القاهرة- سعد محيو
ماذا بحثت أنت والمشير السيسي؟
هذا كان أول سؤال ملحاح طرحناه، نجاح واكيم وأنا، على
حمدين صباحي، مرشح الرئاسة المصرية الأكثر حيوية ونشاطاً، والذي تعج الأحاديث عن
جهود وساطات كثيفة لإيرام صفقة "تقاسم الحكم" بينه وبين السيسي، كما
بوتين ومدفيديف في روسيا.
كنا في حفل عشاء اقتصر على الأهل والأصدقاء في منزله
المتواضع في محافظة الجيزة، وهو المنزل
الذي ميّزه عن كل مرشحي الرئاسة السابقين
واللاحقين (عدا عبد المنعم أبو الفتوح)، من أحمد شفيق ومحمد مرسي إلى عمرو موسى،
الذين يقطنون فللاً ودارات فخمة في القاهرة.
رد
حمدين، الذي يتسم بذاكرة فوتوغرافية وكاريزما شعبية: "الاجتماع الذي استغرق
زهاء الساعتين (قبل نحو الشهرين)، تركز في جلّه تقريباً على الشأن الاجتماعي،
ومستقبل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ومسألة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه(
نحو 172 دولارا).
-
هل كان السيسي متجاوباً مع هذه الطروحات؟
-
صباحي: أجل. الحقيقة أنه مهتم كثيراً بهذه المسائل.
-
ولكن، هل ربط ذلك بمسألة إصلاح الوضع الاقتصادي، خاصة وأن أي رفع للأجور شرطه وجود
نهضة اقتصادية قادرة على تمويله، فيما الاقتصاد المصري يعتمد الآن على المساعدات
والديون. بكلمات أوضح: هل يمتلك السيسي رؤية اقتصادية واضحة؟
هنا
ساد صمت غير قصير، لكن عيني حمدين لمعتا من تحت النظارات وكأن هذا السؤال تضمن في
ثناياه كل علامات الاستفهام حول مدى قدرة المشير على تحقيق "معجزة"
التوازن بين النمو الاقتصادي (الذي يتطلب وفق شروط صندوق النقد الدولي فرض
"التقشف" الحاد على 70 مليون فقير مصري)، وبين مطالب الطبقات الوسطى
والفقيرة الاجتماعية والمعيشية الملحة.
اكتفى
حمدين برد دبلوماسي: الواقع أن السيسي لم يطرح تصوراً اقتصادياً خلال جلستي معه.
لكن
مالم يقله حمدين، قاله لنا كل من عبد الحكيم عبد الناصر (نجل الرئيس الراحل) وجمال
عبد الناصر (حفيده). فالرجلان، وعلى رغم تأييدهما للسيسي رئيساً، خاصة وأنه أكد
مراراً وتكراراً أن مثله الأعلى هو ناصر، أديا تخوفهما من وقوع السيسي تحت سيطرة
من أسموهم "رجال الأعمال الطفيليين".
قالا:"
هذه الطبقة، وهي نفسها طبقة الرأسمالية الكومبرادورية المرتبطة بالخارج، تسيطر على
العديد من مفاصل الاقتصاد والدولة. وسيتعين على السيسي إذا ما أراد إعادة توجيه
التنمية في مصر نحو القطاعات الانتاجية وبعيداً عن "كازينو المضاريات
العقارية والمالية والخدماتية"، مواجهة هذه الطبقة بقوة".
هذا
الرأي يبدو أنه يحظى ضمناً بتأييد إعلامي مصري مقرّب للغاية من السيسي، هو عبد
الله السناوي.
قال
لنا السناوي: "السيسي يجد
نفسه متنازعاً بين قوتي جذب ضاريتين إثنتين. إذ هو يتعرض إلى ضغوط قوية من تحت
(الطبقات الشعبية والوسطى) لإحداث نقلة نوعية في النظام المصري اقتصادياً
وسياسياً، وإلى ضغوط قوية أيضاً من فوق
(رجال الاعمال وبيروقراطية الدولة) لإعادة انتاج نظام مبارك وإن بحلَّة شعبية
جديدة.
وهذا يعني أن مصير رئاسة السيسي ستكون في الواقع معلقة
على أي من القوتين ستقع خياراته. أي بين
إعادة إنتاج النظام الزبائني- الكومبرادري في عهدي مبارك والسادات وبين إعادة بناء
النظام الناصري الإنتاجي الذي بنى 2000 مصنع، والسد العالي، ومشاريع انتاجية
زراعية وصناعية عدة.
إذا ما وقعت قرعة السيي على الخيار الثاني، سيجد في
مواجعته تحالف رجال الأعمال الكومبرادوريين المتحالفين مع العديد من
"إقطاعات" الدولة القديمة في مصر. إما إذا انحاز إلى الخيار الأول
فسيفاجأ بمقاومة ضارية من طرفين: الشارع المصري الذي تحوّل (وفق تعبير زبغينو
بريجنسكي) إلى قوة سياسية لاسابق لها في التاريخ، وفئة الشباب المصريين التي كانت
الدينامو الحقيقي لكل الانتفاضات المصرية الاخيرة. فهؤلاء بكل أطيافهم وألوانهم
لما يتعبوا بعد، ولا يقبلون بأقل من نظام ثوري جديد يقطع كلياً مع الأنظمة
السابقة، ويؤسس لوطن جديد ودولة متطورة.
الشباب هؤلاء باتوا "وجع رأس" حتى لأحزاب
المعارضة، بسبب حركيتهم واندفاعهم. وينتظر أن يكون لهم دور فاعل لاحقاً في تقرير
الوجهة التي سيتسير إليها الامور في مصر. لا بل أكثر: إنهم "القنبلة
الموقوتة" التي قد تنفجر إذا ما قررت النخبة الحاكمة "العودة إلى العمل
كالمعتاد" وفق نموذج نظام مبارك.
حين انتهى حفل العشاء العائلي في منزل حمدين، قال لنا
هذا الأخير وهو يودعنا:" المشير السيسي يعتمد كثيراً على الحسابات الكثيفة
قبل أن يُقدم على أي خطوة".
وهذه كانت ملاحظة نقدية فائقة الذكاء. لماذا؟ لأن مصر في
هذه المرحلة الصعبة تحتاج في الواقع إلى مغامرين يلاحقون رؤى، وليس إلى واقعيين قد
تكبلهم كثرة الحسابات.
_________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق