فترة السماح الممنوحة لجماعة الاخوان وحزب
النهضة ليست شيكاً على بياض. فما لم يُثبتا أوراقهما الديمقراطية ويواجهان القوى
الماضوية المتطرفة، قد تنهار كل فرصهما في السلطة.
- I -
تطوران سلبيان، وربما أيضاً خطران، طغيا مؤخراً على تجربة الأخوان المسلمين
في السلطة في كلٍ من تونس ومصر.
الأول، الفيديو عن لقاء زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي مع قادة التيار
السلفي المتشّدد، والذي بدا فيه هذا الزعيم والمفكر الإسلامي الحديث والمعتدل،
متطرفاً إديولوجيا ولا علاقة له بالنموذج التركي الذي قال أنه ينتمي إليه.
والثاني، الاعتداءات التي شنّها عناصر من جماعة الإخوان المصرية على شباب
يساريين كانوا ينتقدون محصلات المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسي في ميدان
التحرير.
لماذا هذان تطوران خطران؟
لأنهما ربما يدلان على أن جماعة الأخوان وحزب النهضة لم ينضجا ديمقراطياً بعد
بما فيه الكافية ، ولايزالان عاجزين عن تحديد الأطراف الحقيقية التي تشكّل خطراً
على تجربتهما في السلطة وعلى المرحلة الانتقالية برمتها إلى الديمقراطية.
هذه الأطراف هي العناصر الدينية المتطرفة التي ترفض أصلاً المنطق
الديمقراطي، وتسعى إلى فرض صيغتها الطالبانية بالقوة على مجتمعات الربيع العربي.
وفي حال واصل الغنوشي ومرسي تقديم التنازلات لهذه الجماعات، كما يبدو أنه يحدث
الآن، فهذا لن يؤدي سوى إلى تعزيز التطرف أكثر وإضعاف تيار النهضة والأخوان أكثر
فأكثر.
- II -
لقد كان معروفاً منذ اللحظة الأولى
لبد ثورات المواطنة- الديموقراطية العربية أن هذه الانتفاضات الشعبية ستضعف منطق
المتطرفين الماضويين، بيد أن هذا لايعني أن هؤلاء سيلقون السلاح من دون مقاومة.
العكس هو الصحيح. فكما أن الانظمة السلطوية، وعلى رغم تهاويها المُذهل في
سرعته في بعض الدول، رفضت الرحيل من دون إراقة سيل من الدماء، كذلك الجماعات
المتطرفة لن تقبل ببساطة أو سهولة أن تُطوى صفحتها من التاريخ من دون مقاومة
وممانعة. وبالطبع، هذه المقاومة وتلك الممانعة لن تقبلا بغير اللون القاني بيرقاً
لهما.
لكن كيف؟
"فاينانشال تايمز" أوردت مؤخراً سيناريوهات عدة قد يلجأ إليها
المتطرفون. فجناح منهم قد يقوم تنفيذ سلسلة اغتيالات ضد قادة الأخوان المسلمين في
مصر لحفزهم على وقف مرحلة الانتقال إلى الديموقراطية والعودة إلى المرحلة السلطوية
لأن هذا أفضل لبرنامجهم العنفي: فالشبيه لايُدرك إلا الشبيه، والحديد لايفنّه سوى
الحديد.
كما يمكن للمتطرفين أن يستأنفوا ما انقطع من محاولات لتأجيج الصدامات الطائفية
والمذهبية والجهوية، على غرار ما فعلوا قبل ثورة يناير في مصر، ولازالوا يفعلون في
العراق وبلاد الشام.
لكن الاهم أن هؤلاء الماضويين سيركزون كل التركيز على مهاجمة السلطات
الإسلامية الجديدة في تونس ومصر في نقطة ضعفها الكبرى: الإيديولوجيا، حيث
سيتهمونها بالتخلي عن شرع الدين لصالح شريعة السياسة.
الأمر يتطلب شجاعة من مرسي والغنوشي لإعلان انحيازهما المطلق إلى الخيار
الديمقراطي، والعمل على تحقيق تعبئة شعبية ضد الماضوية العبثية، من شأنها تقويض أسس
خطابها الإعلامي- السياسي، وزرع الشك في صفوف عناصرها الشبابية البسيطة وربما
أيضاً بين كوادرها وحتى قياداتها الوسيطة.
هذا ماحدث للتطرف اليساري في أوروبا في ستينيات القرن العشرين، حين خسر
بجهد من النخبة الديمقراطية دعم القواعد الشعبية التي رفضت التطرف كوسيلة لتحقيق
الأهداف السياسية والاجتماعية، وانحازت إلى النضال الديموقراطي السلمي الذي حقق
لها بالفعل العديد من مطالبها.
وهذا ماحدث أيضاً في أمريكا اللاتينية، حين انحسرت المنظمات الثورية
العنفية، التي كانت تخوض حروب الغوار، إلى درجة التبدد، بعد أن اجتاحت سلطة الشعب
الديموقراطية الاشتراكية كل دول هذه القارة بلا استثناء تقريباً ووفّرت للشباب
والجيل الجديد فرصاً عدة للتفتح السياسي والحراك الاجتماعي، أي للحرية والخبز في
آن.
وهذا مايجب أن يحدث الأن في المنطقة العربية. والأرجح أنه سيحدث. بيد أن
الفترة الزمنية التي سيستغرقها تجفيف منابع التطرف الذي لم يجلب للأمة سوى الغزوات
والاحتلالات الخارجية والتفتيت المجتمعي الداخلي، ستعتمد على سرعة، أو لاسرعة،
ردود فعل جماعات الإخوان في السلطة على أفعال المتطرفين المحتملة في هذه الفترة
الدقيقة والحاسمة من التاريخ العربي.
- III -
النصر على الانغلاق والتطرف ممكن بعد ثورتي تونس ومصر. لكن الحذر واجب
والعمل واجب أكثر، لكي تبقى روائح الياسمين وطمي النيل نضرة وعابقة وفوّاحة.
وهذا الحذر يجب أن يجعل مرسي والغنوشي يدركان أمراً واحداً مهما: فترة
السماح الممنوحة لهما وطنياً ودولياً ليست شيكاً مفتوحا وعلى بياض. فما لم يثبتا
ويكرسا أوراق اعتمادهما الديمقراطية، ويقررا مواجهة المتطرفين والماضويين في الصف
الإسلامي، سينقلب الربيع العربي الزاهر إلى خريف داكن.
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق