للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الخميس، 22 نوفمبر 2012

حرب غزة: إخوان مصر ربحوا أميركا .. لكنهم سيخسرون أنفسهم




"وسام" اميركي لمرسي والاخوان- الصورة من غوغل- 


واشنطن أُعجِبت أيما إعجاب بأداء الإخوان المسلمين المصريين في غزة، وهذا ستكون له مضاعفات كبرى ليس فقط على حماس بل ربما أيضاً على الأردن، وكذلك على الصراع العام بين السلفيين بزعامة السعودية وبين جماعات الإخوان.

- I -
"مرسي كان بناءً وبراغماتياً بشكل لايُصدَّق. وهو اتّخذ موقفاً شجاعاً بموافقته على التفاوض مع إسرائيل، كما لعب دوراً رئيساً وفعل شيئاً لم يكن من السهل عليه القيام به".
هكذا تحدث أمس (12-11-2012) مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية لـ"واشنطن بوست".
" مرسي قام بخطوات سريعة الأسبوع الماضي لإدانة الهجوم الإسرائيلي، فاشترى بذلك وقتاً مع شعبه ليتمكَّن من العمل في الأقنية الدبلوماسية لإنهاء العداوات. فهو استدعى سفيره من تل أبيب وأرسل رئيس وزرائه إلى غزة في خضم القتال، لكنه في الوقت نفسه أوفد مدراء مخابراته إلى إسرائيل للتوسط في وقف القتال".
وهكذا تحدثت نيويورك تايمز أمس أيضا. هذا في حين كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تتحدث بإطناب وطلاقة عن "استعادة مصر لدورها الإقليمي المركزي "من أجل السلام" في الشرق الأوسط".
- II -
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
إنها تعني، بوضوح، أن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين المصرية اجتازتا امتحاناً أميركياً- إسرائيلياً قاسياً، وخرجتا منه بأوسمة أميركية رفيعة المستوى، وبثقة لاتقل رفعة من إسرائيل.
وهذا أمر ستكون له مضاعفات بالغة الأهمية على طبيعة الصراع العام في الشرق الأوسط الإسلامي، الذي يشهد هذه الأيام تنافساً مستتراً وعلنياً في آن بين الانظمة الملكية العربية بزعامة السعودية ومعها حلفاؤها السلفيون، وبين جماعات الإخوان المسلمين الحاكمين في مصر وتونس، والذين يتطلعون الآن إلى الحكم في الأردن وسورية وربما بعض دول الخليج، بضوء أخضر أميركي.
قبل فترة قصيرة، بدا خلال الهجمات على السفارات الأميركية في بنغازي والقاهرة وتونس، أن إدارة أوباما بدأت تشك بأن صفقتها التاريخية مع جماعات الإخوان المسلمين، والتي تمحورت حول تسهيل وصولها إلى السلطة في مقابل احترامها اتفاقية السلام مع إسرائيل والتصدي للتطرف الإسلامي، ربما تكون مخطئة أو متسرِّعة.
لكن الآن، وبعد أن أبدى مرسي هذه المواقف البراغماتية "التي لاتصدَّق" مع إسرائيل (وفق تعبير المسؤول الأميركي)، والتي كرر فيها حرفياً سياسة سلفه حسني مبارك لكن مع ممارسات لفظية حماسية، ستُفتَح أبواب البيت الأبيض والكونغرس على مصراعيها أمام هؤلاء "الحلفاء الجدد" الذين تريدهم الولايات المتحدة أن يجتثوا الإرهاب والتطرف الإسلاميين وحالة العداء الإديولوجي المطلق مع إسرائيل.
وهذا قد يترجم نفسه لاحقاً في شكل فتح قنوات الحوار الغربي مع حماس، الفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان، بشرط أن تقوم هي الأخرى بلجم متطرفي غزة وبدء مسيرة الاعتراف بوجود الدولة العبرية، كما فعلت حركة فتح قبل عقدين مقابل الاعتراف الدولي بها ككمثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
لكن الترجمة الأخطر والأهم قد تكون في الأردن. فهل ستقرر أميركا، بعد الأداء الإخواني المفاجىء في فلسطين الذي يُفترض أن تضمن فيه مصر الجديدة أمن إسرائيل عبر بوابة رفح، أن الوقت قد حان لنقل السلطة إلى إخوان الأردن، سواء بوجود مَلَكِية مُعدَّلة أو حتى من دونها؟
يجب أن نشير هنا إلى أن هذا الخيار يحظى على مايبدو بدعم كل مكونات الطيف السياسي الإسرائيلي، الذي ربما يراهن الآن على أن الدعم الدولي- الإقليمي الجديد لإخوان الأردن قد يدفع الأمور إلى حرب أهلية، تُسفر في خاتمة المطاف عن تحقيق الحلم الإسرائيلي القديم بتحويل شرق الأردن إلى الدولة الفلسطينية البديلة.
- III -
الآن، ويعد قول كل شيء عن المضاعفات والأبعاد المحتملة لنيل إخوان مصر درع التثبيت الأميركي، ينبغي القول أن ماربحه هؤلاء من الأميركيين والإسرائيليين على المدى القصير، سيكون بالنسبة إليهم خسارة صافية على المديين المتوسط والطويل على الصعيد الإديولوجي الإسلامي وعلى مستوى دورهم القومي والوطني.
إذ يجب ألا ننسى هنا أن الإخوان المسلمين بنوا نصف شرعيتهم إبان حقبة معارضتهم التاريخية الطويلة التي دامت نيفاً وثمانين سنة، على تقديم أنفسهم بوصفهم أبرز معارضي "الكيان الصهيوني ( أو حتى أحياناً الكيان اليهودي) ومن ثَمَ معاهدة كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل. صحيح أنهم بدوا بعد حرب غزة وكأنهم يستعيدون شيئاً من دور مصر الإقليمي التقليدي، لكنه (وهنا المفارقة) الدور نفسه الذي مارسه نظام مبارك، مع "الاضافات" اللغوية والحماسية الإخوانية.
إنها السياسة قيد العمل. وحين تحضر السياسة ومعها "المصالح الدنيوية"، تتبخّر المحظورات لصالح الضرورات. والآن،هذه الضرورات تعني بالنسبة إلى الإخوان المسلمين البراغماتيين شيئاً وحيدا: الحفاظ على السلطة، وبأي ثمن.

سعد


هناك تعليق واحد: