-
I -
حين عبر يوليوس قيصر نهر الروبيكون (وهو نهر ضحل شمال
شرق إيطاليا) العام 49 قبل الميلاد، تحتم عليه المضي قدماً للزحف على روما. ومن
حينها بات تعبير "عبور الروبيكون" يعني نقطة اللاعودة.
شبح بوتين خلال مداولات البيت الأبيض (الصورة المركبة من غوغل |
فهل عبر الرئيس أوباما نهر الروبيكون بقراره تسليح
المعارضة السورية، وبات عليه المضي قدماً حتى النهاية في الانغماس في هذه الأزمة؟
السؤال يبدو منطقياً للغاية، لأن هذا الرئيس بذل جهوداً
مضنية طيلة السنتين الماضيتين لتجنب أي تورط في هذه الحرب. وهذا شمل ليس فقط
التشكيك بالتقارير الغربية والدولية المقنعة عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي،
بل أيضاً "استجداء" موسكو للعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة.
بيد أن كل هذه الجهود ذهبت هباء منثوراً. والسبب الرئيس
لم يكن تقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية التي أكدت استخدام النظام السوري لغاز
السيرين "في العديد من الحالات"، بل الاندفاعة الكبرى التي قامت بها
إيران وحليفها حزب الله في العمليات العسكرية في سورية، والتي وصفتها
"فايننشال تايمز" عن حق أنها كانت بمثابة خرق "الخط الاحمر" الثاني
الذي رسمته واشنطن بعد الخط الأحمر الكيميائي.
والآن، وبعد أن وُضع التدخل الأميركي في سورية أخيراً
على نار حامية، هل سيكون أوباما مجبراً على السير قدماً نحو روما (إقرأ دمشق)؟
-
II -
ليس بعد.
إذ لايزال في كم أوباما ورقة لما يلعبها بعد: الضغط على
الرئيس الروسي بوتين خلال قمتهما في شمال إيرلندا الأسبوع المقبل لدفع التسوية
السياسية قدما، وإلا فإن الولايات المتحدة ستكون مضطرة إلى تصعيد تدخلها في سورية.
الكرة الآن ستكون في ملعب بوتين، الذي سيكون عليه أن
يقرر ما إذا كان الرئيس الأميركي جاد في
تهديداته الخاصة بالانغماس في الأزمة السورية، أم أنه يستخدمها كمجرد ورقة
لممارسة الضغط عليه.
والحال أن قرار بوتين لن يكون سهلا. فهو، من جهة، يبدو
سعيداً بالانجازات العسكرية الأخيرة التي حققها النظام السوري بدعم قوي ومباشر من
إيران وحزب الله، ويتمنى بالطبع أن تتوافر الفرص لمواصلة هذا التقدم وصولاً إلى
إعادة السيطرة على مدينة حلب. وهو، من جهة أخرى،
يخشى بالفعل أن يكون تقدّم أوباما المتردد نحو التدخل، بداية لسلسلة
مضاعفات غير مقصودة تدفع واشنطن في النهاية إلى التورط الكامل .
الخيط الأبيض من الأسود سيبين خلال قمة مجموعة الثماني
الكبار الحالية، التي تحتل فيها الأزمة السورية مركز الصدارة، خاصة وأن بريطانيا
وفرنسا ستجدان في القرار الأميركي بتسليح المعارضة السورية دفعة قوية لجهودهما
لتدخل غربي أكثر فعالية في الحرب.
وهذا لن يجعل بوتين وحده محاصراً هذه المرة بموقف غربي
شبه موحّد، بل سيسفر أيضاً عن محاصرة أوباما نفسه لمنعه من التراجع عن خطوة
التدخل. فـ"دخول حمام" الأزمة السورية ليس كالخروج منه، كما يقول المثل
الشعبي.
-
III -
لكن، إلى أين الأزمة السورية في حال لم يستجب بوتين لضغط
أوباما، أو أنه لن يكون قادراً على كبح جماح حلفائه السوريين والإيرانيين؟
إلى أحد سيناريوهين:
إما إلى أفغنة مديدة لسورية تتوزع فيها نحو 300 ميليشيا (
بما فيها ميليشيات النظام ووحدات حزبي الله اللبناني والعراقي) من مختلف الأصناف
والأنواع السيطرة على أجزاء من البلاد على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، وتكون كلٌ
منها تابعة إلى قوة إقليمية ودولية.
أو امتداد الصراع ليصبح إقليمياً على طراز ماجرى في
الهند الصينية في ستينيات القرن العشرين، حين تمددت الحرب الفيتنامية لتبتلع
كمبوديا ولاوس. وحينها، سيتحوّل الهلال الخصيب برمته إلى مرتع لحروب دولية-
إقليمية سيكون الهدف الحقيقي منها التأثير على تشكيل النظام العالمي الجديد.
أما التسوية السياسية الداخلية فهي، من أسف، لاتبدو في
الأفق القريب، لأنه لا النظام ولا الجزء الأكبر من المعارضة ولا القوى الإقليمية
النافذة تبدو مقتنعة بأن الحل السلمي هو المخرج الوحيد من الكارثة الراهنة.
على أي حال، الكثير سيعتمد على نتائج اجتماع أوباما-
بوتين اليوم، لنرى ما إذا كان الأول عبر نهر الروبيكون بالفعل في مجال الانغماس في
لجج الأزمة السورية، أم أنه أنه لايزال ينتظر الثاني على ضفة النهر!
سعد محيو
They can both play somewhere else as we had enough paying for others
ردحذف