- I -
ثمة تسونامي سياسي- فكري حقيقي بدأ يزحف هذه الأيام على
كل منطقة الخليج، وتبدو آثار أقدامه واضحة في كل مكان.
انتفاضة الكويت: ليس بالخبز وحده (الصورة من غوغل |
فالكويت عبرت مؤخراً نهر الروبيكون ومعه العديد من
الخطوط الحمر، حين نزلت عناصر رئيسة من المعارضة (خاصة في القطاعين الإسلامي والقَبَلٍي)
إلى الشارع معلنة تصميمها على تغيير قواعد اللعبة مع النظام، حتى ولو اضطرت لأن
تعيد النظر بدور أسرة آل الصباح في الدولة والمجتمع.
وعلى رغم أن التحرُّك الكويتي لاعلاقة مباشرة له بثورات
الربيع العربي، لأنه يتم في إطار الصراع المزمن بين نخب البرلمان ونخب الحكومة
والأسرة، إلا أنه قد يصب في النهاية في خانة هذه الثورات إذا ما واصلت الأسرة
الحاكمة تصلُّبها، وإذا مانجحت المعارضة المتحركة راهناً في تسوية خلافاتها مع
الليبراليين وفئات واسعة من الطبقة الوسطى.
وفي الإمارات، بات واضحاً، خاصة بعد تقرير البرلمان
الأوروبي حول تجاوزات حقوق الإنسان فيها وتنامي "المعارضة الألكترونية" واسعة
النطاق ضد الممارسات الحكومية، أن الحلول الأمنية للخلافات السياسية قد وصلت إلى
طريق مسدود، لا بل هي تكاد تنقلب الآن إلى عكسها: فبدلاً من أن تجنِّب دولة
الإمارات التعرُض إلى رياح الربيع العربي، قذفت بها إلى عين إعصارها، خاصة بعد
بادر "جنرالات الحلول الأمنية" إلى إعلان حرب مكشوفة على جماعة الإخوان
المسلمين وباقي الفئات المطالبة بالإصلاح.
وفي السعودية، يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الذي وصلت
إليه في الإمارات، على رغم أن الأسرة الحاكمة فيها لاتزال تتمسك بتكتيك السرية
والكتمان والباطنية في تعاطيها مع أزمات الداخل ومايرتبط بها من سياسات خارجية. فوسائط
التواصل الاجتماعي(والتي باتت تمثِّل بالفعل "مجتمعاً سعودياً ثانياً"
وقوياً للغاية، كما سنوضح في مقال لاحق) تموج بكل الدلائل التي تشير إلى أن
استراتيجية "بالخبز وحده يحيى الأنسان"، المترافقة مع مواصلة القمع
الأمني للحريات السياسية والفكرية، بدأت هي الأخرى تصل إلى طريق مسدود.
ولعل خطبة العيد التي أدلى بها مفتي السعودية (راجع
مقالنا حول ذلك في هذا الموقع) وحمل فيها بعنف على من يطالبون بالدولة المدنية
الديمقراطية( وهذا يشمل ليس فقط الإخوان المسلمين في مصر وتونس وبقية المنطقة
العربية، بل أيضاً كل القوى الوطنية والليبرالية واليسارية والعلمانية) ، كانت
دليلاً على مدى شعور الأسرة الحاكمة بحالة الحصار السياسي والفكري الذي تعيش بسبب
الربيع العربي.
ثم هناك بالطبع البحرين، التي أثبتت انتفاضاتها الشعبية
المتواصلة أن كل الحلول الأمنية والقمعية في الداخل، والحملات العسكرية (درع
الجزيرة) في الخارج، لم تنجح في إخمادها. لا بل زادتها اشتعالاً وكادت تحوّلها إلى
نمط حياة في أوساط الشعب البحريني. وهذه الحقيقة قد تفرض نفسها قريباً على صناع
القرار الأميركيين، الذين تحتاج قواعدهم العسكرية الضخمة في البحرين إلى القليل من
الاستقرار لكن الكثير من شرعية السلطة الحاكمة، كي يكون في مقدروهم إضفاء ومضات من
هذه الشرعية نفسها على وجودهم العسكري.
ومن أيضاً؟
هناك عُمان التي كان شعبها السبّاق في التحركات
الإحتجاجية التي قد تتجدد في أي لحظة. كما هناك قطر التي لابد أن تشهد في وقت ما
تحركاً يطالب أسرتها الحاكمة بتطبيق مايجري في السماء على الأرض. أي: تحويل
ادعاءات الحكومة القطرية عن دعمها لثورات الربيع العربية في فضائية الجزيرة إلى
سياسة قابلة للتطبيق على أرض قطر نفسها.
- II -
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
إنها تعني، أساساً، أن الأسر الخليجية الحاكمة لاتتعثر
في مواجهتها لنسائم الربيع العربي وحسب، بل هي أيضاً باتت تخاطر بخسارة الشرعية
النسبية التي تمتعت بها في السابق بفعل عاملي التحالفات القبلية وشراء ولاء
الطبقات الاجتماعية بأموال النفط.
وهذا أمر كانت الباحثة الأميركية مارينا أوتاوي أول من
حذّر منه حين قالت:" أحداث الربيع العربي أثبتت أن الملكيات الخليجية تحظى
بشعبية استثنائية لدى مواطنيها. لكن لايبدو أنها تسعى إلى الإفادة من هذه الشرعية
لتدبُّر أمر عملية إصلاح مُسيطر عليه من فوق، من شأنها تجنُّب تصاعد المطالب من
تحت. ونتيجة لذلك، قد تتآكل شرعيتها وستواجه على الأرجح تحديات أكثر حدّة في
المستقبل".
حسناً. هذا المستقبل وصل الآن، ويبدو أنه بدأ يحقق نبوءة
أوتاوي، حيث يتمخض الخليج بعنف من البحرين
إلى الكويت، ومن الرياض إلى أبوظبي، مروراً عما قريب في عُمان وقطر، وحيث تواصل
الأسر الحاكمة التعثُّر بشدة.
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق