- I -
ماذا
يعني التصعيد الراهن على جبهة الجولان؟
دوائر
حزب الله والنظام السوري تقول إن إسرائيل، التي يتهمانها بـ"التواطؤ" مع
المعارضة المسلحة السورية (وهي بالطبع تهمة متبادلة بين النظام والمعارضة)، لجأت
إلى التصعيد بعد المكاسب العسكرية التي حققها الجيش النظامي في يبرود القلمون
ومنطقة الغوطة. وهذا تجسَّد في الغارات الجوية التي شنها الطيران الإسرائيلي فجر
أمس على مواقع عسكرية سورية في المناطق المحررة من الجولان.
بيد
أن إسرائيل ترى، على العكس، أن حزب الله هو الذي يبادر إلى التصعيد في الجولان،
بهدف جر إسرائيل إلى الحرب. ويسوق المسؤولون الإسرائيليون هنا جملة عمليات نفذها
حزب الله منذ أوائل شهر آذار/مارس الحالي في كل من الجولان والحدود السورية-
الإسرائيلية.
هدف الحزب؟ جر إسرائيل إلى المعركة في جنوب سورية، وفق ما
نقلته "فاينناشال تايمز" عن بعض المسؤولين في تل أبيب.
لكن،
وبغض النظر عمن الأوفر حظاً في تحمّل تهمة التصعيد، ثمة حقيقة لايمكن القفز فوقها:
جبهة الجنوب السوري الممتدة من درعا إلى جولان مروراً بدمشق، تشهد بالفعل منذ
الأشهر القليلة الماضية تزخيماً لم يسبق له مثيل، تجسّد أولاً في نجاح الجهود
لتوحيد عشرات الفصائل المسلحة في إطار "جبهة ثوار سورية" التي يقال أنها
باتت تضم ما بين 30 إلى 40 ألف مقاتل. كما تمثَّل، ثانياً، في تأكيد دوائر إعلامية
أميركية وبريطانية أن الأجهزة الأمنية الغربية والخليجية والأردنية قطعت شأواً
بعيداً في تدريب آلاف المقاتلين المعارضين، تمهيداً لتشكيل "الجيش الوطني
الحر" بقيادة جمال معروف، وأنها قد تزودهم بأسلحة نوعية ضد الطائرات الحربية
(أو على الأقل الهليوكوبتر) والدبابات (راجع التفاصيل في موقع "اليوم، غدا"- 17 آذار/مارس
2014) لخوض معركة دمشق.
- II -
جبهة
الجنوب، إذا، هي الرقعة الاستراتيجية التي تجري فوقها الاشتباكات والعمليات التكتيكية
بين حزب الله وإسرائيل. كما أنها أيضاً الجبهة التي تشكّل الآن القلق الرئيس
للنظام السوري والحزب معا. وهذا ماقد يعطي الاتهام لحزب الله بأنه يريد جر إسرائيل
إلى المعركة بعض الصدقية. ولعل هذا مادفع إسرائيل إلى تجنب الرد على حزب الله في
لبنان، واختارت أن ترد على مواقع داخل سورية.
علاوة
على ذلك، سيكون من الأسهل على الحزب ودمشق خوض المعركة الكبرى المقبلة في الجنوب
وهما يضعان الدولة العبرية في سلَّة المعارضة. كما يجب ألا نسقط من الاعتبار هنا
أن معظم مناطق الجنوب، عدا الطرقات الاستراتيجية، هي الآن في قبضة المعارضة.
وبالتالي، أي تورط إسرائيلي في الحرب سيكون في نهاية المطاف على حساب هذه الأخيرة.
قلق
النظام السوري من تطورات الجنوب كان واضحاً في التحليل الأخير الذي نشره الخبير
العسكري السوري الموالي للنظام سليم الحربا، والذي أورد فيه النقاط الرئيسة
التالية (بعد أن أسقطنا منها اللغة الإديولوجية التعبوية):
-
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن المعركة الكبرى في الجنوب السوري لجهة درعا والذي
اطلق عليها إسم “السهم” المنطلق من الأردن باتجاه القلب في دمشق، وبدأت حمى
التصريحات والتلويحات والتهديدات والضربات الإعلامية الكثيفة حول تغيير موازين
القوى. وقد صدر أمر عمليات من الولايات المتحدة إبان انعقاد الجولة الثانية
لجنيف2، نتيجة الفشل في تحقيق الأهداف المرسومة بكليتيها التكتيكي والإستراتيجية.
هذه الحمى في التصريحات والحديث المتكرر عن تسخين جبهة الجنوب، ما هي إلا محاولة
لرفع المعنويات لدى "العصابات الإرهابية" التي بدأت تنهار نتيجة الضربات
التي تتلقاها، ناهيك عن إعطاء فرصة أخيرة لوهج بني سعود بعد تغيير رئيس جهاز الأمن
بندر بن سلطان بالتوازي مع إعطاء دور وظيفي للأردن قد يكون مقبوض الثمن سلفاً
وبالتنسيق مع الكيان الإسرائيلي.
-
من هنا نرى (والكلام لازال للخبير حربا) أن الجيش السوري ينفذ عملياته في المنطقة
الجنوبية على إمتداد تواجد العصابات المسلحة في ريف درعا الشرقي والغربي وريف
القنيطرة، ويمنعها من السيطرة على أي نقطة إستراتيجية يمكن أن تشكل مرتكزا لهذه
المجاميع الإرهابية التي تأتي من الأردن، والتي تهدف إلى تشكيل جيش جديد بأسلحة
متطورة وتدريب نوعي.
- الجيش
السوري يوزِّع بنيته التكتيكية والإستراتيجية على المستوى القتالي والناري والشعبي
على أنساق كبيرة جداً في الجبهة (الجنوبية) لصد أي عدوان قد يأتي من الأردن أو
الجولان المحتل، وهو لايترك على المستوى الإستراتيجي أي مكان للغفلة أو للصدفة،
حيث حوَّل المساحة الممتدة من الحدود الأردنية الى هضبة الجولان وصولاً الى دمشق
الى “مثلث برمودا”. وبالتالي الجيش السوري إستعد لمثل هكذا مواجهة، كونه سيعمد الى
تغيير قواعد الإشتباك التي قد تتطور الى مجابهة إقليمية وربما تتدحرج نحو العالمية
أو الدولية الى ما لا تستطيع إسرائيل تحمله.
- III -
هذه
النقطة الأخيرة التي أوردها الخبير السوري، أي احتمال تطور معركة الجنوب إلى حرب
إقليمية، تضفي على التصعيد الأخير في الجولان والمناطق الحدودية السورية-
الإسرائيلية الأخرى، بعدا استراتيجياً خاصاً. ولعل النظام السوري وحزب الله يبنيان
حساباتهما الآن على الشكل التالي: إذا ما كانت الولايات المتحدة والدول الغربية
والخليجية قررت فتح باب الجحيم عليهما إنطلاقاً من البوابات والنوافذ الأردنية،
فلا أقل من أن يقوما هما أيضاً بتوسيع دائرة المجابهة كي تكون أيضاً إقليمية
ودولية واسعة.
وإذا
ما أضفنا إلى هذا السيناريو المضاعفات الكبرى المتوقعة على سورية من الصراع
الروسي- الاميركي والأوروبي حول أوكرانيا، والتي بدأت تتحوّل إلى شكل من أشكال
الحرب الباردة، فقد نصل إلى الاستنتاج بأن شجرة الاشتباكات التكتيكية في الجولان، قد تخفي
وراءها بالفعل غابة من الحسابات الاستراتيجية الجديدة للغاية، والخطرة للغاية.
سعد
محيو
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق