-
I -
يتوقع محللون أن تكون للضربة العسكرية الأميركية
المتوقعة ضد سورية خلال الساعات القليلة المقبلة، تأثيرات ومضاعفات كبرى على الوضع
الإقليمي في الشرق الأوسط
المحللون بنوا خلاصتهم هذه على معطيين إثنين:
الأول، أن الضربة العسكرية، على رغم محدوديتها الزمنية
والعملانية، قد تسرّع في تفكك سورية إلى دويلات أو مناطق نفوذ طائفية- إقليمية،
حيث سيسعى كل طرف من الأطراف المتنازعة إلى إحكام سيطرته أكثر على مناطق نفوذه
الراهنة، عبر تصعيد أعمال العنف إلى الدرجات القصوى.
والثانية، أن هذه الضربة ستؤدي حتماً إلى ضعضعة النظام
السوري، أو على الأقل إرباكه. وهذا ما ستحاول جبهة النصرة والدولة الإسلامية في
العراق والشام وباقي الفصائل الجهادية الإفادة منه لمحاولة قلب موازين القوى
لصالحها.
وبالتالي، ستتحرك القوى الإقليمية الداعمة للنظام، من
إيران وحزب الله إلى بعض القوى الشيعية في العراق ودول أخرى لإدخال المزيد من
المقاتلين والعتاد إلى سورية بهدف تصحيح الخلل المحتمل في موازين القوى. وفي الوقت
نفسه، سيزداد الرئيس الأسد تصلباً، لعلمه أن الضربة الأميركية لن تشبه بشيء الحرب
الصاروخية- الجوية ضد صربيا إبان حرب كوسوفو التي دامت أكثر من 80 يوماً، وسيعمد
إلى رمي قفاز التحدي في وجه الرئيس الأميركي أوباما.
بيد أن المحللين يعربون عن اعتقادهم بأن الأسد لن يرد
على الضربة الأميركية لا ضد إسرائيل ولا ضد المواقع الأميركية، بل سيحاول تقديم
نفسه غداة الهجوم على أنه "بطل الصمود والتصدي"، وسيرفع لواء الحسم
العنيف مجدداً ضد المعارضة المسلحة.
-
II -
كل هذه المحصلات المحتملة للضربة العسكرية الأميركية، من
تفسخ سورية إلى تفاقم الحروب المذهبية والإثنية فيها، ستكون واردة بقوة في حال لم
تكن الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الحليفة لها في المنطقة استراتيجية واضحة
للعمل على إضعاف التنظيمات الجهادية السورية، في الوقت نفسه الذي تضعف فيه النظام
السوري.
فهل الأمر على هذا النحو؟
مصادر دبلوماسية أوروبية تستبعد ذلك. وتقول أن ثمة فرضية
مثيرة ستفرضها الضربة العسكرية، وهي أنها (الضربة) ستكون استراتيجية ومن الطراز
الأول، على رغم أنها توصف أميركياً وبأنها تكتيكية ومحدودة ولن تكون أكثر من رسالة
تحذير وإنذار إلى الرئيس الأسد.
الأدلة على هذه الفرضية؟
إنهاعديدة برأي المصادر. لكن بعضها واضح والآخر ضمني،
يكمن في مايُسمى في العلوم العسكرية "المضاعفات غير المقصودة".
على الصعيد الواضح، يتجلى ذلك في وجود توجًّه قوي لدى
القوى الغربية لتوجيه ضربات أيضاً إلى الجماعات الجهادية الأصولية في سورية، والتي
تنشط أيضاً في العراق، جنباً إلى جنب مع ضرب النظام. وهذا بالتحديد ما اتضح في
مؤشرين إثنين:
الأول، الاجتماع الموسّع الذي عقده القادة العسكريون من
دول غربية وشرق أوسطية في عمّان، والذي وضع على رأس جدول أعماله خططاً لإضعاف
المنظمات المتطرفة في سورية، في الوقت نفسه الذي يتم البحث فيه في المضاعفات
المحتملة للضربة العسكرية الغربية ضد سورية على دور الجوار ( العراق، الأردن،
تركيا ولبنان).
والثاني، هو التحذير الذي أطلقته مؤسسة دراسات الحرب
الأميركية ( ISW)
وثيقة الصلة بالبنتاغون، من أن الاكتفاء بتوجيه ما أسمته "ضربة تكتيكية"
للنظام السوري من دون استراتيجية واضحة المعالم، ستكون من دون جدوى وقد تؤدي إلى
عكس المرجو منها. وهذه الاستراتيجية، برأيها، يجب أن تتضمن إلحاق الهزيمة بكلٍ من
المنظمات المسلحة المتطرفة في سورية لصالح المنظمات المعتدلة والعلمانية، وبالنظام
في آن. أي، بكلمات أوضح: المطلوب تغيير كل المشهد السوري الراهن قبل التوجه إلى حل
على نمط دايتون البلقاني في جنيف-2.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها، سيكونون مضطرين
بعد الضربة العسكرية إلى الأخذ برأي مؤسسة دراسات الحرب هذا، كحصيلة موضوعية للعمل
العسكري، لأن الغرب لا يستطيع أن يسمح
بتحويل الضعف الذي سيطرأ على النظام بعد الضربة إلى قوة لهذه المنظمات.
-
III -
ماذا الآن عن المؤشرات الضمنية للبعد الاستراتيجي الكامن
في الضربة؟.
ينبغي هنا القول، أـولاً، أنه إذا كان من الصحيح أن
النظام السوري لن يسقط بعد هذه الضربة، إلا أنه سيهتز ليس فقط بسبب الخسائر
العسكرية التي سيمنى بها، بل أيضاً لأن الضربة الصاروخية ستغل يد النظام في مجال
استخدام أسلحة الدمار الشامل (بما في ذلك صواريخ سكود).
بيد أن الأهم أن الضربة المتوقعة ستدشن نهاية
"النأي بالنفس" التي مارسها الرئيس الأميركي أوباما عن الأزمة السورية
(وباقي أزمات الشرق الأوسط في الواقع)، على رغم الأهوال الإنسانية الهائلة التي
أفرزتها هذه الأزمة. فدخول الحمام السوري، ليس كما الخروج منه، كما يقول المثل
الشعبي العربي.
هذا الدخول سيعني اموراً عدة على الجانبين الأميركي
والسوري.
فهو سيعني، أولاً، أن سياسة اوباما الخاصة بالاستدارة
شرقاً نحو آسيا- المحيط الهاديء والصين، بعيداً عن الشرق الأوسط، ستشهد تعديلات
أساسية عليها. إذ لن يكون بمقدور أوباما، حتى ولو أراد، بعد الضربة الجوية-
الصاروخية أن يتنصل مما قد يجري في سورية
لاحقاً، بل سيكون لزاماً عليه المتابعة الدقيقة لمحصلات مابعد الضربة، وإلا فأن
مخاوف مؤسسة دراسات الحرب الأميركية من النجاح التكتيكي والفشل الاستراتيجي
للضربة، ستصبح نبوءة ذاتية التحقق. وفي هذه الحالة، سيكون تفكك سورية وانفجارها
النهائي محتمين.
سعد محيو
______________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق