-
I -
السؤال التالي قد يبدو لوهلة بسيطاً، لكنه في الواقع معقَّد
للغاية:
كيف تتسامح إسرائيل، أو حتى تتعايش، مع امتداذ النفوذ
العسكري لعدوها حزب الله من جنوب لبنان
إلى القصير وحمص في سورية، وصولاً إلى بعض مناطق درعا ودمشق؟
ولماذا تتسامح الولايات المتحدة، أو حتى تتعايش، مع
انبعاث النفوذ الإيراني في سورية، بعد أن ذجَّت طهران مؤخراً جل طاقاتها العسكرية
والأمنية والتنكولوجية لإنقاذ نظام الأسد؟
السؤال يبدو بسيطاً لأن جوابه بسيط: تل أبيب وواشنطن
تبدوان سعيدتين للغاية بغرق إيران وحزب الله في الوحول السورية. ولذلك فهما لاتعتبران
أن ثمة خطراً أمنياً عليهما، طالما أن الحرب الأهلية- الإقليمية السورية ستدوم
طويلاً كما تؤكد معظم التحليلات.
لا بل أكثر: بالنسبة إلى إسرائيل، قد يكون
"الكوريدور(الممر) الأمني الذي يقيمه الأن النظام النظام السوري بالتعاون مع
حزب الله في مثلث القصير- حمص- دمشق إضافة
إلى امتدادته الجغرافية في البقاع اللبناني (وربما أيضاً الجنوب اللبناني) تطوراَ
إيجابياً، طالما أنه قد يعني احتمال قيام دولة علوية وبالتالي تفتيت سورية إلى
دويلات طائفية كما كانت أيام الاستعمار الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين.
-
II -
لكنه (السؤال) ينقلب إلى التعقيد، حين نضع في الاعتبار
أن موازين القوى الداخلية السورية توقفت عن كونها العامل الحاسم في الصراع، وحلّت
مكانها الاعتبارات الاستراتيجية الإقليمية والدولية.
هنا، تكون "إيجابية" قيام الدولة العلوية
سلبية لأسرائيل، إذا ما عنت أن هذه الدولة ستكون تحت حماية إيران وسطوتها.
وهنا أيضاً، ستكون أميركا هي الخاسر الأكبر، ليس في
الشرق الأوسط بل في العالم أيضاً، إذا ما نجحت إيران وحزب الله في فرض سيطرة نظام
الأسد مجددا على سورية أو معظمها، لأن ذلك سيعني ابنعاث امبراطورية قورش الفارسية
التاريخية مجدداً في قوس يمتد من أصفهان إلى سواحل البحر المتوسط على رفاة
الامبراطورية الأميركية- الإسرائيلية المشتركة في الشرق الأوسط.
وهذه الحقيقة لن تسمح لأميركا بإدارة الظهر الأميركية
للأزمات الدولية في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق، إذا ما أرادت هذه القوة
العظمى مواصلة اعتصار الاقتصاد المالي الدولي والحفاظ على سطوة الدولار، عبر لعبها
دور شرطي النظام العالمي المحافظ على أمنه واستقراره.
في مرحلة ما، ستصل إدارة أوباما إلى لحظة الحقيقة. وهذه
الأخيرة ستأتي إذا ما واصل النظام السوري، ومعه حلفاؤه في إيران والعراق وحزب الله
الذين قذفوا مؤخراً بكل أوراقهم الاستراتيجية في لعبة البوكر الدموية السورية،
تحقيق المزيد من الانجازات العسكرية والأمنية. إذ أن ذلك سيعني أن إيران ستخرج من
سورية منتصرة مما كان يفترض أن يكون أكبر هزيمة استراتيجية لها.
ومثل هذا التطور لن يلبث أن يجعل دولة الخميني في موقع
يمكنها من فرض حصار حقيقي على منطقة الخليج العربي التي تحتوي على 45 في المئة من
احتياطي العالمي، والتي ستصبح حينذاك ليس فقط خليجاً فارسياً قولاً وفعلاً وحسب، بل أيضا مرتعاً للصينيين
الذين ييدو أنهم بدأوا يردون الآن على استراتيجية الاستدارة الأميركية شرقاً نحو
الصين وشرق آسيا باستراتيجية الاستدارة غرباً نحو الشرق الأوسط وروسيا وإفريقيا.
-
III -
الآن، طالما أن سؤالنا الأولي يتضمن كما هو واضح التبسيط
والتعقيد في آن، فما هي طبيعة التطورات التي يمكن أن تنهي هذا التناقض؟
أي: متى (وليس هل) ستقرر واشنطن وتل أبيب التدخل في
سورية؟
سيحدث ذلك حتماً في اللحظة التي يبدو فيها أن مثلث
إيران- حزب الله- نظام الأسد، بات قاب قوسين أو أدنى من سحق المعارضة السورية.
إذ حينها، ستتبدد كل المبررات التي ساقها رئيس هيئة
الأركان المشتركة الاميركية ديمبسي أمس لرفض التدخل الاميركي في بلاد الشام، وستحل
مكانها الدعوات المزدوجة في واشنطن إلى كلٍ من ضرورات التدخل الإنساني
("مسؤولية التدخل") لوقف الإبادات الجماعية في سورية، وإلى حماية
المصالح الاستراتيجية الاميركية ضد "الاعتداءات" الإيرانية والصينية
والروسية عليها.
أما إسرائيل، فسيكون تدخلها أكثر إلتباسا، لأنها لن
تعارض الموقف الأميركي الذي ينتظر أن يدعم المعارضة السورية بالسلاح والتدريب،
خاصة ضد وحدات إيران وحزب الله، لكنها ستعمل في الوقت ذاته على عرض مظلة حمايتها
للدولة العلوية في حال تقرر إنشاؤها.
وهذا ما يفسر
لنا مجدداً أسباب بساطة وتعقيد سؤالنا الأولي!
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق