- I-
"زوجي استشهد في القصير وهو يقاتل من هُم أخطر من إسرائيل".
هذا ماقالته أمس أمرأة بقاعية لـ"فرانس برس"
بعد ان دفنت للتو جثة زوجها، في مراسم يبدو أنه غابت عنها شعائر الحزن لتحل مكانها
شعارات الاستشهاد.
وإذا ماعنى هذا الأمر شيئاً، فإنه يعني النجاح الباهر لحزب
الله في تعبئة قواعده الشعبية، في البداية عبر التركيز على أنه يخوض في سورية حرب
الدفاع عن المواطنين الشيعة في محافظة حمص وعن المقامات المقدسة الشيعية في دمشق،
ثم لاحقاً في إقناع هذه القواعد بأن كل المعارضين السوريين للنظام تكفيريون يتعيّن
شن حرب استباقية ضدهم "قبل أن يأتوا
إلينا ليقتلونا".
وبعد ذلك كانت الحصيلة متوقعة: انغماس حزب الله بكليته
في الحرب الأهلية السورية، ليس فقط في القصير ومحافظة حمص، بل أيضاً في دمشق
وريفها، وربما غداً في درعا وامتدادتها. وهذه خطوة لم يكن الحزب ليقدم عليها لولا
صدور أوامر مباشرة من ولي الفقيه الإيراني خلال لقائه الأخير(على ماقيل) مع السيد
حسن نصر الله في طهران.
لكن، وكما تساءلنا بالأمس: لماذا قد تُقدم إيران على
إحراق ورقة استراتيجية كبرى لها من نوع تنظيم كحزب الله تطلب بناؤه عشرات مليارات
دولار خلال ثلاثة عقود، وكانت قد خصصته كخط دفاع أول وكدرع صاروخي ضد أي هجوم إسرائيلي
عليها؟
- II-
الإجابة تكمن في الصراع على الخرائط الجيو- سياسية
الجديدة التي بدأت تتضح معالمها في الشرق الأوسط، والتي تتنافس ثلاث قوى إقليمية
رئيسة على تقاسم مناطق النفوذ فيها: تركيا، إيران، وإسرائيل.
تركيا، وعلى رغم سياستها المعلنة الرافضة للتقسيمات
المذهبية والطائفية في المنطقة وتحرُّكها لإقامة نظام إقليمي جديد على نمط السوق
الأوروبية المشتركة، وجدت نفسها فجأة كقوة نفوذ إقليمي كأمر واقع. فهي وضعت شمال
العراق الكردي تحت حمايتها الفعلية، فيما كان سنّة الوسط العراقيون يشيحون ببصرهم
عن بغداد الشيعية ويرنون بها نحو اسطنبول العثمانية الجديدة. وكذا فعل مسلحو سنّة
سورية الذين يسيطرون الآن على قطاعات واسعة من الأراضي المحاذية للحدود التركية،
وكذا إلى حد ما سنّة لبنان.
وإسرائيل رسمت من دون إعلان حدود نفوذها الإقليمي الجديد،
حين حددت بالدم والصواريخ والغارات الجوية خطوطها الحمر في سورية ولبنان، وبدأت
نسج علاقات مع بعض الإقليات المذهبية العربية في الهلال الخصيب ومع الأكراد.
أما إيران فقد وجدت نفسها على طاولة طعام هذه الوليمة الكبرى الجديدة، وليس على
لائحة الضيوف، فيما كانت منذ الغزو الأميركي للعراق العام 2003 قد نجحت في إقامة
هلال امبراطوري شيعي يمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية من بيروت مروراً ببغداد
ودمشق وغزة. وهذا أمر لم يكن في الوارد قبوله، خاصة وأن النظام الأيراني يتعرَّض
إلى أزمة اقتصادية كبرى، (يفاقمها بشدة انقسام معسكر المحافظين إلى مهدويين وأنصار
ولاية الفقيه)، ويحتاج بالتالي إلى تصدير أزماته إلى الخارج.
- III-
هذا، على مايبدو، العامل الرئيس الذي دفع إيران إلى
تحويل حزب الله من مقاومة ضد إسرائيل إلى مقاومة ضد المقاومة السورية على هذا
النحو الواسع والفاقع: فعلى المحك لعبة جيو-استراتيجية كبرى ستحدد ليس فقط مصير
موازين القوى بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، بل ربما أيضاً مصير النظام
الإيراني نفسه. إذ أن تآكل النفوذ الإيراني على هذا النحو السريع في المشرق، سيسفر
في نهاية المطاف عن تداعي الأسس الإديولوجية والشرعية والطبقية للنظام الإيراني
نفسه.
وهذه الفكرة الأخيرة هي من بنات أفكار المستشار النمسوي
البارز ميترنيخ، حين كان يفكر بأفضل وسيلة للقضاء على توسعية فرنسا البونابرتية.
قال: "إذا مانجحنا في إعادة الذئب الفرنسي إلى داخل حدوده، سيختنق بأنفاسه في
الداخل".
وهذا مايبدو أن النظام الإيراني يعرفه ويخشاه. ولذلك
يلقي بكل أوراقه الاستراتيجية دفعة واحدة في الحرب السورية.
لكن، أين المجابهة مع إسرائيل في كل هذه المعمعة؟ وكيف
يمكن لحزب الله أن يشعر بالثقة من أن إسرائيل لن تستغل الفراغ الذي يتركه آلاف
مقاتلي الحزب الذين يتدفقون الآن على سورية، في الجنوب والبقاع؟
هل لأنه، وإيران، يعتبران أن تل أبيب ستكون سعيدة على أي
حال لتورط حزب الله في "فيتنامه الخاصة" (على حد تعبير مواطن في الضاحية
الجنوبية لـ"فايننشال تايمز")، ولذا ستجلس فوق السور وتكتفي بالمراقبة؟
أم لأن إيران تنوي إشعال النيران في كل المنطقة، كوسيلة وحيدة لانقاذ مايمكن
انقاذه من نفوذها الإقليمي، ومن ثَمَ
إبعاد الأنظار نهائياً عن برنامجها النووي المُتسارع؟
ثم: ماموقف الغرب وإسرائيل من هذه الحملة
"التحصينية" الإيرانية الشاملة في بعض مناطق النفوذ في الهلال الخصيب؟
(غدا نتابع)
سعد محيو
سيدي لقد أصبت كبد الحقيقة. فها هي إيران ترى قلاعها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى بدأت السلسلة في البحرين حين انتبهت دول التعاون إلى محاولة الملالي اختراق المجلس عبر البحرين مستغلة حال الفوضى والذهول التي أفرزها الربيع العربي فحصنت نفسها عسكرياً. وعندما جاء دور سوريا أدرك الملالي أن اللعبة أكبر منهم ولذا فقد سعوا لتحصين نظام الأسد ولما أخفقوا رموا بورقتهم الأخيرة حزب الله والتي ستحترق بفعل الحراك الشيعي في قلب معاقل الحزب في الضاحية حيث ستفضي النعوش المتنقلة إلى ثورة داخلية تطيح رؤوساً كبيرة في نهاية المطاف. أما عن تورط الحزب فهو يشمل كل سوريا. ففي درعا قتل بعض أفراده في بصرى الشام وانشق ثلاثة بعد أن أدركوا حجم الورطة التي أقحمهم فيها حسن نصرالله.
ردحذفأبو سفيان