مناطقه في الجنوب والضاحية جغرافياً بمواقعه في البقاع وصولاً إلى القصير وجبال العلويين. كما ليس عسيراً أن يتمدد اللهيب إلى الجبل المسيحي، إذا ما قرر حزب الله والعماد ميشال عون "تنظيفه" بقوة السلاح أو الترهيب من القوات اللبنانية.
علاوة على كل ذلك، لايجب أن ننسى الضغط الديموغرافي الكبير الذي يمارسه الآن مليون لاجيء سوري (معظمهم من السنّة)على الصيغة اللبنانية، وكذا الأمر بالنسبة إلىى صعود التيارات الأصولية السنّية في المخيمات الفلسطينية.
- III -

هل ثمة فرصة بعد لتجنّب هذا السيناريو الكارثي؟
التفكير الرغائبي قد يدفعنا إلى البحث عن إجابات إيجابية ما. لكن المستوى الهائل الذي وصلت إليه عمليات التعبئة والتكفير الثنائية بين الطرفين، إضافة إلى اندلاع الصدام الشيعي - السني في كل القوس الممتد من العراق وسورية إلى الخليج وإيران (وصولاً حتى إلى باكستان)، تشي من أسف بأن اليد العليا هي لمخاطر المذبحة المتبادلة.
إنه تاريخ الفتنة الكبرى بين السنّة والشيعة وهو يعيد إنتاج نفسه بلا كلل أو ملل!
سعد محيو


الأحد، 7 أبريل 2013

لبنان: صفقة بين الأمير بندر وطهران وراء تكليف سلام؟


- I -
ماذا وراء هذا الإجماع السياسي المفاجيء على تكليف تمام سلام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة؟
قيل الكثير عن العوامل الداخلية التي أدت إلى ذلك، منها أن تيار 8 آذار أدرك أن انقلاباً في الموازين النيابية حدث بعد استقالة نجيب ميقاتي، مع انتقال وليد جنبلاط وكتلته مجدداً إلى مواقع 14 آذار. ولذا عمد إلى إغراق سلام، المرشح المفترض لـ14 آذار، بالتأييد بهدف استيعاب هذا الانقلاب ومن ثم الانقضاض عليه لاحقا.
قيل أيضاً أن شخصية سلام المتوازنة والهادئة التي لا تقطع شعرة معاوية مع أحد، وتراثه الثقافي الغني الذي يجعله أقرب إلى رجل الدولة منه إلى رجل السياسة، ساهمت أيضاً في تحقيق قفزة في حجم الدعم السياسي له من 70 صوتاً إلى 124.
ثم قيل أخيراً أن حزب الله، الحريص على عدم التورط في حرب أهلية سنيّة- شيعية، رأى في تمام سلام الشخصية السنيّة المثالية القادرة على إبعاد العلاقات بين المذهبين عن حافة الهاوية التي مافتئت تتأرجح على شفيرها منذ سنتين، وعلى بناء جسور جديدة بينهما.
- II -

كل هذه الاعتبارات تبدو واردة وصحيحة.
لكن، لايجب أن ننسى في خضم هذه التحليلات المحلية الواقعية، أن لبنان يكاد يكون من بين الدول القليلة في العالم التي لا تكون فيها السياسة الخارجية امتداداً للسياسة الداخلية، بل العكس تماماً هو الصحيح.
البنية الطائفية هي السبب في هذا الاستثناء اللبناني. فكل طائفة من الطوائف الـ18 ترتبط بعلاقات "استراتيجية" ومالية وثقافية مع دولة خارجية، وهذا مايجعل باريس وروما الفاتيكان، على سبيل المثال، أقرب إلى الموارنة من العاصمة المركزية للوطن: بيروت. وكذا الأمر بالنسبة إلى طهران لدى الشيعة، والرياض لدى السنّة، وموسكو لدى الأرثوذكس وبعض الدروز، واستكهولم لدى بعض الأقليات المسيحية.. ألخ.
وحين يكون الأمر على هذا النحو، لايكون من الوارد قط أن يكون تكليف سلام مجرد انتاج محلي لبناني، بل يجب البحث عن العوامل الخارجية التي ساهمت إلى حد كبير في ولادته.
وهذا يبرز بشكل جلي الدور السعودي الذي عاد بقوة فجأة إلى الساحة اللبنانية بعد فترة انكفاء مديدة. وهي عودة ترتبط على مايبدو بعودة أخرى: بروز دور الأمير السعودي بندر مجدداً في مراكز القرار السعودي، ودفعه السياسة الخارجية السعودية نحو حيوية جديدة هدفها مواكبة أعاصير التطورات الإقليمية المتسارعة.
الأمير بندر، كما أشيع، هو الذي كان القابلة القانونية الرئيس للحكومة السلامية العتيدة، وهو الذي عمد إلى تدوير أكثر من زاوية لتسهيل هذه الولادة. وهذا ليس على الصعيد المحلي اللبناني وحسب بل على الأرجح على المستوى الإقليمي أيضاً.
وهنا، في هذه النقطة الأخيرة، يُطرح السؤال الكبير: هل أبرم بندر صفقة ما مع طهران في لبنان؟
لامعلومات مؤكدة، على رغم أنه ليس شيء قط عصي على هذا الأمير البراغماتي حتى العظم والمشارك في الألعاب الدولية والإقليمية الأخرى حتى النخاع. إذ سبق له طيلة سنوات أن كان على اتصال مع عتاة الأصوليين الإيرانيين حتى في ذورة الخلافات السعودية- الإيرانية، ناهيك بالأقنية الخلفية بين الإيرانيين والأميركيين.
لكن، إذا ما صح أن بندر أبرم صفقة سعودية- إيرانية كانت هي في الواقع التي دفعت حزب الله إلى الموافقة على "المرشح السعودي" سلام، فهذا قد يكون مؤشراً على جملة أمور دفعة واحدة:
الأول، أن ثمة قراراً إقليمياً جماعياً (ماعدا النظام السوري) بمنع نشوب حرب أهلية لبنانية ترقص على إيقاع الحرب الأهلية السورية.
والثاني، أن هذا القرار الإقليمي متطابق مع قرار دولي مشابه رافض لتمدد الحريق السوري إلى كل منطقة المشرق العربي.
والثالث، أن موافقة إيران المفترضة على تمام سلام، قد تكون أولى الخطوات لبدء ابتعاد طهران تدريجياً ليس عن النظام السوري بل عن عائلة الأسد، بعد أن باتت هذه الأخيرة عبئاً عليها بسبب فشلها في السيطرة على الثورة، بعد أن كانت كنزاً استراتجيا لها على مدى عقود ثلاثة.
والأمر الرابع والأخير هو ان التقاطع السعودي- الإيراني المفترض في لبنان، قد يكون أول رد مشترك على الانقلاب الذي حققته جولة الرئيس الأميركي أوباما الشرق أوسطية، حين أعادت العلاقات التركية- الإسرائيلية إلى مجاريها الاستراتيجية السابقة، كتمهيد لخلق وكالة إقليمية مشتركة من هاتين القوتين الإقليميتين ( بالاضافة إلى الأردن) تقوم بحماية الباكس أميركانا، فيما تستدير الولايات المتحدة نحو منطقة آسيا الباسيفيك.
إيران هي المتضرر الأول بالطبع من هذا التطور الكبير. لكن السعودية قد تتضرر بشدة أيضاً إذا ما تمكّن هذا "المثلث الأميركي الجديد" من تقاسم النفوذ في المنطقة بمعزل عنها. وهذا قد يدفع الرياض وطهران في وقت لاحق إلى تفاهمات سرية ما قد لاتخطر على بال، ليس في لبنان فقط بل في العديد من البلدان الأخرى. فضرورات الأمن القومي تبيح محظورات التنافس الإقليمي والصراعات الإديولوجية.
- III -
مسألة الحكومة اللبنانية السلامية تتضمن، إذا، ما هو أكثر بكثير من مجرد تمخضات وتكتيكات  سلمية سياسية لبنانية.
لكن، وكيفما كانت الأمور أو جرت لاحقا، يحق للبنانيين التنفس الصعداء. فبعد هذا التطور، ابتعدت الحرب الأهلية في بلاد الأرز الآن أشواطاً عدة، ومعها سيكون لبنان للمرة الأولى منذ 200 سنة مشاهداً في الدراما الشرق أوسطية التاريخية لا ساحة لها.

سعد محيو