-
I -
الأخوات والإخوة المواطنون
أعلم أن احتفالات بنصر حرب تشرين/أوكتوبر 1973 هذا العام
ستكون أقرب منها إلى الحزن بدل الفرح. كيف لا والوطن الذي أردنا تحريره من
الاحتلال الخارجي في تلك الحرب، ينزف ويقاسي ويتألم الآن في الداخل؟ كيف لا،
ومدننا وقرانا تُدمٍّر على أيدينا نحن لا على أيدي العدو الإسرائيلي؟
أريد بهذا الخطاب اليوم أن أتجاوز كل القيود والخطوط
الحمر كي أفتح لكم قلبي وأصارحكم بكل شيء. لكني أدعوكم إلى التمتع برحابة الصدر
وهدوء الأعصاب كي يتسنى لتواصلنا أن يكون حواراً بناءَ لا اقتناصاً من هنا أو هناك
لتعابير منقوصة أو خارج سياقاتها.
أبدأ، أولاً، بالاعتراف لكم بأننا أخطأنا خطأ جسيماً حين
اعتقدنا ( وأعلنّا) أن سياستنا الخارجية القائمة على المقاومة والممانعة، ستُحصننا
ضد مطالب الأصلاح السياسي الداخلي؛ وحين اعتقدنا (وأعلنّا) أن المتظاهرين
والمحتجين هم عملاء ومرتزقة وإرهابيين يُنفذون أجندات خارجية.
صحيح أن قوى إقليمية ودولية دخلت على خط الاحتجاجات، لكن
هذه كما بتنا نعرف الآن كانت النتيجة لا السبب لما حدث. هم تدخلوا من الخارج لأنه
كانت هناك أزمة داخلية. وبالتالي، ولأننا نعترف بالأسباب الداخلية للأزمة، فقد
أصبحنا في موقع يمكننا من إجراء الحوار مع المعارضة على أسس سليمة.
لكنكم ربما تتساءلون، وأنتم على حق في تساؤلاتكم،: على
أي أسس يمكن أن يجري هذا الحوار؟
-
II -
قد تفاجأون بما سأقول. لكن هذه المرحلة الخطيرة تتطلب
منا أن نتحلى بالصدق والشجاعة. ولذا، أقترح أن يجري الحوار على الأسس التالية:
أولاً، إعادة نظر شاملة وجدِّية بكل إيديولوجيا حزب
البعث العربي الاشتراكي، ليس بهدف التراجع عن مفهوم العروبة والقومية العربية بل
بالعكس تحديثه وتطويره، لأنه هو اللحمة الوحيدة (إضافة إلى الوطنية السورية) التي
تحفظ تماسك المجتمع والوطن السوريين. وهذا يفترض بناء عروبة جديدة ديمقراطية
بالكامل، ومنفتحة على الحريات الشخصية وحقوق الإنسان بالكامل، وتعترف بالأخر غير
العربي كمساوٍ لنا في حقوق وواجبات المواطنة بالكامل.
ثانياً، تطوير مفهوم العروبة أيها الأخوة المواطنون يعني
بناء دولة مدنية ديمقراطية، تتطلب أول ماتتطلب ليس فقط إجراء انتخابات حرة تنتج
عنها مؤسسات تشريعية وتنفيذية ذات سيادة، بل أيضاً إعادة النظر بعمق بدور أجهزة
الأمن ومهامها وثفافتها. وأنا هنا أعترف لكم بكل شجاعة أن أجهزة الأمن الـ15 تحوّلت
بالفعل طيلة السنوات الأربعين الماضية (لا بل حتى منذ أول انقلاب للبعث العام
1963) إلى ما يشبه الطبقة الاجتماعية الطفيلية التي أشاعت ليس فقط الخوف والرعب
وصحرّت المجتمع، بل نشرت أيضاً الفساد والإفساد، الأمر الذي حوّل بيروقراطية
الدولة إلى مزارع وإقطاعيات للسلب والنهب وفرض الخوات.
سيكون علينا أيتها الاخوات والإخوة ان نعيد بناء هذه
الأجهزة من الصفر. قبل الأزمة الحالية، كانت الحكومة الفرنسية قد اقترحت علينا
مشروعاً شاملاً للإصلاح الأمني يجب أن نقوم معا، أنا وأنتم، بدراسته والعمل على
تطبيقه انطلاقاً من مبدأ ثابت واحد: تحويل ثقافة أجهزة المخابرات من القمع والقتل
والتخويف إلى ثقافة الأمن الإنساني، ووضع هذه الاجهزة بالكامل تحت إشراف ومراقبة
الأجهزة المدنية المنتخبة. وحينها تكون وظيفة أجهزة الأمن خدمة المواطن والوطن وحمايتهما،
لاخدمة مصالحها الخاصة ومصالح السلطة.
ثالثا، وربما هنا الموضوع الأكثر حساسية وخطورة، يتعيّن
علينا جميعاً أن نتصدى مباشرة، وبصراحة وشجاعة تامين، للدوافع العميقة التي تحرِّك
بشكل خفي الحرب الاهلية الراهنة، والتي تكمن في الصراع التاريخي بين العلويين
والسنّة.
هاتان الطائفتان أيها الأخوة لاتزالان في حروب أهلية
دائمة، تارة باردة وطوراً ساخنة، منذ أكثر من ألف عام. طيلة معظم هذه الفترة، كان
الاضطهاد الفظيع يلحق بالطائفة العلوية بسبب التكفير المبكر الذي تعرّضت إليه من
الحكام وبعض الفقهاء السنّة، الأمر الذي دفع العلويين أولاّ إلى التقية والتنكر
لتعاليم عقائدهم وممارساتهم، ثم إلى الانزواء في عزلة اجتماعية مرعبة في جبالهم،
أسفرت عن تحويل هذا الملاذ إلى جهنم حقيقية من الفقر والعوز والأمراض والجهل
والعزلة، على حد تعبير مؤرخ غربي.
ثم، بعد أن قَبِل العلويون الانضمام إلى الوحدة السورية
بعد تردد كبير بسبب الخوف من عودة الاضطهاد السنّي، وبعد ان اندمجوا بالدولة
الوطنية الوليدة، وجدوا أنفسم فجأة على رأس هذه الدولة بسبب تواجدهم الكثيف في كلٍ
من الجيش وأجهزة الأمن وحزب البعث. وبما أن الموضة في حقبة الستينيات والسبعينيات
كانت لما سمي الانظمة العسكرية الثورية، كما في مصر وليبيا والجزائر والعراق
والسودان، فقد ارتدى العلويون هذه الحلة نفسها وفرضوا نظاما سلطوياً تحت شعارات
ثورية وتحديثية واشتراكية.
وهذا أدى إلى ممارسة قمع علوي مضاد للأغلبية السنّية.
وهذا أيضاً ما يفسّر أسباب التوترات الطائفية العنيفة التي تغشى هذه الأيام
المجابهات الاهلية في الوطن.
المطلوب أيها الاخوة ان نتصارح حول هذه الأمور، وأن
يعترف كل طرف بأنه مارس الاضطهاد على الطرف الآخر، وأن نصل إلى اتفاق على أن يعترف
كل منا بالآخر كما هو لا كما يريده أن يكون. وهذا يعني بالنسبة للطائفة العلوية
كطائفة، أن يتم الاعتراف بها كما ترى هي نفسها وإديولوجيتها وثقافتها وشعائرها،
وأن يتوقف قادة الطائفة العلوية عن ممارسة التسلط والفوقية وتشجيع الغلاة بينهم
على إهانة معتقدات السنّة.
أعرف أن مثل هذه المكاشفات حول قضايا تضرب جذروها عميقاً
في المأساة التاريخية ستكون صادمة ومؤلمة، لكن، وطالما أننا نريد بناء عروبة
ديمقراطية جديدة ودولة مدنية ديمقراطية جديدة، فإن أولى مستلزمات ذلك هو الاعتراف
بالأخر واحترام خياراته وعاداته، ثم التعاطي مع أفراد كل طائفة على أنهم مواطنين
على قدم المساواة مع باقي المواطنين.
-
III -
هذه أيتها الاخوات والإخوة اقتراحاتي لكم. وإذا ما كان
البعض يعتقد أن هذه مهمة مستحيلة فأنا أقول لكم أن العروبة الجديدة، والدولة
الديمقراطية المدنية، وتسوية الخلافات التاريخية بين السنّة والعلويين، هي وحدها
المنقذ من ضلال سقوط وطننا الحبيب سورية ليس فقط في لجج التقسيم والتفتت بل أيضاً
في جحيم الحروب الأهلية الدائمة.
عشتم، وعاشت سورية حرة وموحدة ووطناً لكل أبنائه.
*
* *
ملحوظة: خطاب بشار الأسد هذا لم يُذع، لأنه مجرد خيال من خيالات حلم ليلة صيف،جرت في
كوكب أخر غير كوكب الأرض!
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق