كل المؤشرات تدل على أن التغيير في السعودية آتٍ لاريب
فيه.
وهذا ليس فقط لأن هذه سنّة الوجود القائمة برمتها على
الحركة الدائبة والتطور المستمر من أصغر خلية إلى أكبر مجرة، ولا لأن المللك عبد
الله دشّن مسيرة إصلاحية (وإن كانت حذرة، ومحدودة، وطويلة الأمد)، بل لأن المعطيات
الداخلية والخارجية، والموضوعية والذاتية، تدفع بهذا الاتجاه وستكون هي محرّك
التاريخ في البلاد.
لكن، ما هي هذه المعطيات، ومن القوى التي تحملها،
وماطبيعة التغييرات التي قد تفرض؟
في دراسة أخيرة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
الأميركي، وردت الخلاصة المثيرة التالية:
"غالبية كلٍ من الرجال والنساء (في المملكة) يرفضون
ضمناً المقاربة التقليدية للتعليم التي تعتمد على الحفظ وتسعى إلى ديمومة الطاعة
الدينية والاجتماعية والسياسية التي تطلبها السلطات الرسمية. فقد قال 67 في المئة
من النساء و61 في المئة من الرجال أنهم "يشعرون بأنه لايوجد سوى حيّز صغير
للنشاطات عدا التعليم في الجامعات"، فيما ردّ 91 بالمئة من النساء و87 في
المئة من الرجال بالإيجاب على البيان بأنه "يتعيّن على المعلمين أن يسمحوا
لنا بتطوير أفكارنا الخاصة، وعدم إجبارنا على السير في وجهات معينة".
هذا المزاج يبدو انقلابياً وفق كل المعايير.
إنقلاب على ماذا؟
على الفكر التقليدي الجامد، وعلى القوالب الأكثر جموداً
في شتى مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية.
ولصالح من ؟
لصالح التحديث، والتطوير، وتفتح ورود الحرية والمبادرة
والإبداع.
وحين يأتي مطلب التغيير هذا من فئة عمرية شبابية تشكّل
ثلثي عدد سكان البلاد، تكون ثمة حاجة أمام المحللين للتوقف أمامها مطولاً، وتكون
هناك ضرورة للحكومة السعودية كي تدرك أن استراتيجياتها السابقة في التعاطي مع
المجتمع السعودي، والتي كانت ناجحة وناجعة طيلة العقود الطويلة الماضية، قد لاتكون
كذلك الآن للحفاظ على الأمن والاستقرار.
العوامل الدافعة إلى التغيير تتلخّص بالتالي:
أولاً، قرب انتهاء مرحلة من التاريخ السعودي سيطرت
عليها، بهذه الطريقة أو تلك، روح الملك عبد العزيز مؤسس الدولة الوهابية الحديثة،
عبر تواصل السلطة بين أولاده. لكن الآن السن، والصحة، والأهلية، تضع حداً لهذا
التواصل مع قرب انتقال السلطة إلى الأحفاد، من دون أن يكون واضحاً طبيعة المرحلة
الجديدة.
أسباب عدم الوضوح هذه لاتكمن، كما يقول عن حق مجلس
العلاقات الخارجية الأميركي، في نقص عدد الأمراء المرشحين للقفز إلى قمرة القيادة
بل على العكس إلى تضخم أعدادهم. ويضيف المجلس: "إن موازنة مصالح مختلف أجنحة
الأسرة، وأولاد الملوك والأمراء السابقين مثل سلطان ونايف، سيكون أمراً بالغ
الصعوبة".
ثم أن طبيعة الصراع على السلطة هذا لايزال سلعة مجهولة:
هل سيكون صراعاً على المناصب من حيث كونها حكراً على عشيرة معيّنة، أم سيكون بين
أولئك الذين يريدون توزيعاً جديداً للسلطة والثروة أو حتى فرض معايير الأهلية على
التعيينات.
ثانياً، أن المملكة، وعلى رغم ثرائها النفطي الكاسح،
تواجه المشاكل الاجتماعية- الاقتصادية نفسها التي ساهمت في إطلاق شرارات الربيع في
كل الدول العربية: الطفرة الكبرى في أعداد الشباب (نحو 60 في المئة من السعوديين
تحت سن الثلاثين)؛ معدلات البطالة المرتفعة؛ الفجوة في التعليم بين ماتقدمه
الجامعات وما يعرضه الاقتصاد وسوق العمل؛ والتناقض الفاقع بين الحريات الواسعة
التي تتوافر للشباب والشابات السعوديين في الفضاء (الانترنت والتلفزيونات) وبين
القيود الكاسحة التي يواجهون على الأرض (فلسفة عصا المطاوعة).
ثالثاً، وصول مسألة المساواة في النوع الاجتماعي (أي
الذكر والأنثى) إلى مرحلة دقيقة، بعد أن قررت السلطات السماح بمناقشة هذا الموضوع
علناً، وبعد أن قررت أيضاً منح النساء حق التصويت والترشح في انتخابات مجلس الشوري
العام 2015. وعلى رغم أن الكثيرين يشكّون بأن خطوة السلطات هذه كانت تدبيراً
مدروساً هدفه إبعاد أنظار السعوديين عن شعارات الربيع العربي السياسية في الحرية
والديمقراطية، إلا أن هذا لايقلل البتة من أهميتها (الخطوة). لماذا؟ لأن السعوديين
قد يستخدمون مسـألة تحرير المرأة اليوم كجسر للعبور غداً إلى مطلب الحريات
السياسية.
رابعاً، الطفرة في أعداد الشباب، تتساوق مع خلل الكبير
في بيئة التوظيف في الاقتصاد السعودي. فالقطاع الخاص في غالبيته الكاسحة لايوظّف ثلاثة
أرباع خريجي الجامعات لأنه لايحتاج إلى شهادات في اختصاصات العلوم الإنسانية.
والقطاع العام الحكومي بات مشبعاً تقريباً (80 في المئة). وهذا مايجعل مسألة بطالة
الشباب أزمة شبه ثابتة.
صحيح أن الأموال الضخمة الأخيرة التي رصدتها الحكومة،
والتي بلغت 220 مليار دولار، ستسد ثغرات عديدة في مجالي التشغيل والإسكان، إلا
أنها لاتشكّل حلاً دائماً وجذرياً للأزمة البنيوبة الاجتماعية- الاقتصادية.
وأخيرا، المملكة السعودية لن تستطيع أن تنأى بنفسها عن
أعاصير الربيع العربي، ليس فقط لأن انتقال الدول العربية الأخرى إلى الديمقراطية
سيجعل المملكة أشبه بجزيرة تحاصرها مياه عاتية من كل مكان، بل (وربما أولاً
وأساسا) لأنه ثبت أن هناك قراراً دولياً
على أعلى المستويات بتغيير كل منطقة الشرق الأوسط برمتها. ومع مثل هذا القرار، لن
تكون هناك استثناءات.
كيف يمكن للتغيير أن يحدث في السعودية؟
الاحتمالات عديدة. لكن السيناريو الأهم هو ذلك النابع من
التاريخ: فهذا البلد، ومنذ أن نجحت فيه دعوة إسلامية انطلقت من بيئة صحراوية مُفقرة
في إلحاق الهزيمة بأعتى أمبراطوريتين في العالم (الرومان والفرس) مغيّرة بذلك وجه
التاريخ، بات كل المؤرخين والباحثين بلا استثناء يعتبرون هذا البلد أرض المفاجآت
الكبرى والإنقلابات التاريخية التي قد لاتخطر على بال أحد.
وهم على حق.
________
قراءات أخرى عن التغيير في السعودية:
|
- The Christian Science
Monitor - CSMonitor.com
In
Saudi Arabia, a quiet tide of reform.
______________
Center
for strategic and internations studies:
-
Saudi Youth: Unveiling the Force for Change
______________
-
council on foreign Relation:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق