للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إسرائيل وإيران. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إسرائيل وإيران. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 3 مارس 2015

نتنياهو وإيران: مصير الصهيونية برمته على المحك



(ينشر هذا المقال اليوم في موقع سويس انفو)

بنيامين نتنياهو على حق: زيارته الأخيرة إلى واشنطن وخطابه أمام مجلسي الكونغرس الاميركي، كانا  بحق "مصيريين وتاريخيين" وفق كل المعايير.
هما مصيريان، لأنهما دشنا معركة سياسية ضخمة بين الليكوديين الإسرائيليين والجمهوريين الأميركيين (شبّهها جون كيري بـ"مباراة كرة قدم سياسية كبرى") حول الاتفاق النووي مع إيران. معركة ينتظر أ ستستخدم فيها كل أنواع الاسلحة الفتاكة الاعلامية والاديولوجية وحنى الدينية.
خطاب نتنياهو أعلن رسمياً بدء هذه المعركة. لكن مجلس الشيوخ الجمهوري كان سبقه إلى تدشين هذه الحرب، حين صادق على مشروع قانون يتيح للكزنغرس "مراجعة أي إتفاق" مع إيران في غضون خمسة أيام من إبرامه. كما يمنع أوباما من إلغاء أو تجميد العقوبات التي أجازها الكونغرس على طهران لمدة ستين يوماً بعد التوصل إلى اتفاق. وكل هذه إجراءات رفضها الرئيس أوباما وأكد أنه سيستخدم حق النقض (الفتيو) ضدها. ثم أتبع ذلك بنشر مقابلة مع وكالة رويترز، عشية خطاب نتنياهو، شن فيها حملة عنيفة على هذا الأخير واتهمه بتجاوز البروتوكول بين الدول وباستخدام خطابه لخدمة معركته الانتخابية داخل إسرائيل.
أما تاريخية الزيارة والخطاب، فيكمنان في مكان بعيد يبتعد كثيراً عن "الحياة اليومية" للشرق الأوسط الراهن، ويتعلقان بالبون الذي بات شاسعاً بين إسرائيل والولايات المتحدة (أو على الأقل بين الليكوديين والبيت الابيض الديمقراطي) حيال هذا الاتفاق.
فإسرائيل تخشى أن تؤدي الصفقة النووية إلى مجرد تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية، مع إسباغ الشرعية الدولية على برنامجها النووي. وهذا سيقود في نهاية المطاف إلى كسر احتكار إسرائيل لسلاح يوم الآخرة (يقال أنها تملك 300 قنبلة نووية "في القبو") في الشرق الأوسط، وبالتالي إلى سقوط خط الدفاع العسكري الأخير عن الدولة العبرية. هذا في حين أن الولايات المتحدة لايهمها كثيراً في الواقع حتى لو امتلكت إيران للقنبلة، لانها قادرة في أية مجابهة على محو إيران عن وجه البسيطة في غضون 20 دقيقة لا أكثر.
مابعد النووي
البُعد النووي من الصراع موجود إذا. لكنه ليس في الواقع كل شيء. ماوراء هذا البُعد هو الأهم.
كيف؟
هنا، يقفز أمام أعيننا مباشرة المشهد التاريخي بجلاء. فتل أبيب تدرك أن إدارة أوباما تريد إبرام الاتفاق  بأي ثمن، ليس فقط لأن أول رئيس أميركي إفريقي يريد أن يختم ولايته بإنجاز دبلوماسي كبير في السياسة الخارجية، يقارع الانجاز الذي حققه الرئيس نيكسون في الستينيات حين أخرج الصين من الفلك الشيوعي وضمها بالتدريج إلى المملكة الرأسمالية، بل أولاً وأساساً لأن المؤسسة الاميركية تريد أن تكون الصفقة مع إيران بداية تحوّل استراتيجي كبير لتوجهاتها في الشرق الاوسط وقارة أوراسيا.
محور هذا التغيير: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بحيث تتمكن الولايات المتحدة من تخفيف أعبائها ومسؤولياتها فيها من دون المس بمصالحها الأساسية، ثم لنقل مركز الثقل في نشاطاتها إلى منطقة آسيا- الباسيفيك التي باتت عملياً، المركز التجاري والاقتصادي والعسكري الأول في العالم بدل أوروبا، وذلك للمرة الأولى منذ خمسة قرون.
وهذا يتطلب، من ضمن مايتطلب، الاعتراف بالادوار الإقليمية للعناصر الرئيسة في هذه المنطقة، والتي شكّلت كل أنظمة الشرق الأوسط السابقة في التاريخ: الإيرانيون والأتراك والعرب، وفي الدرجة الثانية اليهود والاكراد والمسيحيون وباقي الاقليات.
لكن هذا بالتحديد ماتخشاه إسرائيل، لأنه سيعني ببساطة تقويض النظام الإقليمي السابق الذي أقيم غداة الهزيمة العربية في حرب 1967، والذي رسّخ السيطرة شبه المطلقة لإسرائيل على نظام الشرق الأوسط برعاية أميركية ومباركة (آنذاك) من تركيا الاتاتوركية التي كانت تدير الظهر لكل ماهو شرقي، ومن إيران الشاهنشاهية التي قبلت أن تصدر قواعد نفوذها الإقليمي من تل أبيب وواشنطن، ومن مصر الساداتية التي وافقت على الانكفاء بعد معاهدة كامب ديفيد 1979 لصالح الهيمنة الإسرائيلية.

كل هذا الصرح، النووي والاستراتيجي، سيكون عرضة إلى الانهيار، في حال تم التوصل أواخر هذا الشهر إلى اتفاق بين القوى الخمس زائد واحد وبين إيران، ما سيؤدي في الواقع إلى تسديد ضربات قد تكون قاتلة للمشروع الإسرائيلي في حلّته الصهيونية، الذي استند بقضه وقضيضه إلى فكرة تفرّد الدولة العبرية بالتفوق العسكري والاستراتيجي والاقتصادي الاسرائيلي المطلق، في إطار "امبراطورية" حقيقية تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
وهذا ما قد يفسِّر جانباً من الهستيريا الحقيقية التي تنتاب العديد من الدوائر الحاكمة في إسرائيل. فما هو على المحك لايقل عن كونه تغيير كل البنية الاستراتيجية التي انبثق من ثناياها جل مشروع الدولة اليهودية العام 1948، لكن بخاصة العام 1967. كما أنه يفسّر أسباب عدم قدرة النخبة الحاكمة الاسرائيلية على ابتلاع فكرة الجلوس إلى طاولة واحدة على قدم المساواة مع القوى الإقليمية الإيرانية والتركية، التي تطالب الآن بحصة واضحة من الكعكة الشرق أوسطية. إذ أن ذلك سيقلص حجم الدولة العبرية إلى مجرد قزم ديموغرافي وسط عمالقة إقليميين.
إلى أين؟
لكن، ما آفاق هذه المعركة الكبرى؟
الاعتبارات كثيرة هنا، ومعها الأسئلة المحورية:
-       هل المؤسسة الاميركية منقسمة بشكل حاد بالفعل حيال مسألة إعادة ترتيب نظام الشرق الاوسط لتسهيل الانطلاقة الجديدة في رحاب آسيا- الباسيفيك، أم أن هذه مجرد مناورات جمهورية لاستعادة البيت الأبيض من الديمقراطيين؟. بكلمات أوضح: هل سيعمل أي رئيس جمهوري جديد على بث الروح مجددا في النظام الاقليمي الإسرائيلي – الاميركي، وإدارة الظهر للقوى الإقليمية الجديدة الصاعدة، على رغم أن ذلك قد يكلّف الولايات المتحدة غالياً ويضعها عملياً في مواجهة عالم إسلامي سبق لزبغنيو بريجينسكي أن حذّر (في كتابه "رؤية استراتيجية جديدة") من أنه قد يقوّض الزعامة الاميركية في العالم؟
-       وهل النخبة الإسرائيلية، بيمينها ويسارها، موحّدة حقاً وراء معركة "كسر العظم" التي يخوضها نتنياهو مع إدارة أوباما، أم أن تردد أجهزة المخابرات الإسرائيلية في دعم هذا الاخير مؤشر على وجود اتجاهات واقعية ما بينها؟
-       ثم: أين الحرس الثوري والقوى الإديولوجية الإيرانية المتطرفة من آفاق الصفقة المحتملة مع الغرب. هل سيقبل هؤلاء الثمن المؤكد الذي يجب أن يدفعونه مقابلها، وهو التخلي عن الثورة لصالح الدولة، وعن القرآن والإديولوجيا لصالح السوق الرأسمالي العالمي؟
هذه الأسئلة، وربما غيرها الكثير، ستطل برأسها خلال الايام والأسابيع القليلة المقبلة، وستكون إطلالتها حادة لأن ماهو في الميزان مصيري بالفعل، وتاريخي بالفعل، وسيعيد تركيب بنية الشرق الأوسط برمتها.


سعد محيو- بيروت

السبت، 24 نوفمبر 2012

استراتيجية عربية- إيرانية- تركية لمواجهة الامبراطورية الإسرائيلية؟




- I -
 تساءلنا بالأمس (راجع "اليوم،غدا" - 23-11-2012): هل يجب أن نستسلم لواقع استمرار سيطرة "الأمبراطورية الإسرائيلية" الكامل تقريباً على جداول أعمال الشرق الأوسط، على رغم  ما أحدثته ثورات الربيع العربي من تغييرات؟
ونقول اليوم لا، مستندين إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف الفرنسي بلاشار: إذا ما التشاؤم معرفة، فالتفاؤل إرادة.
بكلمات أخرى: إذا ما اعترفنا بواقع سيطرة  إسرائيل وهيمنتها على هذه المنطقة العربية- الإسلامية، وعلى قرب استكمال تحقيق مشروعها المئوي القديم بتقسيم كل دول المنطقة (ليس فقط العراق والسودان واليمن، واليوم سورية وربما غداً الأردن والسعودية، بل أيضاً تركيا وإيران)، إلا أن هذا لايجب أن يعني بالضرورة قبول هذا الواقع.
لكن، كيف يتم التصدي لهذا المشروع الزاحف الذي يسجّل الآن انتصارات في كل مكان؟
- II -
لقد حاولت الأنظمة العربية التقليدية وقف هذا المشروع في حرب 1948 وفشلت. ثم حاولت الأنظمة "الثورية" القومية العربية ذلك، فأصيبت بهزيمة مجلجلة في حرب 1967، وبنصر غير استراتيجي العام 1973تتوَّج بهزيمة سياسية مُروِّعة. وبعدها استلمت إيران الراية، وبدا لوهلة أنها أوقفت بالفعل تقدّم الامبراطورية الإسرائيلية، أولاً خلال حرب تحرير جنوب لبنان ثم في حرب 2006. لكن يتبيّن الآن أن هذا الجهد الإيراني كان محدوداً بشن حروب الواسطة (Proxy wars ) التي يبدو أنها وصلت إلى خواتيمها مع القرار 1701 في لبنان والآن مع "إتفاق التهدئة" في غزة.
دول الربيع العربي كانت المرشح الرابع لاستكمال عملية التصدي. لكن، بعد الأداء البراغماتي المصري المفاجىء في حرب غزة، والذي جاء طبق الأصل عن أداء نظام مبارك (في مجال الوساطة لصالح واشنطن وتل أبيب)، فقد تم إغلاق باب هذا الاحتمال حتى قبل أن يُفتح.
كل هذه المعطيات تفرض على كل نخب المنطقة وشعوبها البحث عن "أنموذج" ( Paradigm) فكري- استراتيجي جديد، ليس فقط لمواجهة الخطط الإسرائيلية، بل أيضاً لطرح تصوُّر جديد لمستقبل المنطقة.
والمقصود هنا بـ" الكل" هو الكل: أي النخب والشعوب العربية والإيرانية والتركية معا، وهذا لسبب مصلحي: طالما أن تل أبيب تستهدفهم جميعاً تفتيتاً وتقسيما وتدميرا، لامناص أمامهم من بلورة استراتيجية مشتركة باتت ممكنة الآن بعد أن سقطت فارسية الشاه في إيران، وأنهت تركيا عزلتها الأتاتوركية المديدة عن الشرق الأوسط، واستعادت الشعوب العربية حقها في المشاركة في القرار.
لكن، أي استراتيجية ممكنة التحقيق والنجاح، في ظل سيطرة إسرائيل على القرار الأميركي الشرق أوسطي، الذي يُسيطر بدوره على معظم قرارات المنطقة؟
إنها تلك التي لاتستطيع الولايات المتحدة رفضها صراحة، والتي تستند إلى دعامتين: دعامة التعاون والتكامل الاقتصاديين اللذان يسمحا بتخطي الفيتو الإسرائيلي على أي خطط إنتاجية- تكنولوجية في المنطقة؛ ودعامة أمنية تستند ليس إلى الدفاع المشترك (فهذا شبه مستحيل في الظروف الدولية الراهنة)، بل إلى "التطمينات الامنية المشتركة" بعدم التدخل في شوؤن الدول الأخرى.
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا التوجّه مجرد تفكير رغائبي غير قابل للتحقق.
 لكنه ليس كذلك.
فإيران الصفوية وتركيا العثمانية نجحتا في السابق في إنهاء حروب دموية بينهما، وأبرمتا "وقف إطلاق نار" دام قروناً عدة. وحين وصل الرئيسان رفسنجاني وخاتمي إلى السلطة في طهران، انقلبت الأمور رأساً على عقب في العلاقات الأيرانية- العربية وتحوّلت من المجابهة إلى التعاون (الاقتصادي كما الأمني).
فضلاً عن ذلك، قد لاتكون القنبلة النووية الإيرانية سيفاً مصلتاً على رقاب العرب والأتراك، بل فقط على رقبة إسرائيل، إذا ماخطا العرب والإيرانيون والأتراك الخطوة الأولى نحو التعاون الاقتصادي والأمني المقترح. لا بل أكثر: هذا التقارب بين الأمم الثلاث قادر على اقتلاع التشنجات الشيعية- السنّية من جذورها، طالما أن الجميع يتفق على القول أن هدف مثل هذه التوترات ليس حسم معركة انتهت قبل 1300 عام بين الإمام الحسين والأمويين، بل تحقيق مكاسب "دنيوية" وقومية واستراتيجية.
- III -
قد يقول قائل أن هذا الاقتراح يعتمد على الإرادة لا على المعطيات الموضوعية.
وهذا صحيح تماما. فالإرادة الذاتية هي المطلوبة هنا لمواجهة هذه الظروف الموضوعية.
وعلى أي حال، أليست الإرادة هي التفاؤل الذي يجب أن يتصدى.. لتشاؤم المعرفة؟

سعد



الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

لماذا يسير قطارا أوباما ونتنياهو في اتجاهين مُعاكسين حيال إيران ؟




- I  -
هل قررت إدارة أوباما شد "طفل أميركا المُدلل"، إسرائيل، من أُذُنه، على رغم المخاطر الجمَّة التي قد تنتج عن ذلك على صعيد الأصوات اليهودية الحاسمة، خاصة في فلوريدا وأوهايو، في الانتخابات الأميركية الوشيكة؟
يبدو أن الأمر كذلك.


فالرئيس أوباما قرر عدم استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حين يحط الرحال في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحجة أن أوباما لن يكون في نيويورك في ذلك الوقت. قد يجتمع الرجلان إذا ما طار نتنياهو إلى واشنطن، لكن الرسالة وصلت: أوباما لن يرضخ إلى الضغوط الهائلة التي يبذلها هذا الأخير لاستخراج وعد منه بضرب إيران عسكرياً غداة الانتخابات الأميركية.
وقبل هذه الرسالة الواضحة، كان ثمة رسالتين حتى أكثر وضوحا: الأولى، كانت تصريح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الذي رفض فيه طلب إسرائيل بتحديد "خطوط حمراء" حيال إيران، قائلاً أنه "سيكون لدى الولايات المتحدة سنة على الأقل قبل ضرب بلاد الفرس، في حال قررت هذه الأخيرة التحوّل إلى قوة نووية عسكرية". والثانية، جاءت من وزيرة الخارجية كلينتون التي قالت أن بلادها ترفض تحديد مواعيد نهائية لعملية التفاوض مع إيران.
لكن، لماذا اتخذت إدارة أوباما هذا الموقف الصلب، على رغم حاجتها الماسة إلى الأصوات اليهودية في انتخابات رئاسية  صعبة للغاية، يبدو فيها المنافس الجمهوري الأقدر على جذب هذه الأصوات اليهودية عبر دعمه العلني لطلب إسرائيل توجيه ضربة عسكريةإلى إيران؟
- II -
هنا، مع هذا السؤال، نجد أنفسنا أمام اللوحة الكاملة للمصالح القومية والاستراتيجية المتضاربة هذه الأيام بين هذين الحليفين التاريخيين .
فالدولة العبرية تُطل على مسألة امتلاك إيران للقنبلة ليس على أنها "تهديد وجودي" لأمنها، كما تقول، (فهي تعلم أن طهران لن تستخدمها، إلا إذا قررت الانتحار والعودة إلى العصر الحجري)، بل لأنها تعتبرها بداية النهاية لهيمنتها الإقليمية والاستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط.
حسابات تل أبيب كالتالي: إيران النووية ستنضم إلى تركيا العثمانية الجديدة ومصر الإخوانية في المطالبة بحصص ضخمة في النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد، الذي سيولد حتماً حيت يهدأ غبار الربيع العربي والصراعات الراهنة في المنطقة. ومع تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط بسبب كلٍ من حربي العراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية الاميركية الحادة، سيكون الوضع الاستراتيجي للدولة العبرية صعباً للغاية في هذا النظام الجديد، إلى درجة أنه قد يدفع الكثير من يهود إسرائيل إلى الهجرة والانضمام إلى أخوانهم يهود أميركا وأوروبا.
بيد أن حسابات الحقل الأميركي لاتتطابق مع حسابات البيدر الإسرائيلي. فإدارة أوباما ليست قلقة لا من القنبلة النووية الإيرانية (ولاحتى من مائة قنبلة) لأنها قادرة على مسح إيران برمتها من الوجود خلال عشرين دقيقة. ثم أنها واثقة كل الثقة (وهي على حق في ذلك) أن عملية الخنق الاقتصادي والسياسي التي تنفذها ضد إيران، ستعطي النتائج نفسها التي أفرزتها عملية الخنق المماثلة التي مارستها ضد موسكو السوفييتية وأدّت في خاتمة المطاف إلى انهيار الامبراطورية السوفيتية برمتها. ثم أن وجود إيران المشاغبة في حد ذاته، يمنح واشنطن كل الفرص لإحكام سيطرتها على الخليج العربي، ولمواصلة بيع صفقات أسلحة أميركية ضخمة لاتُستخدم، خاصة للسعودية والإمارات.
والأهم من هذا وذاك أن إدارة أوباما غير قادرة في هذه المرحلة على تمويل حرب إقليمية ستكون طاحنة حقاً ضد إيران. وهي تخشى على أي حال أن تصب مثل هذه الحرب في خانة دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا) التي تسعى من الآن إلى وراثة الامبراطورية الأميركية عبر خلق نظام عالمي جديد.
- III -
هذان الموقفان المتضاربان، يجعلان السياستين الأميركية والإسرائيلية تبدوان في هذه المرحلة وكأنهما قطاران يسيران في اتجاهات متعاكسة، ربما للمرة الأولى منذ حرب السويس ضد مصر العام 1956.
وهذا لايتعلّق بالإدارة الديمقراطية الراهنة وحدها، بل قد يشمل أيضاً حتى إدارة الجمهوري ميت رومني في حال فوزه في الانتخابات. إذ أن هذا الأخير سيتنصّل سريعا على الأرجح، وإن بالتدريج، من تعهداته لنتيناهو، لأن أميركا تحكمها المؤسسات (والمنظمات السرية العملاقة) ذات الحسابات الباردة، لا الأفراد من ذوي الرؤوس الحامية، على رغم كل الظواهر التي تشي بعكس ذلك.
وهذا سيترك نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مرٌّ: إما المغامرة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، بأمل جر الولايات المتحدة إلى مشروعه لتغيير موازين القوى وشيكة الولادة في الشرق الأوسط لصالحه، أو قبول الأمر الواقع الإقليمي الزاحف، والذي قد يحوّل إسرائيل إلى "دولة عادية" و"مسالمة" في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيفقد الصهيونية أهم ورقة للحفاظ على تماسك لُحمة المجتمع اليهودي الإسرائيلي: حالة الحرب الدائمة.
* * *
لقد شدّت إدارة أوباما بالفعل طفلها المدلل من أذنه. بقي أن ننتظر الطريقة التي سيرد بها هذا الطفل الذي أفسدته عقود من الدلال الأميركي المُطلق. فالدلال بحد ذاته يُفسد. لكن الدلال المطلق فساد مطلق، وقد يجر أحياناً إلى سلوك جنوني مُطبق.

                                                                        سعد


السبت، 18 أغسطس 2012

مسؤولون أميركيون يؤكدون: نتنياهو "يخنق" أوباما




      

أشرنا في عدد أمس من "اليوم، غداً" (17-8-2012) أن إسرائيل وإيران تؤديان رقصة خطرة على حافة الهاوية، وطرحنا احتمالين لأهداف طبول الحرب الراهنة التي تصم الآذان في إسرائيل:

استعدادات الحرب في إسرائيل (غوغل 

إما "عصر" إدارة بوش بالضغوط اليهودية الأميركية والإسرائيلية، وهي في خضم معركتها الانتخابية التي تُشل فيها سياستها الخارجية، بهدف نيل وعد رسمي ومحدد منها بضرب إيران بعد هذه الانتخابات. (روجر كوهن طلب في مقال في نيويورك تايمز من نتنياهو "الصبر" لأن أوباما سيضرب إيران لاحقا")
أو العمل، إذا ما فشل هذا السيناريو، على جر أميركا إلى الحرب بأن تقوم إسرائيل بضربة انفرادية، انطلاقاً من الرهان بأن من يريد أن يفوز بالبيت الأبيض لايستطيع أن يفعل ذلك فيما إسرائيل تتضرج بدمائها على يد "الأصوليين الإسلاميين".
"واشنطن بوست" نشرت اليوم السبت (18--2012) تقريراً مفصلاً مُعززاً بأراء مسؤولين وخبراء أميركيين، أوضحت فيه ان الهدف الرئيس لحكومة نتنياهو هو بالفعل الحصول على تعهد علني ورسمي من أوباما بأنه "سيضرب إيران عسكرياً في حال استمر فشل الجهود الدبلوماسية لحمل إيران عن التخلي عن برنامجها النووي العسكري".
في مايلي نص هذا التقرير الهام (من يريد ترجمة بالعربية للأفكار الرئيسة في المقال، الرجاء الا الأرجح أن القادة الإسرائيليين يستخدمون صليل السيوف الكثيف لأحد أمرين:
_______________
In Israel, speculation rises of pending attack on Iran’s nuclear facilities
By Anne Gearan and Karin Brulliard, Published: August 17
Preparations in Israel for a possible war are focusing new attention on whether Israel will attack Iran’s nuclear facilities and forcing an unwelcome debate in the thick of a presidential campaign about the U.S. role in stopping an Iranian bomb.
A flurry of public statements and anonymous quotes to the Israeli news media in the past week has raised speculation that an Israeli attack could come before the U.S. presidential election in November.
The government appears to be readying the country for war by issuing gas masks, building underground bomb shelters and testing an early-warning system for missiles. The outgoing Israeli home-front defense minister said he had worked to ensure that the nation was ready for a month-long war “on multiple fronts.”
On Friday, the atmosphere grew more heated with sharp comments from Iranian President Mahmoud Ahmadinejad, who called Israel’s existence an “insult to all humanity.”
Analysts in the United States and Israel are divided on whether the escalating war of words foreshadows an imminent attack on Iran’s nuclear facilities.
Some say that Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu is bluffing in hopes of forcing President Obama to issue an ultimatum to Iran that America would do the job itself later. Although Obama has declared flatly that the United States will not allow Iran to acquire a nuclear weapon, analysts suggest that Netanyahu is looking for a deadline on abandoning talks and resorting to military action.
Others argue that the Israeli leader appears to be laying the case for unilateral Israeli action over the objections of Washington and the majority of Israeli public opinion. This view holds that Netanyahu thinks he cannot rely on Obama for help now or later, and that he cannot afford to wait for a friendlier Mitt Romney administration to back him up or do the bombing itself.
A new war in the Middle East would be deeply unpopular among American voters. Even talk of an imminent conflict with Iran could spike gas prices and unsettle the financial markets, possibly worsening the already standstill economy weeks before the November election.
The White House has tried to say as little as possible about the prospect of an Israeli strike or what it might do if talks over Iran’s disputed nuclear program — now at an impasse — fall apart.
The Israelis are using the leverage of the U.S. presidential election to seek an explicit statement from Obama that the United States would launch its own attack as early as next year if the talks collapse, analysts and former officials in both the United States and Israel said.
“They are aiming for a specific thing,” said Georgetown University scholar Colin Kahl, formerly the Obama administration’s top Pentagon policy adviser on the Middle East. “They may be trying to push the Obama administration into a much greater declaration of red lines, an even more declarative statement about the use of force.”
Asher Susser of Tel Aviv University’s Center for Middle Eastern Studies agreed, saying, “If the United States makes such a statement, that would allow the Israelis to relax somewhat.”
Even if the timing is hazy, it’s clear that some in the Israeli government do not think they can delay.
“We can’t wait to find out one morning that we relied on the Americans but were fooled because the Americans didn’t act in the end,” an unnamed Israeli official told the left-leaning daily newspaper Haaretz last week. The official is widely believed by analysts in Israel to be Defense Minister Ehud Barak.
Israeli capabilities are at the heart of the debate over a military strike. Israeli leaders are concerned that Iran will use more time to move its critical nuclear facilities out of reach of Israel’s arsenal. That would leave only the United States with the unquestioned ability to destroy deeply buried Iranian facilities.
U.S. officials say Israeli leaders are sincere about the need to act quickly, but they said they do not think Netanyahu has made the decision to strike. Rather, the Israeli leader is trying to pressure the United States.
“They are deadly serious, as is the president, about the need to prevent Iran from getting a nuclear weapon,” a senior U.S. official said. “But there has been far too much talking — background leaks and fabrications — that hurt the cause.”
The official spoke on the condition of anonymity to discuss sensitive diplomacy.
Obama has already issued the strongest U.S. threat against Iran to date, declaring that the United States will not tolerate an Iranian nuclear weapon and ruling out a policy of containment. He has vowed to use “all options” if need be, but he has not set a deadline.
Former Israeli national security adviser Uzi Dayan, who met with Netanyahu last week, said Israeli leaders don’t doubt Obama’s pledge to prevent a nuclear Iran. But, he said, they “ask themselves whether the Americans are really determined.”
The United States opposes a unilateral Israeli strike now, arguing that there is still time for sanctions and negotiations to persuade Iran not to build a nuclear weapon.
Dayan said there is a sense that an American commitment made after the election would carry less weight. “Everyone understands that it has an impact,” he said. “You can’t make promises on the other side of midnight.”
A U.N. nuclear watchdog report due out soon is expected to provide evidence of further progress by Iran in expanding its underground uranium enrichment facility known as Fordow, Western diplomats familiar with the United Nations’ work said.
Built into the side of a mountain and immune from all but the most advanced munitions, Fordow already contains hundreds of working centrifuges for producing low-enriched uranium, the fuel used in nuclear power plants.
Since its nuclear program was exposed a decade ago, Iran has claimed that its objective is to produce electricity, not weapons. But the United States and its allies have maintained that the real goal is the capacity to build a nuclear weapon.
Brulliard reported from Jerusalem. Joby Warrick contributed to this report.
              ___________________________________________

الجمعة، 17 أغسطس 2012

إسرائيل- إيران: رقصة خطرة على حافة الهاوية


  




- I -
هل قررت إسرائيل فعلاً شن "هجوم وقائي" على إيران؟
طبول الحرب في تل أبيب تكاد تصم الآذان، ومعها التصريحات النارية للوزراء الإسرائيليين حول تفاصيل هذه الحرب، ومدّتها(حددوها بثلاثين يوماً)، ومداها (ستشمل إلى إيران وإسرائيل، لبنان وغزة وربما سورية). كما معها أيضاً توزيع الأقنعة الواقية من الغازات، والتدريبات على القصف الصاروخي، وإعادة تشكيل قيادة الجبهة الداخلية.

)
(خطة ضرب إيران (عن غوغل  


- II-
لكن، إلى جانب هذه الطبول الجامحة، هناك تلك الأصوات الخافتة في كل من تل أبيب وواشنطن التي تقول أن كل مايجري هو "بلف ببلف"، وأن نتنياهو وأركان حربه لم يصلوا بعد إلى درجة الجنون التي تدفعهم إلى زج الدولة اليهودية منفردة في حرب قد تفتح في وجهها أبواب جهنم إقليمية.
بعض قسمات هذه الجهنم  طرحها باسهاب اليوم الكاتب في "نيويورك تايمز" روجر كوهن كالتالي: أي ضربة إسرائيلية منفردة ضد إيران ستكون كارثية: فهي ستوحِّد الإيرانيين، وتعزز الأسد المتهاوي، وتطلق النزعات الراديكالية في العالم الإسلامي الذي يمر في مرحلة انتقالية دقيقة، وتشعل حزب الله على الحدود اللبنانية، وتعزز حماس، وتفرض تهديدات على القوات الأميركية في المنطقة، وتؤجج الإرهاب، وترفع أسعار النفط إلى عنان السماء، وتقوّض الاقتصاد العالمي الضعيف، وتتسبب ربما في حرب إقليمية، وتُنقذ إيران من العقوبات الكاسحة، وتضيف روح الانتقام الفارسية من اليهود إلى روح الانتقام العربية. وفوق كل كذلك، الضربة لن تؤخر البرنامج النووي الإيراني سوى لبضع سنوات، هذا إذا لم تسرِّعه.
بالطبع، قادة إسرائيل يعرفون كل هذه المعطيات الكارثية، لكنهم يحاججون، كما كانوا يفعلون طيلة السنوات العشرين الماضية، أنهم يعتبرون إيران النووية تهديداً وجودياً للكيان اليهودي يوازي كل هذه المخاطر مجتمعة.. لكنهم يضيفون إليه الآن الفكرة بأنه الحل الدبلوماسي فشل، وأنه لم يعد هناك وقت قبل امتلاك طهران للقنبلة.
والحصيلة؟
فلينطلق كل الطيارين الإسرائيليين إلى المقاتلات والقاذفات، كما فعلوا من قبل  حين قصفوا بنجاح المفاعلين النووين العراقي والسوري.
هذا المنطق يعني، بكلمات أخرى، أن السايكولوجيا (وهي هنا الخوف) أهم من الاستراتيجيا في العقل الإسرائيلي (وهي هنا حسابات الربح والخسارة). وهذه السايكولوجيا هي التي تدفع إلى قرع طبول الحرب الآن.

- III -
منطق مقنع؟
أجل، لكن ليس كثيرا. إذ مهما بلغ الجنون السايكولوجي مبلغه في تل أبيب، فهو لن يصل إلى درجة الاعتقاد بامكانية النصر في حرب منفردة مع إيران. وبالتالي، الأرجح أن القادة الإسرائيليين يستخدمون صليل السيوف الكثيف لأحد أمرين:
إما لـ"عصر" الولايات المتحدة بالضغوط اليهودية الأميركية والإسرائيلية، وهي في خضم معركتها الانتخابية التي تُشل فيها سياستها الخارجية، بهدف نيل وعد رسمي ومحدد منها بضرب إيران بعد هذه الانتخابات. (كوهن طلب في مقاله من كوهن "الصبر" لأن أوباما سيضرب إيران لاحقا)
أو بالعمل، إذا ما فشل هذا السيناريو، على جر أميركا إلى الحرب بأن تقوم إسرائيل بضربة انفرادية، انطلاقاً من الرهان بأن من يريد أن يفوز بالبيت الأبيض لايستطيع أن يفعل ذلك فيما إسرائيل تتخبط بدمائها على يد الأصوليين الإسلاميين.
الأولوية بالطبع هي للخيار الأول. لكن، لكي يتعزز هذا الخيار، يجب اللعب بشكل خطر على حافة الهاوية. وهنا مكمن الخطر.
إذ في أي لحظة، قد تنقلب تمثيلية البلف إلى حقيقة، خاصة وأن "محور الممناعة" الإيراني- السوري لايرغب بأي شيء هذه الأيام أكثر من فتح الجبهات مع إسرائيل.
ومن لايصدّق، فليستمع إلى تهديدات أيه الله خامنئي والرئيس الأسد هذه الأيام.

                                                                                سعد