من تنضج الديمقراطية الكويتية؟
في الماضي القريب، أي قبل نحو السنتين، لم يكن هذا
السؤال ملحّاً، لا في الكويت نفسها ولا في المنطقة العربية، مع أن هذه الأخيرة
كانت، ولاتزال، تتطلع إلى هذه الدولة الصغيرة على أنها مشروع أنموذجي كبير لمستقبل
عربي مغاير.
أسباب عدم الإلحاح كانت عديدة: "تعوُّد"
الكويتيين على الصراعات الدائمة والعنيفة بين البرلمان المُنتخب والحكومة المعيَّنة،
وكأنها باتت جزءاً من حياتهم اليومية؛ تمتع الكويتيين بحس عالِ من الهوية الوطنية،
ماكان يحول دوماً دون تحوّل انسداد آفاق التطور السياسي إلى عنف أمني؛ وأخيراً
وجود "شعور تاريخي" ( إذا جاز التعبير) بين الكويتيين بأن ديمقراطيتهم،
التي كانت أول صيغة توافقية بين الحكام والمحكومين في المنطقة العربية، تسير على
الصراط المستقيم وإن كان بسرعة السلحفاة.
بيد أن ماكان معقولاً ومقبولاً قبل ثورات الربيع العربي،
لايبدو أنه بات معقولاً ومقبولاً بعده. فرحلة الانتقال إلى الديمقراطية في تونس
والمغرب ومصر وليبيا، وقريباً في سورية، جعلت العربة قبل الحصان بالنسبة إلى
الديمقراطية الكويتية، بحيث أن الكويت لم تعد تؤثّر على بيئتها المحيطة بل باتت
تتأثر بها.
.. وانقلاب دولي
هذا الانقلاب في عملية التأثر والتأثير لايتوقف فقط على
الأوضاع الداخلية، بل يطال أيضاً المناخ الدولي الذي كان الحاضنة الحقيقية لانتقال
الشعوب العربية من خريف السلطوية إلى ربيع الديمقراطية. بكلمات أوضح: ثمة قرار
دولي على أعلى المستويات بتغيير كل الخريطة السياسية الشرق أوسطية، مدخله الرئيس
التحالف والتعاون مع المجتمعات المدنية بدل الأنظمة الاستبدادية العربية. وهو،
بالمناسبة، قرار ليس في استثناء واستئناف لأي دولة من دول المنطقة.
هذه الحقيقة، في حال جرى الاعتراف بها في الكويت، يمكن أن
تخدم كمنطلق للسلطة والمعارضة كي يدشنا رحلة المرحلة الثانية التي طال انتظارها في
تطور الديمقراطية الكويتية. مرحلة يجب أن تعني انتقال الحكومة والبرلمان من الصراع
الدائب على السلطة إلى إبرام تسوية تاريخية جديدة بينهما، لا يقوى فيها المجتمع
المدني لكن ليس إلى درجة الهيمنة، ولاتضعف الدولة إلى درجة فقدان السيطرة.
المدخل لهذا التطوير هو الدستور الكويتي الذي ينص في
إحدى مواده على أن "الشروط ذات الصلة بالنظام الأميري ومباديء الحرية
والمساواة المذكورة في الدستور، لاتُطرح للتعديل إلا إذا كان الأمر يتعلّق باسم
الإمارة أو زيادة ضمانات الحرية والمساواة".
أين الحلول؟
حسنا. هذه "الزيادة" باتت مطلوبة الآن،
وبالحاح.
فكما أشرنا في البداية، خطف الربيع العربي من الكويت ترف
الجلوس في غرفة انتظار التاريخ، إلى حين توافر ظروف أكثر ملاءمة للتغيير البطيء.
فالشلل السياسي بات له معنى "استراتيجي" آخر في خضم الأعاصير
الاجتماعية- السياسية العربية الراهنة. والشلل الاقتصادي، الذي أفقد الكويت
ريادتها المعروفة في منطقة الخليج وقذف بالمستثمرين الدوليين بعيداً عن شواطئها،
أصبح له نكهة مخاطر جديدة قد لايكفي معها مواصلة نثر أموال النفط عليها لإطفاء لهيبها.
الاصلاح الآن في الكويت بات يعني الانقاذ. ومالم يحدث
ذلك اليوم، قد يفاجأ الجميع غداً (حكومة وبرلماناً) بتطورات تخرج عن سيطرتهم وتدخل
في إطار الاستراتيجية الدولية (الانقلابية) الجديدة في الشرق الأوسط.
لقد علّق أمير الكويت جلسات البرلمان لمدة شهر، في جهد
واضح لوقف تفاقم الأزمة السياسية الراهنة.
حسنا. لكن وقف التفاقم لم يعد كافياً، تماماً كما أن
الحلول التجميدية السابقة لم تعد كافية هي الأخرى. فالمرحلة التاريخية الجديدة في
المنطقة أصبحت تتطلب، وسريعاً، مرحلة جديدة في الكوبت.
آن أوان إنضاج الديمقراطية الكويتية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق