للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاردن. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاردن. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 3 ديسمبر 2012

هل بدأت شرعية مَلَِكيَات الخليج تتآكل؟

 
ما لم تُغيِّر الملكيات العربية نهجها الراهن، ستجد أن شرعيتها التي بنتها منذ قرون عدة في مهب الريح، وسيكون حاضر أسرة آل خليفة في البحرين هو مستقبلها القريب.

-I-
"خلاصة وحيدة يمكن أن يخرج بها المرء من الطريقة التي تتعاطى بها معظم الملكيات العربية مع مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي، وهي أنها ستؤدي إلى تآكل شرعية هذه الأنظمة بالتدريج، ولكن بثبات".
هذا كان تعليق دبلوماسي غربي بارز التقى به كاتب هذه السطور مؤخراً في بيروت، وكان قد عاد لتوه من جولة شملت الأردن والمغرب وبعض دول الخليج.
وحين سئل الدبلوماسي عن السبب، أجاب بلاتردد:" لأن الأنظمة الملكية (ماعدا النظام المغربي) لاتزال تستعمل أدوات التحليل القديمة لفهم التطوارت الجديدة. وهذه مسألة في غاية الخطورة، لأنها تمنع الحكام من إدراك ثلاثة أمور دفعة واحدة:
الأول، التغيرات العميقة التي طرأت على إطلالة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على مستقبل الشرق الأوسط، حيث انتقلت من التركيز على التحالف مع الدول والأنظمة إلى الرهان على المجتمعات المدنية.
والثاني، هو ثورات الربيع العربي التي غيّرت كل معادلات الصراع داخل الدول العربية.
والثالث  هي التحولات العميقة التي طرأت على مجتمعات الملكيات العربية، من تحديث اقتصادي واجتماعي، وانتشار للتعليم العالي، وقفزة هائلة في انفتاح المواطنين فيها على ثورة المعلومات وأدوات التواصل الاجتماعي. وكل هذا جعل شعوب الأنظمة الملكية ظمأى إلى مايتعدى الخبز: الحرية والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالثروة النفطية والسلطة.
 -II-
هل استنتاجات الدبلوماسي في محلها؟
أجل. وهذا واضح من خلال مايجري الآن في هذه الملكيات.
فحكم أسرة الصباح في الكويت شهد انتكاسة شرعية حقيقية في الانتخابات التي انتهت أمس، ليس فقط بسبب تدني نسبة المقترعين إلى أدنى مستوياتها في تاريخ البلاد (الحكومة تقول أن النسبة كانت 3،40 في المئة، لكن المعارضة تؤكد أنه  لم تتجاوز الـ7،26 في المئة)، بل لأن آل الصباح لم يتمكنوا بهذه الانتخابات من وضع حد للأزمة السياسية والدستورية الطاحنة.
وهكذا، سيحكم الآن آل الصباح بنصف شرعية، وستتولى المعارضة الإسلامية والليبرالية النصف الآخر في الشارع، الأمر الذي قد يدفع البلاد إلى أخطر أزماتها الوجودية منذ 50 عاما.
وفي النظام الملكي الأردني يتكرر المشهد نفسه: النظام يضرب عرض الحائط بكل المطالب الديمقراطية التي يصدح بها الأردنيون منذ 20 شهراً، ويقرر (كما حكام الكويت) إجراء انتخابات في آخر هذه السنة ستقاطعها المعارضة ولن يحصد منها الملك سوى المزيد من تضعضع سلطته من تحت كما من فوق.
وفي البحرين، بات واضحاً أن كل الإجراءات العسكرية والأمنية، الداخلية والخارجية، التي طبقتها السلطة، فشلت في مساعدتها على استعادة هيبتها، ولم تنجح سوى في جعل "شرعية القوة" هي المدخل الوحيد (والمستحيل) لإنهاء الانتفاضة الشعبية. وهذا خلق معادلة جديدة وخطيرة في البحرين، حيث النظام الملكي في أزمة دائمة والشعب في ثورة دائمة.
وفي دولة الإمارات، التي شهدت في الآونة الأخيرة حملة اعتقالات واسعة لمجرد مطالبة ناشطين بإجراء انتخابات مباشرة وتوسيع صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي، لايتوقع أن تؤدي وعود الشيخ خليفة رئيس الدولة بـ"التحرُّك نحو التوسيع التدريجي للمشاركة الشعبية في صنع القرار" إلى تهدئة خواطر الإصلاحيين، لأنه ربط ذلك بـ"الوصول إلى نظام سياسية يعكس طبيعة المجتمع". وهي فقرة فسّرتها "فايننشال تايمز بأنها تعني أن الديمقراطية "غير ملائمة للإمارات وباقي دول الخليج".
وفي قطر، وعلى رغم ثروة البلاد الهائلة وقلة عدد السكان الهائلة أيضاً، إلا أنه يتوقع أن تتعالى قريباً الأصوات الشعبية المطالبة لآل ثاني بنقل حماستهم للربيع الديمقراطي في الخارج إلى حماسة مماثلة في الداخل.
أما في السعودية، فالأرجح أن تكون رياح التغيير مع موعد جديد، حين يحين أوان تغيير الحرس القديم في رأس هرم السلطة، بسبب الخلافات العميقة داخل الأسرة على كلٍ من رؤية المستقبل وعلى مسألة تقاسم النفوذ والثروة.
-III-

صديقنا الدبلوماسي، إذاً، على حق: فما لم تتحرك الأنظمة الملكية لتحذو حذو النظام المغربي في مجال توسيع المشاركة الشعبية، ستضع نفسها قريباً في مواجهة تيارات خارجية وداخلية لن تقوى على الوقوف في وجهها.
وحينها، ستجد شرعيتها التي بنتها منذ قرون عدة في مهب الريح، وسيكون حاضر أسرة آل خليفة في البحرين هي مستقبلها. مستقبلها القريب على مايبدو.

سعد




الأحد، 2 ديسمبر 2012

هل اتُّخِذ قرار تقويض المَلَكِية الأردنية؟




- I -
قبل أشهر قليلة، سرّبت مصادر النظام السوري معلومات على أنصارها في لبنان، مفادها أن الإدارة الأميركية قررت (على جري عادتها الجديدة في الشرق الأوسط) تسليم السلطة في الأردن إلى الأخوان المسلمين، وأن هذا البلد سيشهد قريباً "تطورات جسيمة".

الملك عبد الله: "مؤامرة أميركية"؟- الصورة من غوغل

وبعدها بفترة قصيرة، كانت الملكة الأردنية رانيا تتصل بصديقتها أسمى الأسد، زوجة الرئيس السوري، لـ "الاطمئنان" غلى الأوضاع في سورية. لكنها فوجئت بأسمى تقول لها:" الأولى أن تطمئنوا أنتم على أوضاعكم في الأردن". وهكذا، جاءت معلومات المصادر لتتطابق مع رد فعل قرينة الرئيس.
فهل يعني ذلك أن النظام الملكي الأردني بات في خطر؟ أم أن المسألة تتعلّق فقط بالملك عبد الله الثاني دون المَلَكٍية؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، لماذا وصلت الأمور إلى هذا المستوى الخطير من التساؤلات للمرة الأولى منذ تأسيس دولة الأردن العام 1921 تحت مسمى "إمارة شرق الأردن"، قبل أن تتحول لاحقاً إلى المملكة الأردنية الهاشمية العام 1946.
المراقبون الذي تابعوا الحيثيات الدولية التي رافقت حرب غزة-2 الأخيرة، توقفوا ملياً أمام الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في هذه الحرب، وتساءلوا:  لماذا هذا الموقف الصارم الذي اتخذته واشنطن، على رغم أنها تعلم أن هذه الحرب، والتي يفترض أنها تجري في مناخات جديدة في الشرق الأوسط، قد تؤثّر بقوة على نفوذها في عواصم الربيع العربي وشعوبه ؟
لم يبد آنذاك أن هناك سوى تفسير مقنع واحد: ثمة مايشي بأن ثمة صفقة ما أبرمت بين واشنطن وتل ابيب، تسمح فيها الأولى للثانية بمحاولة ترتيب أوضاعها الأمنية والاستراتيجية في "امبراطوريتها الصغيرة" في الهلال الخصيب (أي غزة والضفة، والأردن، ولبنان وسورية) والحد من النفوذ والسلاح الإيراني فيها، في مقابل وضع الحرب العسكرية مع طهران على الرف ومنح الحرب الاقتصادية الأميركية والغربية عليها، والتي تبدو ناجحة حتى الآن، فرصة النضوج والإثمار.
إذا ماكانت هذه الفرضية صحيحة، والأرجح أنها كذلك، سيكون علينا التطلُّع إلى ماهو أكبر وأبعد حتى من العملية العسكرية الإسرائيلية الكبيرة التي جرت في غزة. وهذا يفترض أن يشمل في وقت ما ليس فقط صواريخ حزب الله في لبنان، بصفتها الامتداد الأبرز للنفوذ الإيراني في الشرق الأدنى، بل أولاً وأساساً الأردن التي باتت الحركة الإسلامية فيه بقيادة جماعة الإخوان المسلمين تشكّل بقوتها الاعتراضية الجديدة امتدادا طبيعياً لحركة حماس في غزة.
السيناريو الذي يطرحه المحللون (ليس الآن مع اندلاع الاضطرابات في الأردن، بل حتى قبل أشهر عدة) هو أن تساعد الولايات المتحدة وإسرائيل على تقويض العرش الهاشمي وتسليم السلطة، ربما بعد حرب أهلية فلسطينية- شرق أردنية، إلى الإسلاميين. وحينها ستُفتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها أمام تنفيذ الشعار الأسرائيلي القديم: الأردن هو الدولة الفلسطينية.
هذا السيناريو لايتطلب إنهاء حكم حماس في غزة، بل ربما كان العكس صحيحا، حيث أن وجود هذه الحركة الإسلامية سيكرّس أمرين واقعين في آن: استمرار انفصال الضفة الغربية عن القطاع، وبالتالي تسهيل مواصلة ابتلاع الضفة من قّبِل إسرائيل تحت مسميات مختلفة، وفي الوقت نفسه ربط غزة سياسياً وإديولوجيا بالأردن الجديد.
- II -
هل تبدو هذه السيناريوهات مغالية في تكهناتها؟
ربما.
لكن، لا يجب أن ننسى هنا أمرين:
الأول، أن الصراع الإيراني- الإسرائيلي على النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في الشرق الأدنى الذي هو "الحديقة الخلفية" للامبراطورية الإسرائيلية، هو صراع دموي وحاد وشامل. وكذا الأمر بالنسبة للصراع الإيراني- السعودي.
والثاني، أن إسرائيل، وعلى عكس كل الانطباعات عن تغيّر مناخات المنطقة بعد ثورات الربيع العربي لغير صالحها، تعتقد أن مصر المُنهكة اقتصاديا واجتماعيا، وسورية المُمزَّقة بالحرب الاهلية، والعراق المقسَّم عمليا، يوفّر لها فرصاً استراتيجية نادرة لإعادة تركيز وتثبيت امبراطوريتها الصغيرة في الشرق الأدنى، في انتظار إسقاط الثمرة الإيرانية في الشرق الأوسط الكبير.
وفي مايتعلق بالأردن، جاءت المواقف الأميركية الأخيرة لتصب الكثير من الزيت الواقعي  على هذه الافتراضات النظرية.
ففي تصريح مفاجىء في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أثار مساعد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر الرعب، والغضب، في البلاط الملكي الأردني، حين أعلن أن ثمة "ظمأً للتغيير" في الأردن، وأن للشعب الأردني "مشاغل اقتصادية وسياسية"، وأيضاً "تطلعات".
هذا التصريح دفع مسؤولين أردنيين إلى الحديث في مجالسهم الخاصة عن "مؤامرة تقودها الولايات المتحدة" لإطاحة نظام الملك عبد الله. إذ هم اعتبروا الحديث عن "الظمأ إلى التغيير" بمثابة ضوء أخضر من الولايات المتحدة إلى أعداء الملك عبد الله لمضاعفة جهودهم الهادفة إلى إطاحة الملكية، خاصة وأن واشنطن لم تشر بشيء إلى الهجمات التي تعرّض إليها العديد من المكاتب والمنشآت الحكومية الأردنية والتي جًرِح فيها العشرات من قوات الأمن، ولا إلى الشعارات التي أُطلقت في المظاهرات والتي تطالب باسقاط الملك عبد الله نفسه.
بيد أن شكاوى المسؤولين الأردنيين لم تتوقف هنا، إذ هم تساءلوا أيضاً: ما سر المواقف الخليجية، أساساً القطرية والسعودية، مما يجري في بلادهم، ولماذا لم تفِ هذه الدول بوعود الدعم المالي لهم؟
بعض المسؤولين فسّر هذا الموقف بأنه بمثابة عقاب للأردن لرفضه الانغماس في عملية دعم المعارضة السورية وإطاحة الرئيس الأسد. لكن رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حين حذّر الخليجيين من أن دعمهم للإسلاميين في بلاده سيجعل من انظمتهم الهدف الثاني لهؤلاء.
فهل كان النسور يشير بذلك إلى أن الأنظمة الخليجية انضمت إلى "المؤامرة الأميركية" للإطاحة بالملك عبد الله؟ وإذا ما كان الأمر على هذا النحو، هل يعني ذلك أيضاً أن الخليجيين يوافقون على المشروع الإسرائيلي لتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية، ليكون بذلك "ثالث دولة فلسطينية " بعد غزة والضفة الغربية، فتوضع بذلك القضية الفلسطينية، كقضية عربية وإسلامية، في ثلاجة انتظار تاريخية طويلة الأمد؟
- III -
كما أسلفنا، هذه المحصلات المتعلقة بربط تطورات الأردن الداخلية بالسياقات الإقليمية والدولية العامة، لاتزال افتراضات نظرية.
لكن هنا يجب تذكُّر أمر مهم: التمخضات والتغيرات العنيفة التي يشهدها الشرق الأوسط هذه الأيام، لاتقتصر على تغيير الأنظمة، بل تتضمن أيضاً التغيير الفعلي للخرائط (نماذج السودان والعراق واليمن، وربما قريباً سورية وغيرها).
والأردن، وبسبب روابطه الوثيقة والمصيرية بالفلسطينيين والقضية الفلسطينية، قد لايكون بالضرورة استثناء في هذه القاعدة الجديدة في الشرق الأوسط.

سعد







                                                                       





الأحد، 18 نوفمبر 2012

ما بعد بعد غزة: الأردن ولبنان وسورية!






العديد من المحللين العرب يعتقدون أن الربيع العربي غيّر اللوحة الاستراتيجية لغير صالح تل أبيب، لكن الإسرائيليين يرون العكس:  صحيح أن الفرصة سانحة لتغيير هذه اللوحة، ولكن لصالحهم هم في غزة والأردن ولبنان وسورية.

- I -

لا أحد يشك بالطبع أن إدارة أوباما تدعم، وبقوة، حرب غزة-2 التي تشنّها إسرائيل هذه الأيام. وهذا على أعلى المستويات.
فالرئيس أوباما نفسه أعلن أن "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". وبن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي رافق أوبما في الطائرة التي أقلته إلى آسيا، أعلن أن الإسرائيليين "تحملوا كثيراً كثيراً هذه الصواريخ ولفترة طويلة للغاية من الزمن". وكل هذا كان بمثابة ضوء أخضر أميركي باهر لتل أبيب كي تواصل حربها الجديدة على القطاع، على رغم الضجيج الدبلوماسي المصري والتركي والقطري الراهن.
لكن، لماذا هذا الموقف الصارم الذي تتخذه واشنطن، على رغم أنها تعلم أن هذه الحرب، والتي يفترض أنها تجري في مناخات جديدة في الشرق الأوسط، قد تؤثّر بقوة على نفوذها في عواصم الربيع العربي وشعوبه ؟
- II -
لايبدو أن هناك سوى تفسير مقنع واحد: ثمة مايشي بأن هناك صفقة ما بين واشنطن وتل ابيب، تسمح فيها الأولى للثانية بمحاولة ترتيب أوضاعها الأمنية والاستراتيجية في "امبراطوريتها الصغيرة" في الهلال الخصيب (أي غزة والضفة، والأردن، ولبنان وسورية) وإنهاء النفوذ والسلاح الإيراني فيها، في مقابل وضع الحرب العسكرية مع طهران على الرف ومنح الحرب الاقتصادية الأميركية والغربية عليها، والتي تبدو ناجحة حتى الآن، فرصة النضوج والإثمار.
إذا ماكانت هذه الفرضية صحيحة، والأرجح أنها كذلك، سيكون علينا التطلُّع إلى ماهو أكبر وأبعد حتى من العملية العسكرية الإسرائيلية الكبيرة في غزة. وهذا يفترض أن يشمل في وقت ما ليس فقط صواريخ حزب الله في لبنان، بصفتها الامتداد الأبرز للنفوذ الإيراني في الشرق الأدنى، بل أيضاً الأردن التي باتت الحركة الإسلامية فيه بقيادة جماعة الإخوان المسلمين تشكّل بقوتها الاعتراضية الجديدة امتدادا طبيعياً لحركة حماس في غزة.
السيناريو الذي يطرحه المحللون (ليس الآن مع اندلاع الاضطرابات في الأردن، بل حتى قبل أشهر عدة) هو أن تساعد الولايات المتحدة وإسرائيل على تقويض العرش الهاشمي وتسليم السلطة، ربما بعد حرب أهلية فلسطينية- شرق أردنية، إلى الإسلاميين. وحينها ستفتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها أمام تنفيذ الشعار الأسرائيلي القديم: الأردن هو الدولة الفلسطينية.
هذا السيناريو لايتطلب إنهاء حكم حماس في غزة، بل ربما كان العكس صحيحا، حيث أن وجود هذه الحركة الإسلامية سيكرّس أمرين في آن: استمرار انفصال الضفة الغربية عن القطاع، وبالتالي تسهيل مواصلة ابتلاع الضفة من قّبِل إسرائيل تحت مسميات مختلفة، وفي الوقت نفسه ربط غزة سياسياً وإديولوجيا بالأردن الجديد.
أما سورية، فالأمور الأميركية تجري فيها كما تشتهي السفن الإسرائيلية، حيث أن الدعم الإسرائيلي المستمر لنظام الرئيس الأسد، وأيضاً للحرب الأهلية فيها، لايزال يمنع واشنطن من الأفصاح عن دعمها للمعارضة السورية قبل أن تضمن أمن الدولة العبرية أولا.
- III -
هل تبدو هذه السيناريوهات مغالية في تكهناتها؟
ربما.
لكن، لا يجب أن ننسى هنا أمرين:
الأول، أن الصراع الإيراني- الإسرائيلي على النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في شطره الأدنى الذي هو "الحديقة الخلفية" للامبراطورية الإسرائيلية، هو صراع دموي وحاد وشامل.
والثاني، أن إسرائيل، وعلى عكس كل الانطباعات عن تغيّر مناخات المنطقة بعد ثورات الربيع العربي لغير صالحها، تعتقد أن مصر المُنهكة اقتصاديا واجتماعيا، وسورية المُمزَّقة بالحرب الاهلية، والعراق المقسَّم عمليا، يوفّر لها فرصاً استراتيجية نادرة لإعادة تركيز وتثبيت امبراطوريتها الصغيرة في الشرق الأدنى، في انتظار إسقاط الثمرة الإيرانية في الشرق الأوسط الكبير.
وهذه اعتقادات جدّية يجب وضعها في الاعتبار.

سعد


الجمعة، 5 أكتوبر 2012

هل دخل الأردن مرحلة خطرة؟



تشابك مشكلة الإصلاح السياسي مع الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، يخلق كوكتيلاً قد يثبت عما قريب أنه متفجِّر.
- I -
هل مانسمع الآن هو أجراس إنذار تُنذر بمرحلة دقيقة وخطرة في المملكة الهاشمية؟
أجل، ولسبب بسيط ومُقنع: أزمة الإصلاحات السياسية بدأت تتقاطع بشكل ملتهب مع أزمة أخرى لاتقل خطورة: تفاقم المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية الصعبة في البلاد. وهذا مايخلق الآن كوكتيلاً خطراً، وربما متفجراً، في حال سخُِّرت الأزمة الاقتصادية لخدمة الاهداف السياسية.
سنأتي إلى الأزمة الأولى (الإصلاح السياسي) بعد قليل. لكن قبل ذلك لابد من التوقف أمام الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية لنقول أنها باتت تشكّل في الأونة الأخيرة تحدياً ربما يكون أخطر من التظاهرات التي انطلقت اليوم في عمان طلباً للإصلاحات.
فالبطالة مرتفعة للغاية، وكذا التضخم، والعجز في الموازنة. والسلطات الأردنية واقعة بين فكي كماشة غاية في التعقيد: فهي مضطرة إلى تقليص معدلات دعم الوقود والمواد الغذائية بهدف تقليص الضغوط الهائلة على الموازنة، وكتلبية لشروط صندوق النقد الدولي التي وضعها في هذا الصدد مقابل منح الأردن قرضاً تسهيلياً بقيمة ملياري دولار. لكنها إذا مافعلت، قد تواجه انتفاضات شعبية تفيد منها جماعة الإخوان المسلمين حتى الثمالة لتحقيق أهدافها السياسية.
يقول شون يوم، الأستاذ في جامعة تيمبل والخبير بالشؤون الأردنية:" الأردن عالق بين رحى خيارات مستحيلة. إذ أن مختلف أنواع الدعم توازي ثالث أكبر بند في ميزانية الحكومة (بعد أجور القطاع العام ونفقات الدفاع). والحكومة لن تقوم بصرف الناس من الخدمة فيما البطالة تُعتبر حالياً أكبر قضية في الشارع الأردني؛ كما لن تعمد إلى خفض نفقات الدفاع بينما الحرب مستعِّرة إلى الشمال في سورية. وهذا ماقد يجبر السلطات في خاتمة المطاف على اللجوء إلى خفض الدعم".
بيد أن مثل هذا الخفض يعد خياراً ملتهباً، كما أسلفنا. وهذا ما يجعل الحكومة تمارس معه سياسة "خطوتين إلى الأمام، خطوة واحدة إلى الوراء".
لكن، الآن، ومع وصول الأزمة السياسية بين الموالاة والمعارضة إلى لحظة الحقيقة مع حل البرلمان والاتجاه إلى إجراء انتخابات نيابية ستكون تقسيمية إلى حد كبير، يجب وضع الوضع المعيشي والأزمة الاقتصادية في الحسبان كلما بدأنا التفكير في مآل الصراعات الراهنة في الأردن.
- II -

نأتي الآن إلى الأزمة السياسية لنتساءل: هل عُلِّق الأصلاح الديمقراطي في الأـردن إلى مالانهاية، وهل قرر الأردن أن يسير على نهج المَلَكِيات الأخرى في دول الخليج، بدل أن يحذو حذو المَلَكِية المغربية؟
الإجابة على هذا السؤال تأتي سريعاً من أقطاب المعارضة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين الذين قرروا مقاطعة الانتخابات المحتملة في أواخر السنة الحالية وقد تتبعهم العديد من الاحزاب اليسارية والليبرالية. فهم يقولون أن قانون الانتخاب الجديد الذي صادق عليه الملك عبد الله مؤخراً، سيُعيد انتاج برلمان تُهمين عليه المصالح القبلية الضيقة المستندة إلى النظام الزبائني. ويضيفون أن وعد الملك بتعيين رئيس للحكومة بالتنسيق مع البرلمان الجديد، لم تعد تعتبر خطوة في الطريق القويم نحو الإصلاح، بعد أن ضمن الملك هيمنته على البرلمان.
أما أنصار القانون الانتخابي فهم يروون قصة أخرى، غير تلك التي يروّجها الخصوم الذين يقولون أن هذا القانون يشوّه التمثيل الشعبي حين يعطي المناطق القَبَلِية قليلة السكان تفوقاً كاسحاً على المدن المكتظة بالسكان.  يقول الأنصار أن خطوة الملك كانت حكيمة وحصيفة للغاية، لأنها متطابقة مع الإرادة الشعبية التي ترى مايجري من مآسٍ في سورية، فتفضِّل الأمن والاستقرار على الإصلاح الديمقراطي والحريات.
من نصدِّق؟
من زاوية براغماتية، يبدو الملك بالفعل حصيفاً. فالشعب الأردني ربما يخشى حقاً من حال عدم الاستقرار، ولايزال يمحض النظام الملكي فرصة اختيار موعد الإصلاح. ثم جاءت الأزمة السورية لتعزز بقوة هذا المنحى.
فضلاً عن ذلك، يستطيع البلاط أن يراهن على دعم خارجي قوي. فالولايات المتحدة تحتاج قواته الخاصة وأجهزة مخابراته لمواجهة احتمال تفكك سورية ووقوع الأسلحة الكيمائية في أيدي الأصوليين المتطرفين. كما في وسعه الاسترخاء (ولو نظرياً!) في أحضان دول الخليج، التي كانت طرحت أصلاً عليه الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي كجزء من خطتها لتحصين هذه الدول ضد عواصف الربيع العربي.
بيد أن محصلات هذه الحصافة الملكية قد تكون آنية وقصيرة العمر، لأسباب عدة قد تجعلها تنقلب إلى عكسها:
1- فإذا ما قررت أحزاب المعارضة مواصلة مقاطعة الانتخابات، المرجح حينها أن تنخفض نسبة المشاركة الشعبية إلى أقل من 50 في المئة. وحينها ستكون مسألة شرعية ومقبولية النظام موضع تساؤل كبير وشك أكبر.
2- الرهان على استمرار الخفوت الشعبي، أشبه بالرهان على الطقس الصحراوي الذي قد تهب فيه العواصف من دون سابق إنذار. فالمزاج الشعبي يتغيّر بسرعة، خاصة في ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة والأعاصير الديمقراطية التي تجتاح المنطقة من أقصاها إلى أقصاها. ولاننسى هنا أن الأردن بلد صحراوي، وأن الجغرافيا تؤثر فيه بقوة على التاريخ والسياسة.
3- صحيح ان صور المذبحة السورية مرعبة، لكن وراء هذه الصورة ثمة مشهد لشعب يقاتل بكل جوارحه من أجل الحرية، ويوفّر لشعوب المنطقة خريطة طريق لإطاحة أعتى الأنظمة السلطوية والاستبدادية. وحين يبدأ الشعب السوري موسم حصاد هذه التضحيات الجسام وينطلق نحو تجربته الديمقراطية الخاصة (مهما كان شكلها الدستوري)، سيصل الدرس سريعاً إلى كل مكونات الشعب الأردني.
4- لقد كان الملك عبد الله أول مسؤول عربي رفيع يدعو الرئيس بشار الأسد إلى التنحي. فهل فعل ذلك لمجرد إطلالته على موازين القوى المحلية والدولية، أم لاقتناعه بأن حبل الاستبداد قصير؟
5- تجميد الإصلاح سيؤدي على الأرجح إلى عكس النتائج المرجوة منه، ومن بينها الاستقرار، في لحظة تاريخية حرجة للغاية. فالأردن كان يحتاج في مثل هذه اللحظة إلى وحدة وطنية عليا تستند إلى الرضى والمقبولية العامة، لا إلى مقاطعات وإنشطارات مجتمعية وسياسية، لتحصين البلاد من العواصف.
- III -
ماذا يعني كل ذلك؟
أمراً واحداً: خطوات الملك الدستورية والاقتصادية الأخيرة كانت حصيفة  تكيتكياً، لكنها  قد تكون سلبية وخطيرة استراتيجياً، إذا ما تأكد أن ماهو سائد في الأردن هذه الأيام هو أدوات التحليل القديمة لفهم وتحليل معطيات جديدة كل الجّدة. وأي نظرة طائرة إلى مايجري في المنطقة من تونس والمغرب إلى مصر، خاصة على صعيد التحالف المستجد بين واشنطن وجماعات الإخوان المسلمين، كافية لتوضيح هذه النقطة.

                                                                                سعد