السعودية تملك أوراقاً قوية وحاسمة في علاقتها
المتوترة مع إخوان مصر، لكن نقطة ضعفها تكمن في الداخل السعودي الذي تُهدد
"طفرة الشباب" الديمغرافية فيه بمفاجآت قد لاتخطر على بال.
|
-
I -
قراَّء التاريخ ربما دُهشوا لدعوة وزير خارجية الإمارات
إلى إعلان مايشبه الحرب الخليجية على جماعة الإخوان المسلمين.
وهم على حق.
قمة الملك عبد الله وروزفلت: هل انقلبت التحتالفات الإسلامية - الأميركية - الصورة من غوغل |
فالجماعة كانت طيلة أكثر من نصف قرن الحليف السياسي
والإديولوجي الأكبر لقائدة السرب الخليجي، المملكة السعودية؛ كما أنها تمتعت بمساندة
كاملة إبان الفترات الحرجة مع جانب دول الخليج (وليس فقط قطر).
هذه بعض
المعطيات التاريخية المؤشرة على ذلك.
السعودية قدَّمت على مدى 50 عاماً للأخوان في مصر وبقية
الدول العربية "كل أشكال الدعم، من كل الأنواع"، كما جاء في الوثائق
التي نشرها روبرت درايفوس في كتابه "لعبة الشيطان" (Devil's game :How the united states helped unleash
fundamentalist Islam ). في هذه الوثائق، نرى حسن
البنا، مؤسس جماعة الإخوان، يتردد على جدة للحصول على المال. كما نرى الجماعة في
الخمسينيات والستينيات تحاول مرتين إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، العدو اللدود الأول
للملكة، من دون أن يبدو السعوديون "ممتعضين" من ذلك. وفي السبعينيات،
كان مدير المخابرات السعودية كمال أدهم هو الذي رتَّب صفقة المصالحة بين الإخوان
وبين الرئيس أنور السادات. ومنذ ذلك الحين، كانت الرياض تضخ مئات ملايين الدولارات
لدعم الأخوان في مصر للقيام (من ضمن أهداف أخرى) بتحويل الأزهر من حديقة إسلامية
ليبرالية وتقدمية مزدهرة إلى حصن حصين لغلاة المحافظين والمتشددين.
-
II -
الآن، وطالما أن التاريخ ينضح على هذا النحو بمثل هذه
العلاقات المالية والسياسية الحميمة بين الإخوان وبين السعودية والخليج، لماذا
تتعالى أصوات صاخبة (ليس صوت الشيخ عبد الله سوى واحد منها) منذ إندلاع الربيع
العربي تتحدث عن "صدام حضارات" بين الإخوان وأنظمة الخليج؟
السبب واضح: في السابق، حين كانت جماعة الإخوان في
المعارضة ولا أمل لها بالوصول إلى السلطة إلا كأمل إبليس في الجنة ( كما بدا الوضع
قبل الربيع) كان في وسع مملكة الوهابيين أن ترجىء خلافاتها الإديولوجية
واختلافاتها السياسية مع الإخوان، وأن تعتبرهم ورقة ضغط استراتيجية ثمينة في يدها
ضد خصومها على أنواعهم.
لكن الصورة اختلفت بعد نجاح ثورات الربيع العربي في مصر
وتونس. فقد ارتعدت فرائص السعودية ودول خليجية أخرى من فكرة انقلاب أميركا بعد
أحداث 11 سبتمبر 2011 على حلفها التاريخي مع الوهابيين والأنظمة الملكية التقليدية
(الذي دشّنته قمة الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي رزوفلت على متن المدمرة
كوينسي في شباط/فبراير العام 1945)، ومن اندفاعها (أميركا) نحو استبدال الوهابيين
بالإخوان المسلمين كحلفاء جدد في العالم الإسلامي.
كما ارتعدت فرائص الرياض أكثر ليس فقط من صعود نجم
إديولوجيا الإخوان، التي تركّز على الحركية السياسية الإسلامية في مقابل مصادرة
واحتكار "أولى الأمر" السعوديين للقرار والعمل السياسيين، بل أيضاً
(وربما أولاً وأساساً) لأن الأخوان قبلوا خوض معركة مصالحة الإسلام السياسي مع كلٍ
من الديمقراطية والمواطنة وتداول السلطة سلما.
هنا، كانت أجراس الإنذار تُقرع بقوة، على رغم تطمينات
الرئيس المصري مرسي للرياض بأنه لاينوي تصدير الثورة الربيعية إلى دول الخليج، وعلى
رغم حرص الإخوان المصريين على عدم الرد على الحملات العنيفة التي تشن ضدهم في دول
الخليج.
بيد أن خطوط
الصدع بين الطرفين ارتسمت بالفعل.
-
III -
هل يعني كل ذلك أن "الحرب الثقافية والسياسية"
الشاملة بين أنظمة الإخوان وبين أنظمة
الخليج مندلعة لامحالة؟
كلا. أو ليس بعد على الأقل.
فلايزال في يد مملكة السعوديين الكثير من الأوراق التي
يمكن أستخدامها لمحاولة كسب الحرب الإديولوجية- السياسية مع الإخوان من دون إطلاق
رصاصة واحدة. فهي تملك الأموال التي يحتاجها بشدة حكام مصر الجدد لانقاذ تجربتهم
في السلطة من فشل مبكّر. وهي نجحت في تعبئة تيار سلفي منافس للأخوان سيُسبب لهم
الكثير من أوجاع الرأس، عبر إغراق الشارع الديني المصري بتسوناميات مالية مدوٍّخة.
ثم أنها لاتزال تقيم تحالفات قوية مع الجيش وأجهزة الاستخبارات المصرية التي تنتظر
كبوة الجواد الإخواني كي تنقض عليه لتمزقه شر تمزيق.
وفوق هذا وذاك، في وسع المملكة أن تراهن على شروخ ما في
العلاقات بين أميركا والإخوان، قد تبرز إذا ما أخلّ هؤلاء الأخيرون بشروط الصفقة
التي أبرموها مع إدارة أوباما.
لكن، ومع أن موازين القوى تميل بالفعل، وبقوة، لصالح
الرياض في الخارج، إلا أن هذا لا (ولن) يحصّن المملكة من الشعور بالقلق العميق على
وضع نظامها في الداخل.
لماذا؟
لأن أحداث الربيع العربي كشفت عن أن ثمة مخزوناً خفياً وخطيراً
في كل المجتمعات العربية، بما في ذلك مجتمعات الخليج، قد ينفجر في أي لحظة. هذا
المخزون له عنوان واحد: طفرة الشباب (youth bulge ) الديمغرافية التي يتمنطق
أفرادها الآن بأسلحة ثقيلة من طراز صواريخ التويتر، وقاذفات فايس بوك، ومدافع
اليوتيوب، وحاملات الطائرات من نوع الهواتف المحمولة. والتقاطع بين هذه الطفرة
الخطيرة وتلك الأسلحة الفتاكة، بات يجعل المجتمع السعودي وباقي المجتمعات الخليجية
كماً مجهولاً أشبه بجبل جليد مختف تحت سطح البحر، أو كصندوق باندورا الشهير الذي يعج بكل أنواع المفاجآت.
وإذا ما بدأت فصول هذه المفاجآت تتوالى،(والارجح أنها
ستتوالى) سيكون لجماعات الإخوان دوراً
كبيراً لتلعبه بصفتها قوة المعارضة الرئيسة حتى الآن في هذه المجتمعات، خاصة إذا
ما استمر تركيز أنظمة الخليج على الخبر وحده، وواصلت إغفال حاجة المواطنين للحرية
والديمقراطية وكرامة المرأة كإنسان، وكرامة الرجل نفسه كإنسان.
*
* *
قراءة الماضي، إذا، لن تفيد في فهم العلاقة الراهنة
والمستقبلية بين السعودية ودول الخليج وبين الأخوان. الحاضر الجديد بمعطياته
ومستلزماته بات هو الأساس في عملية الفهم والتحليل والتخطيط.
ومالم يتأقلم اللاعبون مع هذا الحاضر كما هو، لا كما
يشتهون، قد يدفعون أثماناً تاريخي، لا بل أثماناً باهظة على وجه التحديد.
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق