)
-
I -
السؤال الأبرز الذي طُرِح غداة اندلاع ثورات الربيع
العربي كان: كيف ستتأثر منطقة الخليج العربي، أنظمة وشعوباً، بهذا الربيع.
لكن الآن، بعد مرور سنتين نجحت خلالها أنظمة الخليج في
"شراء" رضا بعض مواطينها عبر الشيكات النفطية الضخمة، وبعد أن بقيت
مطالب المواطن الخليجي (عدا المواطنيَن البحريني والكويتي) بالمشاركة والديمقراطية
في سماء الانترنت الفضائية ولما تنزل بعد إلى أرض الواقع، فقد آن الأوان لعكس
السؤال كي نقول: كيف ستؤثر أنظمة الخليج على الربيع العربي.
ناصر والحداثة: الثورة المضادة السعودية الاولى (الصورة من غوغل |
السؤال الجديد في غاية الأهمية بالطبع، لأن هذه الأنظمة الغنية
تمتلك البترودولارات التي تمكّنها من ممارسة نفوذ كبير على دول الربيع الفقيرة، عدا
ليبيا، سواء من خلال تقديم يد العون إلى الحكومات الجديدة المعُوزة، أو عبر تمويل
على نمط "A la cart" (وفق الاختيار والمزاج) للقوى الإسلامية التي
تعتبر حليفة لها وخصمة لغيرها (قطر للإخوان المسلمين، والسعودية للسلفيين)، أو عبر
تقديم نفسها على أنها المتبرع الأول كما حدث في مؤتمر المانحين الأخير لسوريا.
سيث جونز، المدير المساعد لمركز الأمن الدولية وسياسة
الدفاع في مؤسسة راند، تقدّم الصفوف لمحاولة الإجابة على هذا السؤال، في دراسة نشرتها
مؤخراً دورية "فورين أفيرز" النافذة (عدد يناير/فبراير 2003)، على النحو
التالي:
- الملكية السعودية أحكمت قبضتها على السلطة بعد الربيع
العربي واستخدمت سطوتها المالية لتعزيز الأنظمة الأوتوقراطية المجاورة، كما فعلت
مع البحرين في شباط/فبراير لقمع انتفاضة شعبية بذريعة أن دوافعها مذهبية.
- لكن في الواقع، ما كان يخشاه النظام السعودي وبقية
أنظمة الخليج هو مطالب المتظاهرين بأن تصبح البحرين ملكية دستورية.
- ملكيات الخليج، التي لاتبدي قط أي ارتياح للربيع
العربي، تماماً كما كانت مع القومية العربية قبل نصف قرن، تقوم مرة أخرى بـ"ثورة
مضادة" كانت أزهى تمظهراتها عرض ضم الملكيتين الأردنية والمغربية إلى مجلس
التعاون الخليجي.
- وهي الآن تنفق بسخاء كبير على أجهزة الأمن لديها،
وتقوم في الوقت نفسه بشراء ولاء القواعد الشعبية الرئيس في بلادها.
-
II -
تعبير "الثورة المضادة" الذي استخدمه سيث جونز
يبدو في محله تماما. وكذا الأمر بالنسبة إلى تشبيهه الثورة المضادة الراهنة، بتلك
التي شنتها دول الخليج بزعامة السعودية ضد مشروع الحداثة الذي أطلقته حركة القومية
العربية الناصرية في الخمسينيات والستينيات، بهدف بناء اقتصاد انتاجي حديث وهوية
مواطنية عربية موحدة لاعشائرية ولاطائفية.
في كلا هاتين الثورتين
المضادتين، كان الهدف واحدا: الدفاع عن أمن وسلامة أنظمة الحكم الملكية
الفردية والعائلية والتقليدية (أو الرجعية وفق تعبير جمال عبد الناصر) عبر الهجوم
على بديلها العروبي الحديث.
آنذاك، هبّت الرياح الدولية والإقليمية كما تشتهي سفن
الثورة المضادة السعودية، فوقفت أميركا، أضخم قوة حديثة وديمقراطية في التاريخ،
إلى جانب السعودية، أضخم قوة تقليدية ولاديمقراطية في التاريخ، ضد مصر
الناصرية،(ما عدا أسابيع قليلة إبان عهد جون كينيدي)، بسبب الحرب الباردة؛ ثم
أكملت إسرائيل المهمة بتدمير مصر في حرب 1967.
والآن، تسعى الثورة المضادة السعودية الجديدة إلى تقويض
عمليات الانتقال إلى الديمقراطية في دول الربيع العربي، على رغم أن من يتزعم هذه
العمليات هم حلفاؤها السابقون في الحرب على الحداثة القومية الناصرية: الإخوان
المسلمون. لكن بالطبع، الإديولوجيا في الشرق الإسلامي، كما في كل التاريخ الإسلامي
برمته، تملك ولاتحكم. من يحكم هو المُتغلّب القبيلي أو العسكري أو السياسي الذي يضع
عربة الدين في خدمة جياد السلطة المطلقة.
-
III -
لكن، هل ينجح مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية في
ثورته المضادة الثانية كما نجح في الأولى؟ وهل الظروف الدولية والإقليمية، وكذا
الظروف المحلية، ستكون مؤاتية لهما كما في الخمسينيات والستينيات؟
(غدا نتابع)
سعد محيو