-
I -
البصمة الأخطر في التفجير الإرهابي المروّع في منطقة
الرويس، في الضاحية الجنوبية من بيروت، لم تتمثّل فقط في التخطيط لقتل أكبر عدد ممكن
من المدنيين (من خلال متفجرات جديدة أكثر فتكاً)، بل أولاً وأساساً في شريط
الفيديو الذي بُثَّ على عجل بعد نصف ساعة من الانفجار.
انفجار الرويس: ماذا بعد؟ (الصورة من غوغل |
لماذا هذا الفيديو كان الأخطر؟
لأنه كان مفبركاً من ألفه إلى الياء، كما أكد معظم رجال
الدين السنّة والشيعة الذين شاهدوه، والذين أجمعوا على العلم الأبيض الذي ظلل
الملثمين الثلاثة الذين أرتدوا هم أيضاً الأقنعة البيضاء، لايعبّر البتة عن
المنظمات التكفيرية السنيّة التي تلتزم اللون الأسود. هذا علاوة عن أن المتطرفين
السنّة لا يضعون خاتمين في اليد اليمنى (فهذه من تقاليد العلويين والشيعة) بل
خاتما واحدا.
وهذا يعني بوضوح أن هذا الشريط، الذي بثّ باسم
"سرايا عائشة أم المؤمنين"، من صنع جهاز مخابرات يستهدف بالدرجة الأولى
تفجير الصراع العنيف بين السنّة والشيعة، من خلال زج اسم السيدة عائشة، التي يجّلها
السنّة ويتهمها الشيعة بالانحياز ضد علي بن أبي طالب، في أتون الصراع.
-
II -
بالطبع، من الصعب الاستنتاج بأن هذا الجهاز المخابراتي
المنتج للشريط، هو نفسه الذي دبّر هذه العملية ونفَّذها. لكن ليس من الصعب القول
بأنه يريد استثمار هذا الحدث الدموي لتمديد الصدام الطائفي الدموي من سورية إلى
لبنان، تنفيذاً للتهديد المبكّر الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية
الانتفاضة السورية بـ"تفجير كل الشرق الأوسط".
وإذا ما كانت هذه المقاربة صحيحة، والأرجح أنها كذلك،
يمكن بسهولة توقّع التطورات المحتملة التالية في المقبل من الأيام:
- تفجير سيارات ملغومة في منطقة الطريق الجديدة السنّية
وغيرها من المناطق السنّية في بيروت وصيدا وطرابلس، وإنحاء اللائمة على
"المتطرفين الشيعة".
- تحويل أي صدام عسكري محتمل في عرسال بين حزب الله وبين
سكان البلدة وعناصر المعارضة المسلحة السورية، إلى حريق سنّي- شيعي واسع في سهل
البقاع، سرعان مايجري تمديده إلى باقي المناطق اللبنانية شمالاً وجنوباً وصولاً
إلى العاصمة. وهذا الآن بات احتمالاً وارداً بقوة، بعد أن سرّب حزب الله ومخابرات
الجيش أنباء تفيد أن منفذي عملية الرويس وباقي العمليات ضد عناصر حزب الله، موجودون في عرسال، وبعد أن لمَّح
السيد حسن نصر الله بأن حزب الله قد يقتحم البلدة، إذا "لم تقم الدولة
بواجبها هناك".
- واخيرا، قد ينشط الجهاز المخابراتي إياه بقوة الآن لمحاولة جر حزب الله وحماس وبقية
المنظمات الإسلامية الفلسطينية إلى حرب مخيمات جديدة، خاصة في مخيم عين الحلوة،
خاصة بعد اتهام الحزب لهم بإيواء الشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر، وتحميلهم مسؤولية
الصواريخ التي أُطلقت على الضاحية الجنوبية.
-
III -
هل يعني كل ذلك أن لبنان بات مجددا على شفير حرب أهلية
جديدة وشاملة؟
ليس بالضرورة، على رغم كل تحذيرات نصر الله الأخيرة من
ذلك في خطابه الأخير. فالسيد لم يكن في وسعه أمام تهاوي شعاره الأساسي بأنه الحامي
الأول للشيعة وبأنه ذهب أصلاً للقتال في سورية لمنع التكفيرييين من المجيء إلى
لبنان لقتلهم، سوى التصعيد والتهديد للرد على هول الكارثة الدموية في الرويس.
كما أن السيد كان حريصاً على التشديد بأنه لايريد
الأنجرار إلى فتنة مع السنّة، وإن كان بدا مصراً على حسم الأمور في عرسال.
وبالمثل، اتضح من مواقف كل قوى 14 آذار/مارس من تفجير
الرويس أنها هي الأخرى لاتريد الوقوع في فخ الفتنة. كما كان ملفتاً للغاية أن يؤكد
مجلس الأمن الدولي في إجماع نادر أن دوله الـ15 ستتحرك لمنع انفجار الصراعات في
لبنان ولمساعدته على العودة إلى سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية.
وهذا يفترض أن يعني أن وتيرة العنف المقبل في لبنان ستظل
مادون سقف الحرب الأهلية بكثير، على رغم التفجيرات المتوقعة، إلا بالطبع إذا ما
قررت القوى الإقليمية أن الوقت حان لتغيير الخرائط وإقامة دويلات جديدة، خاصة منها
دولة علوية- شيعية تمتد من الساحل العلوي
وجباله إلى بقاع لبنان وجنوبه، ودولة سنيّة سورية تتوسع نحو غرب العراق (أو
العكس).
وهذا مالايبدو وارداً لدى إيران وحزب الله اللبناني، حتى
الآن على الأقل!
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق