-
I -
أهلاً بكم مجدداً في مملكة "نظرية المؤامرة". وهذه
المرة المسألة تتعلّق بفلسطين.
بعض الأسئلة-
المعطيات:
- لماذا قرر الرئيس الأميركي أوباما زيارة الضفة
وإسرائيل والأردن، هذا الشهر على الأرجح إذا تشكّلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة،
فيما مسار التسوية يقبع في ثلاجة محكمة الإغلاق منذ نيف وأربع سنوات، وليس في
الأفق مايشير إلى أن نتنياهو مستعد لأن يكون شريكاً في أي سلام؟
- ماتفسير البيان المفاجيء الذي أطلقه رئيس الوزراء
التركي أردوغان، والذي وصف فيه الصهيونية بأنها "جريمة ضد الإنسانية"؟
- لماذا يركّز الإعلام الأميركي منذ شهرين على أن الضفة
الغربية تغلي، وقد تنفجر في أي وقت من الآن فصاعدا؟
-
II -
بعض الإجابات:
أوباما المنسحب من العراق وأفغانستان نحو آسيا- المحيط
الهاديء، ربما يريد أن يرتّب أوضاع حلفائه الشرق أوسطيين القادرين على لعب دور
الوكيل الإقليمي لصالح الولايات المتحدة، وفي مقدمهم إسرائيل وتركيا ودول الخليج.
وهذا ليس ممكناً طالما أن المشكلة الفلسطينية لاتزال تقف حجر عثرة في وجه أي ترتيب
أو نظام إقليمي جديد قد تطوره واشنطن لمساعدتها على تخفيف أعبائها المالية الباهظة
في الشرق الأوسط (الخليج وحده يمتص 15 في المئة من إجمالي النفقات العسكرية
الأميركية).
لكن، كيف السبيل إلى تحقيق ذلك، فيما نتنياهو يواصل جعل
أي تسوية مستحيلة عبر عمليات الاستيطان المتصاعدة بلا توقف؟
تمديد الربيع
العربي إلى الضفة الغربية قد يكون هو الحل. فأي انتفاضة جديدة فيها ستعيد خلط كل
الأوراق الداخلية في إسرائيل، وأيضاً في أوساط الجالية اليهودية الأميركية القوية،
وتفتح الأبواب مجدداً أمام التسويات.
هذا لايعني أن أميركا "ستخترع" الانتفاضة
الجديدة. إذ عناصر هذه الأخيرة تتجمّع منذ فترة غير قصيرة في الأراضي المحتلة، وهي
امتلكت مؤخراً محمد البوعزيزي الخاص بها: الأسير الشهيد عرفات جرادات.
لكن، وكما أن أميركا لم تخترع باقي ثورات الربيع العربي،
إلا أنه كان من الصعب أن تتكلل هذه الثورات بالنجاح لولا قرار واشنطن بالتخلي عن
حلفائها السابقين في مصر وتونس واليمن ولبيبا. ولنا دليل على ذلك حالياً في سورية، حيث منح التمنُّع
الأميركي حتى قبل أيام قليلة عن الوقوف إلى جانب الثوار السوريين لأسباب انتخابية
أميركية ومصالح إسرائيلية، نظام الأسد فرصاً عديدة ومديدة للتمسك بالسلطة ورفض كل
التسويات.
الانتفاضة الفلسطينية المفترضة في الضفة قد تصب في هذا
السياق الربيعي نفسه، على رغم أن واشنطن لن تكون في وارد إعلان دعمها العلني لها،
خوفاً من ردود الفعل اليهودية في الكونغرس. لكنها حتماً ستفيد منها لدفع الجميع
إلى طاولة المفاوضات.
-
III -
ما دخل كل هذه المعطيات بهجوم أردوغان المفاجيء على
الصهيونية؟ وهل صحيح أن هذا الهجوم يعقّد فرص التسوية، كما قال الوزير كيري في
معرض "توبيخه" لأنقرة عليه؟
كلا. الأرجح أن هذا التصريح سيصب في صالح التسوية
لسببين: الأول، أنه سيزيد النار إشتعالاً في إوار الانتفاضة الفلسطينية الزاحفة،
والثاني لأنه سيعيد توجيه بعض الأنظار بعيداً عن الثقب الأسود السوري وقريباً من مجرة
القضية الفلسطينية.
أردوغان المنغمس حتى أذنيه في الأزمة السورية الخطيرة التي
تهدد الأمن القومي التركي مباشرة، والذي يحتاج فيها إلى كل الدعم الأميركي الممكن
لمواجهة التهديدات والحصار الروسي والإيراني له، ليس من الغباء ليفتح أي جبهة
خلافات مع واشنطن في هذه المرحلة. وبالتالي، ليس مستبعداً أن تكون واشنطن مسرورة
"باطنيا" من هذا التصريح.
تحليل مقنع؟
ليس كثيرا؟
حسناً. كل نظريات المؤامرة هي من هذا النوع غير المقنع.
ولذا، يجب أن ننتظر مايجري، وسيجري في قادم الأيام، لنر لماذا تجمَّعت سحب عناصر
هذه "المؤامرة" على هذا النحو فوق سماء الضفة الغربية!
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق