جهود إدارة أوباما الضخمة
لتحصين الصفقة الكبرى المحتملة مع إيران، بالكاد خرجت مؤخراً (وإن مؤقتا) من خروم
إبر حملات الليكوديين الإسرائيليين والجمهوريين الأميركيين عليها. فهل تنجح الآن
في الخروج من عنق زجاجة الحرب الخطيرة التي اندلعت في اليمن فجر يوم الخميس 26
مارس /آذار الحالي؟
السؤال يبدو مبررأ لأسباب
عدة:
فالغارات الجوية الكثيفة
التي شنها سلاح الجو السعودي، بدعم من تحالف ضم تسع دول أخرى كما أعلنت الرياض من
دون أن تحدد هذه الدول، والتي دمّرت على مايبدو معظم القواعد والمطارات الجوية
التابعة للقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيين، ستكون بداية
لحرب أوسع. فالحوثيون هددوا بنقل الحرب إلى الأراضي السعودية، كما فعلوا حين خاضوا
مع مملكة الوهابيين حرباً محدودة دامت بضعة أشهر العام 2009 كبّدوا خلالها القوات
السعودية نحو 140 قتيلا. والسعوديون، على لسان سفيرهم في واشنطن عادل الجبير،
أعلنوا أنهم لن يوقفوا العمليات العسكرية إلا بعد استعادة السلطة الشرعية بقيادة
الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وفي الوقت نفسه، كانت مصر
تعلن دعمها للعمليات السعودية و"استعدادها لإرسال قوات بحرية وبرية وجوية
لقتال الحوثيين إذا تطلب الأمر". هذا في حين تواترت أنباء عن أن باكستان
والأردن والمغرب ربما تشارك أيضاً في هذه العمليات. وعلى رغم أن الولايات المتحدة
لم تنضم الغارات، إلا أن البيت الأبيض أكد دعمه لها وأعلن أن الرئيس أوباما أمر
بمنح التحالف الجديد "دعماً استخبارياً ولوجستيا".
سنّة
وشيعة..
ماذا يعني هذا التحالف
الجديد وإلى أين يمكن أن تؤدي هذه الحرب الجديدة؟
يجب الالتفات، باديء ذي
بدء، إلى أن هذا التحالف سيضم القوى السنيّة الرئيسة في المنطقة، وسيواجه في
الدرجة الأولى النفوذ الشيعي الإيراني الذي يقف بقوة وراء الحركة الحوثية التي
اجتاحت معظم مناطق اليمن مؤخرا. وهذا يعني أن الحرب الباردة المستترة بين السنّة
والشيعة، والتي تتمثّل في الجولات القتالية المتنقلة بين العراق وسورية ولبنان، قد
تدخل مرحلة جديدة تنغمس فيها الدول المعنية، خاصة المملكة السعودية، في لجج حرب مباشرة.
وفي المقابل، ستكون إيران
في وضح حرج للغاية. فهي ستتجنب على الأرجح التورط مباشرة إلى جانب حلفائها
الحوثيين في الحرب الجديدة في اليمن، لكنها لن تكون قادرة على تركهم يواجهون
مصيرهم منفردين في وجه هذا التحالف السنّي الكبير، لأن ذلك سيفقدها مصداقيتها لدى
بقية حلفائها في المنطقة، من جهة، ولأن ذلك سيضعف إلى حد كبير مواقعها التفاوضية
العامة مع واشنطن، من جهة أخرى.
وكل هذا من شأنه خلق أوضاع
غاية في التوتر في المنطقة ككل، خاصة إذا ما قرر هذا التحالف السنّي الجديد تمديد
"هجومه المعاكس" ضد إيران إلى سورية ولبنان. إذ أن ذلك قد يحوّل حرب
اليمن إلى حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط ربما تشارك بها إسرائيل.
حتى الآن، لما تصل الأمور
إلى هذه المرحلة الخطرة. لكنها ستقترب منها بقوة إذا ما قررت أطراف الصراع
الإقليمي رمي كل أوراقهم على الطاولة. وفي هذه
الحالة، لن تكون تطورات اليمن سوى جزء من لعبة شطرنج أكبر بكثير، هدفها
الرئيس التحكّم، أو محاولة التحكّم، بتوجهات سياسات الولايات المتحدة الأميركية في
المنطقة، بوصف هذه الأخيرة القوى العظمى الوحيدة
التي لاتزال تُمسك وحدها معظم مصائر دول المنطقة، ومعها مصير النظام
الإقليمي الشرق أوسطي العتيد.
بكلمات أوضح: سيكون الهدف
الأول لهذه الحرب المفترضة، من جانب السعوديين وحلفائهم، تقويض (أو على الأقل
تعقيد) الصفقة الكبرى الأميركية- الإيرانية، من خلال إجبار واشنطن على الانحياز
علناً إلى جانب "أصدقائها القدماء" في الشرق الأوسط، ماسيترك مضاعفات
سيئة على المفاوضات حيال هذه الصفقة، كما على الداخل الإيراني. هذا في حين قد تعمد
إيران إلى استخدام هذه الحرب نفسها لإبلاغ واشنطن بأنها القوة الأكثر تأثيراً على
لعبة الحرب والسلام في المنطقة، وبالتالي السماح لها أميركياً بممارسة "الدور
الأمبراطوري ( الإقليمي) الذي تحدث عنه مؤخراً أحد مستشاري الرئيس روحاني، كجزء من
الصفقة النووية.
أكبر من
اليمن
كما يتضح من هذه المعطيات،
التطورات المحتملة في اليمن مفتوحة على احتمالات ضخمة تتجاوز بكثير مصير الصراع
على السلطة في هذه الدولة التي تعتبر من أفقر الدول في العالم. فالأزمة الجديدة قد
تكون الصاعق الذي سيحوّل الاستقطابات
الحالية الحادة السعودية- الإيرانية، والسنّية- الشيعية، إلى حريق إقليمي خطير
يفوق بكثير الحرائق الأخرى الآن المندلعة على قدم وساق على الأرضين السورية
والعراقية (وربما قريباً اللبنانية).
وحينها سيكون التساؤل محقاً
حول ما إذا كانت الصفقة الكبرى المحتملة بين أميركا وإيران، ستكون قادرة على
الصمود أم لا. حينها أيضا، سيكون الجمهوريون الأميركيون والليكوديون الإسرائيليون
أكثر من جاهزين لمحاولة تحقيق ماعجزوا عن تحقيقه في الجولة الأولى من معركتهم ضد
هذه الصفقة، عبر جر إدارة أوباما إلى المعركة إلى جانب حلفائها التقليديين ضد
إيران.
سعد محيو- بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق