حزب الله يربح معارك.. في حرب خاسرة
-
I -
لايستطيع المرء أن يدين، أو حتى أن يطلق حق قيمة، على
حزب الله اللبناني، بسبب الدين المعلَّق في رقبة المنطقة العربية له لنجاحه في
تحرير جنوب لبنان من الاحتلال، من دون مساومات أو تنازلات تفاوضية. فهذه قضية
تاريخية ثابتة لاتجري عليها قوانين تقادم الزمن.
بيد أن عدم الإدانة لاتُلغي، أو لايجب أن تُلغي، النقد
أو المحاسبة والمساءلة, وهي أمور تصب في الواقع في صالح هذا الدَيْن لا ضده،
تماماً كما يفعل الديالتيك الهيغيلي حين يستولد الجديد الإيجابي من وضع النفي في
مواجهة النفي.
لماذا المحاسبة؟
لأن حزب الله توغَّل بعيداً للغاية عن الصورة التي رسمها
لنفسه بشق الأنفس وبأنفاس الشهداء في المنطقة العربية طيلة عقدين كاملين من الزمن،
بصفته القوة العسكرية التي فرملت التفوق الإسرائيلي الكاسح على العرب.
فقد كان عليه بعد نهاية حرب 2006 أن يعيد النظر بمفهوم
المقاومة، بعد أن توقفت العمليات كلياً في الأراضي اللبنانية الجنوبية المحتلة، وأن
يعمل على إدماج وحداته المقاتلة في منظومة دفاع استراتيجي لبناني جديدة، طالما أنه
يكرر أناء الليل وأطراف النهار أن مبرر وجوده هو الدفاع عن أمن لبنان ضد عربدة
إسرائيل.
بيد أن الحزب لم يفعل شيئاً من هذا، بل واصل الحديث عن
نفسه كمقاومة لكن دون فعل المقاومة. وبديهي بعد ذلك أن تتحوّل قوته العسكرية إلى
الداخل، سواء من خلال اجتياح بيروت بحجة الدفاع عن البنى التحتية لشبكة اتصالات
المقاومة، أو عبر استخدام القمصان السود والضغوط الأمنية على السياسيين (وليد
جنبلاط نموذجا) للتحكُّم بمسار الحكم اللبناني.
كما كان عليه أن يشرح بشكل مقنع لقواعده وللبنانيين
اسباب ودوافع وهن "الممانعة" ضد السياسات الأميركية، بعد انفتاح أبواب
واشنطن ونوافذها أمام حليفته إيران. وهذا كان أمراً ضرورياً لصدقية الحزب، لأنه
أمضى أكثر من 30 سنة وهو يعبيء قواعده على ضرورة التصدي لأميركا بصفتها
"شيطاناً أكبر".
بيد أنه لم يفعل أيضا. بل قفز على التقارب الإيراني-
الأميركي السري والعلني، تاركاً للخصم السعودي (وحتى الإسرائيلي) لعب دور
"الممانع" ضد هذا الشيطان. وهذا من شأنه أن يترك ندوباً لا شفاء منها في
بنية مصداقيته المعنوية وصورته الإديولوجية.
وأخيراً، جاءت كارثة تدخل الحزب في الحرب الأهلية
السورية التي ستُثبت أنها الطامة الكبرى التي حلّت به حاضراً ومستقبلا، خاصة وأنه يثبت
يوماً بعد يوم أنه لايزال يُطل على هذه
الحرب تماماً كما يفعل النظام السوري، أي بصفتها حدثاً أمنياً سيتم حلّه بالقوة
العسكرية. وهذا فهم تجلى بوضوح حين دفع الحزب أنصاره إلى الاحتفال في الشوارع بالنصر
العسكري الذي حققه في القصير، وبعده قبل يومين في يبرود.
-
II -
لماذا هذا التطور طامة كبرى على الحزب؟
لجملة أسباب:
فالحزب، كما النظام السوري، يبدو واهماً للغاية إن هو
اعتقد أن يبرود أو القصير أو حتى حلب نفسها، ستكون خاتمة الأحزان بالنسبة إليهما.
فهذه حرب باتت بلا نهاية تقريبا. وهذه النهاية ستدخل إلى قعر آخر سحيق قريباً، حين
يتحوّل الصراع على أوكرانيا بين روسيا وأميركا إلى مايشبه الحرب الباردة الجديدة، والتي
ستنعكس حتماً حرباً ساخنة بينهما على الأرض السورية.
هناك في سورية الآن مئة ألف مقاتل معارض تكمن قوتهم
الأساسية في ضعفهم، لأنهم لايملكون مثل الجيوش هيكلاً تنظيمياً واحدا يكفي لإلحاق
الهزيمة به كي يتحقق النصر. وهذا يعني أن حزب الله سيكون مضطراً، إذا ما قرر
مواصلة دعم النظام السوري الذي فقد كل زخمه القتالي وتماسكه المؤسساتي العسكري
(ماعدا أجهزة مخابراته) ، أن يخوض بامكاناته البشرية المتواضعة حرب المئة عام في
بلاد الشام. الحزب يربح في سورية بعض المعارك العسكرية، لكن هذا يتم في إطار حرب
ستكون خاسرة حتماً بالنسبة إليه.
فهل هو يضع هذه الحقيقة بعين الاعتبار؟
لايبدو ذلك، لأنه غارق على مايبدو في وهم القدرة على
النصر، إن لم يكن في كل سورية، فعلى الأقل في المناطق الممتدة من القلمون إلى حمص
والسواحل العلوية.
-
III -
بيد أن كل هذه المخاطر، على رغم هولها، لاتقارن بشيء مع
المضاعفات التاريخية والاستراتيجية الخطيرة الناجمة عن عدم تكيّف حزب الله مع تغيّر
المعطيات التي أحاطت ببروز مفهومي المقاومة والممانعة، والتي أدت في نهاية المطاف،
مع التدخل في سورية، إلى تحوُّل الحزب من حركة مقاومة باسم الأمة، إلى تنظيم مذهبي
شيعي يخوض إلى جانب الشيعة العراقيين والعلويين في سورية حرباً ضد السنّة بشتى
تلاوينهم ومشاربهم.
فهذا التطور في سورية، وأكثر حتى من المجابهة الشاملة
بين إيران والسعودية في كل من العراق واليمن والبحرين ولبنان وغيرها، سيؤسس للفتنة
الكبرى-2 بين السنة والشيعة والتي قد تدوم كما الحرب السورية مئة عام.
وهذا بات الآن خطراً داهماً بعد أن دخلت باكستان على خط
دعم الانتفاضة السورية بالسلاح، وربما قريباً بالرجال، بطلب من السعودية. ومثل هذا
التطور لن يؤثر على طبيعة الحرب السورية وحسب، بل ربما يشعل أيضاً إوار حرب أخرى
تأخل الأخضر الشيعي في باكستان (نحو 20 في المئة من السكان) واليابس الشيعي في
أفغانستان (10 في المئة)، وقد تتطور لتصبح حرباً مباشرة باكستانية- إيرانية سبق أن
تراقص البلدان على حافتها في ثمانينيات القرن العشرين.
هل كان المتظاهرون الشيعة في الضاحية الجنوبية وكورنيش
المزرعة في بيروت يدركون هذه الحقائق- المخاطر في طول المنطقة الإسلامية وعرضها
حين احتفلوا بسقوط يبرود؟
بالطبع لا، لأن ليس ثمة في حزب الله أحد من القيادات
مستعد لإطلاع القواعد على حسابات الربح والخسارة في "المغطس" السوري،
وربما قريباً في المغطس اللبناني إذا ما ادى سقوط يبرود إلى انفجار عرسال وبقية البقاع اللبناني.
وهذا في حد ذاته مايضفي على النقد الضروري، والموضوعي،
للحزب طابعاً حزينا، لأنه يكشف بشطحة قلم كم هو مؤلم أن تتحوَّل ظاهرة مقاومة
نبيلة تجسّد روح الأمة، إلى تظاهرة مذهبية مغلقة تمعن في تفتيت روح الأمة وجسدها.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق