-1
-
قلنا بالأمس ( "اليوم، غدا، 15-8-2012) أن أحداً في
العالم الإسلامي لن يستمع إلى دعوات الملك السعودي عبد الله إلى "التضامن
والحوار"، لأن هذا العام غارق بالفعل حتى أذنيه في مجابهات أشبه بالحروب الصفوية-
العثمانية التي اندلعت طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
الحرية والخبز صنوان ( الصورة من غوغل)
لكن، هل من الضروري أن يعيد هذا التاريخ المأساوي من
الاقتتال الإسلامي - الإسلامي إنتاج نفسه مرة بعد مرة؟ أليس ثمة مخرج أو كوّة أمل
من هذا المصير الذي كان، ولايزال، يُشرع كل الأبواب والنوافذ أمام الاجتياحات
الغربية للمنطقة، ويمنع بروز العالم الإسلامي في النظام العالمي قديمه والجديد
الذي يستعد للولادة الآن؟
أجل. هناك مخرج وحل: الديمقراطية.
- II -
فكما هو معروف، الدول الديمقراطية لاتقاتل بعضها البعض.
هي قد تتنافس وتتنازع وتختلف، لكن أنظمتها الديمقراطية تساعدها على الوصول إلى
تسويات تُجنِّبها تجرُع كأس الحروب.
طبقوا هذا المعيار على أمن الخليج، عبر بوابتيه السعودية
والإيرانية، تكتشفون هذه الحقيقة. فإيران الديمقراطية الحقّة، التي تنسف من
دستورها النصوص التي حوَّلتها إلى دولة طائفية شيعية بامتياز، والتي تجعل سلطة
الشعب الصاعدة من تحت (أرض المجتمع) فوق سلطة ولي الفقيه الهابطة من فوق (سماء المطلقات وأوهام العصمة البشرية)،
ستكون إيران المحاورة والمسالمة مع جيرانها، والباحثة عن الأمن والتكامل معهم على
غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، لا إبران المصدٍّرة للعنف والطائفية إليهم.
والسعودية الديمقراطية، بالمثل، لن تنتهج سياسات طائفية سنيّة
في سياستها الخارجية (على رغم أن بعض السنّة يرفضون الاعتراف بالوهابية من ضمن
المذاهب الأربعة)، بل ستنشط لتحويل المواطنة الوطنية فيها إلى مواطنة إنسانية عامة
يجد فيها الشيعي الإيراني والعربي وبقية أفراد المذاهب والأقلبات مكاناً لهم فيها.
وكما أن الديمقراطيات لاتقاتل بعضها البعض في الخارج،
فهي أيضاً تمنع الحروب الأهلية في الداخل. فالديمقراطية تقوم ليس فقط على حكم
الشعب للشعب وتداول السلطة سلميا، بل أيضاً على القبول والشرعية وقبول الأخر. وهي بوضعها
عربة السياسة أمام خيول الأمن، تفسح ألف مجال أمام حل التوترات والصراعات
والخلافات من كل أنواعها بالطرق السلمية.
هذا هو الاستقرار العميق ذو الديمومة الذي تخلقه
الديمقراطية، والذي يتناقض حرفاً بحرف مع إستقرار الانظمة الشمولية والاستبدادية
الذي يبدو ظاهرياً قوياً ومتماسكاً، لكنه في الحقيقة أشبه بطنجرة البريستو التي
تنتظر الانفجار في أي لحظة.
-
III -
لكن، هل ثمة أمل حقاً بأن تحل الديمقراطية في منطقة
كمنطقة الخليج تعج بالأصوليات الطائفية والمذهبية، المتقاطعة مع الصراعات الدولية
والجيوسياسية؟
لو طُرح هذا السؤال قبل إندلاع الربيع العربي، لجاء
الجواب سريعاً بكلا مطلقة. لكن الآن، وبعد إنطلاق ثورات المواطنة والحرية في كل
أرجاء المنطقة العربية (لابل تحوُّلها إلى ظاهرة عالمية أيضاً)، لم يعد هذا مجرد
أمل بل هو أمر واجب الوجود. فالشعب الإيراني، الذي يستنزف النظام الآن كل مقدراته
ووسائل عيشه في سباقات التسلح والنفوذ العبثية التي يشن، ويصادر حرياته وحقوقه
الفردية باسم الله والدين وعصمة رجال الدين، لن يطول به الوقت قبل أن يستأنف ثورته
الخضراء التي هزّت أركان النظام العام 2009.
وشعوب السعودية والخليج لن تبقى طويلاً معزولة عن ثورات
المواطنة العربية، مهما بُذِلت الجهود لإقناعها بأن الإنسان يعيش بالخبز وحده.
الخبز هام، لكن الأهم هي حربة هذا الإنسان وحقوقه وكرامته الشخصية والوطنية.
وحين تزف ساعة الديمقراطية والحريات، وهي آتية لامحالة
بقوة المتغيرات الدولية والإقليمية ومنطق التاريخ، سيكون في الوسع بدء الحديث عن
خروج العالم الإسلامي من جهنم الصراعات والحروب الخارجية والداخلية، وولوجه جنّة
الأمن والسلام والازدهار الاقتصادي.
حينها سيكون هذا العالم، الذي أعطى البشرية واحداً من
ألمع الحضارات في التاريخ، قادراً على التنافس مع الصين والهند واليابان وبقية
زميلاته الحضارات الشرقية التي تنشط الآن للهبوط على القمر والمريخ، بدل أن يواصل
التخبط، كما هو الآن، في مستنقعات الأرض ووحولها.
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق