-
I -
قرار الحكومية الإيرانية الأخير بمنع الفتيات من
التخصُّص في 77 حقل دراسة جامعية، بينها الفيزياء النووية، والهندسة الصناعية أو
النفطية، والقانون، واللغة الإنكليزية وآدابها، وعلوم الكومبيوتر وأدارة الأعمال،
وإدارة الفنادق، والمحاسبة، وغيرها، كان آخر صيحة من صيحات "ثورة الذكور على
الإناث" في بلاد الخميني.
- تحرُّر إيران يتطلب تحرر المرأة- الصورة من غوغل |
هذا التعبير، إي ثورة الذكور، ليس من عندياتنا. إنه
للإيرانية لشيرين أبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، حين قالت مرة:" مع
أن ثورة 1979 في أيران توصف غالباً بأنها ثورة إسلامية، إلا أنه يكمن القول في
الواقع انها ثورة الرجال على النساء... إن واضعي قانون العقوبات الذي يوصَف بأنه
إسلامي أعادونا 1400 سنة إلى الوراء".
التبرير الذي قدمته الحكومة الإيرانية لهذا القرار
الغريب هو أنها تريد أن تحمي الفتيات الخريجات من غائلة البطالة، لأنهن لايجد
وظائف في هذه الاختصاصات. بيد أن هذا كان عذراً أقبح من ذنب، كما يقال، وهو أشبه
برمي حوض مياه الاغتسال والطفل معاً بعد الانتهاء من الحمَّام، بحجة الحفاظ على
النظافة.
ثم أن هذا الحظر، الذي لايمكن توصيفه إلا على أنه تمييز
عنصري فاقع ضد نصف مخلوقات الله من البشر، لم يكن صاعقة في سماء، بل هو جاء فيما
ترقص إيران على إيقاع التصعيد الكبير في الحملات ضد المرأة في طول البلاد وعرضها.
الهدف؟ إنه واضح: حرف أنظار المواطنين الإيرانيين عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة
التي تجتاح البلاد، ليس بفعل العقوبات الغربية وحدها بل أولاً وأساساً بفعل الفساد
الجامح والمتفلِّت من أي قيد (وبالطبع أيضاً من أي إدعاءات عن أخلاق الشريعة
والإسلام) في الدولة والاقتصاد ومؤسساتهما.
فخلال فترة قصيرة، كانت "الشرطة الأخلاقية"
الإيرانية تُغلق دفعة واحدة 53 مقهىً، و78
مطعماً، و80 منصة في معرض المواد الغذائية العالمي، بحجة أن الفتيات والنساء
لاترتدين الحجاب على نحو لائق. كما كان يتم اعتقال وإهانة فتيات يافعات تبعاً
لـ"إجتهاد" عناصر الشرطة الأخلاقية حول مايجوز ومالا يجوز شرعا.
استنتاج أبادي حول ثورة الرجال على النساء تبدو دقيقة وصحيحة.
فالإناث في إيران يتفوَّقن على الذكور في الجامعات حيث تبلغ نسبتهن 70 في المئة من
إجمالي الطلاب. وحين تُجرى اختبارات الدخول إلى الجامعات، تفوق نسبة الفتيات
الناجحات ضعف نسبة الذكور. ثم أن النساء اجتحن حقولاً واسعة كانت حصناً للرجال مثل
الصحافة والطب والقانون وأنشطة حقوق الإنسان وبعض حركات المعارضة السياسية.
النظام البطريركي الإيراني يعتبر كل هذه التطورات
"خطراً على أمنه القومي"، لأنه مؤمن أن تحرر المرأة ونيلها حقوقها
المدنية، ناجم عن "مؤامرة خارجية غربية". قد يبدو هذا الربط غريباً،
لكنه ليس كذلك إذا ما ولجنا إلى نمط تفكير قادة إيران حيال هذه المسائل. كيف؟
هذه بعض العيّنات( مستقاة من مقال مُثير للكاتب الإيراني
كريم سادجبور في مجلة "فورين أفيرز- العدد 193- 2012 تحت عنوان "أية
الله تحت ملاءة السرير"):
-
II -
في الأيام الأولى المبكرّة للثورة الإيرانية، أصبح رجل دين مغمور يُدعى أية الله جيلاني حالة
مُثيرة وجذابة على التلفزيون التابع للدولة بسبب تمعنه وتفكُّره باجتهادات غريبة
تتمحور حول نقطة التقاطع بين الشريعة الإسلامية وبين النشاط الجنسي. وكانت أكثر
سيناريوهاته غرابة(والتي لايزال الإيرانيون يسخرون منها بعد ثلاثة عقود من
إطلاقها) هي التالية:
تخيّل أنك
شاب تستلقي في غرفة نومك. وفي غرفة نوم أخرى تحت غرفتك مباشرة تستلقي خالتك وهي
مستسلمة لملاك النوم. الآن تخيّل أن زلزالاً دكّ طابق غرفة نومك فتسبب بوقوعك
مباشرة فوق خالتك. وهنا دعونا نفترض على سبيل المناقشة انكما معاً عاريين وأن عضو
الذكر لديك منتصب وأنك تحط بدقة متناهية فوقها بحيث أنك تقوم بالممارسة الجنسية
معها عن غير قصد. فهل الحدث المتوّلد عن لقاء المصادفة هذا "حلال زادة"
(حلالاً) أم حرام زادة (حراما).
قد يبدو هذا النوع من القصص السوقية العشوائية أمراً
شاذاً في مايبدو أنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتزمتة والصارمة ضد
الجنس. لكن "عرض جيلي" هذا، كما
كان يُعرف في طهران، كان له أنصار كثر بين كلٍ من الطبقات التقليدية التي كانت
تدغدغها القضايا المحرّمة التي كان يطرح، وبين نخب طهران التي كانت تشاهد العرض
بوصفه استراحة فكاهية. لقد ساعد جيلاني على تفريخ ماهو الآن صناعة افتراضية صغيرة
ومنتظمة نجومها رجال دين وأصوليون تحوّلوا إلى علماء سكسولوجيا (دراسة علم الجنس)
يقدمون نصائح غير متّسقة حول كل شيء، من الاعمال السريعة (يتعيّن أن يكون هدف
الرجل تخفيف أحماله في أسرع وقت ممكن من دون إثارة زوجته)، إلى العادة السرّية
(وهي فاحشة خطيرة، خطيرة، تُسبب برأيهم ضرراً علمياً وطبيا).
والواقع أنه قد لايكون مفاجئاً تماماً أن يقوم أصوليو
إيران الشيعة، كما نظرائهم المسيحيين الإنجيليين والكاثوليك والأرثوذكس واليهود والمسلمين
السنّة، بتكريس كم مفرض من الوقت للأمور الجنسية. إذ هم بشر بعد كل شيء. بيد أن
الاهتمام الجامح للاصوليين الدينيين الإيرانيين بالجنس يستأهل تدقيقاً أكبر، خاصة
وأنهم يسيطرون على دولة لها مطامح نووية، وتملك ثروة نفطية ضخمة، وسكان يافعين
ديناميكيين ومكبوتين ومحبطين. لكن، ولأسباب متباينة، يتم غالباً بدأب تجنُّب النفاق
الملحوظ للنظام الإيراني.
بيد أن هذا خطأ. فبما أن الدين هو سياسة
في دولة ثيوقراطية (دينية) كإيران، لاتكون الآراء غير القديمة أو غير المستندة إلى
معلومات موثوقة قصراً على غرف النوم، بل هي تخترق حلقات البحث، والثكن العسكرية،
وصفوف الدراسة، وأقواس المحاكم. والقول المأثور عند الإيرانيين هو أن الناس قبل
الثورة كان الناس يقيمون الحفلات خارج المنزل ويُصلّون في داخله، فيما هم اليوم يصلّون خارج المنزل
ويقيمون الحفلات داخله. وهذا الانشطار المعكوس ينطبق أيضاً على مروحة من السلوكيات
الاجتماعية في إيران. وبالنسبة إلى الكثير من الإيرانيين، هذه الحالة الشاذة من
الأمور التي باتت متجذرة للغاية الآن وتستطبطن التفاعلات اليومية مع المؤسسة
الرسمية، إلى درجة أنها لم تعد تثير الاهتمام.
في الجمهورية
الإسلامية الإيرانية ليست كل السياسات جنسية، لكن كل الأمور الجنسية سياسية.
التمظهر الأول لهذه الحالة جسّده أبو الثورة الراحل، أية الله روح الله الخميني.
فمثله مثل كل رجال الدين الشيعة الذين يطمحون لأن يصبحوا مراجع التقليد، أمضى
الخميني الجزء الأول من زمن مهنته وهو يتفحص بدقة شديدة ويطلق الإرشادات الدينية
حول السلوك الشخصي والنقاء الشعائري اللذين تراوحا بين ما هو دنيوي (التوصية بعدم قمع الحاجة إلى
التبوُّل أو التبرُّز، خصوصاً إذا ماكانا يتسببان بآلام) وبين ماهو، بشكل مدهش،
مثير للشهوة.
في مقالته الدينية العام 1961 بعنوان توضيح
المسائل ، أطلق الخميني بيانات مفصلة حول
قضايا ترواحت من اللواط ("إذا ما مارس رجل اللواط مع ابن، أو شقيق، أو والد
زوجته، بعد الزواج، يبقى الزواج صالحا") إلى البهيمية (إذا ما أقام شخص علاقة
جنسية مع بقرة، أو نعجة، أو جمل، فإن بول وروث الحيوان يصبح غير نقي، ولذا شرب حليبه
يصبح محرما).
يقول الباحث الإسلامي مهدي خالاجي، وهو طالب سابق في
الحاضرة الدينية الرئيسة في قم، أن المشكلة الجوهرية لاتكمن في أن هذه القضايا جرى
التطرق إليها، بل في الحقيقة بأن "التشريع الإسلامي لم يُحدًّث بعد، وهو
منفصل كلياً عن القضايا التي يتعيّن على الناس المعاصرين والمدينيين التعاطي معها.
والواقع أن فتاوى الخميني غالباً ماتكون محور نكات الجيل
الإيراني لحقبة مابعد الثورة. وقد قال لي رسام الكاريكاتور البارز نيكاهانغ كوثر:
إني لم أر في حياتي جملاً في طهران، ناهيك عن بروز رغبة لدي بممارسة الجنس
معه".
-
III -
لقد اكتشف الثوريون الإيرانيون، كما أندادهم في مصر
اليوم- وبعض اليمين المسيحي الأميركي- أرضاً
خصبة يستطيعون أن يمارسوا فوقها سياسات التقوى الشعبوية بدلاً من المجابهة
الجادة للتحديات الاقتصادية الخاصة ببناء
اقتصاد متنوّع. ومما سهّل لهم هذا الأمر للغاية توافر ثروات نفطية هائلة. الخميني
نفسه له رأي شهير في رفض الاقتصاد، حين قال أن هذا الأخير هو
لـ"الحمير". كما ردّ على الشكاوي حول التضخم بالقول:" الثورة لم
تنشب من أجل سعر البطيخ". وبعدها بثلاثة عقود، كانت النتيجة واضحة وجلية: في
العام 1979، كان الانتاج المحلي الإجمالي لإيران الغنية بالموارد الطبيعية نحو ضعف
انتاج تركيا الفقيرة بالموارد. اليوم الانتاج الإيراني نصف التركي.
* * *
هل ثمة حاجة، بعد كل هذه المعطيات لرفع الحواجب دهشة،
حين نسمع أن "الثورة الدينية" الإيرانية تمارس شتى أنواع التمييز العنصري
ضد الفتيات والنساء، باسم الإسلام؟
سعد
مقال استشراقي إلى درجة أنه يبدو مترجماً عن الصحافة الصفراء التي ترعاها فريدومهاوس وأضرابها. حبذا لو خص الكاتب المرأة السعودية ببعض حنانه.
ردحذف