-
I -
ثلاثة أسئلة كبرى دفعة واحدة فرضها الدعم المالي
والسياسي والدبلوماسي المطلق للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت للنظام المصري الجديد:
الأول، هل انفجرت نهائياً الصراعات الإديولوجية-
السياسية مع جماعة الإخوان المسلمين، وباتت :"الحرب" في أمر اليوم بين
الطرفين؟
الثاني: حتى لو
تمكّنت المملكة من تجنُّب "الحرب" مع الإخوان المصريين عبر تسويات لاحقة،
ماذا عن بقية الإخوان في تونس والمغرب (وقريباً في سورية والأردن)، وأيضا (وربما
هنا الأهم) مع "الإخوان" العثمانيين الجدد الاتراك الذين تدفعهم
إديولوجيتهم الصوفية- العلمانية إلى التحالف مع جماعات الإخوان، خاصة في سورية، لا
مع الحركات السلفية على النمط الوهابي؟
والثالث، هل اتِّباع الرياض لسياسة خارجية هجومية نشطة،
كما تحاول أن تفعل الآن مستخدمة عضلاتها المالية والدبلوماسية، سيمكّنها من تحصين مملكتها
السياسية في الداخل ضد جماعات الأخوان وباقي تنظيمات الإسلام السياسي، أم أن هذا
المشروع برمته سيكون أشبه بفقاعة صابون تُطلق في قيظ الصيف؟
-
II -
نبدأ مع السؤال الأول:
"الحرب المحتملة بين الطرفين ليست مستجدة، بل هي
حصيلة لتاريخ
مُثقل بين الطرفين.
فجماعة
الإخوان المسلمين منذ أن أسسّها حسن البنا العام 1928، كانت منظمة سياسية من ألفها
إلى الياء. منظمة تعتبر أن الإديولوجيا الإسلامية بمثابة علاج سياسي للأمراض التي
فتكت بالعالم الإسلامي طيلة القرون الماضية. وهي في خضم تبينها لهذا المبدأ، عمدت
إلى دمج الفكر الغربي السياسي الحديث بالتقاليد الإسلامية، كما رضعت من ثقافة جيلين
من الفكر السياسي الإسلامي في الحقبة الأخيرة من عهد الدولة العثمانية، لم تر
بالتالي تناقضاّ بين الحكم الإسلامي وبين المباديء الجمهورية والبرلمانية (ولاحقاً
الديمقراطية والتعددية).
في
المقابل، كانت الطبعة السعودية من الإسلام تقوم على الفكر السلفي اللاسياسي، الذي
يُعطي قيصر السعودي السلطة السياسية، ويخوِّل آل الشيخ وأتباعهم التصرُّف بما لله:
السلطة الدينية وأحوال الآخرة، شريطة ألا يتدخلوا بشؤون الدنيا.
-
III -
هذا
الشرخ الإديولوجي- السياسي بين الطرفين ظل
نائماً عقوداً طويلة بفعل عاملين إثنين:
الأول،
زواج المصلحة الذي أبرمه الإخوان والسعوديون غداة بروز حركة القومية العربية
العلمانية واليسارية منذ مطلع الخمسينيات بقيادة جمال عبد الناصر، والذي دفعهم إلى
شن حرب مشتركة ضدها وهم يرفعون رايات الإسلام السياسي. وهكذا، وجد قادة الإخوان
المصريين ملاذاً آمناً وخزينة مالية وفيرة لهم في المملكة، فيما اكتشفت فيهم هذه
الأخيرة كنزاً أحسنت استخدامه في حربها
العامة ضد القومية العربية العلمانية.
والثاني،
نجاح الرياض في احتواء الإخوان المسلمين غداة هزيمة حرب 1967، من خلال تحالفها مع
الأنظمة الجديدة التي برزت في مصر (حسني مبارك) وسوريا (حافظ الأسد) وتونس (زين
العابدين بن علي) والأردن (الملك حسين) والتي جهدت لإبقاء حركات الإخوان داخل
القفص.
الأخوان
المسلمون لم يردّوا مباشرة حين انتقلت علاقتهم مع السعودية من التحالف إلى
الاحتواء. لكن بعض أجنحتم كانت تفعل ماهي أكثر بكثير من الرد: اختراق السلفية
الوهابية نفسها.
حدث
هذا أساساً في أفغانستان، حين قام القائد الإخواني البارز عبد الله عزام وبعده
أيمن الظواهري بجذب المقاتلين السلفيين السعوديين، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، إلى
إديولوجيا سيد قطب الجهادية، الأمر الذي خلق أزمة شرعية كبرى في المملكة طيلة حقبة
التسعينيات أنحى فيها السعوديون باللائمة على "القطبيين والإخوانيين"
كما أسموهم.
والآن،
وبعد أن بات واضحاً أن الربيع العربي كانت له قسمات إخوانية فاقعة في مصر وتونس
والمغرب وسورية (والعد مستمر)، كان على القادة السعوديين مواجهة المقلب الآخر من
التحدي الإخواني: الطبعة الليبرالية والديمقراطية المُفترضة من الإسلام.
وهذا مايفعلونه بقوة الآن، عبر دعم
الانقلاب المصري على الأخوان بكل أنواع الأسلحة.
بقي أن ننتظر لنعرف كيف سترد
جماعات الإسلام السياسي داخل منطقة الخليج وخارجها على هذا "الحرب"
المعلنة.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق