- I -
هل كانت ثورة أوكرانيا الجديدة "مؤامرة" أميركية- أوروبية جديدة
ضد روسيا؟
بوتين وأوباما: مرحلة جديدة من الصراعات؟ |
الرئيس بوتين لايتردد في الإجابة بنعم سريعة. فهو مقتنع أن الغرب لم يتخلّ
عن مخططه لتقسيم الاتحاد الروسي بعد أن نجح في تدمير الاتحاد السوفييتي. ولذا فهو
يعتبر أن استراتيجيته الهجومية الجيو- استراتيجية لاستعادة النفوذ الروسي في منطقة
الاتحاد السوفيتي السابق، بطاقة ضمانته لمنع محاصرة "الأم روسيا" ثم
خنقها.
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية.
بوتين أشتم أصلاً رائحة الدم حين شعر (ثم تأكد) أن إدارة أوباما تسعى حقاً
إلى تقليص الانغماس الأميركي في العالم، بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأميركي، في
الداخل، والاستدارة نحو آسيا- الباسيفيك لمواجهة الصين، في الخارج. وهذا ماجعله
أكثر جرأة في تحدي السياسة الأميركية في كل مكان تقريبا: من مجلس الأمن الدولي،
إلى جورجيا حيث خاص حرباً ناجحة هناك، وصولاً إلى سورية والشرق الأوسط. وكل ذلك
بالتعاون والتنسيق مع الصين.
الآن، وطالما أن الأمر على هذا النحو، كيف سيكون مآل الصراع في أوكرانيا،
التي تعتبر بحق رأس تاج كل النفوذ الروسي في قارة أوراسيا؟
- II -
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، فنحاول الإجابة أولاً على سؤال آخر: ما الموقف
الحقيقي لإدارة أوباما من روسيا- بوتين.
يمكن القول هنا أن قوتين غابتا عن شاشة رادار الرئيس الأميركي في ولايته الثانية: أوروبا والعالم الإسلامي.
أوروبا اختفت لأن الاتحاد الأوروبي كشف خلال الأعوام الماضية عن هشاشة
لاسابق لها في مجالي السياسة الخارجية والامن، على الأقل بالنسبة إلى الولايات
المتحدة. فهو تلكأ إلى درجة خطيرة (عدا بريطانيا) في الوقوف في وجه الدب الروسي في
جورجيا بسبب اعتماده الكبير على النفط والغاز الروسيين. وهو أثبت مجدداً أنه قزم
أمني حين عجز عن توفير القوة العسكرية اللازمة لحلف الأطلسي لحسم الأمور في
أفغانستان. ثم أنه لايزال يفتقد إلى أي بنية من بنى القوى، عدا اليورو، بسبب حاجته
إلى إجماع 25 دولة عضو فيه على أي قرار يتخذه.
أما العالم الإسلامي فقد بقيت ظلاله على شاشات الرادار، لكن كظلال فقط، بعد
أن تأكد الجميع خلال السنوات الثماني الماضية أن أقاويل المحافظين الجدد عن
"الخطر الإسلامي الكبير" ليست أكثر من ذلك: أي مجرد أقاويل لاأساس لها
من الصحة. هذا لن يعني أن الإدارة الأميركية طوت الصفحة الإيديولوجية الخاصة
بـ"الإرهاب الإسلامي" او فزاعة المتطرفين الإسلاميين، فهذه مادة دسمة
ضرورية للحفاظ على تماسك المجتمع الأميركي عبر توجيه عدوانيته إلى عدو مفترض. لكن
في السياسات كان من الصعوبة بمكان أن يحيي الرئيس الجديد شعار الرئيس السابق بوش
حول الإمبراطورية المفترضة لـ"الشر الإسلامي".
ماذا إذاً؟ من سيكون بعد حين الهدف
المفضل لسيد البيت الأبيض؟
إنها روسيا.
فهذا الدب القطبي التي استفاق مجدداً من سباته الشتوي الطويل الذي استمر زهاء
21 عاماً، عادت ليطالب بحصة كبيرة في النظام العالمي. وهو نجح حتى الأن في تقليص
أنياب أميركا في القوقاز، وفي وقف تمدد أصابعها في آسيا الوسطى، وهو يهدد الأن
بقلب الشرق الأوسط على رأس واشنطن في حال لم تستجب هذه لرغبتها في استعادة نفوذها
في الاتحاد السوفياتي القديم.
حتى الآن لم تعلن روسيا الحرب الباردة على أميركا. والأرجح أنها لاتنوي فعل
ذلك لأنها لاتريد الغوص مجدداً في سباق تسلح قد يدمّرها من جديد. لكنها قادرة على
التسبب بأوجاع رأس كبيرة للولايات المتحدة في حال قررت الإدارة الجديدة المضي
قدماً في المجابهة معها، مثل تزويد إيران بمنظومة صواريخ متطورة مضادة للطائرات، أو إقامة
قواعد عسكرية في العديد من موانيء البحر المتوسط، او حتى في تقديم دعم مباشر للقوى
المسلحة المعادية لواشنطن في الشرق الأوسط.
فهل تضع الإدارة الجديدة أعصابها في الثلاجة وهي ترقب عودة الدب الروسي إلى
الساح الدولية، فتقدم له كل أو على الأقل بعض ما يشتهي، أم تختار نهج القتل والمجابهة
الشاملة؟
- III -
هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه الآن على صناع القرار في واشنطن، خاصة بعد أن
اتضح لهم أن بوتين نجح في تخطي مخاوفه من العملاق الصيني الصاعد ونسج معه سياسات
مشتركة ضد الولايات المتحدة بالتحديد، الأمر الذي يهدد بولادة كتلة تاريخية جديدة
وخطيرة في قلب قارة أوراسيا.
والأرجح أن تأتي الإجابة من واشنطن بعد حين بما يتطابق مع مخاوف بوتين حول
مخططات الغرب لمحاصرة روسيا وخنقها.
وهذا قد يتأكد إذا ما تواصل تفاقم الأزمة الداخلية الأوكرانية، وإذا ما
أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر جرأة في دعم ثلاثة أرباع الأوكرانيين الذين يؤيدون
توقيع اتفاقات التعاون مع الاتحاد الأوروبي ويرفضون الوحدة الجمركية التي أبرامتها
روسيا مع كازاخستان وروسيا البيضاء والآن تريد فرضها على أوكرانيا.
إذ حينها، قد ينتهي "شهر العسل الراهن" بين موسكو وإدارة أوباما،
وتبدأ شهور جديدة من الصراعات والمجابهات.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق