-
I -
هل بدأ العد العكسي لهبوط شعبية جماعة الإخوان المسلمين
في مصر؟
أجل. وثمة مؤشرات عدة على ذلك.
"الاسلام هو الحل" لم يعد كافيا (الصورة من غوغل" |
فالأخوان لم يبلوا بلاء حسناً في الانتخابات الطلابية
والمهنية الأخيرة، على عكس ما أنجزوه السنة الماضية. فهم خسروا معركة الاتحاد
الوطني للطلبة ونقابة الصحافيين، ولم يربحوا معركة الصيادلة إلا بفارق بسيط.
وفي الوقت نفسه، كانت شعبية الرئيس محمد مرسي تهوي من 80
في المئة إلى أقل من 50 في المئة خلال أشهر قليلة، فيما كان الكاتب الأميركي توماس
فريدمان يعكس خيبة أمل حليفة الأخوان الجديدة في الشرق الأوسط (أميركا) من الأداء
السياسي السيء للأخوان، مشيراً إلى أنهم
"ضيّعوا كل الفرص لبلورة إجماع وطني، وفضلوا عليها في كل حين الهيمنة على
السلطة".
هذه التطورات المتسارعة بدأت تفتح الأبواب على مصراعيها
أمام بروز نجم القوى اليسارية والليبرالية والعلمانية مجدداً في الساحة السياسية
المصرية.
لكن، هل هذه القوى مستعدة لاغتنام هذه الفرصة؟
لا يبدو، من أسف، أن الأمر كذلك. والسبب الرئيس لايعود
إلى مجرد تفكك المعارضة، أو تشرذمها، أو ضعف إمكاناتها التنظيمية والمالية (في
مقابل الثروات الضخمة للأخوان والسلفيين بفعل دعم بعض دول الخليج لهم واستثماراتهم
التجارية الكبيرة فيه)، بل على الأرجح إلى غياب الرؤية الاستراتيجية والتكتيكات
الصحيحة لديها. وهذا مايجعل هذه القوى تخوض دوماً مع الإخوان المعركة الخطأ، في
المكان الخطأ، وبالأسلوب الخطأ أيضا.
فالمعارضة، على سبيل المثال، لم تدرك بعد أن عقب أخيل
الأول والأخير للاخوان هو الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، لا السلطة السياسية، ولا
حتى الدستور. ولذلك هي لذلك لاتزال تخوض معاركها على أرض الأسلاميين لا على الأرض هي
حيث الأقوى: الوضع المعيشي، التنمية بدل النمو، العدالة الاجتماعية بدل اقتصادات
السوق المتوحشة، الفساد، البطالة.. ألخ، وفوق كل ذلك سياسة خارجية إخوانية قد تكون
أخطر من سياسة مبارك من حيث مدى التبعية للولايات المتحدة والرضوخ للمتطلبات
الإسرائيلية، ومن حيث مساسها بالسيادة الوطنية المصرية.
لا بل أكثر: قيام المعارضة بالعمل على إضعاف أو انهاك سلطة الإخوان سيفيد
هؤلاء إلى درجة لا تصدّق. لماذا؟ لأنهم حين سيفشلون اقتصاديا- اجتماعيا، سيكون في
مقدورهم ببساطة إنحاء اللائمة على المعارضة، بحجة أنها لم تمكنهم من تنفيذ برامجهم
الاصلاحية والاقتصادية والإدارية. سيقولون: نحن فشلنا لأن ثمة من أفشلنا. وطالما
أن برنامجنا يقوم على أن "الإسلام هو الحل"، فهذا يعني أن المعارضة هي
التي أفشلت الإسلام نفسه. وهذه حجة قوية في مجتمع مؤمن بغالببته الكاسحة.
-
II -
لو أن الأخطاء الاستراتيجية للمعارضة اليسارية
والليبرالية تتوقف هنا لهان الأمر قليلا. لكن ثمة ماقد يكون أدهى من ذلك بكثير.
فثمة أطياف معارضة عدة لاتتردد في التحالف، أو التنسيق، أو التواطؤ مع قوى النظام السابق، من قضاة فاسدين،
وإداريين أكثر فساداً، أو حتى مع بلطجية النظام السابق، لإضعاف الإخوان.
وأكبر وأخطر دليل على الأمر "الأدهى"، هو
السكوت المريب والغريب الذي لاذت به قوى المعارضة حيال الصفقة التي أبرمها الإخوان
مع المؤسسة العسكرية وثبتوها في متن الدستور، والتي حصّنت الجيش من أي مساءلة، كما
تركت نشاطه الاقتصادي (الذي يفوق نسبة الـ20 في المئة من إجمالي الاقتصاد المصري)
بدون حسيب أو رقيب.
لماذا فعلت المعارضة ذلك؟
لأنها تراهن على أن الجيش في مرحلة ما، قد يكون حليفها
في المعركة ضد الإخوان.
بيد أن هذا في الواقع خيار بائس، وهو أشبه بمن يجلب الدب
إلى كرمه لطرد أبناء آوى منه. فالجيش المصري لم يتحوّل بعد إلى مؤسسة تؤمن
بالديمقراطية وخضوع العسكر إلى سلطة المدنيين، بل هو نال كل مايريده من حصانة من
الأخوان ثم قبع ينتظر الفرصة السانحة لإعادة الإمساك أكثر بالسلطة السياسية، لا
لتلسيمها لـ"حلفائه" (...) اليساريين والليبراليين بل لكي يطبق هو عليها
مجددا. فالدولة العميقة في مصر لاتزال عميقة.
-
III -
رب متسائل هنا: أي استراتيجية كان يتعيّن على اليساريين والليبراليين
اعتمادها في خضم التمخضات والظروف المضطربة الراهنة التي يمر بها الأخوان هذه
الأيام؟
حسنا. الإجابة سهلة للغاية. كان عليهم أن يممّموا وجوههم
نحو أميركا اللاتينية التي حقَّق فيها الاشتراكيون الديمقراطيون واليساريون سيطرة
شبه كاملة على معظم دول القارة، عبر تزويجهم أولاً الاشتراكية إلى الديمقراطية،
وعبر الإنطلاق ثانياً من العمل المجتمعي من تحت إلى العمل السياسي من فوق، وأخيراً
عبر حشد الطبقات الوسطى والفقيرة وراء برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية
والإنسانية ورفض الرأسمالية المتوحشة (مايسمى "إجماع واشنطن") التي يسعى
صندوق النقد الدولي إلى فرضها على كل هذا العالم المتعولم، والتي يتبناها إخوان
مصر بحماسة، وإن مترددة.
أجل. الإخوان المسلمون في ورطة كبرى. لكن، إذا ماواصل
اليساريون والليبراليون مصارعة طواحين الهواء على نحو ما يفعلون الآن، ستبقى
الورطة، لكن الإخوان سينفدون بجلدهم منها ويحملون المسؤولية لهؤلاء الاخيرين.
مصر فعلاً في حاجة إلى مخططين ومفكرين استراتيجيين
يلتقطون جوهر التمخضات الراهنة في البلاد، ويوجهون سهم التاريخ اليساري والليبرالي
إلى حيث يجب أن يُوجَّه: إلى قلب ورطة الاخوان الاقتصادية.
سعد محيو
The Americano الإخوان المسلمين
ردحذف