حكومة البحرين اسقطت الجنسية عن عشرات المواطنين بحجج
تقويض الأمن الوطني. لكن هذه الخطوة بالذات هي التي ستقوِّض ليس فقط الأمن
الوطني نفسه، بل حتى مستقبل البحرين كدولة للحوار والتعايش والتسامح والحداثة
والتطور.
|
-
I -
حصيلة وحيدة لاسقاط الجنسية عن 31 مواطناً بحرينيا:
تأجيج الصراع الطائفي في البلاد، ودفعه إلى أقصى ذورته الوجودية، عبر إشعار كل بحريني
شيعي بأنه قد يتحوّل بين لحظة وأخرى إلى مواطن بلا وطن.
الذريعة التي تقدمت بها الحكومة البحرينية هي أن هؤلاء
المواطنين، وبينهم سياسيون ونشطاء ورجال دين، "يهددون يتقويض الأمن
الوطني"، وهي تهمة تستخدمها دول أخرى كبريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل
لسحب الجنسية.
وعلى رغم أن منظمة العفو الدولية قالت أن هذا القرار،
الذي وصفته بأنه " اجراء مخيف تقشعر له الأبدان"، اتُخذ لاعتبارات سياسية تعسفية لاقانونية ويعتبر خرقاً للقانون الدولي، إلا أن وسائط الإعلام
الاجتماعي، خاصة تويتر، عجَّت بآلاف الرسائل النصيِّة التي أوردها مناصرو الحكومة
البحرينية، والتي كشفت عن المخاطر الحقيقية والعميقة لهذا الإجراء. إذ أن الغالبية الكاسحة من هذه الرسائل جاءت تنضح بالتعصُّب
المذهبي، وبتكفير الآخر، وحتى بالدعوة إلى الانتقال من سحب الجنسية إلى القتل.
قلة من هذه الرسائل جادلت بقانونية أو لاقانونية اسقاط
الجنسية، فيما الكثرة كانت تعلنها حرباً شيعية- سنّية صريحة، وشعواء، وشاملة.
فهل هذا هو الطريق لإعادة الاستقرار إلى البحرين (وباقي
منطقة الخليج)؟ هل "الإجراءات المخيفة التي تقشعر لها الأبدان"، هي
الوسيلة لإعادة توحيد نسيج البدن الوطني البحريني وحمايته من التمزّق، والدمار،
والحروب الأهلية، والحروب بالواسطة بين إيديولوجيتين طائفيتين في كلٍ من إيران
والسعودية؟ هل هذا الأسلوب الأمثل لدفع المواطنين الشيعة إلى عدم التطلع إلى إيران
كحليف لهم في مطالبهم في المواطنة والمساواة، أم أن هذا، على العكس، سيدفع العديد
منهم إلى اليأس والتطرف وبالتالي الارتماء في أحضان طهران؟
-
II -
ما لم تتراجع الحكومة البحرينية عن هذا القرار القروسطي،
فهذا سيعني بوضوح أن ثمة قراراً ما على أعلى المستويات للانجرار إلى "الفتنة
الكبرى-2 " بين السنّة والشيعة، ليس فقط في البحرين بل في كل الشرق الأوسط
والعالم الإسلامي. وهو قرار ليس إقليمياً وحسب، بل دولي أيضا.
كيف؟
في أواخر آذار\ مارس 2006، أوفدت صحيفة "
لوموند" الفرنسية موفداً إلى بغداد لدراسة جوانب الوضع العراقي، خاصة منه
إحتمالات الحرب الاهلية. بعدها أيام قليلة، كان الموفد يرسل أولى تقاريره مشفوعة
بالخلاصة الآتية: " اميركا في العراق( والتالي في باقي الشرق الاوسط
الأسلامي) إكتشفت سلاحاً أخطر من أسلحة الدمار الشامل: الحرب المذهبية داخل
الاسلام، بين السنّة والشيعة".
خلاصة مخيفة؟
بالتأكيد. لكنها حقيقية.
فالسؤال في المنطقة العربية والعالم الأسلامي الأن
لم يعد: هل يفجِّر الغرب اللغم المذهبي في العالم الأسلامي، بل إلى أي مدى. ويكفي
للتأكد التلفّت حولنا قليلاً . حينها سنصطدم سريعاً بجملة حقائق دفعة واحدة على كل
الصعد الأكاديمية والأعلامية والسياسية ، وبالطبع الفكرية والثقافية ، التي تصب في
هذا الاتجاه.
وعلى سبيل المثال ، إشتكى لكاتب هذه السطور مؤخراً
صديق أكاديمي يعمل بروفسوراً في أحد
جامعات باريس الكبرى، شكوى مرّة من إصرار زملائه الأساتذة الفرنسيين على توجيه
طلابهم العرب والمسلمين إلى دراسة الطوائف والمذاهب والعشائر المفتتة لبلدانهم،
بدل دراسة المفاهيم والعناصر الموحّدة للأمة والشعوب تاريخاً وحاضراً.
إستنتاج البروفسور: الجسم الأكاديمي الغربي يتحّرك
إما بدافع إستشراقي – إستعماري كذلك الذي حذّر منه إدوارد سعيد، عبر تطبيق نظريات
الأنثروبولوجيا على شعوب الشرق ( التي تتحّول حينها إلى حيوانات إختبار)، أو بحافز
غير بريء هو خدمة سياسات القادة الغربيين
التقسيمية الجديدة في المنطقة.
وعلى سبيل المثال أيضاً، نشر الكاتب البريطاني
البارز مارتن وولاكوت مقالاً في " الغارديان " حمل العنوان المثير:
" كيف أساء الغرب فهم الشرق ؟ ". لكن من يبدأ بقراءة المقال، سرعان ما يُصدم
حين يعلم أن سوء الفهم هذا يكمن، برأي
الكاتب، في عدم تركيز الغرب على
إستخدام الصراع السنّي- الشيعي كمفتاح
لتحليل كل ما يجري في الشرق الاوسط.
بالطبع، لسنا هنا في وراد نفي وجود خلافات او حتى
الصراعات على السلطة بين السنّة والشيعة.
فهذه باتت الآن، وبعد الكوارث التي حلّت بالقوى الحديثة من ليبرالية
وعلمانية وقومية وماركسية، مجرد تحصيل حاصل.
بيد أن
هذا شيء، وإعادة قراءة كل التاريخ الراهن على هدي الفتنة المذهبية، شيء آخر مختلف
تماماً. هنا لا تصبح العوامل الداخلية هي الأمر الحاسم ، بل يناط الأمر كله للعوامل الخارجية. هنا يصبح لنظرية "
اللاإستقرار البناء " الذي أطلقها الباحث الأميركي روبرت ساتلفوف وتبنتها بعض
دوائر الأدارة الأميركية، معنى وحيداً: تفجير البنى الاجتماعية العربية ، ليس لبناء الديموقراطية فوق أشلائها، بل لتأبيد
الحروب الاهلية المذهبية " غير البناءة " فيها .
الغرب، مراكز أبحاث ومؤسسات، يمارس هذه الأيام
" سياسة تاريخية" (إذا ما جاز التعبير) في العالم الأسلامي. سياسة تنطلق من الحقيقة بأن
الحرب الاهلية السنّية – الشيعية في القرن
الاول الهجري أدت إلى أول شرخ ضخم في جسم الامة؛ وإلى إغلاق باب الاجتهاد لدى السنّة في القرن الثالث عشر الميلادي، وإلى
التقية والتقوقع لدى الشيعة. كما ادت إيضاً إلى الحروب العثمانية – الصفوية التي
يعترف كبار المفكرين الأسلاميين الأيرانيين، وفي مقدمهم علي شريعتي، بأنها كانت
الخطأ القاتل الأكبر في تاريخ بلادهم .
كل هذه الأحداث المأساوية أسفرت، كما هو معروف، عن
شل طاقات الامة وجعلها لقمة سائغة أمام
الأجتياحات الخارجية، بدءاً من الصليبيين والمغول، مروراً بحروب الأندلس والبلقان،
وإنتهاء في العصور الحديثة بالأجتياحات الأستعمارية الأوروبية .
لولا الحروب الاهلية السنّية- الشيعية ، لما أصيبت
الحضارة الأسلامية بالجمود والمراوحة في المكان والزمان ( عند السّنة )،
والتقوقع ( عند الشيعة ) . ولولا هذه
الحروب، لما سيطر المتطرفون من كلا الطرفين على جداول الأعمال السياسية
والأيديولوجية طيلة اكثر من ألف
عام .
- III -
هل تدرك الحكومة البحرينية وأنصارها، في الداخل
والخارج، هذه الأبعاد الخطيرة؟
نرجو أن يكون الجواب بالنفي، لأنه ما لم يكن الأمر
كذلك، سيتحوّل هذا البلد الصغير جغرافياً والكبير حضارياً وثقافيا، إلى أرض محروقة
يعيث فيها الطائفيون والمذهبيون فساداً وتعصباً ودماراً، وتغرب عنها شمس التسامح
والاعتدال وفرص التحديث والتطور.
سعد
There is no السنّة أوالشيعة in real Islam it is Israealiat divid and Rule and Bahrainy what so called King in desperate act
ردحذف