-
I -
أشرنا بالأمس ("اليوم، غداً" 4-4-2013) إلى أن
نجاح الأتراك في وضع أكراد العراق وسورية وتركيا نفسها داخل منطقة نفوذ
"عثماني"جديد"، من شأنه أن يدشّن بالفعل "وليمة دولية" جديدة في الشرق الأوسط،
ومعها خرائط جديدة للمنطقة.
وسنقول اليوم لماذا.
الحصيلة الأولى لوضع شمال العراق الكردي في الفلك التركي
وتحت حمايته، ستكون الابتعاد الكامل لأربيل عن بغداد وارتباطها الكامل استراتيجياً
وعسكرياً واقتصادياً بأنقرة. وسواء أسفر هذا التحالف الجديد، في نهاية المطاف، عن
قيام دولة كردية مستقلة عن العراق وتابعة لتركيا، أو عن تبلور هذه الدولة من دون
إعلان رسمي في إطار عراق موحّد اسميا ومقسَّم عمليا، إلا أن النتيجة ستكون هي
نفسها: خريطة جديدة في بلاد النهرين، تكون رجع صدى شبه كامل لخرائط المقاطعات
العثمانية السابقة.
وما يجري، وسيجري أكثر، في شمال العراق، قد يتكرر في
شمال شرق سورية الكردي، حيث يتوقع أيضاً أن تنضوي هذه المنطقة إلى دائرة النفوذ
التركي إذا ما تفكك الكيان السياسي السوري على نحو كامل ، أو على نحو جزئي إذا ما
تم إنقاذ مايمكن انقاذه من هذا الكيان.
وهذا، إضافة إلى احتمال نجاح المفاوضات الراهنة بين
الأتراك وأكراد تركيا في التوصل ولو إلى اتفاق الحد الأدنى حول الحقوق القومية
الكردية، سيضع الورقة الكردية بإحكام في قبضة أنقرة، ومن ثم يطلق يديها لمواصلة
التهام ما ستوفره لها الوليمة الدولية الجديدة في الشرق الأوسط، خاصة في المناطق
السنّية في العراق وسوربة ولبنان .
-
II -
بيد أن تركيا لن تكون بالطبع الصيّاد الوحيد في هذا
السباق على الطرائد الشرق أوسطية. فإسرائيل حاضرة هي الأخرى بقوة، وهي ستعمل (بعد
المصالحة الأخيرة بين أردوغان ونتنتياهو) على تقاسم النفوذ مع تركيا في هذه
المناطق.
فتل أبيب تملك هي الأخرى وجوداً أمنياً واقتصادياً قوياً
منذ أمد بعيد في شمال العراق وبين العديد من الفصائل السياسية الكردية. كما قد تشكّل
في وقت ما الملاذ الوحيد لأي دولة علوية قد تقوم في سورية، لأن إيران لاتتحمل لا
إديولوجياً إسلامياً ولا اقتصادياً، إمكانية دعم هكذا دولة. وقل الأمر نفسه عن
دويلات درزية ومسيحية في سوريا ولبنان.
الأردن أيضاً سيكون له دور كبير في الوليمة الكبرى،
بوصفه الجزء الثالث من المحور التركي- الإسرائيلي- الاردني الذي أعادت جولة أوباما
الشرق أوسطية الأخيرة أحياءه.
لكن، كيف سيجري تقاسم الغنائم بين الأطراف الثلاثة؟
الأرجح أن المدخل إلى ذلك سيكون إقامة المناطق العازلة (Buffer Zones ) داخل الأراضي السورية، والتي
ستكون التمهيد الفعلي لإعادة رسم الخرائط.
الأردن يعمل بكثافة الآن على إقامة مثل هذه المنطقة بدعم
كامل من الولايات المتحدة في جنوب سورية. وإسرائيل تمهّد للأمر نفسه في الجولان.
وتركيا أعلنت منذ وقت بعيد أن خططها للمنطقة العازلة جاهزة وحاضرة للتطبيق. وحتى
العراق قد يفكّر هو الآخر في إقامة منطقة عازلة بهدف منع الاتصال بين سنّة العراق
وسنّة سورية.
كل هذه المناطق العازلة ستنضوي تحت شعار الحفاظ على
الأمن القومي لدول الجوار، وأيضاً لمنع الحريق السوري من التمدد إلى أراضي هذه
الدول. وهذا صحيح بالطبع، لكن الصحيح أيضاً أن الحصيلة الأخيرة لقيام مثل هذه
الملاذات الآمنة في طول سورية وعرضها، ستكون تقاسم النفوذ بين هذه الدول، وصولاً
ربما إلى تقسيم سورية نفسها.
-
III -
من قد يقف في وجه هكذا توجّه؟
هناك بالطبع قوى إقليمية مثل إيران وإلى حد ما السعودية.
فالأولى ستقاتل حتى النهاية للحصول على حصتها من هذه
الوليمة الكبرى. وهي تخوض الآن معارك طاحنة في سورية البحرين واليمن من أجل تحسين
أوراقها التفاوضية.
والثانية، السعودية، ستجهد هي الأخرى لتكون شريكة على
قدم المساواة مع المثلث التركي- الإسرائيلي- الأردني في تقاسم الغنائم، خاصة عبر
استعراض عضلاتها المالية في الحرب السورية.
بيد أن هذه الجهود الإيرانية والسعودية، والتي قد تتقاطع
مصالحها بالفعل في لحظة ما، لاتملك كبير فرصة للنجاح، لأن الأطراف الدولية الرئيسة
وهي أميركا وأوروبا تقف بقوة إلى جانب المثلث التركي- الإسرائيلي- الأردني، فيما
روسيا ستجد نفسها بعد حين مجبرة على التقارب مع الاتراك والإسرائيليين لأنهم
يملكون (حتى الآن على الأقل) معظم الأوراق الرابحة في هذا الصراع.
هل نسينا شيئاً ما هنا؟
كلا، إذا ماكان المقصود غياب الأطراف العربية عن كل هذا
المشهد. إذ أن العرب موجودون، وبقوة، ولكن على لائحة طعام الوليمة الكبرى!
سعد محيو
Perfect and all of that to contain Hesbullah and give Isrealthe Lead
ردحذف