للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاخوان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاخوان. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 27 يناير 2014


إخوان تونس يرفعون "البطاقة الحمراء" لأخوان مصر
- I -
تونس قررت مرة أخرى تعليم المنطقة العربية كيف يُصنع "التاريخ العاقل"، وكيف يمكن استيلاد الأمل من رحم المأساة.

الأمل هنا هو إنقاذ الربيع العربي من عواصف الخريف والشتاء التي لفحت بعنف كل ثورات مصر وليبيا وسورية واليمن، وكادت تقوّض حلم المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية.

أما لماذا هي المرة الثانية، فهذا له علاقة بالتاريخ. فحين انقض التطرف الأصولي في المشرق العربي في القرن الثالث عشر على الفلسفة وحرية الفكر وأغلق باب الاجتهاد، إنبرى المغرب العربي للقيام بالجهد الانقاذي، فبرز ابن رشد وابن خلدون وابن طفيل، وأعادوا للفكر إبداعه وللحضارة الإسلامية رونقها وحيوبتها.هذا الفكر الأصولي نفسه، بأشطاره الدينية كما السلطوية- الأمنية، يقوم في القرن الحادي والعشرين بعملية انقضاض مماثلة للتك التي حدثت قبل سبعة قرون. ومجددا، لولا الثورة الثانية الراهنة التي قامت بها تونس قبل أيام، لكانت دائرة العصور الداكنة الجديدة قد أغلقت، ولغرقت المنطقة مجدداً في مستنقع دماء ويأس داخل نفق لا نهاية له. 
الثورة الثانية، التي ستبني الجمهورية الثانية في تونس، تمثّلت في نجاح النخب النهضوية (حزب النهضة الإسلامي) والعلمانية في الابتعاد عن حافة الحرب الأهلية التي كانت وشيكة، عبر تقديم تنازلات أدت إلى ولادة دستور جديد حظي بإجماع شبه كامل في الجمعية التأسيسية (200 نائب من أصل 216).
- II -
حزب النهضة كان الطرف الأكثر تحملاً لمسوؤلية هذه التنازلات التي كانت لاشك "مؤلمة" للغاية بالنسبة إليه. فهو وافق على شطب أي إشارة إلى الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع، واكتفى بالنص على أن الإسلام هو دين الدولة. وهو حافظ على "المكاسب التي حققتها المرأة" ودعا إلى "تطويرها"، بما في ذلك التمثيل المتساوي في المؤسسات المتنخبة. كما أقر الدستور حرية الرأي والمعتقد وأشار إلى أن تونس "دولة مدنية" تستند إلى "إرادة الشعب وسيادة القانون".
قد يقال هنا أن حزب النهضة أقدم على هذه التنازلات الضخمة التي كان يرفضها طيلة السنوات الثلاث من عمر الثورة، بما في ذلك قبول تسليم رئاسة الحكومة إلى شخصية من خارج الحزب، لأنه خشي أن تنهار العملية الديمقراطية في تونس كما حدث في مصر، أساساً لأن القوى  الدولية الداعمة لوصول الإخوان المسلمين، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تتحرّك لانفاذ وعودها وتعهداتها لهم (على حد تعبير دبوماسي غربي في تونس). وأيضاً بسبب تراقص الاقتصاد التونسي على شفير  الانهيار، وتصاعد النشاط الإرهابي في البلاد.
هذا الرأي يؤيده حتى زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، الذي رفع "البطاقة الحمراء" حيال سلوكيات إخوان مصر حين قال مؤخرا، رداً على منتقدي الدستور الجديد:" الخيار كان بين أحد أمرين: إما الرهان على الإجماع، أو الذهاب إلى الحرب الأهلية والديكاتورية بسبب انقسام البلاد إديولوجيا".
وفي وقت لاحق، أبلغ الغنوشي "فايننشال تايمز"  قوله بصراحة: ماحدث في مصر كان زلزالا. كان هناك البعض في المعارضة يريد استيراد النموذج المصري (الجديد)، وهذا أثّر بالتأكيد على قرارنا".
- III -

حسنا. مصر أثَّرت بالفعل على قرار الإخوان التونسيين. لكن مثل هذا التأثير لم يكن لتقوم له قائمة لولا وجود استعداد حقيقي، وأوّلي، لدى حزب النهضة كي "يصالح" فكره الإسلامي مع مندرجات مباديء الحداثة والديمقراطية.
وهذا مالم يفعله إخوان مصر، الذي تلقوا هم أيضاً تحذيرات قوية قبل أشهر من الانقلاب العسكري- الشعبي عليهم بضرورة العمل وفق سياسات الإجماع والشمولية للجميع، وليس وفق توجهات الاستحواذ والإقصاء والسيطرة. وقد جاءت هذه التحذيرات من الرئيس الأميركي أوباما ومن رئيس الحكومة التركية أردوغان، والأهم من راشد الغنوشي نفسه الذي توجّه إلى القاهرة وناشد الرئيس مرسي العودة عن سياسة التصعيد والإلغاء.
بيد أن إخوان مصر كانوا في شبه غيبوبة آنذاك، بسبب حالة السكر التي تعتعتهم لانتقالهم من غياهب السجون والملاذات تحت الأرض إلى رؤوس أهرامات السلطة فوق الأرض.
أفضل من عبَّر عن حالة التعتعة هذه كان عصام العريان نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة»، الذي كان يفترض أن يكون "الأكثر عقلانية واعتدالاً" في صفوف قادة الأخوان.
ففي حديث نشرته  الزميلة «الحياة» في 29 حزيران/يونيو الماضي، أي قبل يوم واحد من اليوم الذي غير اتجاه الأحداث في مصر، سئل عما إن كان يعتقد أن «الإخوان» ارتكبوا خطأ حين تولوا مسؤولية مصر في مرحلة حرجة؟. وجاء الجواب: «أعتقد أن «الإخوان» ضحوا تضحية كبيرة جداً في تحمل المسؤولية في ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد والصعوبة وجازفوا مجازفة ضخمة بتاريخهم، بثقة الناس فيهم، وبتوظيف إمكاناتهم. فبعد الثورات، دائماً طموحات الناس كبيرة جداً جداً، وإمكانات الدول لتحقيق ما تريده قليلة جداً. وفي الوقت ذاته أن تتولى دولة بحجم دول، وأنت لم تكن في ماكينتها، لا موظفين، لا وزراء سابقين، لا خبراء يعلمون تفاصيل، لا تمتلك أجهزة الأمن ولا أجهزة المعلومات، لا تمتلك شيئاً... هذه مجازفة كبيرة".
بيد ان العريان نسي أن يضيف أن هذه المجازفة هي في الواقع مقامرة خطرة للغاية، ليس فقط لمخاطرها الداخلية الجمة، بل أولاً وأساساً لأن الإخوان المصريين بنوا كل استراتيجيتهم على أساس الافتراض المخطيء بأن الولايات المتحدة، التي تراهن عليهم لتزويج الإسلام السياسي إلى الديمقراطية، لن تتركرهم "لقمة سائغة للذئاب".
بكلمات أوضح: الإخوان المصريون لم يكونوا مستعدين البتة، ربما لأسباب إيديولوجية وثقافية وسلطوية، للتأقلم مع حقائق الحداثة في المنطقة، وزاوجوا بين فكرة الإمساك بزمام السلطة كاملة وبين هدفهم بإقامة الدولة الإسلامية "هنا والآن".
وهذه تثبت الآن أنها كانت فكرة انتحارية، وليس عملية مجازفة فقط. فكرة نجح حزب النهضة في استبعادها من جدول أعماله، فأنقذ نفسه ومعه تونس من المآل المصري الداكن.
وهكذا، عادت تونس لتمسك بتلابيب الربيع العربي، فأعادت الأمل إليه، وبدأت ترسم انطلاقاً من المغرب العربي (مجددا) خريطة طريق مغايرة لكل المنطقة العربية. خريطة يكتنفها التفاؤل وتغشاها روح ابن رشد العقلانية، وعبقرية ابن خلدون التاريخية- الاجتماعية، وإبداعات ابن طفيل التطورية.

سعد محيو




الاثنين، 19 أغسطس 2013

هل هي "الحرب" بين الإخوان وأنظمة الخليج؟


- I -
ثلاثة أسئلة كبرى دفعة واحدة فرضها الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي المطلق للمملكة العربية السعودية  ودولة الإمارات والكويت للنظام المصري الجديد:
الأول، هل انفجرت نهائياً الصراعات الإديولوجية- السياسية مع جماعة الإخوان المسلمين، وباتت :"الحرب" في أمر اليوم بين الطرفين؟
 الثاني: حتى لو تمكّنت المملكة من تجنُّب "الحرب" مع الإخوان المصريين عبر تسويات لاحقة، ماذا عن بقية الإخوان في تونس والمغرب (وقريباً في سورية والأردن)، وأيضا (وربما هنا الأهم) مع "الإخوان" العثمانيين الجدد الاتراك الذين تدفعهم إديولوجيتهم الصوفية- العلمانية إلى التحالف مع جماعات الإخوان، خاصة في سورية، لا مع الحركات السلفية على النمط الوهابي؟
والثالث، هل اتِّباع الرياض لسياسة خارجية هجومية نشطة، كما تحاول أن تفعل الآن مستخدمة عضلاتها المالية والدبلوماسية، سيمكّنها من تحصين مملكتها السياسية في الداخل ضد جماعات الأخوان وباقي تنظيمات الإسلام السياسي، أم أن هذا المشروع برمته سيكون أشبه بفقاعة صابون تُطلق في قيظ الصيف؟

- II -
نبدأ مع السؤال الأول:
"الحرب المحتملة بين الطرفين ليست مستجدة، بل هي حصيلة لتاريخ مُثقل بين الطرفين.
فجماعة الإخوان المسلمين منذ أن أسسّها حسن البنا العام 1928، كانت منظمة سياسية من ألفها إلى الياء. منظمة تعتبر أن الإديولوجيا الإسلامية بمثابة علاج سياسي للأمراض التي فتكت بالعالم الإسلامي طيلة القرون الماضية. وهي في خضم تبينها لهذا المبدأ، عمدت إلى دمج الفكر الغربي السياسي الحديث بالتقاليد الإسلامية، كما رضعت من ثقافة جيلين من الفكر السياسي الإسلامي في الحقبة الأخيرة من عهد الدولة العثمانية، لم تر بالتالي تناقضاّ بين الحكم الإسلامي وبين المباديء الجمهورية والبرلمانية (ولاحقاً الديمقراطية والتعددية).
في المقابل، كانت الطبعة السعودية من الإسلام تقوم على الفكر السلفي اللاسياسي، الذي يُعطي قيصر السعودي السلطة السياسية، ويخوِّل آل الشيخ وأتباعهم التصرُّف بما لله: السلطة الدينية وأحوال الآخرة، شريطة ألا يتدخلوا بشؤون الدنيا.

- III -
هذا الشرخ الإديولوجي- السياسي  بين الطرفين ظل نائماً عقوداً طويلة بفعل عاملين إثنين:
الأول، زواج المصلحة الذي أبرمه الإخوان والسعوديون غداة بروز حركة القومية العربية العلمانية واليسارية منذ مطلع الخمسينيات بقيادة جمال عبد الناصر، والذي دفعهم إلى شن حرب مشتركة ضدها وهم يرفعون رايات الإسلام السياسي. وهكذا، وجد قادة الإخوان المصريين ملاذاً آمناً وخزينة مالية وفيرة لهم في المملكة، فيما اكتشفت فيهم هذه الأخيرة كنزاً  أحسنت استخدامه في حربها العامة ضد القومية العربية العلمانية.
والثاني، نجاح الرياض في احتواء الإخوان المسلمين غداة هزيمة حرب 1967، من خلال تحالفها مع الأنظمة الجديدة التي برزت في مصر (حسني مبارك) وسوريا (حافظ الأسد) وتونس (زين العابدين بن علي) والأردن (الملك حسين) والتي جهدت لإبقاء حركات الإخوان داخل القفص.
الأخوان المسلمون لم يردّوا مباشرة حين انتقلت علاقتهم مع السعودية من التحالف إلى الاحتواء. لكن بعض أجنحتم كانت تفعل ماهي أكثر بكثير من الرد: اختراق السلفية الوهابية نفسها.
حدث هذا أساساً في أفغانستان، حين قام القائد الإخواني البارز عبد الله عزام وبعده أيمن الظواهري بجذب المقاتلين السلفيين السعوديين، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، إلى إديولوجيا سيد قطب الجهادية، الأمر الذي خلق أزمة شرعية كبرى في المملكة طيلة حقبة التسعينيات أنحى فيها السعوديون باللائمة على "القطبيين والإخوانيين" كما أسموهم.
والآن، وبعد أن بات واضحاً أن الربيع العربي كانت له قسمات إخوانية فاقعة في مصر وتونس والمغرب وسورية (والعد مستمر)، كان على القادة السعوديين مواجهة المقلب الآخر من التحدي الإخواني: الطبعة الليبرالية والديمقراطية المُفترضة من الإسلام.
وهذا مايفعلونه بقوة الآن، عبر دعم الانقلاب المصري على الأخوان بكل أنواع الأسلحة.
بقي أن ننتظر لنعرف كيف سترد جماعات الإسلام السياسي داخل منطقة الخليج وخارجها على هذا "الحرب" المعلنة.

سعد محيو


الخميس، 11 أبريل 2013

مصر: الأخوان يهبطون.. لكن اليساريين لايصعدون!


- I -

هل بدأ العد العكسي لهبوط شعبية جماعة الإخوان المسلمين في مصر؟
أجل. وثمة مؤشرات عدة على ذلك.
"الاسلام هو الحل" لم يعد كافيا (الصورة من غوغل"

فالأخوان لم يبلوا بلاء حسناً في الانتخابات الطلابية والمهنية الأخيرة، على عكس ما أنجزوه السنة الماضية. فهم خسروا معركة الاتحاد الوطني للطلبة ونقابة الصحافيين، ولم يربحوا معركة الصيادلة إلا بفارق بسيط.
وفي الوقت نفسه، كانت شعبية الرئيس محمد مرسي تهوي من 80 في المئة إلى أقل من 50 في المئة خلال أشهر قليلة، فيما كان الكاتب الأميركي توماس فريدمان يعكس خيبة أمل حليفة الأخوان الجديدة في الشرق الأوسط (أميركا) من الأداء السياسي السيء للأخوان، مشيراً  إلى أنهم "ضيّعوا كل الفرص لبلورة إجماع وطني، وفضلوا عليها في كل حين الهيمنة على السلطة".
هذه التطورات المتسارعة بدأت تفتح الأبواب على مصراعيها أمام بروز نجم القوى اليسارية والليبرالية والعلمانية مجدداً في الساحة السياسية المصرية.
لكن، هل هذه القوى مستعدة لاغتنام هذه الفرصة؟
لا يبدو، من أسف، أن الأمر كذلك. والسبب الرئيس لايعود إلى مجرد تفكك المعارضة، أو تشرذمها، أو ضعف إمكاناتها التنظيمية والمالية (في مقابل الثروات الضخمة للأخوان والسلفيين بفعل دعم بعض دول الخليج لهم واستثماراتهم التجارية الكبيرة فيه)، بل على الأرجح إلى غياب الرؤية الاستراتيجية والتكتيكات الصحيحة لديها. وهذا مايجعل هذه القوى تخوض دوماً مع الإخوان المعركة الخطأ، في المكان الخطأ، وبالأسلوب الخطأ أيضا.
فالمعارضة، على سبيل المثال، لم تدرك بعد أن عقب أخيل الأول والأخير للاخوان هو الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، لا السلطة السياسية، ولا حتى الدستور. ولذلك هي لذلك لاتزال تخوض معاركها على أرض الأسلاميين لا على الأرض هي حيث الأقوى: الوضع المعيشي، التنمية بدل النمو، العدالة الاجتماعية بدل اقتصادات السوق المتوحشة، الفساد، البطالة.. ألخ، وفوق كل ذلك سياسة خارجية إخوانية قد تكون أخطر من سياسة مبارك من حيث مدى التبعية للولايات المتحدة والرضوخ للمتطلبات الإسرائيلية، ومن حيث مساسها بالسيادة الوطنية المصرية.
لا بل أكثر: قيام المعارضة  بالعمل على إضعاف أو انهاك سلطة الإخوان سيفيد هؤلاء إلى درجة لا تصدّق. لماذا؟ لأنهم حين سيفشلون اقتصاديا- اجتماعيا، سيكون في مقدورهم ببساطة إنحاء اللائمة على المعارضة، بحجة أنها لم تمكنهم من تنفيذ برامجهم الاصلاحية والاقتصادية والإدارية. سيقولون: نحن فشلنا لأن ثمة من أفشلنا. وطالما أن برنامجنا يقوم على أن "الإسلام هو الحل"، فهذا يعني أن المعارضة هي التي أفشلت الإسلام نفسه. وهذه حجة قوية في مجتمع مؤمن بغالببته الكاسحة.
- II -
لو أن الأخطاء الاستراتيجية للمعارضة اليسارية والليبرالية تتوقف هنا لهان الأمر قليلا. لكن ثمة ماقد يكون أدهى من ذلك بكثير. فثمة أطياف معارضة عدة لاتتردد في التحالف، أو التنسيق، أو  التواطؤ مع قوى النظام السابق، من قضاة فاسدين، وإداريين أكثر فساداً، أو حتى مع بلطجية النظام السابق، لإضعاف الإخوان.
وأكبر وأخطر دليل على الأمر "الأدهى"، هو السكوت المريب والغريب الذي لاذت به قوى المعارضة حيال الصفقة التي أبرمها الإخوان مع المؤسسة العسكرية وثبتوها في متن الدستور، والتي حصّنت الجيش من أي مساءلة، كما تركت نشاطه الاقتصادي (الذي يفوق نسبة الـ20 في المئة من إجمالي الاقتصاد المصري) بدون حسيب أو رقيب.
لماذا فعلت المعارضة ذلك؟
لأنها تراهن على أن الجيش في مرحلة ما، قد يكون حليفها في المعركة ضد الإخوان.
بيد أن هذا في الواقع خيار بائس، وهو أشبه بمن يجلب الدب إلى كرمه لطرد أبناء آوى منه. فالجيش المصري لم يتحوّل بعد إلى مؤسسة تؤمن بالديمقراطية وخضوع العسكر إلى سلطة المدنيين، بل هو نال كل مايريده من حصانة من الأخوان ثم قبع ينتظر الفرصة السانحة لإعادة الإمساك أكثر بالسلطة السياسية، لا لتلسيمها لـ"حلفائه" (...) اليساريين والليبراليين بل لكي يطبق هو عليها مجددا. فالدولة العميقة في مصر لاتزال عميقة.
- III -
رب متسائل هنا: أي استراتيجية كان يتعيّن على اليساريين والليبراليين اعتمادها في خضم التمخضات والظروف المضطربة الراهنة التي يمر بها الأخوان هذه الأيام؟
حسنا. الإجابة سهلة للغاية. كان عليهم أن يممّموا وجوههم نحو أميركا اللاتينية التي حقَّق فيها الاشتراكيون الديمقراطيون واليساريون سيطرة شبه كاملة على معظم دول القارة، عبر تزويجهم أولاً الاشتراكية إلى الديمقراطية، وعبر الإنطلاق ثانياً من العمل المجتمعي من تحت إلى العمل السياسي من فوق، وأخيراً عبر حشد الطبقات الوسطى والفقيرة وراء برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ورفض الرأسمالية المتوحشة (مايسمى "إجماع واشنطن") التي يسعى صندوق النقد الدولي إلى فرضها على كل هذا العالم المتعولم، والتي يتبناها إخوان مصر بحماسة، وإن مترددة.
أجل. الإخوان المسلمون في ورطة كبرى. لكن، إذا ماواصل اليساريون والليبراليون مصارعة طواحين الهواء على نحو ما يفعلون الآن، ستبقى الورطة، لكن الإخوان سينفدون بجلدهم منها ويحملون المسؤولية لهؤلاء الاخيرين.
مصر فعلاً في حاجة إلى مخططين ومفكرين استراتيجيين يلتقطون جوهر التمخضات الراهنة في البلاد، ويوجهون سهم التاريخ اليساري والليبرالي إلى حيث يجب أن يُوجَّه: إلى قلب ورطة الاخوان الاقتصادية.

سعد محيو

الاثنين، 10 ديسمبر 2012

مفاجأة كبرى لـ"الإخوان": ولادة الكتلة التاريخية الليبرالية- اليسارية




- I -
الكل يتحدث هذه الأيام عن "أخطاء" الرئيس المصري مرسي وجماعة الإخوان، والتي أسفرت في خاتمة المطاف عن انشطار ثورة يناير المصرية إلى "ثورتين": إسلامية وعلمانية. وهي أخطاء تتراوح بين دفع الليبراليين واليساريين والمسحييين إلى هجر الجمعية التـأسيسية، وخطيئة محاولة فرض دستور تمت حياكته على مقاس الإخوان والسلفيين.
اليسار والليبراليون في القاهرة" اثبات الوجود- الصورة من غوغل

لكن ثمة خطأ آخر لم يلتفت إليه الكثيرون، وقد يكون هو الأخطر: استهانة مرسي والإخوان بوزن القوى الليبرالية واليسارية واعتبارها أقلية معزولة لاحول لها ولاقوة.
لكن مايجري الآن في مصر، وأيضاً في تونس، كشف عن أمرين متلازمين:
الأول، أن القوة التمثيلية لهذه القوى قد لاتنبع من رصيدها التنظيمي المحدود، لكنها بالتأكيد تستند إلى تأييد أكثر من نصف الشعب الذي يرفض كلاً من الديكتاتورية العسكرية والديكاتورية الدينية، خاصة في ضوء التجربة المثبطة والمريرة للثورة الإسلامية في إيران. وهذا النصف يشمل حتى العديد من القوى الإسلامية نفسها التي تتبنى الإسلام الليبرالي أو المنفتح، أو تنتمي إلى الفكر الصوفي المتسامح.
والثاني، أن هذه القوى بدأت تعي ذاتها ككتلة تاريخية، وبدأت تنظم نفسها على هذا الأساس طيلة السنة الماضية. وعلى رغم أن هذا التطور لايزال في بداياته الأولى ، إلا أن أحداث مصر وتونس تشي بأن هذه القوى بدأت تسير على هدي هذا الطريق وقد تنجح قريباً في بلورة برامج سياسية موحّدة، أو حتى فلسفة سياسية مشتركة.
- II -
هل سيعي الإخوان المسلمون هذه الظاهرة الجديدة؟
الأرجح أن بعضهم سيكون قادراً على إدراكها، فيما البعض الأخر سيكون عاجزا عن ذلك.  الأوائل قادرون على هذا، لأنهم في الأساس طوّروا طيلة العقدين الماضيين منهج تفكير يقوم على الاستقراء (العلمي والاختباري) لا على القياس (التجريدي والتشبيهي)، وهذا ماجعلهم أكثر استعدادا لفهم التعددية السياسية وقبولها. هذا في حين أن الطرف الثاني، وغالبيته من السلفيين (وربما أيضاً القطبيين والجهاديين) لازالوا يرفضون "الآخر" ويندفعون بالتالي إلى محاولة فرض ديكتاتوري  دينية باعتبارهم "الفرقة الوحيدة الناجية من النار".
والسؤال حول من ستكون له اليد العليا في هكذا صراع داخل صفوف الإخوان، هو نفسه السؤال عن مآل الإسلام السياسي ومصيره: أي إذا ما كان الإسلاميون سيصبحون إسلاميين ديمقراطيين على نمط الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا القرن التاسع عشر، أم سيخسرون كل شرعية مكاسبهم الانتخابية إذا ماقرروا المضي قدماً في استخدام الأداة الديمقراطية لفرض برامجهم الشمولية الدينية.
لكن، وبغض النظر عن طبيعة خياراتهم في هذه المرحلة والتي ستليها، سيدرك الإسلام السياسي قريباً أن ثمة واقعاً جديداً يولد أمام أعينهم مباشرة هذه الأيام. واقع له وزنه وقوته اسمه الكتلة التاريخية للقوى الليبرالية والعلمانية واليسارية.

سعد  



الأحد، 9 ديسمبر 2012

السعودية والإمارات مع العلمانيين، والإخوان مع السلفيين!




- I -
حاول أن تفهم:
المملكة العربية السعودية، التي تصرف مليارات الدولارات سنوياً على نشاطات الدعوة الإسلامية في كل العالم، بينها نحو 60 ألف مدرسة كتاتيب في باكستان وحدها لايُدرّس فيها سوى القرآن الكريم، وتموِّل كل مايخطر على بال من جمعيات ومنظمات سلفية في كل العالم أيضاً، تقف بقوة إلى جانب القوى العلمانية المعارضة لجماعات الإخوان المسلمين.
سلفيو تونس: ثورة السياسة على الدين- الصورة من غوغل

وقل الأمر نفسه على دولة الإمارات، التي ترفع هي الأخرى رايات الإسلام خفاقة، لكنها تتحالف مع نظام الرئيس حسني مبارك وورثته وأصحاب أملاكه، فضلاً عن نظام زين الدين بن علي، اللذين زجها طيلة عقود مئات آلاف الإسلاميين في السجون.
ما هذا الذي يحدث؟
قبل الإجابة، فلنكمل أولا مشوار محاولات الفهم.
جماعة الإخوان المسلمين المصرية، التي لطالمت رفعت شعار "الإسلام هو الحل" وشنت حرباً ضروس على معاهدة كامب ديفيد، تقوم وهي في السلطة بالوساطة والتنسيق مع " الكيان الصهيوني الغاصب عدو الإسلام"(كما كانت تصفه سابقا)، وتنال على ذلك إطراء وثناء الرئيس الأميركي بوش وشكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وجماعة الإخوان الأخرى في تونس، حزب النهضة، التي نال زعيمها الغنوشي الجوائز الدولية لـ"حكمته وإعتداله" ومساهمته في مساعدة بلاده على الانتقال السلمي إلى الديمقراطية، يتحالف مع السلفيين المتطرفين، ويشكّل ميليشيات سلفية من داخل حزبه تحت شعار "حماية الثورة والإسلام".
الأمر نفسه فعله زملاؤه في مصر، حين ضربوا عرض الحائط بشعارهم "المشاركة لا المغالبة"، وقلبوا ظهر المجن لحلفائهم العلمانيين في ثورة يناير، وانخرطوا مع السلفيين في عملية فرض دستور قروسطي في بعض بنوده على نصف المصريين من غير التيارات الإسلامية.
- II -
مرة أخرى، ما هذا الذي يحدث؟
لاشيء. إنه ببساطة أكثر الاستخدامات السلبية للدين الإسلامي الحنيف التي يمكن أن تُتصوَّر. لا بل أكثر: إنه في الواقع تشويه لجوهر هذا الدين.
وهذا أمر بديهي أن يحدث حين يتحوّل شعار الضرورات تبيح المحظورات في بعض الأحيان، إلى شعار الضرورات تبيح المحظورات في كل الأحيان؛ وحين يتم تسيسس الروح الآخروية لخدمة المادة الدنيوية.
فحين تدعم السعودية، خادمة الحرمين الشريفين وسدنة الأسلام، العلمانيين، وحين تذهب جماعة الإخوان المصرية إلى إسرائيل وتدير الظهر لمواطنيها المصريين المطالبين بالمواطنة الحقة، وحين يتنكّر الغنوشي التونسي لكل تنظيراته عن الديمقراطية مفضلاً ضروراته مع السلفيين، يكون ثمة عطب كبير في الطريقة التي يقارب فيها الدين الحنيف.
وهذا تطور خطير، سبق أن مرت به أوروبا القروسطية، حين صادرت الكنيسة كل الحقوق والحريات باسم الدين ودفعت الكثير من الفرنسيين، على سبيل المثال، إلى التظاهر حتى ضد العناية الإلهية. كما سبق أن مرّت به إيران الإسلامية التي وعدت مواطنيها بحكم القديسين من رجال الدين، فإذا بمعظم هؤلاء يصبحون كهنة أسوأ معابد الفساد والإفساد، والقمع  والاضطهاد.
- III -

ما المخرج من هذا الكابوس العجيب؟
ثمة مخرج واحد: ثورة الدين على السياسة، وثورة أخرى من الروح والوعي الصافي على المادة والمصالح المادية. فالدين جاء ليتمم مكارم الأخلاق، لا ليعزز مثالب السياسة والسياسيين. جاء ليرتقي بوعي الإنسان إلى مايتجاوز الشهوات والرغبات، لا لكي ينحط بهذا الوعي إلى درك الحقد والكراهية والانغلاق على الذات.
وإذا ما كان هناك من يرفض هذه الدعوة إلى ثورة الدين على السياسة، فسيكون عليه أولاً أن يبرر يفسّر لنا كيف يمكن لمن يرفعون رايات الإسلام أن يتصرفوا على هذا النحو اللاإسلامي، باسم الإسلام.

سعد

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

ندوة الإمارات والأخوان: الفجوة تتعمَّق



- I -
الندوة التي عقدتها "البي.بي. سي" أمس الثلاثاء، في إطار برنامج "نقطة حوار"، كشفت عن تفاقم الهوة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين دولة الإمارات وربما كل دول الخليج (ماعدا قطر).
وهي فجوة تعج على مايبدو بجمهور لجب من"أفاعي" الشك و"عقارب" المخاوف المتبادلة.

الاسلام هو \الحل.. في منطقة الخليج أيضا؟ (الصورة من غوغل)

صحيح أن "الود الإيديولوجي" لم يكن عملة وفيرة بين الطرفين طيلة تعاونهما المشترك المديد الذي ناهز السبعين عاماً، إلأ أن "الود المالي والسياسي" لم يغب يوماً عن أفق علاقاتهما. فالإخوان تلقوا منذ زيارات مؤسسهم حسن البنا المتكررة إلى السعودية في الأربعينيات، كل الدعم عداً ونقدا، وكل الحماية السياسية، طالما أنهم كانوا في معارضة خصوم المملكة وبعض الأسر الخليجية الحاكمة، خاصة منهم الحركة القومية الناصرية.
لكن الصورة انقلبت رأساً على عقب الآن. فالاخوان باتوا الشاة السوداء في منطقة الخليج، بعد أن وصلوا إلى السلطة في مصر (قلب المنطقة العربية) وتونس (قلب الربيع العربي)، ولايزال الحبل على الجرار. وهم يرفعون شعار تسييس الإسلام وأسلمة السياسة، الأمر الذي لايستسيغه قادة الخليج على الإطلاق.
والأخطر من ذلك أن الإخوان أبرموا على مايبدو صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، التي يفترض أن تكون الدرع الأول والأخير لحماية أنظمة الخليج. وهي صفقة قد يثبت بعد حين (إذا مارسَّخ الأخوان سلطتهم في مصر) أنها ستنسف الصفقة الكبرى التاريخية التي أبرمها الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي رزوفلت في 22 كانون الثاني/يناير العام 1945 على متن الطراد الحربي الأميركي "كوينسي" في منطقة البحيرات المرّة الواقعة بين بور سعيد والسويس، والتي أرست دعائم النظام الإقليمي الأميركي- السعودي حتى العام 2001 حين وقعت أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
عناصر الصفقة الجديدة واضحة: اندراج الأخوان في صف الإصلاحات السياسية الديمقراطية، ومكافحة التطرف الإسلامي، وحماية المصالح الأميركية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، في مقابل تسهيل وصولهم إلى السلطة ثم الحفاظ عليها.

- II -
بالطبع، يحق للسعودية وبقية دول الخليج أن تشعر بالقلق من هذه الصفقة، ليس بسبب بنودها المتعلقة بالتطرف والمصالح الأميركية والإسرائيلية، بل في شقها الديمقراطي. إذ ان هذا سيعطي زخماً غير مسبوق للصيغة التي يطرحها الإخوان للإسلام المسيّس، والتي تتناقض حرفاً بحرف مع إسلام دول الخليج القائم على الفصل بين السياسة التي تحتكرها الأسر الحاكمة باسم "الطاعة لأولي الأمر وعدم الخروج على الحاكم"، وبين المؤسسة الدينية التي تمنحها الأسر الحاكمة حق الرقابة على المجتمع، بالطبع شريطة أن يكون هذا لصالحها.
هذان النمطان من الإسلام السياسي متناقضان وأشبه بخطين متوازيين لايلتقيان. وقد طفا هذا التناقض على السطح منذ أن خرج الإخوان من غياهب السجون والمنافي إلى قصور السلطة، وشعروا بالقوة والتمكين في كل المنطقة، بما في ذلك الملكيات العربية من المغرب إلى الأردن، ومن الكويت (كما تدل الآن المظاهرات فيها) إلى الرياض مروراً بأبو ظبي. وهو يتزعمون حالياً ليس فقط الحملة من أجل الإصلاح السياسي والديمقراطي والاقتصادي (التوزيع العادل للثروات) بل أيضاً من أجل "وحدة الأمة الإسلامية" واستقلالها. أي أنهم، عملياً، يقولون للملكة السعودية ودول الخليج: وقتكم انتهى، وجاء زمننا.

- III -
هذه المعطيات كانت جلية في ندوة "البي.بي. سي". وقد عبّر عنها بوضوح شديد المفكر والصديق د. محمد المطوع الذي استحضر كل الشكوك السرية والعلنية المحيطة بأجندات  الأخوان وسلّط عليها أسلحته التاريخية اليسارية والليبرالية كي يفسِّر أسباب صعوبة ردم الهوة المتوسعة باطراد معهم: فهم، برأيه، ينفذون منذ العام 1928 سياسات تخدم السيطرة الغربية على المنطقة. وهم ينادون بالحوار علناً مع من يكفرونهم سرا. وهم قاتلوا في أفغانستان ويتدربون ويتسلّحون، فيما يرفعون شعار رفض الخروج على حكام الإمارات أو إطاحة النظام.
المثير هنا أن الأطراف المحاورة في الندوة باسم حركة الإصلاح الإماراتية وجماعة الأخوان المصرية ردّت بالتركيز على أن الأخوان يتحركون باسم الأمة الإسلامية كلها، وأن السلطات تستخدم فزاعة الجماعة للتهرب من استحقاق الإصلاحات الديمقراطية. لا بل كاد أحد الإخوان أن يتهم دولة الإمارات نفسها بأنها "صنيعة بريطانية" رداً على اتهامات المطوع للاخوان بأنهم تواطأوا منذ وقت مبكر مع الاستعمار البريطاني.
كيف يمكن، والحالة هذه، أن يكون ثمة حوار بين الطرفين؟
المسألة الآن تجاوزت التواصل الفكري والسياسي لتطرح السؤال الأهم: كيف يمكن أن ترد جماعات الإخوان على الحملات العنيفة التي تُشَن عليهم في منطقة الخليج؟
الارجح أنهم سيبذلون جهوداً مكثَّفة لتجنُّب الانجرار إلى مجابهة علنية مع حكومات الخليج على نمط مافعلت مصر الناصرية في الستينيات، وهذا ليس تعففاً بل لقصر ذات اليد مالياً واقتصاديا، وسيكتفون بالنقر من بعيد على العصب الذي يوجع الحكومات: النطق باسم الأمة والإسلام والديمقراطية. وهذا، بالمناسبة، سلاح فتاك في الدول العربية التي تعاني من ضعف الانتماء الوطني وتتمسك بالهوية الإسلامية الجامعة.
ساحة المعركة الحقيقية بين الطرفين ستكون في دول الربيع العربي نفسها، حيث سيدور هناك رحى الصراع حول "أي إسلام نريد" بإشراف كامل من أميركا وبقية المنظومة الغربية، وبمشاركة كاملة أيضاً من دول الخليج عبر دعمها القوى الوهابية والسلفية المناوئة للأخوان. هذا بالطبع إذا لم تنفجر الأوضاع الشعبية في شبه الجزيرة نفسها، كما حدث في اليمن والبحرين وقبلهما (وإن بشكل محدود) في عُمان، وكما قد يحدث الآن في الكويت.
الفجوة، إذا، مُرشَّحة للتعمُّق بين الأخوان وحكومات الخليج. وهذا في حد ذاته سيكون مؤشراً على التغيُّر الكاسح الذي طرأ على طبيعة الصراع في الشرق الأوسط: فهو بات داخل الدار الإسلامية بعد أن كان لفترة طويلة بينها وبين الخارج بكل تلاوينه الإقليمية والدولية.

سعد




الاثنين، 17 سبتمبر 2012

إخوان مصر وتونس على "حد سِكِّين" تاريخية




- I -

هل كان الأمر محض صدفة أن ينطلق العنف الذي رافق الحركة الاحتجاجية ضد شريط
 براءة المسلمين" (والذي لن نكل ولن نمل من التذكير بأنه تافه وسخيف ومنحط)، من دول الربيع العربي؟
ومامعنى أن تتمدد أعمال العنف الأصولي القروسطي فجأة من شبه جزيرة سيناء على البحر الأحمر إلى مدينة بنغازي على البحر المتوسط، مروراً بعاصمة الربيع العربي الثالثة تونس التي تشهد بدورها فورة عنفية قروسطية مماثلة؟

 -"الثورة المضادة"  قيد العمل " - الصورة من غوغل-

ثمة تفسيران:
الأول، يقول أن التنظيمات المتطرفة أفادت، كما حالها دوماً، من حالة الفوضى واللاإستقرار التي سادت دول الربيع العربي خلال وغداة إطاحة الأنظمة الديكتاتورية فيها، فنشطت لمحاولة ملىء الفراغ على طريقتها الخاصة.
والثاني، أن التنظيمات الطالبانية والقروسطية شعرت بخطر شديد يتهددها إديولوجياً وتنظيمياً من جراء قيام الشباب العربي بالإمساك بمقاليد مصيرهم بنفسه، ما هدّد كل فرصها لتجنيد العديد منهم لصالح قضيتها الداعية إلى الجهاد ضد كل من "كفرة الخارج" (الغرب) والداخل ( الأنظمة العربية).
وبالمناسبة، التكفير الأخير، أي للأنظمة، شمل في الآونة الأخيرة ليس فقط النظام الليبي الذي فاز فيها الليبراليون مؤخراً في الانتخابات العامة، بل أيضاً نظامي الإخوان المسلمين في مصر وتونس بسبب تبشيرهما بالمصالحة بين الإسلام وبين الديمقراطية التي يكفّرها هؤلاء بدورهم.
- II -
وجه الخطورة الإضافي في هذه الطفرة القروسطية، تكمن في أنها تتقاطع مع مصالح العديد من الأطراف العربية والدولية الخائفة من مضاعفات الربيع العربي عليها، من إيران التي ترى في التحالف المحتمل بين واشنطن والإخوان خطراً داهماً عليها، إلى السعودية التي رفضت أصلاً فكرة هذا الربيع الإخواني واحتضنت قادة "علمانيين" على غرار زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وصولاً إلى روسيا التي تشعر الأن بخوف على شمال القوقاز وآسيا الوسطى الأسلاميين من كل أنواع "الإسلامات" الناشئة في الشرق الأوسط.
كل هذه القوى ترى مصلحة لها في تقويض عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين. وكلها ترى في التصعيد العنفي القروسطي، من سيناء إلى بنغازي، إضافة إلى الأموال الضخمة التي تُصرف لتعزيز القوى السلفية غير الديمقراطية، مقدمة لثورة مضادة ضد الربيع العربي.
- III -
هل تُدرك الأنظمة الجديدة في مصر وتونس هذه الحقائق؟
الأرجح أن الأمر كذلك. لكن الإدراك شيء، والعمل شيء آخر. فما لم يتحلَّ هذان النظامان بالجراة والشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها وخوض معركة الانتقال إلى الديمقراطية على أساسها، فسيكتشفان سريعاً أن ربيعهما كان من عمر الزهور وحتى ربما أقصر من ذلك.
لماذا؟
لأن استمرار الفلتان الأمني القروسطي الراهن سيفقد هذين النظامين الدرع الوحيد الذي يحميهما من عودة التسلُّط العسكري- المخابراتي، وهو الدعم الدولي (الأميركي- الأوروبي بالتحديد) للعملية الانتقالية نحو الديمقراطية.
تسمية الأشياء بأسمائها تعني هنا امراً واحدا: تظهير الصورة الواضحة بالكامل للإسلام السياسي الديمقراطي، جنباً إلى جنب مع تشكيل كتلة تاريخية جديدة داعمة له تضم كل القوى والفئات الإسلامية المعتدلة واليسارية والعلمانية صاحبة المصلحة في بناء دولة مدنية تستند إلى المواطنة، وسيادة القانون، والحريات المدنية.
ما لم يُقدم الإخوان المسلمون في مصر وتونس على هذه الخطوة، فسيجدون مواقعهم تتصدَّع الواحد تلو الأخر تحت ضربات كلٍ من اليمين ( السلفيون التقليديون والأصوليون القروسطيون) واليسار(الديمقراطيون واليساريون والعلمانيون). ثم ستأتي الضربة القاضية حين يُقرر الغرب فتح الأقفاص لتخرج منها النمور العسكرية والمخابراتية الغاضبة، ولتمزِّق التجربة الديقراطية والإخوان معاً شر تمزيق.
الوضع، بالنسبة إلى الأخوان في مصر وتونس، إذاً، في غاية الدقة والخطورة. وإذا هم لم يغادروا مواقع الدفاع إلى مواقع الهجوم وبالسرعة اللازمة، ستكون الفرصة التاريخية النادرة التي مُنحت لهم وأخرجتهم من جحيم المعتقلات إلى فردوس الحكم، مجرد حلم ليلة صيف عابر.
إنهم الأن على "حد سكين" تاريخية. والأمر يعود إليهم ليقرروا إما إبعاد هذه السكين عن رقابهم، أو تركها لتجعل التجربة الديمقراطية تنزف حتى الموت.

                                                                                سعد

السبت، 15 سبتمبر 2012

الفيلم المُسىء للرسول "ضربة معلِّم"




     







أوباماومرسي: من يحتاج إلى من؟ (الصورتان من غوغل)

                                             - I -                                          

لا أحد بعد يعرف على وجه التحديد من خطَّط، وصمَّم، ورعى، وروّج، لفيلم "براءة المسلمين" المُسيئ للنبي. لكن المستفيدين منه، كما يتضح الآن، يضمُّون مروحة إقليمية ودولية ومحلية واسعة للغاية تضم إسرائيل وإيران وروسيا وسورية، وربما أيضاً بعض الدول الخليجية، وتنظيمات القاعدة التي يرتبط العديد منها بأجهزة مخابرات غاية في التنوُّع. هذا إضافة إلى الجناح القومي المتطرف وتيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الأميركي.
كل هؤلاء تقاطعت مصالحهم فجأة، وقبل شهرين إثنين من الانتخابات الرئاسية الأميركية الحاسمة، على العمل لتقويض استراتيجية أوباما الإسلامية الخاصة بالتحالف مع جماعات الإخوان المسلمين، والهادفة إلى تسهيل انتقال الدول العربية إلى الديمقراطية.
المدخل إلى ذلك كان بسيطاً للغاية، لكنه عبقري للغاية: تفجير هذه الاستراتيجية من داخلها، أي من داخل مكوِّنها الإسلامي، عبر الاستثارة العنيفة لمشاعر السلفيين والجهاديين الإسلاميين، بما في ذلك بعض قواعد الإخوان المسلمين نفسها. وأي طريقة أفضل هنا من شتم وإهانة أقدس أقداس المسلمين: النبي محمد (صلعم)؟
من خطّط ونفّذ وروّج لفيلم "براءة المسلمين" يعرف تماماً سايكولوجية هؤلاء المسلمين، ويُدرك أن محمداً بالنسبة إليهم ليس نبياً وحسب بل هو (وعلى عكس السيد المسيح الذي لايستطيع المسيحيون تقليده لأنهم يعتبرونه "إلهاً") قدوة يمكن ويجب الاقتداء بها في كل مناحي الحياة المادية والروحية. لا بل أن العديد من المسلمين يموتون وهم في الثالثة والستين، وهي السن التي انتقل فيها الرسول إلى الرفيق الأعلى.
وبهذا المعنى، كان هذا الفيلم، على رغم تفاهته وسخافته، بمثابة "ضربة معلِّم" في الزمان والمكان لكل المتضررين من الربيع العربي في الشرق الأوسط وخارجه.
                                        - II -
لقد نجح المخططون في فرض هذه الأزمة في السياسة الخارجية بقوة على جداول أعمال الانتخابات الأميركية، على رغم الأولوية القصوى التي كان يحتلها الاقتصاد في السباق على البيت الأبيض. ومن الآن وحتى الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ستطفو على السطح مجدداً أسئلة أميركية ظنّ  الكثيرون أن الربيع العربي طوى صفحتها: "لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟"، و"هل الإسلام متطابق حقاً مع الديمقراطية"، وكيف يجب على الولايات المتحدة أن ترد على العنف أو التشدد الإسلامي: بالقوة أم بالانفتاح؟
ميت رومني وباقي السرب الجمهوري ردّوا بسرعة غريبة تثير الشكوك على هذه الأسئلة بالدعوة ضمناً إلى استنئاف ما انقطع من حروب بين أميركا والإسلام، تحت شعار "الدفاع عن القيم الأميركية"، واتهموا (كالعادة) أوباما والديمقراطيين بالضعف والتراخي في الدفاع عن هذه القيم في السياسة الخارجية.
أما أوباما نفسه فيجد نفسه في حرج شديد. وهو لما يستفق بعد من صدمة هذا التطور الشرق أوسطي المفاجىء الذي اقتحم بعنف ومن دون سابق إنذار حملته الانتخابية، ويهدد الآن بنسف  نجاحات سياسته الخارجية التي كانت استطلاعات الرأي العام  تشير (قبل هذه الأحداث) إلى رضى غالبية الأميركيين عنها.
وبالتالي، فهو يحتاج بشدة إلى عون خارجي عاجل. ومثل هذا العون لايمكن أن يأتي سوى من جماعات الإخوان المسلمين التي تُعتبر، مثله، الأكثر تضرراً من مضاعفات فيلم الإساءة والتشهير. فهذه الجماعات، كما تطالب هيلاري كلينتون، يجب أن ترسم بوضوح خطاً أحمر ضد العنف، وأيضاً ضد الهجمات التي تتعرّض لها السفارات والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وهكذا ترتسم في الأفق مفارقة مدهشة: أوباما يحتاج إلى الأخوان لصد هجمات "الأصولييين" الجمهوريين والليكوديين الأميركيين عليه، ولتبرير استمرار تمسُّكه باستراتيجيته الإسلامية، والإخوان المُحرجون (بسبب إقحام سيرة الرسول على خط الصراع) يحتاجون إلى "تفهُّم" أوباما لحماية خاصرتهم الإيديولوجية الرخوة من هجمات السلفيين والجهاديين.
لكن، وبما أن الوقت بالنسبة إلى أوباما ضاغط وداهم للغاية عشية انتخابات لايزال يسود نتائجها غموض شديد بسبب ضيق الفارق بين شعبيته وشعبية رومني (نقطة أو نقطتان)، سيكون من الصعب عليه "تفهُّم" وضعية الإخوان وسيطالبهم (كما تفعل كلينتون الآن) بتفهُّم وضعه هو، وبالتالي القيام بتحرُّك سريع لدعم موقفه.
- III -
إن تبعات فيلم "براءة المسلمين" غير البرىء إطلاقا، لاتزال يتوالى فصولا. والأرجح أن الأطراف العديدة التي تقف وراءه، أو تتبناه، أو تستفيد منه، لن تدع النار تذوي في المنطقة قبل تحقيق الهدف منه، وهو تدمير، أو على الأقل ضعضعة، الاستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء الإسلام في المنطقة.
إنه (الفيلم) فعلاً "ضربة معلِّم" استخبارية من الطراز الأول. وأكبر دليل على ذلك، هو أن المخططين لهذه الضربة نجحوا في تحويل شريط سينمائي قصير (14 دقيقة) وتافه، ورخيص، إلى أزمة سياسية وإيديولوجية كبرى أميركياً وشرق أوسطياً.

                                                                                سعد



الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

لماذا تتمنَّع أميركا عن اسقاط النظام السوري؟ إسألوا إسرائيل





- I -
الكثيرون في الشرق الأوسط سيصفِّقون لتصريحات الرئيس الأميركي أوباما أمس (20- 8-2012) والتي هدّد فيها للمرة الأولى بالتدخل العسكري في سورية "إذا ما استخدم فيها النظام، أو حتى حرّك، الأسلحة الكيمائية. هذا خط أحمر بالنسبة إلينا".

( أوباما ينتظر قرار نتنياهو ليتخذ هو قرارا (الصورة من غوغل

مبرر التصفيق واضح: فهذه المرة الأولى منذ 18 شهراً متواصلة من الانتفاضة السورية التي يصدر فيها بيان أميركي من هذا النوع. وهي المرة الأولى أيضاً التي يتحدث فيها الرئيس الأميركي عن احتمال "تغيير الحسابات الأميركية" حيال الوضع في سورية.
كل هذه "المرات الأولى" تبدو إيجابية بالفعل. لكن مهلا: لمصلحة من يصب هذا الموقف الأميركي الجديد، أو بالأحرى لماذا فاجأ أوباما الجميع بهذا الموقف الذي يسير تماماً في عكس كل البيانات الأميركية، من البنتاغون إلى وزارة الخارجية ومن السي. أي. آي إلى مجلس الأمن القومي، والتي كانت تُشدِّد كلها على أن أميركا لاتنوي التدخل في الشأن السوري؟

- II-
هناك تفسير واحد مقنع وراء هذه الخطوة: حماية أمن إسرائيل.
فأوباما، في بيانه، لم يقل أنه سيتدخل لإنقاذ أرواح عشرات السوريين التي تزهق كل يوم، ولا لمساعدة الشعب السوري على نيل حرياته الديقراطية، بل ركزّ فقط على نقطة يتيمة: "منع الأسلحة الكيمائية من الوقوع في أيدي قوى أخرى" (يقصد الأصوليين الإسلاميين). وبالطبع، أمن إسرائيل سيكون مهدداً إذا ما حدث ذلك.
أكثر من هذا. كان العديد من المحللين يشكّون بأن الولايات المتحدة ليست حازمة وجادة في دعواتها إلى تغيير النظام السوري، لأن الدولة العبرية لاتزال حتى الآن تعارض هذه الخطوة. فهي طيلة نيف و40 سنة "مرتاحة" لخدمات هذا النظام في الجولان، وضد الفلسطينيين واليساريين في لبنان وخارجه، وغيرها من الخدمات الاستراتيجية والأمنية التي وفّرها النظام لها.
الدليل على هذه الحقيقة ورد في تقرير هام لمؤسسة الشرق الأوسط ( Middle east institute)
الأميركية للأبحاث الدولية والاستراتيجية، جاء فيه:
"روسيا لاتعتقد أن إدارة أوباما، ولاحتى أي إدارة جمهورية قد تصل إلى البيت الأـبيض، مهتمة حقاً بإسقاط النظام في سورية. ولايعود السبب فقط إلى اعتبارات محلية أميركية (الانتخابات الرئاسية، والتعب من الحرب) بل أولاً وأساساً بسبب المضاعفات السلبية التي قد تلقي بظلالها على إسرائيل في حال سقط النظام. ولو أن واشنطن كانت جادة حقاً في إسقاط هذا النظام، لكانت شكّلت تحالف مريدين لضرب الأسد، سواء بموافقة مجلس الأمن الدولي أم لا".
أمر آخر.
في تحليل لنيويورك تايمز، تمت الإشارة إلى أن الولايات المتحدة، وعلى عكس كل البيانات الرسمية الأميركية، لم تزوِّد المعارضة المسلحة السورية بأي معدات "غير قاتلة"، ولا حتى الـ900 هاتف فضائي الذي أدّعت وزيرة الخارجية كلينتون أن واشنطن نقلتها إلى الثوار.
لماذا؟
مرة أخرى، ليس هناك سوى تفسير واحد: إسرائيل لاتزال تعارض المعارضة السورية، وتدعم نظربة "أمن إسرائيل" من أمن سورية" التي أطلقها الملياردير رامي مخلوف، قريب الرئيس السوري بشار.
- III -
كل هذه المعطيات تؤكد ماليس في حاجة إلى تأكيد منذ عقود: ليس هناك سياسية خارجية أميركية في الشرق الأوسط. فقط هناك سياسية خارجية أميركية تقررها إسرائيل في المنطقة، خاصة في المجال الحيوي لـ "الأمبراطورية الإسرائيلية " الذي يضم سورية ولبنان والأردن وفلسطين وشمال العراق.
وإذا ماحدث وقررت الولايات المتحدة في مرحلة ما التدخل العسكري في سورية، فهذا سيعني أن إسرائيل فقدت الأمل من إنتصار نظام الأسد، ونفضت يدها منه، وبدأت تبحث عن بدائل.

                                                                                سعد

السبت، 14 يوليو 2012

السعودية والإخوان: "حرب" أم "سلام" (1)





                                                  سيد قطب في السجن (غوغل) 
     

- I -
ثلاثة أسئلة كبرى دفعة واحدة فرضتها زيارة أول رئيس من الإخوان المسلمين في أكبر دولة عربية إلى المملكة العربية السعودية:
الأول، هل ستتمكِّن المملكة من إحتواء خلافاتها الإديولوجية- السياسية مع جماعة الإخوان، وإن على قاعدة المصالح المتبادلة (الاقتصادية- التجارية للإخوان، والسياسية للرياض)؟
والثاني: حتى لو تمكّنت المملكة من ذلك مع الإخوان المصريين، ماذا عن بقية الإخوان في تونس والمغرب (وقريباً في سورية والأردن)، وأيضا (وربما هنا الأهم) مع "الإخوان" العثمانيين الجدد الذين تدفعهم إديولوجيتهم الصوفية- العلمانية المنتفحة إلى التحالف مع جماعات الإخوان، خاصة في سورية، لا مع الحركات السلفية على النمط الوهابي؟
والثالث، هل اتِّباع الرياض لسياسة خارجية هجومية نشطة، كما تحاول أن تفعل الآن مستخدمة عضلاتها المالية، سيمكّنها من تحصين مملكتها السياسية في الداخل ضد أعاصير الربيع العربي الكاسحة في الخارج، أم أن هذا المشروع برمته سيكون أشبه بفقاعة صابون تُطلق في قيظ الصيف؟
لنبدأ مع السؤال الأول:

- II -
يمكن القول الآن، وبعد يومين من انتهاء زيارة الرئيس محمد مرسي للمملكة، أن هذا الأخير استخدم كل مافي ترسانته السايكولوجية من تطمينات لتقديم أوراق اعتماد مقبولة إلى القادة السعوديين.
فهو أكد حتى قبل أن تطأ قدماه أرض السعودية أن مصر الإخوانية :"لاتنوي تصدير ثورات الربيع العربي" إلى الخليج العربي.
وهو قسّم "العمل الإسلامي" بين الإخوان وبين السعودية لصالح هذه الأخيرة (من حيث الشكل على الأقل)، حيّن "عيّنها" راعية الإسلام فيما مصر حاميته.
ثم أن ركّز على النقطة الرئيس التي تهم القيادة السعودية هذه الأيام: مسألة الاستقرار في كل من السعودية ومصر في آن. قال:" استقرار المنطقة يستلزم استقرار مصر واستقرار الخليج، وعلى رأس دول الخليج المملكة العربية السعودية".
بيد أن حُسن الكلام، على أهميته، لايعني بالضرورة حُسن الخواتيم.
 لماذا؟
أساساً بسبب التاريخ المُثقل بين الطرفين.
فجماعة الإخوان المسلمين منذ أن أسسّها حسن البنا العام 1928، كانت منظمة سياسية من ألفها إلى الياء. منظمة تعتبر أن الإديولوجيا الإسلامية بمثابة علاج سياسي للأمراض التي فتكت بالعالم الإسلامي طيلة القرون الماضية. وهي في خضم تبينها لهذا المبدأ، عمدت إلى دمج الفكر الغربي السياسي الحديث بالتقاليد الإسلامية، كما رضعت من ثقافة جيلين من الفكر السياسي الإسلامي في الحقبة الأخيرة من عهد الدولة العثمانية، لم تر بالتالي تناقضاّ بين الحكم الإسلامي وبين المباديء الجمهورية والبرلمانية (ولاحقاً الديمقراطية والتعددية).
في المقابل، كانت الطبعة السعودية من الإسلام تقوم على الفكر السلفي اللاسياسي، الذي يُعطي قيصر السعودي السلطة السياسية، ويخوِّل آل الشيخ وأتباعهم التصرُّف بما لله: السلطة الدينية وأحوال الآخرة، شريطة ألا يتدخلوا بشؤون الدنيا.

- III -
هذا الشرخ الإديولوجي- السياسي  بين الطرفين ظل نائماً عقوداً طويلة بفعل عاملين إثنين:
الأول، زواج المصلحة الذي أبرمه الإخوان والسعوديون غداة بروز حركة القومية العربية العلمانية واليسارية منذ مطلع الخمسينيات بقيادة جمال عبد الناصر، والذي دفعهم إلى شن حرب مشتركة ضدها وهم يرفعون رايات الإسلام السياسي. وهكذا، وجد قادة الإخوان المصريين ملاذاً آمناً وخزينة مالية وفيرة لهم في المملكة، فيما اكتشفت فيهم هذه الأخيرة كنزاً  أحسنت استخدامه في حربها العامة ضد القومية العربية العلمانية.
والثاني، نجاح الرياض في احتواء الإخوان المسلمين غداة هزيمة حرب 1967، من خلال تحالفها مع الأنظمة الجديدة التي برزت في مصر (حسني مبارك) وسوريا (حافظ الأسد) وتونس (زين العابدين بن علي) والأردن (الملك حسين) والتي جهدت لإبقاء حركات الإخوان داخل القفص.
الأخوان المسلمون لم يردّوا مباشرة حين انتقلت علاقتهم مع السعودية من التحالف إلى الاحتواء. لكن بعض أجنحتم كانت تفعل ماهي أكثر بكثير من الرد: اختراق السلفية الوهابية نفسها.
حدث هذا أساساً في أفغانستان، حين قام القائد الإخواني البارز عبد الله عزام وبعده أيمن الظواهري بجذب المقاتلين السلفيين السعوديين، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، إلى إديولوجيا سيد قطب الجهادية، الأمر الذي خلق أزمة شرعية كبرى في المملكة طيلة حقبة التسعينيات أنحى فيها السعوديون باللائمة على "القطبيين والإخوانيين" كما أسموهم.
والآن، وبعد أن بات واضحاً أن الربيع العربي له قسمات إخوانية فاقعة في مصر وتونس والمغرب وسورية (والعد مستمر)، سيكون على القادة السعوديين مواجهة المقلب الآخر من التحدي الإخواني: الطبعة الليبرالية والديمقراطية المُفترضة من الإسلام.
فهل يؤدي ذلك إلى مجابهة جديدة بين جماعات الإخوان والمملكة، أم تنجح استراتيجية "شراء الخلافات نقداً" (ومعها شراء الوقت)؟

                                                                                          (غدا نتابع)

                                                                                                سعد