للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 29 يوليو 2019

اليوم- غدا: أخرجونا، رجاء من غرفة الأشباح المظلمة

اليوم- غدا: أخرجونا، رجاء من غرفة الأشباح المظلمة: -      -    I سعد محيو أقل ما يمكن أن يوصف به وضع إقليم المشرق المتوسطي في هذه الايام، هو أنه بمثابة غرفة مُظلمة تزدحم بكل أنوا...

أخرجونا، رجاء من غرفة الأشباح المظلمة





-     -   I
سعد محيو
أقل ما يمكن أن يوصف به وضع إقليم المشرق المتوسطي في هذه الايام، هو أنه بمثابة غرفة مُظلمة تزدحم بكل أنواع الأشباح، وتصطرع فيها شتى الخيالات المريضة  أو المُخترعة.
الاشباح لها أسماء بالطبع: الولايات المتحدة، وإسرائيل، وبعض الدول العربية والأوروبية، والصين وروسيا، وحتى الهند واليابان. كلٌ من هؤلاء يحمل تصوراً لما يريد أن ينجزه في هذه المنطقة، او عبرها في العلاقات الدولية.
واشنطن، مثلاً، تريد أن تحوّل الخنق الاقتصادي الكامل لإيران، إلى هراوة لإخافة الصين وحملها على الاستسلام لشروطها التجارية. تريد أيضاً بث الرعب في قلوب باقي الحلفاء من الاتحاد الأوروبي واليابان وصولاً إلى الحليف الأطلسي تركيا، وتمديد عمر نظامها العالمي الذي تأسس بعيد الحرب العالمية الثانية ويكاد يلفظ أنفاسه الآن. اما الغطاء الذي تستخدمه في هذه الأجندة العالمية، فهو مشروع "حلف الأطلسي العربي " او (الآن) مشروع "كتلة الاحتواء" التي تضمها أساساً إلى إسرائيل وبعض دول الخليج.
وإسرائيل ترى في عملية الخنق هذه لإيران فرصة جلّى لها، ليس فقط لمواصلة التفرّد في فرض سطوتها النووية والعسكرية والتكنولوجية التقليدية على المنطقة، بل أيضاً لتحقيق فرصتها الذهبية لإعادة بناء الإمبراطورية العبرية التي تعتقد انها نشأت قبل ثلاثة آلاف سنة، والتي كانت تضم في جنباتها منطقة الخليج (كتاب كمال الصليبي: "التوراة جاءت من شبه الجزيرة").
أوروبا لاتعرف[SM1]  ما تريد، لانها لاتزال لا تتعرّف على صورتها في المرآة. لكن بعض دولها، كبريطانيا وبولندا وإيطاليا على سبيل المثال، قد تكون مستعدة لخدمة الأجندة الأميركية، بأمل قطف ثمار بعض "العطايا" التجارية والمزايا الاستراتيجية.
أما الصين، التي تستورد 80 في المئة من حاجياتها النفطية من إيران والخليج، وروسيا، التي تخشى أن يُسفر نجاح واشنطن في خنق إيران عن قلب موازين قوى الغاز والنفط المشرقي في غير مصالحها، وكذلك إلى تصفية نفوذها المُستعاد في شرق المتوسط، فهما لا تستطيعان خوض مجابهة مكشوفة مع الولايات المتحدة في منطقة الخليج، لكنهما حتماً سترحبان بقوة بأي تورط عسكري أميركي كبير فيها، لأن ذلك سيدق حتماً أجراس الأفول النهائي للامبرطورية الأميركية في العالم.
فالقوة العسكرية الأميركية قادرة على  الدخول لمحق إيران عسكريا( كما فعلت العام 1988 حين مسحت من الوجود خلال أسبوع نصف الأسطول البحري الإيراني برمته)، لكنها لن تكون قادرة على الخروج بسلام من هذا "المغطس" المشرقي، تماماً كما حدث في فيتنام وكمبوديا ولاوس والعراق، وكما يحدث لايزال الآن في أفغانستان.
-         - II
-       هذا بعض ما يجري في هذه الغرفة المظلمة المشرقية.
-       لكن إلى أين من هنا؟
-       حسنا. كل هذه الأطراف الدولية تعرف ماذا تفعل وإلى أين تريد ان تصل.
-       لكن القوى الإقليمية الرئيسة التي تشكّل جوهر الحضارة المشرقية، أي إيران وتركيا ومصر والسعودية والعراق ودول المغرب العربي، لا تدرك من أسف أن هذه المجابهات لن تفعل شيئاً سوى تحويلها إلى العشب الذي ستدوسه هذه الفيلة الجامحة. وإذا كان أحد هذه الأطراف الاقليمية يعتقد أنه سيكون له مقعد إلى طاولة هذه الوليمة الدولية الجديدة، فهو سيكون أكثر من واهم. الكل  بلا استثناء سيكون هو نفسه العشاء في هذه الوليمة.
-       الشيء الوحيد الذي ستقطفه هذه القوى هو الدمار المشترك بالعدل القسطاس بين بعضها البعض، ومعه الخسائر المالية الفادحة التي ستضاف إلى الـ 14 تريليون دولار التي انفقتها هذه القوى على الحروب والصراعات خلال العقود الثلاثة الماضية وحدها.
-        نحن في منتدى التكامل الإقليمي كنا، ولا نزال، وسنبقى، الصوت المعبّر عن ضمير الحضارة المشرقية التاريخية وشعوبها العظيمة، والرافض لهذا الجنون العبثي (ونكاد من أسف نقول الأحمق) الذي تمارسه معظم مكوناتنا الإقليمية الحضارية.
ولذا، سيتحرّك المنتدى قريباً للدعوة إلى عقد مؤتمر في بيروت لأبرز "حكماء الإقليم"، بهدف إعلاء صوت الضمير والعقل عالياً، ودعوة كل القوى الإقليمية إلى الجلوس إلى طاولة النقاش، إن لم يكن لبحث مستقبل هذه المنطقة التي كانت فجر الحضارة والضمير في التاريخ البشري، فعلى الأقل للحوار بحثاً عن وسائل قد تجعلنا نرى بصيص نور خارج هذه الغرفة المظلمة التي تعج بالأشباح.