-
I -
سؤال غير بريء: لماذا لايبذل الإعلام العربي والدولي سوى
اهتمام خافت وضئيل للغاية بالوضع الإنساني المرعب في سورية؟
سنحاول الإجابة على هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة
سريعة أولاً أمام مايجري وراء دخان العمليات العسكرية للجيشين الحر والنظامي وجيوش
الميليشيات الأخرى، والمداولات السياسية حول مصير سورية في أفخم فنادق جنيف
واسطنبول وباريس وموسكو، والصراعات الإقليمية حول الحصص والأدوار والأحجام في "الجثة
السورية":
- الحرب (وفق تقرير أخير للأمم المتحدة) قذفت أكثر من 8
ملايين سوري إلى ماتحت خط الفقر، نصفهم في حالة فقر مدقع للغاية. هذا في حين أن
نحو نصف سكان سورية أصبحوا إما مهجرين أو نازحين.
- البطالة بلغت 50 في المئة، والمتسولون باتوا مشهداً
ثابتاً في دمشق وباقي المدن السورية، فيما الاقتصاد السوري خسر خلال سنتين إثنتين
أكثر من 100 مليار دولار.
- لكن الأخطر من هذا وذاك، أن الأزمة أسفرت عن ولادة
"طبقة" جديدة من أثرياء الحرب تضم خليطاً من أرباب السلطة ورجال الأعمال
وبعض اللصوص في تيارات المعارضة. وهذه النخبة "باتت هي العقبة الكبرى أمام أي
حل سياسي وسلمي في البلاد"، كما جاء في تقرير لـ"فايننشال تايمز"(1-12-
)2013، التي نسبت أيضاً إلى رجل أعمال
موالٍ للحكومة قوله: " إذا ماقسمت الناس بين من يريد وقف القتال وبين من
لايريد ذلك لأنه مستفيد منه، أعتقد أن الأغلبية ستكون من الصنف الأول".
أرباح هذه النخبة، التي تتأتى من التهريب والفساد
واستيراد المواد الغذائية والطبية والمازوت المهرّب تبلغ ملايين الدولارات في
اليوم، يتقاسمها أركان هذه النخبة الرئيسيين بـ"العدل والقسطاس"،
ويحولون معظم هذه الأموال إما إلى مصارف موسكو أو إلى فريق ثالث في المصارف
اللبنانية.
النظام السوري، كنظام وحكومة، يقتطع نسبة كبيرة من هذه
الأرباح لتمويل آلته العسكرية، فيما تتكفل إيران وإلى حد أقل بكثير روسيا والصين
بدفع رواتب أكثر من ستة ملايين موظف رسمي سوري.
أما في جبهة تيارات المعارضة المتنوّعة للغاية، فقد برز
في بعض صفوفها متربحون من شتى الأنواع: مهربون، وفارضو جزية، وقاطعو طرق،
و"مستقطِعو" أموال المساعدات المالية والعينية السعودية والقطرية.
ويلخّص رجل أعمال دمشقي الوضع بالكلمات الآتية:"
سورية الآن هي أرض الفرص لرعاة البقر واللصوص والمجرمين".
-
II -
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: لماذا تختفي هذه الصورة
اللاإنسانية واللاأخلاقية، إلا لماماً، من أجهزة الإعلام بمختلف صنوفها؟ وكيف يمكن
لملايين العرب ومليارات البشر أن يقفزوا فوق أنين مئات آلاف الأطفال وعويل النساء
وجوع الرجال، ليهتموا فقط بتقدم الجيش النظامي نحو قرية في الغوطة أو في هجوم مضاد
للجيش الحر في ريف حلب، أو في دور أو لادور بشار الأسد في مستقبل بلاد محطّمة
الأضلاع ومكسرة الأجنحة؟
سورية هي الآن جهنم حقيقية لشعبها، ومرتعاً للصوص
والمجرمين والقتلة. لكن الإعلام لايحكي لنا سوى عن قصص المصالح الإقليمية
والدولية، والمناورات الدبلوماسية "الذكية"، ومشاريع التسوية التي
لاتأتِ أبدا.
سيبادر البعض هنا إلى القول: ليس في هذا الأمر لامؤامرة
ولاتخطيط مقصود. فما نرى الآن ليس سوى تكرار لتاريخ بشري هو كناية كله عن سجل حروب
إجرامية، وتأريخ أكثر إجراماً لهذا السجل. إنه الوعي البشري نفسه وهو لايزال غير
قادر على مغادرة عقلية الكهف القائمة على زوج الخوف- العدوانية في الصراع من أجل
البقاء، في حين أن التطور التكنولوجي- العلمي نسف كل أسس الصراع على الماء والكلأ
وباقي مقومات البقاء.
تحليل صحيح.
لكن الصحيح أيضاً أن هذا السجل الإجرامي المتصل للتاريخ
البشري تضمّن الكثير والكثير من مراحل الانقطاع، التي وُلدت فيها القيم والمباديء
الإنسانية السامية، من شريعة حمورابي في العام 1790 ق. م إلى الأم تيريزا في القرن
العشرين، مروراً بالبوذية والطاوية والكم الكبير من الفلاسفة والأنبياء الذين
بشروا بوحدة الوجود والكائنات وبسمو النفس البشرية.
أين أنصار مراحل الانقطاع الأخلاقية - الروحية هذه من
مأساة الشعب السوري الرهيبة؟
لن نذهب بعيداً إلى مراكز المجتمع الدولي، لأن الأمل فيها
مفقود. ولو لم يكن الأمر على هذا النحو، لما كان إعلام هذا المجتمع قد فرض حظراً
حقيقياً على صور هذه المأساة، لأن أصحاب القرار السياسي والاقتصادي فيه قرروا
أشاحة وجوههم عنه تبعاً لمصالحهم "القومية". (كما جرى في رواندا والعراق
ولبنان وكمبوديا، والعد مستمر).
شكوانا هي برسم "الإخوة" العرب، مواطنين ونخباً،
الذين إن لم تحركهم هذه الكارثة الإنسانية، فكان يفترض على الأقل أن يشعروا بوخز
ضمير وهم يسمعون نداء استغاثة طفل سوري بلغتهم العربية، أو دعاء أم باكية بلغة
القرآن، أو حتى مشاعر قرابة ولو بعيدة من 10 ملايين مواطن سوري قُذِفَ بهم إلى
جهنم بلا شفقة أو رحمة.
هل نسمع أحداً يهمس بأن مثل هذا الكلام
"لاسياسي"، و"مثالي"، وبالتالي لن يقدّم أو يؤخّر في شيء على
أرض الواقع؟
إذا ماكان نسمع صحيحاً، فينبغي على من يقوله أن يعلن
استقالته أيضاً من أي أمل بأن تخرج البشرية من جهنمها الراهنة، وأن يقبل بأن
انقراض هذا العرق الذكي من المخلوقات آتٍ لامحالة.
لكننا نحن نرفض هذه الاستقالة وذاك الخنوع. فإذا ما كان
الخيار الذي تفرضه علينا الآن أمنّا "غايا" ( بيئة كوكب الأرض الحي) هو
إما التطور إلى بشر أكثر أخلاقية ووعياً صافياً ولاأنانية أو الموت والانقراض،
فإننا نختار التطور.
ونقطة البداية تبدأ من هنا، من سورية، التي يجب أن
تتكاتف الآن كل حناجر وأيدي أنصار الحياة الواحدة والوعي الصافي ووحدة الوجود في المنطقة
العربية للدعوة إلى إخراج شعبنا السوري من جهنم، ومن كل القوى الجهنمية المتقاتلة
التي تقتات الآن على أكباد أطفاله.
يا أنصار الحياة، اتحدوا وتحرّكوا لكشف النقاب عن وجه
جهنم والجهنميين في سورية.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق