- I -
هل " رؤية المستقبل " مهمة مستحيلة بالنسبة للبشر؟
كلا، يرد سريعاً العديد من علماء الفيزياء. لكنهم حين يفعلون، لا ينحازون
بالطبع بأي حال للدجل النابع من البلورة
السحرية، بل إلى صندوق علمي له سمات علمية بحتة طوره علماء جامعة برينستون
الشهيرة، ( التي أمضى فيها ألبرت أينشتاين جَل حياته العلمية) ، بالإشتراك مع
عشرات علماء الفيزياء في انحاء العالم.
هذا مشروع تم في إطار ما أطلق عليه إسم " مشروع الوعي العالمي "( GLOBAL CONSCIOUSNESS PROJECT )، بهدف محاولة إثبات الفرضية بأن البشر متصلون
بشكل وثيق ببعضهم البعض عبر عقل جماعي، قد يكون جزءاً من عقل العناية الإلهية.
المشروع تمخَض عن ولادة طفل مثير
هو " الصندوق الأسود الصغير" الذي لا يتجاوز حجمه حكم علبتي سجاير،
والذي يتضمن رقاقات إلكترونية لا تختلف بشيء عن تلك الموجودة في الحاسوب المنزلي
العادي. الصندوق يقوم بإستعراض الأرقام العشوائية بسرعة كبيرة وبشكل متصل، وهو
يرتبط عبر الإنترنت بصناديق مماثلة يطلق عليها إسم " البيض "( eggs) في 41 دولة اخرى إضافة إلى
الولايات المتحدة.
- II -
الصندوق نجح، على ما يقال، في التنبؤ بأحداث 11 سبتمبر 2001 قبل 4 ساعات من
وقوعها، وبكارثة التسونامي الآسيوي قبل 24 ساعة من حدوثها. وهو فعل ذلك حين سَحل
ذبذبات قوية على شاشته جعلت العلماء يشكَون بأن شيئاً ما ضخماً سيحدث في العالم.
بيد ان التجارب لم تقتصر على مجرد التسجيل. فقد قام العلماء بإختبارات على
اناس عاديين تم إحضارهم بشكل عشوائي إلى المختبر، فتبَين ان مشاعرهم أو إنفعالاتهم
الدفينة التي كانت تسَجلها كومبيوترات شبيهة بتلك المستخدمة لكشف الكذب، كانت تصاب
بإضطراب شديد حتى قبل ان تعرض عليهم صور مرعبة.
" ما هذا الذي يحدث هنا"، تساءل بذهول البروفسور روجر نيلسون
رئيس مشروع الوعي العالمي، وهو يطلع على هذه النتائج، ليضيف :" الامر لا يكاد
يصَدق، ولا نملك له حتى الان تفسيراً علمياً مقنعاً. إننا الان( العلماء) كمن
يحارب الأشباح في غرفة مظلمة. لكن من الواضح أن البشر لا يستطيعون فقط الإطلاع على
المستقبل بل أيضاً التأثير فيه إلى حد كبير".
لكن، كيف يحدث ذلك؟
- III -
المسألة ترتبط بثلاث فرضيات.
الاولى، أن الزمن لا يتقدم إلى الأمام وحسب بل يتراجع كذلك إلى الوراء.
وبرغم ان هذا غير مثبت علمياً، إلا انه جائز نظرياً في الفيزياء. وعلى أي حال، ثمة
إجماع بين العلماء على ان الزمن في الثقوب السوداء( وهي نجوم عملاقة فقدت كتلتها
ومساحتها وإحتفظت بوزنها) يعود القهقرى إلى الوراء مثله مثل المادة في هذه الثقوب.
الزمن، بهذا المعنى، طريق بإتجاهين في آن
يتقاطع فيه الماضي والمستقبل عند نقطة واحدة هي الحاضر. ويبدو( كما يقول
ويلسون) ان الوعي الجماعي الإنساني قادر على إلتقاط هذه النقطة.
الثانية، أن العقول البشرية قادرة على التأثير بالمادة وأيضاً بالزمن. وهذا
ما بدأ يتم إثباته علمياً.
والثالثة، أن قدرات " الإحساس بالمستقبل " موجودة لدى كل إنسان،
لكنه لا يدركها او يستخدمها. وحده الوعي الجماعي البشري، الذي هو بدوره حصيلة
مجموع عقول البشر يبدو قادراً، ولسبب ما غير معروف حتى الان، على وضع هذه القدرات
موضع التنفيذ.
مشروع الوعي الجماعي لايزال طفلاً يحبو، وقد يحتاج إلى بضعة عقود من الزمن
قبل أن يصل إلى مرحلة النضج. لكنه حين يفعل( والأرجح أنه سيفعل) سيكتشف الجنس
البشري أمرين متلازمين: مدى الوحدة العميقة بين كل أفراده، ومدى الإجرام العميق
الذي يمارسه هذا الجنس ضد نفسه والطبيعة، بسبب
حروبه ونزقه وانانيته.
كما سيتم إكتشاف شيء آخر: البشر قادرون على صناعة مستقبلهم كما يشاؤون، ولو
كره كهنة السحر والشعوذات!
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق