-
I -
هل سقط لبنان في هوة الحرب الأهلية السورية وانقضى
الأمر؟
تفجير بئر العبد في الضاحية الجنوبية قد يكون أبلغ تأكيد
ذلك. لكنه لم يكن التأكيد الأول ولا الوحيد.
ففي 26 أيار/مايو الماضي، كان هذا هو السؤال المؤرق الذي
ساور كل اللبنانيين وهم يستمعون إلى السيد حسن نصر الله وهو يعلن رسمياً انخراط
حزب الله الكامل "حتى النصر" في الحرب الأهلية السورية، ويدعو إلى تقبّل
"الأثمان والتضحيات".
هذا الإعلان، المترافق مع وجود آلاف المقاتلين من حزب الله في محافظتي حمص
ودمشق، بدد كل الافتراضات السابقة بأن حزب الله لايريد سوى حماية خطوط إمداداته
وعمقه الاستراتيجي في مثلث حمص- طرطوس- الهرمل، وأطلق فرضية قوية أخرى تقول بأنه
ربط مصيره نهائياً (ومصيثر لبنان معه) بمصير النظام السوري.
وإذا ماصحّت هذه الفرضية، والأرجح أنها كذلك لكل من قرأ آنذاك خطاب نصر الله المتطرف في وضوحه حيال
"إعلان الحرب" رسمياً على الانتفاضة السورية، فإنها ستجرجر وراءها
سؤالاً في غاية الخطورة: هل انتقال حزب الله إلى مرحلة العمل على رسم خرائط
عسكرية-جغرافية جديدة له سيقتصر على الوطن السوري، أم أن هذا سيتنقل عاجلاً أم
آجلاً إلى الوطن اللبناني أيضا؟
بكلمات أوضح: هل سيستتبع نجاح الحزب والنظام السوري في
السيطرة على مثلث حمص- طرطوس- الهرمل بالضرورة السيطرة أيضاً على مثلثات أخرى،
تشمل هذه المرة، على سبيل المثال، مناطق البقاع الغربي السنّي والجبل الدرزي
الشوفي اللذين يشكلان منطقة عازلة طبيعية عن المثلث الأول؟
-
II -
هذا السؤال لم يعد افتراضياً الآن، بعد أن باتت إطلالة
حزب الله على التطورات في سورية وبقية مناطق الهلال الخصيب مطابقة كلياً لإطلالة
النظام السوري، ومعه النظامين العراقي والإيراني، من حيث تركيزها التام على
الجوانب الأمنية- العسكرية للصراع الراهن الهادف إلى الدفاع عن النفوذ الإقليمي
الإيراني المتآكل في هذه المناطق.
السيد حسن نصر الله نفسه ألمح إلى هذا الجانب ضمناً، حين
نعى فجأة الدولة اللبنانية، على رغم حرصه الشديد قبل أشهر قليلة على الدفاع عنها
وعن الحاجة الضرورية إليها، إلى درجة دعوتها إلى دخول معاقله في الضاحية الجنوبية
للحفاظ على الأمن الداخلي فيها.
ويصب في هذه الخانة التطورات السياسية المثيرة التي
حرّكها حزب الله مؤخراً، حين أسقط فجأة حكومة الرئيس ميقاتي، ثم تحرّك لشل كل
المؤسسات الأخرى الأمنية والسياسية والتشريعية، وحين واصل منع تشكيل حكومة جديدة.
آنذاك، قيل أن الحزب فعل كل ذلك لأنه لايريد أن يسائله
أحد عما يفعل في سورية. أما الآن، وبعد أن بات حرب الحزب في بلاد الشام علنية
ورسمية "سيمضي فيها حتى النهاية وصولاً إلى تحقيق النصر" (على حد تعبير
نصر الله)، فقد بات السؤال عن مصير النظام السياسي اللبناني نفسه على المحك.
لقد سبق لنصر الله أن دعا إلى تشكيل جمعية تأسيسية تقوم
بإحلال نظام سياسي جديد مكان نظام الطائف. بيد أن الأمر اختلف الآن، بعد أن بات
حزب الله منخرطاً في تنفيذ خرائط عسكرية جديدة إنطلاقاً من بلدة القصير. إذ أي أي
تغيير في تركيبة النظام اللبناني يجب أن تتم الآن بقوة السلاح، أسوة بما يجري الأن
في كلٍ من سورية والعراق.
هل ثمة مغالاة ما في هذه الاستنتاجات؟
ربما.
لكن من يقرأ بتمعن خطاب نصر الله الأخير، ويرفقه بالذعر
الذي ينتاب النظام الإيراني من جراء تآكل نفوذه الإقليمي في سورية والعراق، ومعه
تآكل وضعه الداخلي الاقتصادي - الاجتماعي واقترابه من مرحلة الإفلاس (كما أوضح
هاشمي رفسنجاني قبل أيام)، فقد يتوصّل إلى الاستنتاج بأن طهران ربما قررت بالفعل استخدام كل أوراقها الّإقليمية
دفعة واحدة للدفاع عن نظامها الداخلي.
وأثمن ورقة هنا هي حزب الله، الذي يُعتبر الانجاز الكبير
الوحيد في السياسة الخارجية للثورة الإيرانية، والذي كانت تحتفظ بها طهران كخط
دفاع أول عن نفسها ضد أي هجوم إسرائيلي.
بيد أنه يبدو أن ضرورات إنقاذ النفوذ الإيراني طغت على
محظورات حرق ورقة حزب الله على هذا النحو في سورية. فما الذي يمنع طهران من استخدام هذه الورقة الآن لتغيير معطيات الأمر
الواقع اللبناني كاستكمال لما تقوم به الآن من عمليات لتحصين النظام السوري في
مثلث حمص- طرطوس- الهرمل؟
حقاً، ما الذي يمنعها؟
-III -
كل هذه المعطيات يجب وضعها في الاعتبار، ونحن نشهد بدء
مسلسل التفجيرات في الضاحية الجنوبية.
وهنا يتعين القول أن تفجير بئر العبد لم يكن مفاجئاُ
لأحد. فالكل كان يعلم، وفي مقدمهم حزب الله، أن التفجيرات في لبنان آتية لاريب
فيها: اليوم في بئر العبد في الضاحية الجنوبية الشيعية، وغداً ربما في الطريق
الجديدة السنيّة في بيروت.
ولأن الكل كان يعلم، لا أحد تفاجأ. لا بل العكس: العجب
العجاب كان أن يمر كل هذا الوقت منذ أن انخرط حزب الله اللبناني بكليته في الحرب
السورية، قبل أن ينتقل لهب الحريق إلى بلاد الأرز.
إنها حروب حزب الله التي بدأت مع دفع لبنان إلى أشداق
الحرب الأهلية السورية، ولن تنته (من أسف) في أي وقت قريب.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق