- I -
أين أصبحت مسيرة دمج العالم العربي في العولمة ؟
سنأتي إلى هذا
السؤال بعد قليل. قبل ذلك، لنتفق أولاً
على بعض التعريفات، لأن العولمة باتت في الآزمة الأخيرة حمالة أوجه كثيرة:
تعبير العولمة
شهد خلال السنوات العشر الماضية إجتهادات متناقضة إلى حد كبير، طبقاً لطبيعة الطرف
الذي يقاربه. فالعولمة في واشنطن، مثلاً، غيرها في بروكسل، برغم أن كلاً من اوروبا
والولايات المتحدة أسستا تكتلات إقتصادية( الإتحاد الأوروبي ، النافتا) لتسهيل
إندماجهما ومنافستهما في الأقتصاد العالمي.والعولمة في بكين ونيودلهي غيرها في
المنتدى الإشتراكي العالمي، برغم أن هاتين الدولتين العملاقتين تشتركان في كل
نشاطات هذه الأخير. فقلبهما معه، وعقلهما في جيب منتدى بافوس الرأسمالي الدولي.
نعوم تشومسكي
لامس هذه التباينات مؤخراً حين حدد العولمة كما يلي:
1-
التعبير، بمعناه المحايد، يعني " الإندماج العالمي". وفي هذا
الإطار، يمكن أن يكون المنتدى الإشتراكي العالمي مظهراً من مظاهر العولمة، تماماً
كما ان منظمة التجارة العالمية هي تظاهرة كبرى من تظاهراتها.
2-
القوى الرأسمالية حاولت تشويه هذه
الحقيقة، حين حصرت العولمة في إطار محدد هو الإندماج الإقتصادي العالمي، ثم حين حصرت هذا الحصر نفسه في الأولوية القصوى التي
أعطيت لحقوق المستثمرين لا لحقوق الناس والشعوب. هذا ما بات يعرف بـ " توافق
واشنطن" الذي لايعنى سوى بمطالب المستثمرين، والدائنين، والشركات الكبرى،
والمصارف، والمؤسسات المالية الدولية وغيرها.
3-
وبالتالي، المعركة الكبرى الأن هي في إنقاذ العولمة من بين براثن "توافق واشنطن " الذي تسيطر عليه
وتديره نخبة مالية صغيرة تعمل في إطار ما بات يعرف بالنظام النيو- ليبرالي العالمي
الجديد.
-II -
تشومسكي على حق بالطبع. لكن هذا لايعني ان منطقه له اليد
العليا. فالحياة موازين قوى. وهذه الأخيرة تميل بقوة هذه الأيام لصالح العولمة
الليبرالية الجديدة التي تعيد إنتاج العالم وفق صورته،ا التي ليست شيئاً آخر سوى صورة شركات العولمة متعددة
الجنسيات، والمصارف العالمية الكبرى، وديناصورات المضاربة بالعملات والأسهم من
أمثال جورج سوروس.
هذا النمط الخاص من العولمة هو الذي بدأ يطل برأسه هذه
الأيام في الشرق الاوسط العربي. وهو يفعل ذلك بصورة متميزة للغاية.
فقد كان الإنطباع حتى السنوات القليلة الماضية أن
المنطقة العربية تخلَفت عن اللحاق بقطار العولمة، بسبب تدهور اوضاعها الامنية،
وتآكل هياكلها السياسية بفعل الإستبداد والديكتاتوريات، وتخلَف بناها التحتية
والتشريعية. وهذا عنى آنذاك أن الاولوية هي للإصلاح السياسي والإستقرار الأمني
ومكافحة الإرهاب كمدخل إجباري لا بد منه للولوج إلى عالم العولمة.
لكن هذه كانت أحاديث الأمس. أحاديث اليوم باتت معكوسة
تماماً: حصان الإقتصاد يجب أن يقود عربة السياسة والأمن إلى حيث حلبة العولمة.
إنقلاب مهم؟
حتماً. لا بل يمكن أن يثبت بعد حين أنه تاريخي أيضاً، إذا ما تواصل زحف قوى العولمة الإقتصادية على
المنطقة.
. لكن، لماذا هذا
الأنقلاب؟ وما تجلياته؟
الأسباب تبدو
عديدة، وكذا التجليات.
(غدا نتابع)
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق