يخطىء من يعتقد، أو يراهن، على أن إطاحة الرئيس محمد
مرسي، ستعني بداية النهاية لجماعة الإخوان المسلمين المصرية.
صحيح ان خسائر الجماعة كانت فادحة على كل الصعد حتى قبل
"الانقلاب الشعبي- العسكري" عليها، حيث عجزت عن الاثبات أنها قادرة وهي
في الحكم على بلورة إجماع وطني جديد حول دولة وطنية جديدة؛ وصحيح أن أحداث الأيام
الأربعة أثبتت تراجعاً كبيراً في قدرتها على التعبئة والمقبولية الشعبيين، إلا أن
الصحيح أيضاً أن هذه الجماعة لم تمت طيلة 80 سنة من القمع والعمل السري، ولن تموت الآن على رغم محنتها الكبرى الراهنة.
لكن السؤال الكبير الآن هو: كيف ستتفاعل الجماعة من
داخلها مع هذه المفاجأة السريعة الكبرى التي نقلتها من جنة الحكم والسلطة، إلى
جهنم السجون والاعتقالات والملاحقات(مجدداً) ؟
ثمة سيناريوهان هنا:
الأول، أن تؤدي ردود الفعل الغاضبة والانفعالية على
الانقلاب الشعبي- العسكري إلى تضخيم مشاعر الاضطهاد والظلم لدى قادة الجماعة وقواعدها
، الأمر الذي قد يسهِّل إعادة انتاج الظاهرة القطبية (من سيد قطب) فيها والداعية
إلى تكفير الدولة والمجتمع والعودة إلى العمل السري والعنفي.
والثاني، حدوث تفاعلات وتمخضات تنظيمية حادة داخل الجماعة،
ربما تشمل حتى انشقاقات وتصدعات، ما يساهم في انتقال أجنحة فيها من الحالة
الإسلامية الأربكانية التركية التي أرساها الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين
أربكان وسقطت على يد الجيش أيضاً العام 1997، إلى الحالة الأردوغانية الليبرالية
التي تصالح في إطارها الإسلاميون الجدد الأتراك مع كلٍ من الحداثة الفكرية
والمادية ومع مفهوم الدولة الوطنية.
وربما يبرز أيضاً سيناريو ثالث قد يكون أسوأ من الأول،
تعجز فيه الجماعة عن فهم الدرس الأساسي لفشل تجربتها في السلطة وهو أنها بقيت تنظيماً
مغلقاً على نفسها حتى بعد أن باتت مسؤولة عن 85 مليون مصري وليس فقط مليوناً من
الأعضاء الملتزمين. وحينها ستتمسك الحركة بتركيبتها السرية، مع العمل لاحقاً على
المشاركة المحدودة في العمل السياسي تحت شعار "المشاركة لا المغالبة"
الشهير الذي طبّقته طيلة العقود الثلاث من الحكم السلطوي للرئيس حسني مبارك.
أي السيناريوهات الثلاثة سيكون الأقرب إلى التحقق؟
الأمر هنا لن يعتمد فقط على التمخضات الداخلية داخل
الجماعة (على رغم أنه يتوقع أن تكون بالفعل زلزالية)، بل وبالدرجة نفسها على
التحالف العسكري- اليساري الليبرالي الحاكم الجديد، الذي سيتعيّن عليه أن يساهم في
النقاشات الداخلية الإخوانية، من خلال فتح كل الأبواب والنوافذ أمام فرصة انضمام
الجماعة إلى المرحلة الانتقالية الجديدة.
"خريطة المستقبل" التي طرحتها القوات المسلحة،
وعزز مضامينها محمد البرادعي وشيخ الأزهر وبابا الأقباط، كانت حريصة على الدعوة
الملحة إلى المصالحة الوطنية. وفي حال شق هذا التوجه طريقه إلى التنفيذ، سيكون في
وسع الأردوغانيين المحتملين في الحركة أن يقوموا هم أيضاً بـ"ثورة
ثانية" تحاكي ثورة 30 حزيران/يونيو الشعبية الثانية.
لكن، إذا ماكان لابد من المغامرة في ممارسة لعبة
التكهنات والتوقعات حيال السيناريوهات الثلاثة، سنقول أن سهم التاريخ سيصب في صالح
السيناريو الأردوغاني الثاني.
لماذا؟
لأن تجارب
الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا في القرن التاسع عشر وتجربة الحركة
الإسلامية في تركيا واندونيسيا في القرنين العشرين والحادي والعشرين، تشي بأن
الأحزاب الدينية التي دخلت عرين السياسة، تميل إلى طرح الإديولوجيا جانباً
والأعلاء من شأن البراغماتية الواقعية حين تتعرَّض إلى نكسات أو ردود فعل قوية من
الدولة أو المجتمع.
والأرجح أن إخوان مصر سيسيرون هم أيضاً على هذا الطريق،
ولو بعد حين، أي بعد أن يفيقوا من هول الضربة التي نزلت على رؤوسهم وأفقدتهم
التوازن وحس الاتجاهات.
_______________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق