- I -
ثمة شبه إجماع بين المحللين الأميركيين بأت تعيين سوزان
رايس مستشارة للأمن القومي الأميركي وسامنثا باور سفيرة للولايات المتحدة في الأمم
المتحدة، لن يؤدِ إلى تغيير فوري أو واسع في السياسة الأميركية إزاء سورية.
هذا على رغم أن كلا هاتين الأمرأتين تنتميان إلى جناح
"الصقور الجارحة" في مايتعلق بمبدأ التدخل الإنساني. فالأولى اشتهرت
بقولها خلال عهد كلينتون العام
1994:" بعد فظائع رواندا، أقسمت بأني إذا ماواجهت مثل هذه الأزمة ثانية
سأنحاز بقوة إلى العمل الدراماتيكي وأن أشتعل لهباً إذا ما اقتضى الأمر".
والثانية وضعت هي الأخرى كتاباً مجلجلاً عن جرائم الحرب بعنوان "المشكلة من
جهنم"، دعت فيه بقوة إلى تطبيق مبدأ التدخل الإنساني.
حسنا. الفظائع وجرائم الحرب تجري على قدم وساق الآن في
سورية، من قتل نحو 100 ألف شخص وجرح 500 ألف آخرين، إلى تشريد ربع الشعب السوري
سواء داخل البلاد أو خارجها، مروراً باستخدام الأسلحة الكميائية.
فهل ستقبل رايس وباور أن تتنكرا لقسمهما ومواقفهما
العلنية هذه لمجرد إرضاء غرائز رئيسهما أوباما المغالية في حذرها؟.
- II -
معلومات واشنطن تشير إلى أنهما تتفقان في الرأي مع
أوباما على أن كل خيارات التدخل الأميركي في سورية ليست مغرية، وقد لاتؤثر على
مجرى النزاع. هذا ناهيك عن أنها قد تورّط الولايات المتحدة في حرب أهلية فيما هي تبدو
سعيدة لرؤية إيران وروسيا تغرقان في رمالها المتحركة.
وهذا صحيح.
لكن الصحيح أيضاً أن رايس، على وجه الخصوص، تدرك أن
المسألة في سورية بدأت تتخطى حدود المواقف الإنسانية لترقى إلى مستوى الصراع
الدولي والإقليمي الخطير، مع اندفاع موسكو وطهران الجامح لمحاولة قمع الانتفاضة
السورية بالقوة العارية.
ففي حال نجح النظام السوري، بدعم روسي وإيراني كبير، في استعادة
مدينة حلب وتطويق المعارضة المسلحة في أرياف شمال سورية وجنوبها وصولاً إلى الشرق
في الرقة، ستكون موسكو وطهران في موقع يمكنهما من المطالبة بأن يكون لهما القول
الفصل في كل تركيبة "الشرق الأوسط الجديد". هذا علاوة على أن الصين
ستعتبر هذا التطور بمثابة بداية لانحسار أميركي في العالم، فتتشجع أكثر في المضي
قدماً في مشاريعها القومية المتأججة في منطقة آسيا/الباسيفيك.
كما أن رايس تدرك على الأرجح أن سياسة الاستدارة شرقاً
نحو آسيا التي طبقها أوباما، والتي هدفت إلى كبح جماح الصين، انقلبت إلى عكسها.
فبيجينغ أستنفرت قواها وباتت أكثر اندفاعاً لتحدي النفوذ الاميركي في آسيا. وهذا
أمر برز بوضوح خلال القمة الصينية- الأميركية أمس والتي قال فيها الرئيس الصيني كسي
جينبيغ بصراحة عنيفة ومباشرة: " يتعيّن على الصين والولايات المتحدة أن تعثرا
على طريق جديد. طريق مختلف عن المجابهة والنزاع اللذين كان لامفر منهما بين الدول
الكبرى في الماضي".
بكلمات أخرى، كان كسي يبلغ أوبما بأن سياسة الاستدارة
شرقاً لم تنجح في ردع الصين، ولا في منعها من المطالبة بالشراكة مع الولايات
المتحدة في إدارة شؤون آسيا/الباسيفيك بـ"التي هي أحسن"، أي عبر التركيز
على التعاون وتقاسم النفوذ بدل المجابهة والصراع.
- III -
هذا الموقف الصيني الحاد والمُنذر، سيدفع رايس وباور إلى
مطالبة أوباما بأمرين إثنين متلازمين: الأول، العمل على تخفيف مخاوف الصين من
استراتيجية الاستدارة شرقاً، من خلال تطوير ماوصفه هنري كيسينجر بـ"حوار جدي
يؤدي إلى تغيير كل العلاقات الدولية". والثاني، إعادة فرض الهيبة الأميركية
في العالم، كوسيلة لتعزيز المواقع التفاوضية للولايات المتحدة مع الصين وغيرها.
فرض الهيبة على من؟
بالدرجة الأولى على روسيا وإيران اللتين تتحديان الآن
النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، على نحو
بات يهدد بفرط عقد (أو على الأقل إضعاف) التحالفات الأميركية مع دول الخليج
وتركيا. وعلى رغم أن هذا لن يعني بالضرورة
انغماس أميركا في الحرب الاهلية السورية، إلا أنه لن يعني أيضاً النأي بالنفس
الكامل عنها كما كان يحدث حتى الآن. وهنا قد تعثر رايس وباور على منزلة ما بين
منزلتي الانغماس الكامل أو النأي بالنفس الكامل عن الأزمة السورية، بما يؤدي إلى إطلاق
الرسائل المناسبة ليس فقط إلى روسيا وإيران بل أيضاً للصين.
هل ستقوم
رايس وباور بهذه المهمة من داخل البيت الأبيض، وهل ستنجحان في إقناع أوباما
بممارسة نبرة أقوى مع روسيا؟
فننتظر
قليلاً لنرى. لكن هذا الانتظار لن يطول، إذ سيظهر الخيط الأبيض من الأسود في
التغييرات التي يمكن أن تدخلها رايس وباور على السياسة الأميركية خلال قمة بوتين-
أوباما هذا الشهر.
لكن، يمكن
القول من الآن أن شيئاً من التغيير سيحدث حتما، وإلا لماذا قرر أوباما إدخال هاتين
"الصقرتين" إلى عرينه في البيت الأبيض؟
سعد محيو
No Money for any actions, as Foriegne Investors are supporting America
ردحذف